ثقافة

علي خيون: كتبتُ أعمالي كلها تحت تأثير حالة حُب

10 نوفمبر 2023
يرى أنه لم يُخلَق للجوائز
10 نوفمبر 2023

على الكاتب ألا يشعر بالقلق من قلة إصداراته.. لكن عليه أن ينشغل بجودتها

بعض الكتَّاب فازوا بجوائز فظنوا أنهم أفضل من سواهم.. ونسوا أنهم أفضل على قائمة تضم ست روايات

أقول مع زكي نجيب محمود «لا ينبغي أن تُقاس أهمية الفنان بكثرة قرائه»

نشرتُ في القاهرة بمقترح من الغيطاني .. وفي دمشق بعد نزوحنا إليها وفي عمان لسكني فيها

ما دمنا نستطيع أن نُعمِل الخيال والعاطفة فلا أحد يستطيع أن يهزمنا

رغم أنه أديب عراقي بارز، له أكثر من عشرين عملًا، إلا أن الكاتب علي خيون لم يفز بجائزة واحدة، ولم تترجم له قصة أو رواية، ربما لأنه آثر حياة الظل، فهو يرى أن الأضواء خُلقت للفنانين، وابتعاده جعله بمنأى عن صراعات المثقفين، لا يفكر في شيء سوى الكتابة، وحينما ينتهي من عمل يبدأ رحلة بحث عن ناشر. لديه حكايات كثيرة عن أسباب تعدد ناشريه. يتحدث بكثير من الصدق والعفوية، ويقول: إن أكثر ما يعيشه في حياته ويبحث عنه هو الحب، بل إنه لم يكتب عملًا إلا وهو تحت تأثير حالة حب. علي خيون درس القانون والسياسة في جامعة بغداد، يعمل في المحاماة، حاصل على دكتوراة في التاريخ الحديث والمعاصر، له عشر روايات، وإحدى عشرة مجموعة قصصية. هنا حوار معه ينطلق من روايته الجديدة «كأنها معي» ويتطرق إلى نظرته إلى كثير من قضايا الأدب والثقافة.

يتداخل الحب في روايتك «كأنها معي» بين الشخصي والعام، حب الحبيبة وحب البلاد، فهل كان في ذهنك من البداية تشييد رواية ظاهرها الرومانسية وباطنها السياسة؟

كتبت أعمالي كلها تحت تأثير حالة حب. تخيلت نفسي في حالة من الوجد جعلتني أعيش داخل هالة بين الحلم والحقيقة؛ كي أرى حياتي وحياة الآخرين من جميع جوانبها، فيدخل القارئ معي، وهو يقرأ، في نطاق هذا الحلم، ليرى كل شيء، ويسمع كل شيء، عن نفسه، وعن الحياة، وعن أشواق الروح. يستوى في ذلك عندي، حب البلاد، وحب الحبيبة، إنه حب يعود إلى اللحظة التي يبتسم الطفل فيها لوجه أمه وهو رضيع في مكان ما من أرض الوطن، نظل نحنُّ إليه ونحبه ونطلق عليه «مسقط الرأس»، ثم هو صوت الأم وقبلاتها، وخوفها وآمالها العريضة، من هنا، من تلك «اللحظات ــ الحلم»، ينبع في صدورنا الحب، في صدري على وجه الخصوص، وأظل في هذا الحلم الجميل، في ذاكرة تتجدد، مع تجدد رؤيتي لوطني ولمن أحب، كأنني أعيش في حلم مستمر، أو أحلم حياتي على حد تعبير «بروست» حينما قال: «أن يحلم المرء حياته خير من أن يحياها».

لكن سؤالك الذكي وقراءتك الدقيقة للرواية، جعلتك تلتقط المعادل الموضوعي بين مع ما أصاب «أماني الياسين» من حزن عميق، ومصير مؤلم، مع المسار الصعب والمعقّد الذي مرت به البلاد، بمعنى أنك التقطت المعنى الكامن بين السطور وهو أن تكون الحبيبة معادلًا موضوعيًا للوطن في نهوضه وأوجاعه معًا، وذلك وارد جدًا في كتابة تنبع من أعماق الكاتب وتعبِّر عن محيط يعيش فيه.

إعجاب الكتبي خليل المنهل بكتاب بطلة الرواية أماني الياسين «غنى القلوب»، هل هو السبب في اكتمال الرواية؟ بمعنى إن لم يُعجب بالكتاب ويصفه بما قاله الجاحظ «بستانًا يُحمل في ردنٍ وروضة تقلب في حجر»، هل كانت الرواية ستختلف؟

في كتابها «غنى القلوب» الذي اطَّلع عليه الكتبي والناشر خليل المنهل بقصد طبعه، وجد في سطوره المؤثرة شيئًا من نفسه، فالمرأة التي كتبت معاناتها الشديدة من تزييف لحياتها شارك فيه أقرب الناس إليها، وجدت صدى في ما كان يعانيه خليل من مزيفي الكتب وسارقي جهود المؤلفين الكبار من الناشرين الجشعين، وهو قبل هذا وذاك فوجئ بواقع المرأة التي كان يفخر بها ككاتبة وأستاذة جامعية، وإذا بها تعاني من أزمة داخلية حادة، فهي محاصرة على خلاف ما كان يتوقع ويرى من مظهرها الخارجي الجميل وسلوكها المهذب، وهي تبحث عن خلاص قوامه البوح وكتابة المذكرات، ثم محاولة خروج أسرارها إلى العلن، أي تحويل قضيتها من أمر شخصي إلى أمر عام، كما يفعل معظم الذين كتبوا يومياتهم؛ بغية تخفيف ألمها وخيبتها، لذلك فهي أيضًا في حلم لا ينقطع؛ لأن رغبتها المكبوتة تحولت إلى وعي؛ لهذا كتبت ما كتبت، ولو لم يجد خليل المنهل هذا الأمر، لظل معجبًا بها، ولاتخذت الرواية المسار ذاته؛ لأنه الناشر الوحيد لكتبها الجامعية والأدبية، فهي بالنسبة إليه، حالة تستحق التأمل، لا سيما وهي تعيش في أزمة لا تستحقها، فهذه الحسناء المثقفة ذات الفكر النيِّر، يبدو كما لو أنها قارورة ثمينة وُضِعت في أيدٍ عابثة.

لماذا منحت صوت خليل

المنهل مساحة كبيرة؟

بناء الرواية يقوم على أربعة أصوات هي: خليل المنهل، أماني الياسين، خالد الغانم، وطلال الشدهان، لكن خليل يبدأ الرواية، ويضع خاتمتها بنفسه، فهو الراوي الرئيس الذي يكشف لنا أسرار الشخصيات كلها، وقد اخترته، من أجل أن تكون الرواية مكتوبة بــ«صيغة المتكلم»، وغايتي هي أن أشرك القارئ معي في أحداث الرواية ووقائعها، فنغوص معًا في الأعماق، لذلك تجد أن الشخصيات الأربع تتحدث بصيغة المتكلم، ويجمع خليل الأطراف كلها، في متابعة مستمرة غايتها التشويق؛ ذلك لأنني ملول بطبعي لا أحب الأعمال الجافة، فأمنح رواياتي بل أعمالي كلها من روحي، لكي أستمتع بها في أثناء الكتابة أولًا وأمد جسورًا من المحبة والإعجاب بيني وبين القارئ ثانيًا.

خصصت مساحة كبيرة أيضًا لمخطوطة البطلة أماني الياسين «غنى القلوب»، بما يعني أننا بإزاء عمل داخل عمل أو نص داخل نص، ما الذي قدمته هذه الثيمة لروايتك؟

استغرق هذا الفصل «الدكتورة أماني الياسين تحكي عن غنى القلوب»، حوالي سبعين صفحة من الرواية، وهو جزء من مذكرات شخصية دفعتها أماني للناشر خليل المنهل كي يطبعه وينشره، وقد اكتفى بقراءة هذه الصفحات، حينما وجد أنه جرىء في طرحه، وأنه قد يخلق مشكلة لها مع أبيها وزوجها السابق وطلابها وزملائها وقرائها، فأحجم عن النشر، وتريث من باب الحرص، مع أنها كانت مندفعة، وتركته لديه واختفت لتكون الكلمة بديلًا عنها؛ لأنها تؤمن بقوة الفكر وقوة الكلمة، وليلتمس الناس عذرًا لها على وفق ما رأت وسمعت من سوء وخراب وفوضى على صعيد حياتها الشخصية أو على صعيد ما أحاط بالبلد من متغيرات صعبة. ولك أن تتأمل بداية كلامها، التي تُعبِّر عن أعماق متعبة، هي المثقفة، الرقيقة، أستاذة الدبلوماسية، والكاتبة القديرة.. لتدرك ذلك. وحسنًا فعل خليل المنهل حينما كشف لنا هذه الصفحات، فلقد عشنا معها أحداث حب رومانسي مفعم بالأشواق واللهفة، وصفت تفاصيله بدون خوف، وكأنها تواجه الكراهية بوقائع الحب. ومن هنا، تجد أنها أخذت مساحة واسعة نسبيًا تستحقها عن جدارة.

ألا ترى أن ثيمة البطلة ابنة الأغنياء والبطل ابن الفقراء الذي ترفضه عائلتها أصبحت قديمة؟ ما الجديد الذي ترى أنك قدمته في روايتك؟

الجديد الذي قدمته في هذه الرواية هو إعادة تركيب ما أستطيع أن أسميه «الحقيقة الخالدة»، فالحب، والكراهية، والفقر، والغنى، والحزن، والفرح، كلها حقائق تتكرر كل يوم، ونرى ونسمع عن قيس وليلى أو روميو وجولييت في محيط عملنا أو بيوتنا، أو كما تقول الروائية والناقدة ديان دوات فاير: إن «أقوى الأفكار هي التي لا يحصرها عصر معين أو طبقة معينة، بل هي أفكار عالمية». والسؤال المهم هو: كيف طرحتُها في الرواية؟ وأزعم هنا، أنني عالجت الموضوع من زاوية نفسية عميقة، ترغم القارئ على أن يتعاطف مع ما يحصل، لا سيما وأن هذا الحب الذي تغتاله الفوارق والعوائق، سرعان ما يتحول إلى دافع للشخصيات كي تنهض لا كي تنكسر، كأني أريد أن أقول ما أؤمن به دومًا على صعيد شخصي، وهو: ما دمنا نستطيع أن نُعمِل عقلنا، وما دمنا نستطيع أن نُعمِل الخيال والعاطفة، فلا أحد يستطيع أن يهزمنا، وسنحقق ما نريد، وهذا ما فعله خالد الغانم الذي درس الفلسفة وتفوق بها حتى درجة الدكتوراة، ليعرف نفسه وسواه فلسفيًا، وعاش مخلصًا لتلك المرأة التي أحبها في صباه، وأنجز عنها كتابه «كأنها معي».

هل احتجت إلى أن يخوض البطلان مشاكل انتفاضة تشرين لتمنحهما ذروة أخرى للحب؟

كانت مسوَّدة الرواية قد اكتملت، وفيها تختفي أماني الياسين نهائيًا، وعلى نحو مفاجئ اندلعت انتفاضة تشرين، وشُغل العراقيون بها، فخطر في بالي أن أفيد منها، بأن أجعل البطلة تحول همَّها الخاص إلى همٍّ عام، ولكنني ترددت؛ لأن ذلك الحدث وجد من يؤيده ومن يعارضه، والرواية تتوجه إلى عموم القرَّاء، فوجدت حلًا وسطًا وهو أن خليل المنهل يسير في الشارع مهمومًا، ويرى شاشة كبيرة في معرض للأجهزة الكهربائية تعرض وقائع المسيرات الجماهيرية الحاشدة، فيُخيَّل إليه أنه لمح أماني الياسين، ولم يقطع بذلك، كواحد من الاحتمالات الممكنة، وجرى الأمر بصيغة أسئلة حائرة، فمن المحتمل أنها كمثقفة ومعنية بالشأن العام، وذات اتجاه سياسي مستقل، عبَّرت عن ذاتها مع الجموع، في إطار الانحياز إلى تيار عام بدلًا من الاستغراق في الذات التي يتحول فيها اليأس والإحباط إلى حالة من الكآبة والعزلة القاتلة أو الاختفاء السلبي.

في رواية نجوى بركات «مستر نون»، يُبنى برج على أطلال منطقة شعبية، وفي روايتك تهدم بيوتا للفقراء وينهض مول بدلًا منها، هل أصبح التغيّر العمراني الضخم واحدًا من اهتمامات الرواية العربية الحديثة؟

لم أطلع على تلك الرواية للأسف، ولكن ظاهرة هدم البيوت باتت معلنة وواسعة في العراق على نحو مثير للاستغراب، وتشوبها كثير من شبهات الفساد أو غسيل الأموال، ولأن الكاتب هو ضمير الشعب كما يقال، فلا بُدَّ أن تدخل تلك المظاهر المرفوضة في سياق ما نكتب سواء أكان ذلك في العراق أو غيرها، فالأدب ينحاز دائمًا إلى الحق، ويدافع على نحو أو آخر عن المظلومين أو المسحوقين لدواعٍ إنسانية صرفة، ومن هنا، دخلت تلك المتغيرات في الرواية العربية، على نحو طبيعي وغير مقحم أو مقصود لذاته.

وما الذي أضفته إلى قصص الحب العربية؟

الكتابة عندي هي حياة، حياة متفائلة يغنيها الحب، فأنا أتقبل الحياة كما هي، بحلوها ومرها، بيد أنني أضيف إليها الخيال لأخفف من صعوباتها، لذلك فإن أحد أبطال الرواية يقول: «أن يمتلك المرء خيالًا واسعًا، فإنه يتحول إلى ساحر، قد يحول منديلًا إلى حمامة». وفي حياتي، وعبر الحب، تتحول عندي الصعوبات إلى حمام يخفق، وإلى زهور تتفتح، حتى خيبات الحب، تعمل عندي كدافع للإبداع. من هنا، أقول لك، إنني خرجت، نفسيا، بهذه الرواية من الضيق إلى السعة، وأرى في الحب سعة ونقاء، ولكي أكتب بصدق عدت إلى تجربة حب مبكرة في صباي، فصغتها على نحو جديد. هل أضفت قصة جديدة إلى قصص الحب؟ أظن ذلك، على الأقل، أنها كانت إيجابية في كثير من انعكاساتها على الأبطال.

أين تضع هذه الرواية بين أعمالك الأخرى؟

يسعى الكاتب إلى الإبداع في كل عمل يُقدمُ عليه، وهو في كل مرة، يعتز بما قدم ثم يفكر بأن عليه أن يقدم نصا أجمل، وأتذكر أنه حين صدرت روايتي « رماد الحب» عن دار الآداب، 2009، قلت إنني لن أكتب أفضل منها من بعد أن لقيت قبولا من النقاد العرب، لكنني في رواية «كأنها معي»، طرحت نماذج إنسانية أعمق، وظهر واضحا أن أسلوبها وبناءها وأفكارها الفلسفية والنفسية، أشعرتني أنها تطوُّر في نمط كتاباتي، إذ إن الاستعانة بقوة الذاكرة، وقوة الخيال تجعلنا في أمل دائم بتقديم الجديد الممتع.

كتبت القصة وكتبت الرواية فأيهما الأقرب إليك؟ ولماذا؟

بدأت قاصا منذ الدراسة المتوسطة، ثم تحولت إلى الرواية عام 1982 برواية «صخب البحر» التي حولها السيناريست العربي صالح مرسي إلى فيلم سينمائي من إنتاج دائرة السينما والمسرح في العراق، وهي تصور الصراع بين الإنسان والطبيعة. ثم توالت أعمالي الروائية الأخرى: «عيون الظلام» 1985، «العزف في مكان صاخب» 1988، «بلقيس والهدهد» 1995، «النشور» 2000، «سلوة العشاق» 2008، «رماد الحب» 2009، «بين قلبين» 2013، «في مديح الحب الأول» 2009، «ألقِ عصاكَ»، 2017. «كأنها معي» 2022. وفي القصة، صدرت لي إحدى عشرة مجموعة قصصية، هي: «قراءة في أوراق الفجر» 1978، «رحلة الليل الأخيرة» 1980، «الحداد لا يليق بالشهداء» 1982، «زائر آخر» 1984، «أيام في الذاكرة» 1985، «الأعماق» 1986، «عيون الحب» 1989، «تحت سماء زرقاء» 2000، «رؤوس يانعة»، 2008، «حكاية الفتى البغدادي» 2013، «خطوط على لوحة جرداء» 2023..

وقد كنت أظن أن الناس عزفت عن قراءة القصص، أو نسيت أنني كاتب قصة لانشغالي بالرواية، وحدثت المفاجأة في معرض الكتاب الذي أقيم في بغداد سبتمبر 2023، عندما نفدت جميع نسخ مجموعتي القصصية الأخيرة، وكانت أمرا غريبا بالنسبة لي وللناشر.

والواقع أنني أحب الفنّيْن، وأستخدم كل واحد منهما بما يتناسب والمادة التي تشغل بالي، فكلاهما قريب من نفسي وأثير عندي، لا سيما وقد عُرفت بهما.

أنت كاتب غزير الإنتاج.. هل هذا يعني شيئًا لك؟ وهل الكاتب قليل الإنتاج عليه أن يقلق؟

على الكاتب ألا يشعر بالقلق من قلة إصداراته، وإنما عليه أن ينشغل بجودتها وقبولها، فهناك من كتب رواية واحدة واشتهر، وهناك من أنجز عشرات الروايات وظل مهجورا منسيا، وأنا مؤمن بما توصَّل إليه المفكر الكبير زكي نجيب محمود في كتابه «في فلسفة النقد» من حقيقة مفادها: «لا ينبغي أن تُقاس أهمية الفنان بكثرة قرائه أو شيوع اسمه بين الناس، فقد تجد الأديب الممتاز في فنه، ولكنه محدود الشهرة، أو قد تجد واسع الشهرة الذي لا امتياز في فنه».

وهل أنت مهتم بالانتشار عربيا بدليل أن أعمالك صادرة من دور نشر عربية متعددة؟

يتمنى كل أديب عربي أن ينتشر ويُعرف في محيطه العربي، ولكن بصيغة صادقة تضمن له الاحترام الحقيقي، وليس الترويج المفتعل، وهو أمر يحتاج إلى نقاد يثق بهم القارئ، وللأسف هم قلة شديدة اليوم، وأعترف بأنني نشرت في عشر دور عربية، ولكن ذلك لم يكن بنية الانتشار، بل بسبب ظروف فرضت نفسها فرضا يومئذ، وعانيت من عدم وصول إنتاجي إلى العراق بسبب ذلك، ولو حكيت لك حكاية كل كتاب لفهمت أنه كان محض مصادفة لم أخطط لها، فقد نشرت في القاهرة بمقترح من صديقي طيب الذكر الراحل جمال الغيطاني، ونشرت في دمشق بسبب نزوحنا إليها عقب الحرب الأخيرة، ونشرت في عمان لسكني فيها ثلاث سنوات، أما بيروت فقد سعيت إليها بحرص كي أنشر في دار نشر مرموقة لها تقاليدها الصارمة في النشر هي دار «الآداب».

كيف تقيِّم تحكم الجوائز في سوق النشر؟ وهل أنت معني بالجوائز؟

روجت الجوائز لفن الرواية ترويجا حسنًا، وجعلت سوقها في ازدهار وكتَّابها يتكاثرون على نحو عجيب؛ لأن الدافع المادي والانتشار السريع يغريان بالمتابعة والسعي. وهي ــ في تقديري ــ ليست ظاهرة سيئة، ولكن بعض الكتاب ممن فازوا ظنوا أنهم الأفضل عربيا من سواهم، ونسوا أنهم الأفضل على قائمة تضم ست روايات، فهم الأفضل من بين هؤلاء المتنافسين القلة في النتائج النهائية التي تخضع لكثير من الضغوط سواء من دور النشر أو من الكتَّاب ومعارفهم.

والحق، أقول لك، إنني فكرت أن أشارك لسببين: الأول: أن أيًا من أعمالي لم يُترجم، على الرغم من إشادة النقاد بها، والثانية: أنني لم أدع إلى أية ندوة أو فعالية عربية خاصة بالقصة أوالرواية خارج بلدي، لذلك ألح عليَّ الناشر أن أجرب حظي في آخر مسابقة، فوافقت، ولسوء حظي، أن الناشر تلقى رسالة اعتذار من منسِّقة جائزة البوكر بأن الرواية وصلت متأخرة عن الموعد المقرر بالبريد، وعلمت أنني لم أُخلق لمثل هذه الفرص.

ما جيلك عربيا؟

أنا من جيل السبعينيات، فقد نشرت أول قصة عام 1970 وأنا طالب في الدراسة المتوسطة، ثم صدرت لي أول مجموعة قصصية عن وزارة الثقافة العراقية عام 1978. يتميز أبناء جيلي، بأنهم استوعبوا معطيات الأدب في جيلين سابقين، وراحوا يكتبون برؤية جديدة، وكأنهم يكتبون يوميات الحياة بوضوح ونقاء وصفاء بعيدا عن التجريب والتغريب والتشاؤم الذي عُرِفت به الأجيال السابقة، وعلى المستوى الشخصي صممت أن تكون قصصي مغايرة لكل الكتَّاب الذين سبقوني بوعي مبكر، ذلك؛ لأنني كنت أعلم أن الفن معرفة وأن دور الفن الحقيقي هو أن يُوسِّع من آفاق ذهن المتلقي، وكنت، يومئذ، أقول لنفسي، ولمن معي: أريد أن أرى العالم بعينيَّ وليس بعيون كافكا، ولا سارتر، ولا كامو، ونجحت في ذلك إلى حد كبير.

من الكتَّاب العرب الذين تهتم بقراءتهم والتواصل معهم؟ ولماذا؟

قرأت كثيرا للكتَّاب العرب، مع أن حصة الأسد كانت لنجيب محفوظ، ولكنني وجدت في مكتبات بغداد في السبعينيات كتب يوسف إدريس، وتوفيق الحكيم، وطه حسين، وجبرا إبراهيم جبرا، وعبد الرحمن منيف، ثم تعرفت إلى عوالم جمال الغيطاني، وبهاء طاهر، ويوسف القعيد، والطيب صالح، وقائمة طويلة من الكتَّاب الشباب الذين أحببت بعض أعمالهم وتجنبت الغارقة في التجريب والغموض، وحين تعرفت إلى الروائي عزت القمحاوي، وكان في زيارة إلى دمشق، قبل سنوات، صرت أقرأ له بحب؛ لأن لديه ما يقوله بوعي ودراية، كما أحب التفاصيل الصغيرة في كتاباتك، وأنا أتجنَّب ذكر الأسماء؛ لأن هناك مشكلة أن ننسى بعض الأصدقاء فنتعرض للعتب.

أخيرا ما الخطوة المقبلة لك في عالم الكتابة؟

لديَّ رواية عنوانها «أمطار متأخرة» ستصدر قريبا في بغداد، ومجموعة قصص قصيرة تضم آخر عشرين قصة كتبتُها تحت عنوان «اعترافات»، وأخطط لإعادة طبع بعض أعمالي التي طبعتها خارج العراق ولم تصل إليه.