ثقافة

شكري المبخوت: لا تناغم بين الخرائط الجغرافية والثقافية

07 فبراير 2023
في ظل تداخل الأدب العربي والآداب الوطنية
07 فبراير 2023

المتاحف ظاهرة حديثة شأنها شأن كتب تاريخ الأدب -

على كتب تاريخ الأدب أن تعكس الفضاء الجغرافي الذي نبعت منه -

يجب أن نعطي الأدب الهامشي حقه -

السرد هو الآلية القادرة على إضفاء المعنى إلى الظواهر التاريخية -

قدّم الروائي التونسي شكري المبخوت تصوّره لمفهوم تاريخ الأدب العربي والأدب الوطني (الأدب التونسي خصوصا) ومسألة الهوية، في ظل قلة الكتابة في تاريخ الأدب إضافة إلى كونه -أي الأدب- ليس مفهوما عاما ومتداولا، وتناول أهمية الصلة بين المتاحف والآداب، مشيرا إلى أن متاحف الآداب هي كتب الآداب، مؤكدا أن كتب تاريخ الأدب يجب أن تعكس الفضاء الجغرافي الذي نبعت منه.

وبالتركيز على الأطراف أو الهامش في الوطن العربي أكد المبخوت أن الأطراف الأدبية العربية تروي قصتها مثلما يروي المركز المصري والشامي قصته، وأشار إلى أن في المسألة أشباه ونظائر فما درسه في هذا الخصوص عن تونس يمكن إسقاطه على عُمان كونهما يقعان على أطراف الوطن العربي.

وفي محاضرة قدمها المبخوت بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس، أدارها الدكتور أحمد يوسف بعنوان «تاريخ الأدب والهوية: من تاريخ الأدب العربي إلى تواريخ الآداب الوطنية»، افتتح المبخوت حديثه بسؤال: «هل يمكن لأي أحد في القاعة أن يقدم لي خلاصة عن تاريخ الأدب في عمان؟؟» وأجاب: «متأكد أني لن أجد إجابة، ولو سئلت السؤال ذاته عن تونس لن أجد إجابة، لأن الإجابة محيرة».

متاحف الآداب

أشار المبخوت إلى أن المتاحف ظاهرة حديثة شأنها شأن كتب تاريخ الأدب. وعدَّد المبخوت الوظائف المهمة لهذه المتاحف والتي كان منها: حفظ الذاكرة الجماعية والذاكرة الوطنية، ولها وظيفة علمية ومعرفية، ووظيفة ثقافية تتمثل في تمكين الفرد من الانتماء الثقافي، ووظيفة أيديولوجية تتمثل في تمتين الانتماء الوطني والقومي، إضافة إلى الوظائف الجمالية.

البحث

وعلل المبخوت أنه اختار في بحثه كتب تاريخ الأدب التونسي وليس العربي بقوله: «كلما ضيقنا العينة كان بإمكاننا أن نتعمق أكثر كما نقول أكاديميا»، وأضاف أن الغرض الأكبر من بحثه هذا أن يفهم كيف يترابط النسق الأدبي مع النسق التاريخي والنسق الثقافي آخذا الأدب التونسي مثالا، وأشار إلى أن الإشكال خلال البحث تمثل في أنه لم يجد للأدب التونسي مكانة تاريخية في الكتب المدرسية بحيث ظل حضور النصوص فيها ضعيفا أو منعدما، وهذا يشكل منزلة الأدب التونسي في المؤسسة التعليمية والجامعية.

وأكد أن تاريخ الأدب هو جزء من المقررات، وقال: «تبدو المسألة كما لو أنها خاصة بالأدب التونسي لأن المدرسة والجامعة لم تهتم بالأدب التونسي، والسبب الحقيقي أن الأدب التونسي باعتباره أدبا هامشيا اعتُبر مكونا من مكونات الأدب العربي قديما وحديثا وهو يضمحل في الكل لكنه مع ذلك يتمتع بانفصال ما».

تحديد الانتماء

في الحديث عن الانتقال من الأدب العربي إلى الأدب التونسي الذي وصفه المبخوت بجوهر المسألة، أشار إلى أنه انتقال جذري يحمل معه قضايا جوهرية وأسئلة أساسية، يقول: «اتجهت البلدان العالم العربي نحو ضرب من الاتجاه السياسي يتمثل في جعل كل قطر يقوم بذاته وهي ممارسة وطنية قومية بامتياز ومن المهم في تحديد الانتماء إلى حيز جغرافي ثقافي معين، وفي النهاية هو تغيير في البراغميات والوحدة التي تمثلها الرابطة اللغوية والرابطة اللغوية الدينية سرعان ما تفتح بابا أوسع». وطرح سؤالا: «ما الذي يدخل في الأدب العماني ولا يدخل في الأدب الإماراتي مثلا؟ وقال: «هذا سؤال مخاتل مثل السؤال: ما الأدب التونسي؟ والجواب هو ما كتب في تونس وحين نتذكر تونس في وضعه الحالي هو بلد جديد وهذا نقاش كبير».

المطبعة والعصر الجديد

يرى المبخوت أن المركز «مصر والشام» كانتا سبّاقتين في النهضة لكن ليس بأنوار الغرب وإنما بالمطبعة التي أضاءت مصر والشام بينما كان الباقي في ظلام. وأضاف أن المطبعة دشنت عصرا جديدا ثقافيا وحضاريا في مصر، التي توفرت فيها المطبعة قبل تونس وعمان، فهي -أي المطبعة- تنتج ثقافة جديدة غير المشافهة وغير المخطوطات وكل بلد لم تشهد المطبعة لم تصل إلى النهضة.

الوعي التونسي بكتابة الأدب

أشار المبخوت إلى أن وعي التونسيين بكتابة أدبهم بدأ عام 1918 في كتب تحوي منتخبات لنصوص إسلامية منذ الفتح الإسلامي حتى 1918م، وقال: «يكفي أن حسن حسني عبدالوهاب عام 1912 هو من كتب كتيب (مجمل تاريخ تونس) وأكمل بحثه بكتاب عن تاريخ الأدب وبعده بعشر بسنوات ظهر زين العابدين السنوسي الذي أصدر تراجم ومقتطفات لشعراء معاصرين له، وفي 1955 ألقى محمد بن الفاضل عاشور محاضرة في الجامعة العربية عن النهضة الفكرية في تونس وأصدر كتابا عام 56 العام الذي كان فيه الاستقلال التام».

نحن أمام أمرين

في ختام محاضرته لخص المبخوت المسألة في قوله: «نحن أمام أمرين: هل إذا قلنا أدبا تونسيا نعني أدبا عربيا في تونس؟! هل اللغة الأم للأدب التونسي هي العربية؟! فالتونسيون يكتبون بالإيطالية والفرنسية ويحصدون جوائز، فهل لأنهم يكتبون بغير اللغة العربية لا نعتبره أدبا تونسيا؟! حتى الأدب الشعبي بالدارجة التونسية يجعله يندرج ضمن الأدب أو لا؟!» وأضاف: «الخرائط الجغرافية لم تعد متناغمة مع الخرائط الثقافية التي تدفع إلى اختزال الخرائط الأدبية، والهدف قصة وطنية وعلينا أن نكون دقيقين في الربط بين الأنساق التاريخية والأنساق الاجتماعية من جهة والأنساق الثقافية من جهة، والتاريخ الأدبي هو ممارسة تأويلية للوقائع والسرد ليس خيالا بقدر ما هو منهج في تكوين المعنى وهو الآلية الوحيدة القادرة على إضفاء المعنى على الظواهر التاريخية»، وتابع: «أنطولوجية الأدب التونسي والتي لا تنفصل عن الروايات التونسية التي أعيد بها كتابة الكيان التونسي ولا تنفصل عن تأريخ الأدب التونسي باعتباره نسقا من النسق العام، فظاهر الأمر أن كتابة التاريخ الأدبي مسألة أدبية جوهرها ثقافي ومداها سياسي».

وعن بحثه في كتب الأدب العماني قال: «وجدت كتبا للأدب العماني وأنا أبحث على الإنترنت وهو مادة مهمة ومفيدة للبحث، ليس القصد أن نخرج من الأدب العربي ولكن أن نعطي الأدب الهامشي حقه».