صلاة طعام الحب
صلاة طعام الحب
ثقافة

"طعام صلاة الحب".. مثلث متوازي الأضلاع

25 مارس 2023
25 مارس 2023

كتاب "طعام صلاة حب" هو عبارة عن مثلث متوازي الأضلاع لا نستطيع التخلي عنه في حياتنا أبدا، ولكي نفهم هذا الثالوث بطريقة مختلفة تماما عن المعتاد، أتى هذا الكتاب حاملا بين طيّاته فلسفة التحول من الدمار إلى السعادة، وهو في مضمونه رحلة سفر غاية في الإلهام للبحث عن الذات، واستكشاف ما هو غائر من جمالات تستحق النبش عنها.

وقد صدر هذا الكتب عن دار Penguin الأمريكية في عام 2006 للكاتبة إليزابيث جيلبيرت، واحتل صدارة الكتب الأكثر مبيعا في أمريكا، وحوِّل هذا الكتاب إلى فيلم جسدته الممثلة البديعة جوليا روبرتس، وهذا الكتاب هو عبارة عن مذكرات تحكي رحلة إليزابيث إلى ثلاث دول وهي (إيطاليا والهند واندونيسيا) أتت هذه الرحلة اثر أزمة عاطفية تعرضت لها إليزابيث، إذ كانت تعاني من الرتابة والاكتئاب والكثير من الطاقات السلبية، برغم أنها كانت تعيش في ترف مع زوجها، إلا أنها كانت تجد نفسها تبكي الليالي الطوال على أرض حمامها دون أن تجد سببا مقنعا لبكائها، وبعد صراع وقرارات كثيرة قررت الطلاق من زوجها للبحث عن حياة تجد فيها ذاتها، تتكون فصول الكتاب من ٣٦ حكاية عن كل فصل، ففي إيطاليا كانت متعة الأكل هي المسيطرة على نصوص هذا الفصل من الكتاب، فمثلا تذكر ليز أن صديقها جوفاني النبوليتاني، أصر على أن تذهب إلى ذلك المطعم الصغير الموجود في احد أزقة نابولي لتذوق تلك البيتزا النابولية الأصيلة، فتصف ليز ببراعتها اللغوية ذلك المشهد المكتظ بالناس وكأنهم يحاولون إيجاد مكان على أحد قوارب النجاة لكي يحظوا بشيء من اللذة، وعن ذلك الخباز الإيطالي الواقف بجانب الفرن بكل أناقته وهو يدخل العجين تلو العجين ودخان سجائره يتطاير من فمه وعرقه يتصبب من جبينه، والكثير من الحكايا الجميلة المتعلقة بالأصدقاء الجدد والتعلم والأناقة التي تأسر في إيطاليا، أما ما جاء في الفصل الثاني فهو مختلف تماما وجذريا عن الفصل الأول، ففي رحلتها إلى الهند تحكي ليز عن تجربتها مع معلمتها الأولى واكتشاف ذلك المعبد العظيم الذي يعلو التلال وتحفه الأشجار من كل صوب، وعن أولئك الأشخاص الذي يضعون مسابح في أعناقهم التي تسمى في لغة الهنود "جابا ملاس"، وعن أولئك الذين يمارسون التأمل واليوغا، والوظائف التي تدرجت فيها في هذا المعبد والأصدقاء الذين غيروا من نظرتها إلى الحياة، رحلة ليز إلى الهند هي الأكثر إلهاما في هذا الكتاب والتي تستحق التجربة فعلا، وتستحق العناء للبحث عن الذات في تلك البقاع التي يحدوها السلام من كل حدب وصوب، وأما عن الفصل الأخير، فتتحدث ليز عن رحلتها إلى اندونيسيا وتحديدا إلى جزيرة بالي، هذه الجزيرة تأنقت لليز بكل أثواب الحب المتنوع المختلف، والتي شقت طريقها إلى التوازن من خلالها، بعد أن التقت بالرجل البرازيلي الذي أعاد لها الحب مرة أخرى .

وهنا في الأخير رسالة إلى ليز:

ليز جيلبرت يبدو أننا جميعا نحتاج أن نبحث عن ذواتنا سواء كنا رجالا أو نساء، فنحن متشابهون معك في الشكل الداخلي للفكرة، لكنكِ حقا استطعتي أن تلحقي بآخر مروحية أُقلعت من سايغون كما وصفتي مشهد آخر طائرة هربت من الحرب في فيتنام لتمضي خلف حلمك رويدا رويدا، وكما قلتي يا ليز أن الغورو هو أداة ترسيم خطوط نعمل نحن على المضي خلف ظلالها علَّنا نلاقي أقمارنا التي انطفأت بلا مبرر حقيقي، فلا أبالغ إن قلت إننا حقا أشبه بكائنات تشارلز ديكينز التي تندس خلف العبثية بلا حراك أو مقاومة، وعلى اختلاف المجتمعات يا ليز، وعلى أضداد مضمون البحث عن الذات بين الشرق والغرب يا ليز، فالبحث عن السكينة والامتنان والسلام الداخلي للجسد، هي بلا شك قد تكون في أعلى قمة هرم الإنسانية الخالصة، والحرية لا تقارن بأي شيء آخر في هذا العالم كله، فهي "الكوديغا" أي ذلك الرجل الذي يسير أمامك ليلا حاملا مصباحا لينير لك الطريق ويخيف اللصوص والأشباح، ويا ليز حين قلت أننا لا يمكن أن نقترب إلى الله بوصة واحدة ما دمنا متمسكين بخيط واحد من خيوط اللوم، فقد كان هذا أجمل شعار حملته معي وأنا أنتهي من قراءة هذه المذكرات الأكثر من رائعة.