No Image
ثقافة

عبدالعزيز الفارسي يرحل ويبقى أثره كـ «نخلة واحدة في أرض شاسعة»

09 مايو 2024
09 مايو 2024

حضر أدب الراحل الدكتور عبدالعزيز الفارسي مساء أمس في بيت الزبير، في ليلة تناولت الإنجازات الثقافية والأدبية والإنسانية، واستحضرت قصصا من حياته، وتفاصيل تحليلية حول لغته القصصية، وسرده الأدبي. الندوة حملت عنوان «نخلة واحدة في أرض شاسعة»، أدارها الإعلامي والكاتب سليمان المعمري، وقدم فيها كل من الدكتور علي المانعي، والكاتب أحمد الحجري، والدكتور نضال الشمالي، وماجد الفارسي، أوراق عمل في مجالات متخصصة في أدب الفارسي. الندوة التي قدمت فيها دار نثر مجاميع الراحل القصصية متاحة للحاضرين، استعرض فيها مجموعة من الشهادات المصورة لأصدقاء الراحل حول إنسانيته وأدبه وثقافته وعمله، حيث تحدث الكاتب هلال البادي عن سيرة الراحل ومواقف من حياته، ثم تلته الدكتورة الشاعرة فاطمة الشيدي لتستحضر بقاء عبدالعزيز الفارسي بيننا حتى رغم رحيله لا سيما مع إشرافها على رسالة ماجستير تناولت كتاب الفارسي «تبكي الأرض يضحك زحل»، كما استعرض أيضا أحد زملاء الراحل وهو طبيب أورام في المستشفى السلطاني ليتحدث عن إنسانيته وعمله الدؤوب وحرصه على قربه من المرضى، واهتمامه بالجميع.

السيرة الذاتية في قصص الفارسي..

بدأت الندوة بورقة الدكتور علي المانعي، الذي قدمها بالإنابة عنه الدكتور محروس القللي، حملت عنوان «السرد السير ذاتي في قصص عبدالعزيز الفارسي القصيرة»، قال فيها: «تتداخل تقنيات الكتابة النثرية في قصص عبدالعزيز الفارسي القصيرة في تناغم جميل، احتضنت عالم السيرة الذاتية وتماهت مع الخطاب الحقيقي، في نوع من التعايش الأجناسي في العمل الأدبي الواحد، وقد برز السرد السير ذاتي في قصص عبدالعزيز الفارسي في عدد من المواضع التي آثرت فيها استخدام مصطلح إيحاءات وقرائن لكونهما يحملان كم التخييل والسرد السيرذاتي الذي نستطيع أن نتلمسه في مجموعاته القصصية».

ولخص المانعي تلك المواضع التي أطلق عليها بالإيحاءات كونها تحمل كما من التخيل والسرد السير ذاتي، وتمثلت تلك الإيحاءات في: ضمير المتكلم وهي الطريقة الكلاسيكية المستخدمة في كتابة السيرة الذاتية، وأوضح المانعي أن هذا الإيحاء كان قد أشار لها الفارسي في الملحوظة لقصة «للعلم: الحكاية تنقصها التفاصيل» وفيها شيء من البوح بالسرد السير ذاتي الذي يظهر في قصص عبدالعزيز، وأكد المانعي أن الفارسي قد استخدم ضمير المتكلم كثيرا في قصصه بطريقة تشير للراوي المشارك في الأحداث.

ومن الإيحاءات أيضا «المكان القصصي» والذي اشتغل عليه الفارسي كثيرا في قصصه، ولولاية شناص النصيب الأوفر، وكانت المحور الارتكازي، وأشار المانعي في ورقته إلى أن مهنة الطب التي يعشقها الفارسي كانت ذات ارتباط سير ذاتي بالتفاصيل في قصصه، وذلك من خلال أحداث القصص والشخصيات التي مثلت المرضى الذين ارتبطت بهم شخصية القصة كثيرا.

وجاء في ورقة المانعي أن «شخصيات القصص» هي واحدة أيضا من المواضع البارزة في السرد السير ذاتي لقصص عبدالعزيز، حيث يقول إنه «صنع علاقة الراوي بشخصيات قصصه بالطريقة الحوارية المتبعة في المجتمع، التي توحي بملامح السرد السير ذاتي، ذلك أن شخصيات عبدالعزيز محبوكة بطريقة الاسم واللقب، وهي الطريقة التي توهم بواقعية هذه القصص، ففيها إشارة إلى أسماء الشهرة أو اللقب، أو الكنية»، كما أن اللغة المحكية في القصص تبرز تأثر الكاتب بلغة المجتمع في استخدامه للغة المحلية، كما اتجه الفارسي -كما أوضح ذلك المانعي في ورقته- إلى استخدام السياق الثقافي السير ذاتي، وذلك بطريقة يشعر فيها القارئ أنه أمام شخصية تبعث كثيرا من الرسائل الثقافية سواء في موضوعاتها أو أعلامها، إضافة إلى جانب «النزعة الاجتماعية في رؤيته القصصية».

«وأخيرا استيقظ الدب»..

ألقى بعد ذلك الكاتب أحمد الحجري ورقته التي حملت عنوان «الرؤى المحتجبة في أدب عبد العزيز الفارسي.. البحث عن المعنى في القصص القصيرة»، التي بدأ بعدد من الومضات أو القصص التي تجمعه بالراحل، واستطرد الحجري حديثه عن أعمال الكاتب وقال: «منذ البداية تشغلني تقنية السخرية في قصص عبدالعزيز، وهي واضحة جدا، ولكنها تأخذني لأبحث عما تخفيه أستار السخرية من معانٍ ودلالات، واكتشفت لاحقا أن السخرية هي ليست تقنية وإنما أسلوب طغى على مجاميعه القصصية الأخيرة، وكانت السخرية لمجابهة العالم المر». وقال الحجري في ورقته: «بعد قراءة المجموعات القصصية لعبدالعزيز الفارسي -إذا ما استثنينا مجموعته «مسامير» بوصفها تنتمي إلى القصص القصيرة جدا- اعتقد يمكن أن تقسم المجموعات لمرحلتين: مرحلة البدايات والرومنسية الشعرية، وتشمل ثلاث مجموعات (جروح منفضة السجائر 2003، العابرون فوق شظاياهم 2005، لا يفلّ الحنين إلا الحنين 2006). وأوضح الحجري أن السمات العامة لهذه المرحلة هي أن معظم القصص دور حول ثيمات معينة تغلب في القصص: الفقد الفراق الوجع الحب المعجون بالغياب المرض الحزن، وهي مرحلة غلبها الطابع العاطفي واللغة الشعرية، كما تتميز المرحلة بغلبة المونولوجات الداخلية، وجعل حركة السرد بطيئة، والسخرية لم تكن طاغية».

وتبدأ المرحلة الثانية لدى عبدالعزيز الفارسي كما أشار لها الحجري في ورقته- من المجموعة القصصية «وأخيرا استيقظ الدب»، وهي المجموعة التي شكلت علامة فارقة في تجربة عبدالعزيز القصصية، حيث قال الحجري: « في هذه المرحلة يمكننا أن نقف على تطور التجربة القصصية عند عبد العزيز الفارسي، وقد اتسمت معظم قصص هذه المرحلة بطابع السخرية، وكوميديا المواقف المختلفة، وفكاهية الأحداث واللغة المستخدمة، كما استطاع الفارسي في هذه القصص أن يوظف اللهجة العامية الشناصية في سرد الأحداث، وبناء الحوارات بطريقة سلسة متفردة، جعلت من اللغة المحكية عنصرا رئيسا في بناء المعمار السردي للقصص، وفي رسم الشخوص، وإعطائها بعدا اجتماعيا ديناميكيا، وأخيرا في بلورة فن (السخرية) كتقنية سردية تحجب تحت غلالتها الشفيفة معاني ورؤى متعددة. وتحدث الحجري عن المرحلة الثانية للكتابة القصصية للفارسي والتي أطلق عليها اسم «ديناميكية الحركة والرؤى العميقة»، وتميزت بالسخرية، وبناء الشخصيات والحوارات الخارجية، وأدى لظهور الدلالات الخفية في نصوص المجموعة، كما أوضح الحجري على أن كل قصة في «وأخيرا استيقظ الدب» يشتغل الفارسي فيها على قضية اجتماعية ويناقشها بطرق غير مباشرة مع توظيفه للسخرية، كما أن للمكان حضوره ولشناص حضورها الخاص، وأَضاف الحجري: «في اعتقادي هنا أن عبدالعزيز اشتغل على شناص في قصصه لكنها تمثل صورة مصغرة لكل ولايات عمان».

«الفارسي» قارئا ..

وقدم ماجد الفارسي شقيق عبدالعزيز الفارسي- ورقة حملت عنوان (عبدالعزيز الفارسي قارئا)، بدأها برثاء كتب بلغة ذات شجن عميق قال فيه: «فقد أخي عبدالعزيز بيننا يعني فقد حيواتنا جميعا. ربما ظننت سابقا أن هواجِس الموت قد تسبب قلقا دائما مصحوبا بوجعٍ أحيانا لا أكثر، وأنّ إجابته لي كانت عابرةً لإخراسِ هواجِسي المستمرة، إلّا أنني أيقنت مؤخرا أن رد أخي «ربما جميعا» أوضح مدى عمق شعوره، وأبرز لنا الحقيقة الصعبة التي نواجهُها كلنا، وهي أنّ الحياة قد تباغتنا في أي لحظة برحيل أحبابنا دون سابق إنذار، وعندما نخسر شخصًا نحبه، فإننا لا نفقد فردا من العائلة أو أحد الأصدقاء وحسب، بل نفقد جزءا من أنفسنا أيضًا». تحدث ماجد عن شقيقه الراحل ومدى ولعه بالكتاب والقراءة منذ الطفولة، الذي كان البداية بفهمه السريع في مراحل دراسته الابتدائية وتعلمه الكتابة مبكرا، وقال: «وما إن أصبحت القراءة غايةً واضحةً في حياته، حتى بدأ شغفه القرائي الأول من مجلة ماجد؛ المجلة الأولى في قاموس عبدالعزيز، منها بدأت قراءة القصص والحكايات، المشاركات والمراسلات وهواة التعارف، وحب الطوابع البريدية والكلمات المتقاطعة».

وأشار ماجد إلى أن أخاه الراحل بدأ في التواصل بريديًا مع إحدى دُورِ النشر المصرية التي كانت تصدر منشورات وكتبا، ليضيف هذه الكتب إلى مكتبة منزلهم التي يعود الفضل في إنشائها لوالدهم، حيث وضع فيها مجموعة من الكتب المتوفرة حينها: ديوان مانع العتيبة؛ الديوانِ الشعري الأول الذي قرأه عبدالعزيز، وكتب للإمام الشافعي، ورواية «رأفت الهجان» لصالح مرسي، وبعض الكتب الأدبية التراثية للأبشيهي والأصفهاني وغيرها.

وأضاف ماجد: «لاحقا أضاف أخي العديد من الكتب والمجلات الأدبية في المكتبة، لتشمل قراءاته الأعمال الأدبية المترجمة، أبرزها كان للمؤلفين: عزيز نيسين، تشارلز ديكنز، باتريك زوسكند، غابرييل غارسيا ماركيز، إيزابيل الليندي، بيرل باك، غوته، فرانز كافكا، تشيخوف وغيرهم الكثير. أما بالنسبة للمؤلفات العربية فقد كان أهمها للجاحظ، وعبدالرحمن منيف، وجبرا إبراهيم جبرا، وطه حسين، وأمين صالح، ويوسف إدريس، وغسان كنفاني، ومحمود درويش، وبدر شاكر السياب، وأحمد شوقي، وأمين معلوف، ونجيب كيلاني، وزكريا تامر، والصادق النيهوم، وعمرو عبدالسميع، وغيرها من الأسماء. علاوة على ذلك، حرص على اقتناء المجلات الثقافية الخليجية عند صدورها، مجلة العربي الكويتية، ومجلة نزوى العُمانية، مجلة التفاهم العُمانية أيضا، مجلة دبي الثقافية، ومجلة عالم الفكر الكويتية، والبحرين الثقافية. بالإضافة إلى كتب سلسلة عالم المعرفة والمجالات العلمية الأخرى».

العتبات النصية ..

وتناولت الورقة الأخيرة في الندوة موضوع «تسريد العتبات النصية في قصص عبد العزيز الفارسي القصيرة» للأستاذ الدكتور نضال الشمالي، بدأها بمقدمة ملخصة لأعمال الفارسي قال فيها: « قدم عبدالعزيز الفارسي سبع مجموعات قصصية ما بين عامي 2003-2016، أودع فيها (77) قصة قصيرة، و(52) قصة ومضة، فمجموع ما خطه قلم الراحل في حدود (129) قصة قصيرة وقصة ومضة. ويلاحظ أن الفارسي استخدم الإهداء في مجموعتين فقط «الصندوق الرمادي» 2012، و«رجل الشرفة؛ صياد السحب» 2016، كما وظف الفارسي ثمانية تصديرات، ووضع خاتمة لإحدى مجموعته «لا يفل الحنين إلا الحنين» 2006، كما استخدم الفارسي عتبة الهوامش السفلية عشر مرات في ست مجموعات قصصية، ومن العتبات اللافتة لديه تزمين المجموعات القصصية عامة والقصص خاصة وذكر أماكن كتابتها». وأشار الشمالي في ورقته إلى عدد من العتبات التي هي في مفهومها نص انتقالي نحو ما هو مهم نحو النص الأساس، وهي مفتتح النصوص، وأول ما تصافحه العين وتدركه البصيرة- وقسم الشمالي العتبات لقسمين: عتبات محيطة بالنص خارجة عنه، وعتبات داخلية.