5465
5465
ثقافة

تكامل الشخوص في رواية (الديوان الإسبرطي) لعبد الوهاب عيساوي

22 يوليو 2021
قراءة انطباعية ..
22 يوليو 2021

انقسمت الرواية إلى خمسة أقسام، في كل فصل خمسة فصول، وبكل فصل شخصية تحدثت لوحدها، وأوضحت رؤيتها ومعاناتها، ذكرياتها وحاضرها والطريق الذي تسير فيه، تحدثت بشكل متتال، هذه الشخصيات هي: (ديبون، كافيار، ابن ميّار، حمّة السلاوي، دوجة) دارت أحداث الرواية في الفترة التي بدأت بها فرنسا احتلال الجزائر، تلك الفترة التي كان العثمانيون في نهاية أيامهم، فانقسم أبطال الرواية في المواقف، كل واحد منهم انحاز للجهة التي رأى أنها الأولى بحكم الجزائر، وكان لكل شخصيةٍ مبرراتها التي أوردتها.

تلك الفترة ربما لم ترد من قبل في الرواية العربية، أو ربما لم ترد بكثرة، ولكني شخصيا لم أطلع على رواية تطرّقت إليها، ربما كان الأمر قصورا مني، وربما كان سبقاً وتميّزا للكاتب.

ما يُحسب للكاتب أنه نجح في إقناعك بحجج الجميع، سواء اختلفت معهم أو اتفقت، فإنك ترى المنطق والحجة في أقوالهم، وما يسردونه من أحداث تجعلك تتعاطف مع كل واحد منهم، وتمنحه عذره فيما يفعل، واقفاً في الوقت ذاته موقف المعارض من أفعاله.

تبدأ الرواية بأن يُمسك (ديبون) طرف الحديث، ويتحدث بما عاشه وهو يبحر من فرنسا متجها إلى (المحروسة) الجزائر، لتخليصها وتحريرها من حكم العثمانيين، ديبون صحفي فرنسي قدم حاملاً معه الروح النصرانية، والتبشير بالدين المسيحي، دين السلام والتسامح، ولكنه تفاجأ أن كل هذه أوهام تدور في عقله، وأن الاحتلال يبقى احتلالاً، ويتحوّل من داعم للحملة إلى معارضٍ لها، مُتمسكاً بأوهامه حين يتعرف على (توماس) أو (إسماعيل) فالأسماء غير مهمة ولا الدين مهم حين يتعلق الأمر بتوماس المسيحي الذي أصبح إسماعيل المسلم دون أن يتخلص من مسيحيته، مؤكداً أن رسالته وجماعته تقول:

(نحن الذين سنعيد للإنسان قدسيته)

يقرر ديبون الانضمام إلى هذه الجماعة، ليبدأ طريقاً مختلفاً عما بدأه في الجزائر، وإن كان هو نفسه الذي أتى لأجله. يُسلم (ديبون) خيط الحديث لـ (كافيار) في الفصل الثاني من كل قسم، وكافيار هو أحد الجنود المقاتلين سابقاً مع نابليون، ومن أشد أنصاره حماساً له ولأفكاره.

خرج كافيار من الجزائر بعد أن تعرّض فيها للأسر على يد العثمانيين، وذاق ما ذاقه من صنوف التعذيب، والاستعباد، ليقرر العودة إليها للقضاء على بني عثمان، والجزائريين الراضخين لهم، مؤمناً بضرورة تحويل مدينة (المحروسة) إلى مدينة أوروبية، مما أدخله في صدام مع (ابن ميّار) حيث يستلم الحديث في الفصل الثالث، مدافعا طوال عمره عن حقه في البقاء في مدينته التي لا يرى له مكاناً في الأرض إلاها، محاولاً الدفاع عن العثمانيين، باعتبارهم المسلمين الحامين للمساجد التي يهدمها الفرنسيون لتوسعة الشوارع وبناء الكنائس، فيحتدم الصراع بين (ابن ميّار) و(كافيار) ليجد ابن ميّار نفسه أخيراً وحيداً منفياً إلى إسطنبول، ليرحل تاركاً خلفه مدينته بيد الفرنسيين، والمتآمر معهم من الجزائريين، والمستسلم لهم من العثمانيين، ليتأكد أخيراً أنه كان يخوض الحرب وحده، وأن من يحارب لأجلهم تخلوا عنه، وتآمروا ضده من أجل المال. ذلك ما أكّده له (حمّة السّلّاوي) متسيّداً أحداث الفصل الرابع من كل أقسام الرواية.

أما السلاوي فهو شاب جامح، يرى أن لا حق للفرنسيين، ولا العثمانيين في الجزائر، وأن الاثنين يتوجب عليهما الرحيل، لذلك انضمّ أخيراً إلى جماعة لم تأتِ الرواية بحديث مُفصّلٍ عنها، بل كل ما قالته إنها جماعة لها أمير، ينضم السلاوي إليها، كل هدفها تحرير الجزائر وطرد الفرنسيين، وإرجاعها لأهلها الأصليين.

في الرواية تعرف أن المياريين والسلاويين قبيلتان جزائريتان، ينتمي لهما بطلا الرواية. ينتهي حديث السلاوي بهربه مع شخصين من الجماعة، طالباً من (دوجة) انتظاره، واعداً إياها بالرجوع إليها، وأخذها معه طالما تتضح له معالم الطريق المتجه إليه، لتبقى دوجه الساكنة في قلب الفصل الخامس بانتظاره.

دوجة هي فلاحة، فقدت أسرتها، واحداً تلو الآخر، وكان آخر من فقدته أباها الذي مات في منزل القنصل الهولندي (صديق كافيار) بعد أن أصابته الحمى، وعجز عن العمل، فتلقّى صفعة من كافيار أمام ابنته أنهت كل مقاومته ليرحل تاركاً إياها هناك، لترحل في عتمة الليل، قائلة: (لو كنت بقيت لقتلت كافيار).

ينتهي الحال بدوجة في بيت دعارة بعد أن يختطفها صاحبه (المِزوار)، ويحولها إلى بنت هوى، إلى أن يأتي السلاوي، ويأخذها من يدها أمام المزوار، ليعود له ويقتله بعد فترة، ليخلص كل فتاةٍ تشبه دوجة من الوقوع بيده.

دوجة التي لم تكن تعنيها السياسة، ولكنها تجد نفسها متورطة فيها، لأنك حين تعيش في ظروفٍ معينة تضطر لأن تعايش كل أحداثها شئت أم أبيت.

الفصول الخمسة في كل قسم، جاءت أشبه بالدائرة، التي ما أن تنتهي منها، حتى تعيدك إلى أولها، وهكذا تظل الرواية في كل أقسامها وفصولها، ما أن ينتهي أحد أبطالها من الحديث، حتى يُسلم طرفه لمن يليه. في الفصل الأول من الرواية شعرت ببعض الملل من طول المشهد السردي، إذ كان المشهد يتواصل على مدى يقارب العشرين صفحة أو أقل بقليل، ولكن هذا الملل بدأ بالتحول إلى إثارة في الفصلين الثاني والثالث رغم استمرار طول المشاهد، ولكنك تجد نفسك مستمراً في القراءة، ولا تتوقف خشية أن ينفلت منك أحد خيوط الرواية، لأن هذا الانفلات قد يضطرك لأن ترجع صفحات للخلف لتعوض ما فاتك، ولكنه أيضاً في الفصل الأخير ـ خاصة ـ اضطر لبعض الحشو، بأن يسرد الكثير من الأحداث عدة مرات على لسان شخصيات متعددة، كأن تُعيد (دوجة) ما قاله (السلاوي) دون أن تُضيف شيئاً تفسيرياً على الحدث كما كان يحدث في الفصول الأولى، مما جعلني كقارئة أمر سريعةً على الفصل لأنهي الرواية بشغف أقل مما بدأته. جدير بالذكر أن الرواية صدرت عن دار ميم الجزائرية في العام 2018م.