2323232
2323232
ثقافة

عُمان في دراسات الأدب الخليجي ونقده ... حضورٌ يتوَّجه الإبداع وتُذْكيه الأصالة

23 نوفمبر 2021
كتابات عُمانية مُبكرة (51)
23 نوفمبر 2021

حضرتْ عُمان منذ طلائع القرن العشرين في المؤلفاتِ التاريخية والثقافية المُبكرة في الخليج تراثاً وحضارة، أدباً وفكرا، رغم شُحّ المادة وعدم توفّر مصادرها، ومثَّلت بذلك ريادة غير مسبوقة اتسمت - في أغلب حالاتها - بالتعريف والتوثيق والتأصيل والكشف عن تراث منطقة أثيرية تنتمي في كيانها وهويتها إلى منطقة الخليج، وذلك تأكيداً لوحدة الأرومة والتاريخ المشترك، وروابط الأخوة، وحدة المصير، والكيان الثقافي الصادر عن ظروف ومعطيات متشابهة تحكمها علائق القربى، ووحدة الذوق والتفكير وتذكيها وحدة التطلعات والآمال، وكانت هذه المؤلفات نواة تؤطر مبدأ الوحدة السياسية التي أطَّرها - فيما بعد - نشوء مجلس التعاون لدول الخليج العربية بما قام به دعم وموآزرة ثقافية أتت أكلها على مدى أربعين عاماً.

ومع أن حضور عُمان في هذه المؤلفات كان باهتاً غيرَ مكثفٍ إلا أن ذكرها ولو عابراً مثـَّل أهمية في التاريخ الثقافي لقُطرٍ بات يخطو في سُلَّم الحضارة الحديثة بخُطى سريعة ونشاطٍ منقطع النظير، ولعل كتب الأستاذ عبدالله الطائي ومؤلفاته الصادرة في أواخر الستينيات وطالع السبعينيات من القرن العشرين من مثل "الأدب المعاصر في الخليج العربي" كانت فتحاً كبيراً لهذه الدراسات الخليجية، وأسهمت في خلق تحفيزٍ ولفت انتباه الاهتمام نحو أدبِ وثقافة عُمان، ولهذا وجدنا أكثر الكتب والمؤلفات التوثيقية والتحليلية التي جاءت بعده اعتمدت عليه واستقت من منابعه بل إن بعضها لم تتجاوز مادته إياه، فكان المصدر الأول المعرّف بعُمان.

ورغم وجود هذا الكتابِ المرجعي إلا أن الدراسات الأكاديمية المتخصصة التي جاءت بعده بعقدٍ كاملٍ أي في طالع الثمانينيات من القرن العشرين وما تبعها من حقبة التسعينيات قد أغفلت عُمان أيضاً، ولم تتناولها باتساع رغم ظهور نجمها وسطوع حضارتها وبروزها أمام مرأى الأعين والعقول، ونحن إذ نشير إلى ذلك لم نجد مبرراً لذلك الإغفال سوى الاقصاء الثقافي ربما لعدم توفر المادة المعينة وعدم سعي المؤلفين الحثيث إلى التواصل مع منابع الفكر العُماني، إضافة إلى أن بعض الأجناس الأدبية كالقصة والرواية تبلورت أكثر في مراحل لاحقة لهذه المؤلفات رغم كون جذورها بدأت مبكرة مع ثلاثينيات القرن العشرين على كتاب مجهولي التسمية، وأيضاً يد الروائي والقاص عبدالله الطائي نفسه.. ينطبق هذا الطرح على الدراستين الأكاديميتين الشهيرتين في ثقافة الخليج وهما "تاريخ الصحافة في الخليج العربي" للدكتور هلال مهنا الشايجي الصادرة في طبعتها الأولى عن منشورات بانوراما الخليج سنة 1986، و "القصة القصيرة في الخليج العربي" للدكتور إبراهيم غلوم الصادرة عن مطبعة الإرشاد ببغداد1981م.

ويستثنى من تلك الكتب الأكاديمية الأطروحة المميزة للكاتبة الكويتية الدكتورة نورية الرومي المعنونة بـ "الحركة الشعرية في الخليج العربي بين التقليد والتطّور: الصادرة في الكويت عام 1981" وقد عَمِدَت فيها الكاتبة إلى دراسة أدب منطقة الخليج العربي بوصفه نتاج بيئة واحدة تشابهت ظروفها، وصدرت عن موروث شعري واحد.

وقد انتهت إلى دراسة هذا الشعر دراسة تحليلية، غايتها رصد قضاياه، والكشف عن قيمه الفنية، وإظهار ملامح تطوره، ومن ثم كان من الطبيعي أن تتوصل إلى وجود تيارين فيه هما: تيار التقليد وتيار التجديد، إلا أن الباحثة اقتصرت على تناول شعر البحرين والكويت، وأبقيت شعر عُمان – رغم كثافته وتألقه وجودته ونقائه - بعيداً عنها، ونستثني من ذلك بعض الإشارات الطفيفة التي وردت على استحياء وتناولت بالوصف شعر الشاعر أبي الصوفي، والغزل عند الشاعر عبدالله الخليلي.

أمَّا بقية أقطار الخليج، فيتبين أن حضورها العلمي في هذا الكتاب متبايناً، ويمكن تبيّن ذلك من قائمة المصادر التي اعتمدت عليها الدراسة وضَّمَت (34 ديواناً) منها (15 ديواناً كويتيَّا) و(12 بحرينيًّا)، وخمسة دواوين من السعودية، وديواناً واحداً من عُمان وآخر من قطر، ولا يوجد أي ديوان من الإمارات.

وبغض النظر عن عدم تكثيف الحضور العلمي لشعر عُمان، فإن بعض المحاولات التاريخية حاولت أن تضع عُمان موضع الحضور ولو بقدر يسير من الإشارة إلى اتجاهات أدبها وأعلامه وقضاياه وخصائصه الفنية والموضوعية ويمكن تناول هذه المحاولات من التمثيل بالمؤلفات المبكرة الآتية:

1 –" الأدب في الخليج العربي" للأستاذ عبدالرحمن العبيد الصادرة عن مطبعة الإنشاء بدمشق 1957م، ويكاد من أقدم المؤلفات في حقلها، وقد دفعت الكاتب عوامل ندرة الكتابات وقلّتها في تلك المرحلة المبكرة وساقته قدماه إلى مجموعة من المصادر والمراجع الكافية إلى تقديم قراءة أولية عن أدب الخليج وخلقت في نفسه رغبة الكتابة وترجمة الأدباء؛ لأسباب نفسية، وأخرى تتعلق بمطالب القراء والمتابعين لمقالاته التي كان ينشرها في مجلة " الاشعاع".

ولقد تناول المؤلف في هذا الكتب فيضاً من المعلومات الخاصة بأدب الخليج بدأها بمحاضرة لأحد الأدباء حول الحركة الأدبية قديما خص فيه تناول الأدب الخليجي في العصر الجاهلي وعصور الإسلام اللاحقة كالعصر الأموي والعباسي، وكان نصيب عُمان باهتاً، إذ لم يقف على نماذج لها ولا على ذكر مفصّل لأدب عدا تراجم ونموذج شعري للسيد هلال بن بدر يتكون من أربعة أبيات لا نعلم من أين نقلها ونصّها يقول في ص 112: -

أوقفتُ للفنِ إحساسي وأفكاري

وصُغْتُ من دررِ الألفاظِ أشعاري

وجئتُ منها بما تصبو القلوبُ له

عذبَ المواردِ مثل السَلسَلِ الجاري

والشعرُ إن لم يكنْ من فيضِ عاطفةٍ

كبا بقائله في كلِّ مضمارِ

حسبي من الشعرِ ما يسمو الخيالُ به

لكلِّ معنى بديع اللفظِ سيَّار

ومن الملاحظ أن مؤلف هذا الكتاب التوثيقي المبكر لم يفصل شعراء إمارات الساحل العُماني عن شعراء عُمان، فحضر في أولى تراجمه ص 81 "الأمير صقر بن سلطان القاسمي واعتبره الشخصية العربية في أسمى معانيها ونبلها، فهو درة غالية وهبها الزمن في بيئة جاهلية، فأكرم به من درة عربية نرجو أن تضيء روابي عُمان وصياصيها التي ما برحت في جهلها المطبق".

كما يحضرُ من شعراء إمارات الساحل أيضاً خلفان بن مصبح الذي لم يترجم له إلا بأسطر ثلاثة لا معلومات توثيقية فيها، والحال نفسها تنطبق على تراجم الشعراء عُمان المنتمين إلى الداخل العُماني من مثل: محمد بن شيخان السَّالمي، وجمعة بن سليم الحارثي، وهلال بن بدر البوسعيدي، في إشارات خاطفة لا ترجمة فيها تبرز أسماء ناصر بن سالم بن عديم الرواحي، والشيخ محمد بن سالم الرقيشي، ومحمد بن عبدالله السَّالمي، والقاضي حمد بن عبدالله السَّالمي، والمفتي إبراهيم بن سعيد العبري.

ويبررُ الكاتبُ عبدالرحمن العبيد قلة شعراء عُمان الذين ترجم لهم بقلة حصوله على مصادرهم؛ لبعد الشقة، وقلة الروابط التي تربط عُمان ببقية دول الخليج في ذلك الوقت، وكلُّ ما حصل عليه هو نتيجة البحث الميداني والمكاتبات والاستفهام الشخصي كما يقول.

وأيّا كان جهدُ الكاتب موفقاً في تقديم شعراءُ عُمان إلا أن قيمة عمله تكمن في كونه أشعل شرارة البحث المبكر، وكان قلمه مقدمة للكتابات اللاحقة التي عالجت القضايا والاتجاهات وحللت المضامين ووقفة على الخواص الفنية وبنية القصيدة وأساليب كتاباتها وتحولاتها.

2- "لمحاتٌ من الخليج العربي"، وهو كتابٌ تعريفيٌّ مبكر يقعُ في 176 صفحة من الحجم الصغير، وأصله كما يقول مؤلفه المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري مجموعة من المقالات والدراسات تناول فيها جوانب من تاريخ المنطقة الخليجية وأقطارها وعدداً من أعلامها البارزين في مختلف المجالات الثقافية، وقد صدر الكتاب عن الشركة العربية للوكالات والتوزيع بالبحرين في أبريل 1970م.

انطلق الكاتب في أهدافه من تأليف من بعدٍ قوميٍّ كان رائجاً ومسيطراً على عقلية كثير من كتاب ومبدعي المرحلة ألا وهو وحدة الخليج وعلاقته المباشرة بالعروبة انطلاقا من ثوابت مؤصلة لا تقبل المساومة، ولا تحيد عن معطيات الواقع الملتهب سياسيًّا في تلك الفترة الحاسمة، وفي ذلك يقول معرّفاً الخليج ص 3 "الخليج العربي منطقة تقع في أقصى الامتداد الشرقي للوطن العربي الكبير، وهو بموقعه وثرواته وظروفه الحالية يمثل جبهة حسَّاسة بالنسبة للقضية العربية، ولحماية هذه الجبهة الهامة لا بدَّ من دراسة أوضاعها دراسة موضوعية علمية.. والهدف الأبعد من هذا الكتاب هو أن يعرف العرب خليجهم ليبقى عربيًّا معرفة حميمية حية ليبقى راسخا في بؤرة وعيهم وملتحماً بخط عملهم حتى يبقى لهم خليجا عربيا معطاء محبا كما كان، ومنذ أن كان..".

وكان نصيبُ عُمان من هذه التعريف المبكرة المَعني بالتاريخ الثقافي والحضاري مبحثاً مختصراً تناول فيه أسماء بعض رجال الثقافة، وفيه أشار عابراً إلى أسماء حملة الفعل الثقافي والشعري من مثل : الشاعر ابن شيخان، والسيد هلال بن بدر، و ناصر الرويحي (أبو مسلم)، وجمعة بن سليم، وعبدالله الطائي الذي خصّه بتعريفٍ موجز أكثر من غيره انطلاقاً من معرفته الشخصية به، فقد بين أنه شاعر وأديب وصحفي ومعلم وفد إلى البحرين في الخمسينيات وعمل مدرساً في مدرسة الهداية الخليفية، وأنه مشاركٌ نشط في فعاليات الأندية، وكاتب بارع في الصحف وبالذات في مجلة "صوت البحرين" ويتصف إنتاجه الأدبي بصفاء الحس العربي وبوضوح الفكر، وقوة اللغة ،... " كما يقول ص 160.

ومن جانب آخر، نلاحظ في هذه الإشارات العابرة أن الأنصاري لم يتجاوز ما قدَّمه عبد الرَّحمن العبيد دون إضافة ودون أن يكلف نفسه مضنة البحث والسؤال، ولعله كان مدفوعاً بالبعد الجغرافي وقلة المصادر إلا أن هذا لا يبقى عذراً أمام فلسفة البحث وعلميته، فالكتابُ جاء في فترة بداية النهضة الحديثة في عُمان وفيها بدأ اسم عُمان يبرز بوضوح وتجلٍّ، كما أن وجود بعض المثقفين في البحرين يمكن استثمارهم وعقد لقاءات معهم، ولكنه حمل على عاتقه فكرة الاستقصاء والزهدان – كغيره من كتاب المرحلة - لقطر عريق فانصبت نظراته على البحرين موطنه الذي أرّخ لثقافته وكذلك الكويت وبعض مناطق المملكة العربية السعودية.

ورغم ذلك يبقى الكتاب بما تناوله يمثل لبنة علمية من لبنات التأليف المبكر عن منطقة الخليج وإن أخذ نظرة الملامح السريعة، وحسبه أن حرّك الأقلام ولفت الانتباه إلى الواقع الثقافي والحضاري للمنطقة بأسرها.

3- "أدب المرأة في الخليج العربي" للكاتبة الكويتية ليلى محمد صالح، وقد صدر في طبعته الأولى عن دار السلاسل بالكويت، 1985، وقد عَرَّفت فيه بثلاث عشرة شخصية نسائية عمانية من بينهن ثلاث شاعرات هن: سعيدة بنت خاطر الفارسية، وعائشة بنت عيسى الحارثية، وتركية البوسعيدية على حسب ما تناولنا في كتابنا " الشعر العُماني في القرن العشرين".

4- "شعراء من الخليج والجزيرة العربية" للأستاذ أحمد الجدع، وقد صدر في طبعته الأولى عن دار الضياء بالأردن ، 1985، وتناول فيه شاعرا عمانيًّا واحداً هو الشيخ عبدالله الخليلي الذي يعدُّه الشاعر العُماني الأول، وقد تناوله في خمس وسبعين صفحة من كتابه، ثم فصَّله في كتاب جزئي استله دون إضافة وصدر في طبعة جديدة عام 2006م، وقد اعتنى الكاتب فيها بوصف بيئة الشاعر الجغرافية والتاريخية لوطنه، فذكر جانباً من علمائه وفقهائه، ونُحاته، وأدبائه، وقد استغرق منه سرداً يمتد من الجاهلية إلى عصر الشاعر المعاصر، وكان يسرد كل ما يعلمه أو يسمعه دون تمحيص أو فرز، اعتقاداً منه أنه يكتب عن بيئة لم يطأ ساحتها أحدٌ قبله.

لقد فصّل الكاتب حياة الخليلي تفصيلاً جعل منه يربط شعره بواقعه المعيش، فتطرق إلى مولده وأسرته وكيانه القبلي، وانتماءاته الاجتماعية، ولم ينس وظائفه التي شغلها في وطنه، والحياة العلمية التي ارتبط بها، إلى أن وصل إلى شعره الذي يقول عنه ص 315" كان شاعرنا ملتزماً بالأغراض التقليدية ..أمّا ما ورد في شعره من وطنيات فهو مرتبط بطبيعة الأعمال التي قام بها شاعرنا كواحدٍ من العُمانيين القلائل الذين كانت لهم رحلات إلى البلاد العربية، وهو في تناوله للأحداث العربية التي تأثر بها لا تخرج كثيراً عن تقاليد الشعر السياسي في ديوان العرب القديم".

ويعزو الكاتبُ انغلاق شعر الخليلي على المواضيع التقليدية في المديح والرثاء والفخر إلى عدم انفتاح بيئته وتموضعها في حدود جغرافية وزمانية واحدة، وتلك نظرة محدودة فالخليلي جدد قوالب الشعر وطرق مواضيع غير تقليدية على نحو ما رأينا في ديوانيه "على ركاب الجمهور" و"وحي النهى"، وكانت رؤيته للشعر الجديد متقدمة برؤية أقرانه رغم أن الأذن العُمانية لم تكن تتعوّد على النغم الايقاعي الجديد بل ألفت تفعيلات الشعر التي اخترعها الخليل الفراهيدي العُماني.

يستطردُ الكاتبُ كثيراً في عرض أغراض شعر الخليلي هو يستشهدُ لكلِّ غرضٍ على حدة بمقطوعات وأبياتٍ مفردة كثيرة مما جعل دراسته لا تخرجُ عن وصفٍ إطاري يقرأ التجربة من علٍ ويلامسُ حوافها دون الدخول في عمقها رغم أن أغراض الخليلي خصبة بالرؤى الفلسفية وقابلة للقراءة المعمّقة، وعلى ذلك بدت القراءة استعراضية لا غير يستوي ذلك في الغرض الإسلامي كما يسمِّيه تجوزاً وهو في الحقيقة شعرٌ ديني مذهبي إباضي، وكذا شعر التصوف وهو شعرٌ سلوكي كما يطلق عليه الإباضيون، والحال نفسها تنطبق على سائر الأغراض التي استشهد لها كشعر الرحلات والمديح والرثاء والشعر السياسي الوطني والقومي وغيرها.

ومما يزيدُ الدراسة بعداً عن كشف مكامن تجربة الشاعر هو إحالة الكاتب لمقارنات بل ومقاربات تحول تجربة الشاعر الخليلي من نسقها الطبيعي إلى نسق التأثر بالتجارب الشعرية العربية الأخرى، فالكاتب يقارن دون دليل بعض الأغراض بمثيلاتها الموجودة لدى شعراء العرب الآخرين كحافظ وشوقي والبارودي وأحياناً شعراء العصر الجاهلي كزهير بن أبي سلمى والأعشى، وهو يلبّس تجربة الشاعر بما لا تتلبس به وتلك إحدى مثالب هذه الدراسة المبكرة التي حاولت قدر الإمكان التعريف بتجربة الشاعر الخليلي وتقديم نماذج مكتملة منها شأن قصيدة المصلى وموشح معاهد الحب وغيرهما، وما ذلك إلا رغبة منه "عطف العام على الخاص اتباعاً للبلاغة العربية التي يمثل الخليج العربي بشعرائه إحدى أهم شروط مكوناتها ...".

5- "أدباء من الخليج العربي" للأستاذ عبدالله أحمد الشبّاط، الصادر في الدار الوطنية الجديدة بالمملكة العربية السعودية، 1986م، وهو كتابٌ توثيقي قدّم فيه مؤلفه ثلاثة شعراء عُمانيين فقط هم: عبدالله الخليلي، وعبدالله الطائي، وهلال بن بدر، ولعله تأثر بالكتب التعريفية التي صدرت عنهم ولاسيما كتاب الأستاذ عبدالله الطائي "الأدب المعاصر في الخليج العربي"، فلم يقدّم إضافة وثائقية سوى لوازم إنشائية وعبارات متنوعة المشارب تطال كافة المواضيع والأفكار التي تنصّب في فكر الشخصية المترجم لها وحراكها الاجتماعي وليس إبداعها الشعري، فهو يبدأها بتعريفٍ فضفاض يطلقه على الشاعر دون توثيق، فتهز القارئ عباراته حين يعرفه بأنه ص 168 "شيخ وقور، صقلته التجارب وأعطته الحياة درساً، وقد أسندت إليه ولاية سمائل بعد وفاة الإمام الخليلي، ثم أصبح مسؤولا عن جيش البادية. ثم يشير إلى مناصبه وأعماله في عهد النهضة الجديدة، ويتطرق إلى ذكر دواوينه ويعد أبيتها، ويستعرض مواقفه تجاه المرأة، وقضاياها، ويتوقف عند موقفه من الشعر الحر، فيقول ناقلا عنه ص 169 "إذا كان هذا الشعرُ يختلطُ بالتفعيلة إن طالت وإن قصرت ويحتفظ بالقافية إن بَعُدَت وإن قَرُبَت فهو جميل، ولا يختلف عن الموشحات الأندلسية".

ويسدي نصائحه للشعراء المبتدئين انطلاقا من رؤيته كشاعر مجيد شاهد على العصر الذي وجد فيه، فيقول ص 169 "إن الأدب العُماني آخذ في الازدهار بعد أن اتسعت رقعة التعليم.. وبعد أن أزيلت حواجز العزلة المضروبة حول المجتمع.. وعلى الأدباء أن يبذلوا جهدهم في علم اللغة العربية وتثبيت الأقدام؛ لأنه لن يكون للشعر قيمة معنوية ما لم يكن على مستوى رفيع من اللغة.. ".

ويختم ترجمته له بذكر بعض من أغراض شعره وخاصة في العلاقات الإنسانية كالغزل والمواقف الفكرية كالشعر الاجتماعي والشعر القومي والشعر الوطني، وفي النزعات الفنية، والشعر القصصي وشعر الموشحات وقصيدة التفعيلة الذي تميز به الشيخ عبدالله الخليلي ويركز كثيرا على مركزية أدبه.

يتميز مقال الأستاذ حسين الشبَّاط بالتركيز والانتقال السَّلس في الأفكار ومحاولة الإحاطة بالشخصية من كافة جوانبها مع ربط إنتاجها بمؤثراتها ومرجعياته، وهو منهج واقعي تاريخي مؤصل في الكتابة العربية، كما يتميز بحسن الانتقاء لجواهر شعر الخليلي وليس أبدع مما انتقاه له قوله واصفا عُمان وطنه ص 170:

وسَلْ عُمان وقد سالت مواهبُها

على البسيطةِ سَلْهَا بالهوى الغالي

سَلْهَا عن العلم في إحياءِ دوحتها

سَلْهَا عن الشعر سيَّلا كسلسال

وارسم شقائق نعُمان بخارطة

في صفحة الميم قبل الجيم والدال

لقد كانت مبلغ استفادتنا من هذا المقال كبيرة ونحن نخطو خطواتنا التكوينية الأولى في درسنا الجامعي، وقد أبصرنا النور وأفق المدارك عن شعراء بلادنا فكان غير معرف لنا ولزملائنا طلبة جامعات الخليج العربي بدفع من أستاذتنا الأول، فكان خير معين في ظل ندرة ما كان يكتب في تلك المرحلة من تاريخ ثقافتنا العربية.

أمَّا ما يخصُّ مقاله عن السيد هلال بن بدر البوسعيدي، فهو لا يختلف عن سابقه، إذ إن الكاتب استلهم المنهج الاجتماعي الواقعي في وصف الشاعر وبيان شعره وذكر مواقفه واختيار نماذج من أغراض شعره، كل ذلك جرى بلغة سلسلة وبعبارات مركزة أحيانا، فجاء في خمس صفحات ونصف (328 – 333) ابتدأها بسرد ظروف نشأة الشاعر وسط بيئة برجوازية تحيل إلى انتمائه المباشر للعائلة البوسعيدية الحاكمة فيقول عنه ص 329 " لقد أتاح له مركزه من العائلة الحاكمة أن يكون قريباً من الإدارة ليطلع على كلِّ الأمور خالية من التخييل والتخمين، كما أتاح له فرصة السفر إلى أوروبا وأمريكا ولبنان وإمارات الخليج فأعطته تلك الرحلات دفعة قوية من العطاء وفتحت له مجالات من المعرفة ..."

ثم يتطرقُ إلى منتقيات شعره فيختار له شتى المقطوعات شدني منها قوله ص (320) في المديح السياسي:

سأطرقُ باباً في المديح جديدا

وأنظم ُعقداً للزمان فريدا

وأصقلُ درًّا لو تحلَّت ببعضه

نحوُر العُلى حنَّت تريد مزيدا

وفي الغزل قوله ص (332):

أنا عبدُ الجمالِ في كلِّ دورٍ

من حياتي وإن زكتْ أعراقي

غيرَ أني حررَّت نفسي منه

حين شابتْ مفارقي ورفاقي

وهذان النموذجان وردا ضمن سياقات شعرية استشهد بهما الكاتب وأراهما من عيون شعره؛ لأنهما محملان بوهج الشعر وروحه وعمقه وعبّر عن عصارة رؤيته التي تلهب مشاعر متلقيه، إنهما درتا قوله النظمي، وجوهر عقد تجربته الشعرية.

وبالنسبة للشاعر عبدالله الطائي، فقد جاء موسَّعاً بعض الشيء مقارنة بسابقيه للشهرة التي يحتلها الطائي بين شعراء وطنه في تلك المرحلة المفصلية، من تاريخه؛ لهذا جاء تقديمه تقديم مفضٍ بذكر ملامح شخصيته وفكره وطرائق تفكيره وأهدفه وأدواره ومناشط حراكه الذي يلخصه الكاتب بقول ص (220): " نحن إمّا أديب نذر نفسه وسخّر قلمه وجهاده لخدمة وطنه ... شارك أبناء وطنه في محنتهم وتحمَّل في سبيلهم كلَّ المشاق، فقاسى الغربة والتنقل والعذاب.. "

ويتتبع الكاتب خطى حياة الطائي في الدول التي عاش فيها بدءا من البحرين مروراً بالكويت والامارات، وفي كلِّ محطة من هذه المحطات يستشهد بمقطوعات من قصائده لعل أهمها ما ودَّع به الطائي البحرين حيث قال:

وداعاً وإن كان الوداعُ تألُّما

وصبراً وإن كان اصطباري علقما

وداعاً بلاد العرب لا القلب مسعف

ولا النفس ترضى لا والا الخطو أقدما

وكذا الحال يورد الكاتب ما دعت به الكويت الطائي ممثلا في رابطة أدبائها التي أقامت له حفلاً كثرت فيه القصائد والكلمات:

بني الكويت سلاماً عاطراً عبِقاً

ممن يرى حبكم من واجبِ السُّننِ

إذا نأيتُ ففي قلبي مآثركمْ

تشاركُ الخفقَ في عَدٍّ وفي يَقَنِ

ولم ينس الكاتب أن يرصد للطائي مواقف من فكره ممثلا في نقده الانطباعي الوصفي الوارد في كتابه " الأدب المعاصر في الخليج العربي " وفي بعض مقالاته التي كان يكتبها تباعاً في صحافة الخليج والوطن العربي، وهي مقالات أسهمت في انعاش الحركة الأدبية في الخليج وخلقت طابعاً تجديديَّا لم تعتد عليه الذائقة الثقافية في دول الخليج ، فكان مجددا في شعره ومتنوعاً في نثره كتب أجناساً مختلفة من الإبداع وطرق مباحث فكرية لم يطأها أحد قبله اتسمت بالتوقد والحيوية وتحريك الساكن،ولاسيَّما قصائده الاستنهاضية المعنية بقضية وطنه وقضايا العروبة ، فقد حمل روحاً عُمانية القاع، عربية الأضلاع " كما يصفه الشبّاط ص 223 نقلا ًعن الأديب خالد سعود الزيد.

6- "الحركة الشعرية في الخليج العربي" للدكتورة نورية الرومي. وقد عمدت الباحثة إلى دراسة أدب منطقة الخليج العربي بوصفه نتاج بيئة واحدة تشابهت ظروفها، وصدرت عن موروث شعري واحد. وقد انتهت إلى دراسة هذا الشعر دراسة تحليلية، غايتها رصد قضاياه، والكشف عن قيمه الفنية، وإظهار ملامح تطوره، ومن ثم كان من الطبيعي أن تتوصل إلى تيارين فيه هما: تيار التقليد وتيار التجديد، إلا أن الباحثة اقتصرت على تناول شعر البحرين والكويت، وبقي شعر عُمان بعيدا عنها، ونستثني من ذلك بعض الإشارات الطفيفة التي وردت على استحياء اسم الشاعر: أبي الصوفي.

7- "دراسات في الأدب الخليجي سمات أصالته وقضاياه وأعلامه" وهو مقالٌ تأصيلي مستوحى مادته من المصادر الأصيلة التي غاص فيها كاتبه للدكتور علي عبد الخالق ، وقد نشرته مجلة " الغدير " في عددها الثاني والخمسين الصادر في شهر أبريل 1982، وقد تناول فيه الإطار المادي لثقافة الخليج وأثرها في أدبه ، وتطرق إلى المرجعيات التاريخية والجغرافية التي ينطلق منها أديب هذه المنطقة ، ثم يعرج إلى الأنماط ، والسمات والأعلام ، ولعله من أكثر الدراسات التي تناولت أدب عُمان ، فقد تطرق إلى قصة عُمان في المدونات القديمة وأسماء خطبائها وشعرائها ونماذج من إنتاجهم ، وقد شدّني فيه قوله ص 25: " وليس معنى ذلك أن الأدب الخليجي كان ذا طبيعة خاصة عزلته ، أو انتحت به جانباً عن الوجدان العربي ، وروح القومية وتمثله للآمال ، والطموحات العربية ، ذلك أننا ونحن بصدد دراسة الأدب الخليجي يتجلى لنا مدى اختلاطه بوجدان الأمة العربية كلها من أقصاها إلى أقصاها، وصدوره عنها في كلّ آلامها وآمالها ، وفي الانصهار مع الأحداث التي تلاحقت على الأمة العربية ، والانفعال بها منذ مطلع القرن الميلادي التاسع عشر، وكانت الرؤيا القومية واضحة أمام شعرائه ، كما أن الأدب الخليجي حمل ملامح سكان السواحل، وآمالهم وأمانيهم، وأعطى تصوراً صادقاً عن العربي هناك، وطبيعة حياته يحمله البحر إلى حيث يشاء، أو تبلغه الفلوات أقصى ما يريد".

يتضحُ مما سبق أن الدراساتِ الأدبية التي ظهرت في منطقة الخليج في هذه الحقبة التكوينية الأولى تتباين تبايناً شديداً من حيث الموضوع، وطرق البحث، وأسلوب التأليف، ومنهجية التناول، وهي في جوهرها العميق تنبني على فكرة مركزية قوامها تشابه في وحدة الأهداف والتطلعات؛ فهذه الدراسات تنظر بصورة أساسية إلى مظاهر التطور التاريخي الذي مّرت به منطقة الخليج بما يمثله من أسس التقارب والتفاعل التي تجعل من هذه المنطقة وحدة متكاملة لا تقبل التجزئة".

.

.

* بعض ما ورد في هذا المقال مستلٌّ بالتصرف من كتابنا " الشعر العُماني في القرن العشرين " ط1، دار الينابيع، سوريا، 2007، وبالتالي فإن قائمة مراجعه ومصادره يمكن الرجوع إليها في هذا الكتاب.