No Image
ثقافة

"صوت هند رجب".. فيلم يحول الصرخة الإنسانية إلى شهادة لا تنسى

05 سبتمبر 2025
05 سبتمبر 2025

بعد تصفيق تاريخي هز مهرجان البندقية السينمائي، حقق فيلم "صوت هند رجب" للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، المرشح لنيل الأسد الذهبي الرقم القياسي للتصفيق لمدة أربع وعشرين دقيقة في عمل فني أعاد صوت الطفلة الشهيدة هند رجب إلى العالم.

يجمع الفيلم الطابع الوثائقي والدرامي، مستخدما التسجيل الصوتي الأصلي لهند دون تعديل، ويعرض اللحظات الأخيرة من حياتها كما جرت، بهدف إيصال صوتها عالميا وفضح الصمت الدولي. وتعود القصة المأساوية للطفلة هند رجب في لحظاتها الأخيرة، عندما كانت محاصرة بين جثث أقاربها، تتوسل المستحيل عبر الهاتف، ولا تنال الاستجابة، ويسكن صوتها إلى الأبد تحت نيران الاحتلال. لكن رسالتها لم تصمت بعد موتها، بل أصبحت رمزا للطفولة المسلوبة والإنسانية المقهورة، وانتقلت إلى ساحات العدالة والفن، لتظل كلماتها وألمها شاهدة على الإجرام وصوتا للموتى والبراءة المقتولة.

عودة إلى الفيلم، يتناول "صوت هند رجب" دراما روائية تستند إلى قصة الطفلة الفلسطينية هند رجب، التي استشهدت في يناير 2024 أثناء تواجدها داخل سيارة محاصرة أثناء حرب غزة. ويتم سرد هذه المأساة بشكل سينمائي بحت، بالاعتماد على مكالمتها الهاتفية، دون مشاهد عنف مباشرة، حيث كتبت المخرجة كوثر بن هنية النص بنفسها، مستخدمة التسجيل الصوتي الحقيقي للمكالمات بين هند والعاملين في الهلال الأحمر، وكانت مدة المكالمة حوالي 70 دقيقة.

تواصلت بن هنية مع والدة هند، ومع أشخاص كانوا على خط الاتصال معها لأجل ضمان دقة وصدق القصة، وقدمت الفيلم من منظور مركز عمليات الهلال الأحمر الفلسطيني، داخل "مكان واحد" فقط، حيث يحاكي التوتر والانتظار والصدمة بدلا من إظهار العنف بشكل مرئي، فاختفت مشاهد القتل المباشر وكثرت الإيماءات الصوتية. وحول ذلك صرحت بن هنية: أنها "تريد أن تركز على غير المرئي.. الانتظار والخوف والصمت المؤلم... أحيانا ما لا نراه يكون أكثر دمارا مما نراه"، وعلقت بن هنية على التأثير النفسي عليها موضحة أنها عند سماعها التسجيل: "شعرت وكأن الأرض تهتز من تحتي، هذا الألم وهذا الفشل ملك لنا جميعا".

وتم إخراج الفيلم ومدته، حوالي 89 دقيقة، بمشاركة: سجى كيلاني، وكلارا خوري، ومعتز مليس، وعامر حليحل، وجرى التصوير الرئيسي في تونس، وتولى إنتاج الفيلم كل من نديم شيخ روحه، وأوديسا راي، وجيمس ويلسون.

وتدور أحداث الفيلم بالكامل في موقع مركز عمليات الهلال الأحمر الفلسطيني، ويقتصر المشهد على موقع واحد، مستخدما التسجيل الواقعي الكامل لهند مع الهلال الأحمر بدون تعديل، لتكثيف التوتر والتركيز على التفاعل الإنساني دون اللجوء لمشاهدة العنف الصريح على الشاشة، حيث اعتمدت على الصمت المكثف والمضمون الصوتي، لمنح الصوت لمن لا صوت له تركيزا على المأساة والإنسانية. وتمت إعادة تمثيل المشهد من وجهة نظر موظفي الهلال الأحمر أثناء سماعهم لهذا الصوت المسجل، فصمم السيناريو بعناية ليكون شهادة حقيقية من صوت الطفلة هند، مستخدما قوة الصوت والقلق والتوتر كوسيلة تأثير بصري وعاطفي، وهو ليس فيلما وثائقيا بالضبط، ولكنه عمل درامي إنساني يستند إلى وقائع حقيقية ومؤلمة، ليصبح وثيقة فنية تعكس مأساة شخصية واسعة النطاق، كما وصفتها المخرجة.

العمل يمزج بين الوثائقي والدراما، يتم نقل العنف والعاطفة فيه عن طريق الصوت فقط، دون عرضه بصريا، لتجنيب المشاهدين الصور المعتادة للعنف التي تتكرر في مشاهد الأخبار. وتعود قوة المشهد إلى الأداء التمثيلي من قبل طاقم العمل الذين تجاوبوا عاطفيا مع صوت هند، فهي "ليست تمثيلا بل معايشة كاملة" كما وصفوها.

أما مشاهد القصة تعود لتاريخ29 يناير 2024، حين يتلقى مركز الهلال الأحمر اتصالا طارئا من طفلة تبلغ أنها عالقة داخل سيارة تحت نيران الاحتلال، حين يستمع موظفو المركز إلى صوت هند المستنجدة وهي محاطة بجثث أقاربها، ويبدأون في التنسيق لمحاولة إنقاذها، رغم الصعوبات الأمنية، وبعد ساعات من التوتر، يمنح الضوء الأخضر لإرسال سيارة إسعاف، لكن قبل وصولها، تستهدف بنيران تؤدي لمقتل الطاقم، وتموت بعدها هند. يستخلص السيناريو من نص المكالمة بالكامل، مقطعا وصوتا، مع تمثيل داخلي للمركز التضامني، بمشهد غارق في العجز والانتظار والعاطفة، ويروج الفيلم السينمائي للدفاع عن الذاكرة الإنسانية وصوت الطفولة المسلوبة، في رسالته للجمهور العالمي.

وبعد عرض الفيلم صرحت المخرجة كوثر بن هنية أنها لم تستطع قبول "عالم يقتل طفلا ويترك صوته يختنق"، هذا الشعور دفعها لكتابة سيناريو سريع إجمالا أنتج خلال 12 شهر فقط، وتستخدم الفيلم كوثيقة سينمائية ضد نسيان الضحايا.

الجدير بالذكر أن الفيلم يحظى بدعم شخصيات عالميا مثل براد بيت وخوين فينيكس وألفونسو كوارون.