No Image
ثقافة

جيكار خورشيد: الكثير من النقاد يرفضون الكتابة في نقد أدب الطفل لأنّهم ببساطة لا يعترفون به بعد

27 مارس 2023
يرى أن الكتابة للطفل يجب أن تكون بحجم التحديات في بلادنا العربية
27 مارس 2023

• ولدتُ لأعيش طفولتي أسمع جدّتي وهي تغني لي الحكايات

• الكاتبة تتصور بأنّها الأقرب للطفل وبالتالي فهي الأنجح والأعلم بالموضوعات الموجهة إليه

• إلى الآن ليس هناك اعتراف حقيقي بأدب الطفل العربي

• الكتابة للطفل تحتاج إلى الكثير من الوقت وإذا لم يتوفر هذا الوقت لن تقدم أدبًا مميزًا للطفل

نشأ الكاتب في أدب الطفل السوري جيكار خورشيد في قرية جبلية وصفها بقوله: "حيث السّماء أكثر اتساعًا، والشمس أجمل إشراقًا، والقمر أبهى طلة، والقمح ألذ طعمًا من كل قمح الدنيا، والزيتون أقدس بثمره وزيته من كل زيتون العالم".

صادفته في معرض مسقط الدولي للكتاب أمام دار (مسار الفكر) كان وكأنه يحمل القرية التي وصفها معه وهو يجوب الأرجاء في مسقط، في لقائنا الخاطف ذاك علمت أنه سيغادر مسقط ليلتها إلى هولندا أو روما لست أذكر، لكنه وعدني بشيء من الحديث عن قريته تلك وحكاية الكتابة للأطفال، فكان هذا الحوار...

- كيف تصف لنا طفولتك؟ وهل كان لوالديك دور في تشكيل شخصيتك الإبداعية؟

طفولتي كانت غنية بالأحداث، مليئة بالمغامرات. ولدتُ لأعيش طفولتي، أسمع جدّتي وهي تغني لي الحكايات، ففي جميع مواسم الخير" موسم الزيتون، موسم العنب، موسم التين، موسم المشمش، موسم الرمان، موسم الجوز، موسم حصاد القمح" كنت أستمع لجدّتي أثناء العمل وهي تدندن لي الحكايات والأساطير فحفظتها في عقلي وقلبي، ودونتها على الورق عندما كبرت.

في مدينة حلب حيث درست الإعدادية والثانوية عملت في الكثير من المهن في أيام الإجازات وبعد دوام المدرسة، فاكتسبت خبرات حياتية كثيرة في سن مبكرة، والحصن الذي كان يحميني من احتكاكي بالعالم الخارجي بسن صغيرة هي تلك القيم التي عودني عليها والدي رحمه الله، وتلك النصائح الغالية من أمّي العظيمة، ولا شك بأن دعاءها لي بالخير كان مطمئنًا لقلبي وقلبها.

عمل والدي أستاذًا للغة العربية في ثانويات حلب وكان شاعرًا وقاصًا له عدة دواوين شعرية ومجموعات قصصية، علمني أسرار الحياة مبكرًا من خلال الكنز الذي كان موجودًا في بيتنا، فقرأت مئات الكتب في مختلف العلوم وأنا في الإعدادية يعني لم يتجاوز عمري الرابعة عشر، وأمّي كانت تمنحني وقتها فأحدثها عن أحلامي وفي كل مرّة كان تبتسم وتقول لي: "كل نجاح عظيم يبدأ بحلم صغير".

- هل تتسيد النساء المشهد في الكتابة للأطفال فيما حضور الرجال بشكل أقل؟

في عالمنا العربي حضور الكاتبات أقوى بالتأكيد وبرأيي السبب يكمن في العادات والتقاليد وبأن أدب الطفل يدخل في باب التربية والاهتمام بالطفل وهذا من واجب الأم، من جهة ثانية الكاتبة تتصور بأنّها الأقرب للطفل وبالتالي فهي الأنجح والأعلم في بالموضوعات الموجهة للطفل، وأخيرًا هناك النظرة الدونية لأدب الطفل من قبل بعض النقّاد والأدباء، فإلى الآن ليس هناك اعتراف حقيقي بأدب الطفل العربي وأنا أعرف الكثير من النقاد الذين يرفضون الكتابة في نقد أدب الطفل لأنّهم ببساطة لا يعترفون بأدب الطفل بعد.

- من أين تنهل الأفكار التي تكتبها للأطفال؟

هناك الكثير من الينابيع التي أنهل منها حكاياتي منها: نبع الحكاية الشعبية: فأنا ابن الثقافة الكردية الغنية بالحكايات والأساطير، كما أنّي درست الأدب العربي في جامعة حمص وتعمقت في الحكايات الشعبية العربية. ونبع الحكاية التأملية: أقضي الكثير من الوقت في الغابات والجبال والشواطئ وحيدًا أتأمل خلق الله تعالى، وأتعمق في التفاصيل الدقيقة فكما النحلة تجمع الرحيق لصنع العسل، أجمع الأفكار بعد تأملات هادئة لكتابة القصص. ونبع الحكاية العلمية: أتابع الكثير من البرامج العلمية وأقرأ الكتب التي تحفزني على الكتابة عن حياة المخلوقات الغريبة والاستكشافات الحديثة. ونبع الحكاية الفلسفية: أكتب عن بعض المفاهيم الفلسفية في قصصي للأطفال وأطرحها بقالب فني أدبي بسيط ومفهوم. ونبع الحكاية الخيالية: ليس للخيال حدود، فأبحر في بحر الخيال وأكتب عن حكاياتي ولا أقف عند حدود المعقول بل أحلق عاليًا. ونبع الحكاية الأخلاقية: وهي الحكايات التي أكتبها عن مكارم الأخلاق ولكن بطرق وأساليب جديدة. ونبع الحكاية التعليمية: وهنا أستفيد من دراستي للغة العربية، فأبسط القواعد اللغوية للطفل وأعلمه العربية بطرق شيقة ومسلية.

- ما الأصعب في الكتابة للطفل؟

جذب اهتمام الطفل للكتاب، وجدّية التعاطي مع أدب الطفل.

الطفل في بلادنا العربية أمام تحديات كبيرة وعلى كتاباتنا أن تكون بحجم تلك المسؤولية والتحديات، علينا أن نكتب عن مشاكلهم ونبين لهم الحلول المعقولة، أن نضيئ تلك الزوايا المعتمة في حياة أطفالنا، أن نشجعهم على مواجهة تحديات الحياة وصعابها، أن نعدّ جيلا من القادة، والمعلمين، والعمال، والفلاحين، والعلماء، والأطباء، والمهندسين، قادرين على بناء الحضارة الإنسانية.

- ما هي الموضوعات التي ترى أنها بحاجة لأن يسلط عليها الضوء؟

موضوعات كثيرة مازالت مهمشة في أدب الطفل أهمها: التحرش الجنسي الذي يتعرض له الطفل، فهناك ملايين الأطفال الذي يتعرضون إما للتحرش الجنسي، ومن خلال بحثي في عدة مدن وجدتُ أعدادًا كبيرة من الأطفال قد تعرضوا للاعتداء الجنسي من قبل أقاربهم أو أصحاب العمل الذين يعمل الأطفال عندهم وهناك أمثلة كثيرة منها: تعرض طفل يتيم في العاشرة من عمره يعمل في محارق النفط حيث يتم تصفية النفط بطرق بدائية للاعتداء الجنسي من قبل صاحب المحرقة وقد أشرت للجريمة في كتاب حرائق الجنة.

العنف المنزلي: يتعرض الكثير من الأطفال للعنف المنزلي من قبل الأب أو الأم أو الأخ الكبير وحتى الأعمام والأخوال ويكون لهذا العنف آثار سلبية مدمرة لشخصية الطفل، قابلت بعض الأطفال الذين فقدوا الثقة بأنفسهم بعد تعرضهم للعنف المنزلي بشكل متكرر.

الإدمان على المخدرات: أمام هذا الانفتاح الكبير على العالم يجب أن نتوخى الحذر وننبه أطفالنا لهذه الآفة المدمرة للإنسانية، من خلال أعمال أدبية إنسانية.

الانفتاح على مختلف الثقافات وتقبل الآخر: من أهم الموضوعات التي علينا أن نهتم بها ككتاب أدب طفل، لو أردنا العيش في وطن واحد علينا أن نتقبل بعضنا فاختلافنا في اللون والثقافة والدين واللغة هو غنى للإنسانية.

- هل ما يزال باعتقادك أن الذين يكتبون للأطفال في عالمنا العربي هم هواة؟

عندما صرحت بهذا الكلام كان ذلك منذ ثلاث سنوات، وإلى الآن لم يتغير شيء، ليس هناك كاتبة أو كاتب مختص في أدب الطفل متفرغ بشكل كامل للكتابة للأطفال، الكتابة للطفل تحتاج إلى الكثير الكثير من الوقت وإذا لم يتوفر هذا الوقت لن تقدم أدبًا مميزًا للطفل، فأنا لا أستطيع الذهاب إلى الوظيفة وتحمل الضغوط هناك وبعدها أعود للبيت لأكتب قصة للأطفال، أنا أستيقظ في الصباح الباكر أذهب إلى الغابة أركض فيها وأجلس أتأمل لساعتين وبعدها أعود للبيت وأبدأ عملي في الكتابة.

- تناولت في قصة "أين اختفت العصافير؟" أهمية حماية الطفل في كينيا، ألا تعتقد أنها قضايا معنية بالكبار؟ وأين تكمن الصعوبة في طرح قضايا كهذه لأعمار صغيرة؟

صحيح تم عرض القصة في كينيا ولكن للتوضيح كتبت لأطفال المخيمات في سوريا ست قصص توعوية يتعلم فيها الطفل ذاتيًا كيف يحافظ على حياته وسط الخراب والدمار والحروب، والقصة التي تم عرضها في كينيا هي من المجموعة التي ألفتها لأطفال وطني عن كيفية حماية نفسي كطفل من الألغام والقذائف التي لم تنفجر، الآلاف من أطفال وطني فقدوا إمّا حياتهم أو أطرافهم نتيجة تلك الألغام والقذائف لذلك كان من الواجب أن ننبه ونوعي ونعلم الأطفال في الداخل السوري لخطورة الاقتراب من الأجسام الغريبة ربما تكون بين الأنقاض أو في الحدائق أو حتى في الحقول والبساتين، وقد تم طباعة مائة وثلاثون ألف نسخة من الكتب ووزعت على المخيمات السورية والقرى النائية والمدن المنكوبة.

- هل تتغلب الصورة على النص في كتب الأطفال؟

النص والرسوم يكملان بعضهما البعض، سأعطيك مثالا عن كتابي كن لا تكن وهو الكتاب المطبوع في مكتبة الثعلب الأحمر في سلطنة عمان عندما انتهيت من كتابة النص أرسلته للرسامة أماني لأنّي وجدتها الأقدر على تنفيذ الرسوم وتركت لها الحرية الكاملة فكانت رسومها مكملة وإضافة أغنت النص، العلاقة بين الكاتب والرسام هي علاقة متناغمة يجب أن تكون هناك قناعة مطلقة لدى الرسام بالنص حتى ينجح الكتاب.

- هل يمكن لأدب الطفل أن يصنع التغيير الإيجابي في العالم العربي؟

في الغرب ستجدين في كل حي مكتبة أطفال وهنا سأتكلم عن هولندا البلد الذي أعيش فيه، طباعة الكتاب الورقي مزدهر هنا والمكتبات العامة مزدحمة الأطفال والأهل مع العلم أن هولندا ببنيتها التحتية من أفضل بلدان العالم، وهي متقدمة تكنولوجيًا واقتصادها قوي، فما الذي يجعلها تهتم بكتاب الطفل الورقي؟ سؤال سألته لنفسي عدة مرّات حتى وجدت إجابة شافية، كتاب الطفل الورقي يخلق توازنا نفسيا عند الطفل والطفل المتوازن نفسيا يتقبل نفسه وبالتالي يتقبل الآخرين ويعيش في سلام داخلي مع نفسه وسلام خارجي مع الآخرين، ونحن في بلادنا العربية الأحوج لكتاب الطفل بوجود كل هذه التحديات أمامنا، فكتاب الطفل هو طريق الشعوب للنجاح والازدهار والعيش بسلام.