ثقافة

المترجمة بثينة الإبراهيم: قائمة أحلامي أطول من شعر الفتاة الجميلة «روبنزل»

23 أغسطس 2025
23 أغسطس 2025

حوار: حسن عبد الموجود 

في 2026 تمر عشر سنوات على صدور أول كتابين ترجمتِهما، وهما «ليكن الرب في عون الطفلة» لتوني موريسون، و«مضحك بالفارسية: مذكرات إيرانية نشأت في أمريكا» لفيروزة دوماس.. كيف تصفين رحلتك مع الترجمة؟ 

رحلة شديدة المتعة، وإن كانت طويلة، فهي تبلغ نصف رحلة أوديسيوس. ولعلي أشبهه في رحلته التي رأى فيها العجب العجاب، وما زلت أحاول إكمال أوديسة الترجمة إذا كتب لي العمر. في وسعي القول إن هذه الرحلة هي تأريخ لحياتي بالكتب التي ترجمتها. لكل منها حكاية؛ ولا أعني عملية ترجمتها وحسب، بل الظروف المصاحبة لها. كل كتاب وسم مرحلة من حياتي، بصورة أو بأخرى. 

حينما قررتِ امتهان الترجمة هل وضعتِ معايير خاصة لنفسكِ تضمن جودة الترجمة؟ 

في مقالة لنشرة «إلخ من ثمانية»، ذكرت أنني أحب الاستشهاد بوصف صلاح نيازي لتجربته بأنه دخل الترجمة من بابها الخلفي، حتى قرأت مؤخرًا وصف المترجمة انثيا بِل لنفسها بأنها محتالة سأقول إنني محتالة، دخلت الترجمة من بابها الخلفي. ذلك أني مثل نيازي دخلتها صدفةً، ومثل بِل لم تكن الترجمة تخصصي الأكاديمي. 

والحقيقة أن الترجمة لم تكن قرارًا واعيًا، بل حدثت بمحض صدفة جميلة، وأظن أنني محظوظة جدًا بهذا. 

هل هناك أصدقاء يقرأون مخطوطات ترجماتك؟ وهل تقوم دور النشر بتحرير تلك الترجمات؟ أم أنك لا تقبلين بالتدخل؟ 

لا أحب الإعلان عن أعمالي قبل صدورها، إلا في حالات نادرة، لأنني أشعر أن الإعلان يؤخر العمل بصورة أو بأخرى، ولا أدري ما الرابط بين الاثنين ولكن الأمر كذلك. لا يقرأ أحد مخطوطات الترجمة عدا أختي، التي تكون أول القراء ثم إنها تحرص على تنبيهي إلى ما فاتني من أخطاء طباعية كي أسلم العمل خاليًا منها، وإن كنت مؤمنة كل الإيمان بأن العمل البشري ناقص مهما بلغ من كمال. أما الشق الثاني من السؤال فإجابته نعم، تعمل دور النشر على تحرير الترجمة، وأقبل الاقتراحات إذا كانت وجيهة ومنطقية، وأرفض أي تعديل لا أقتنع به. عمل المحرر ليس تدخلًا، بل هو جزء منطقي من عملية الترجمة والكتابة. وهو أيضًا لا يعني أن عمل المترجم ناقص أو يشكو من علة بالضرورة. إنهما عمليتان متكاملتان، لا تطغى إحداهما على الأخرى. 

كيف جاءتك فكرة وسم «#ترجمة_كل_يوم»؟ 

كانت تدريبًا لي ووسيلة لشحذ مهاراتي، وسعيًا إلى الاطلاع على فنون مختلفة، في الشعر والسيرة والكتابة غير الروائية، وفي الروايات والمراسلات. وقد بدأت الوسم بعد صدور ثلاث ترجمات لي: «ليكن الرب في عون الطفلة»، و«مضحك بالفارسية»، و«الأخلاق في عصر الحداثة السائلة» بالاشتراك مع د. سعد البازعي.

تقولين إنه يجب لكي تترجمي كتاباً أن يتحقق شرط الاقتناع به.. ما ملامح الكتاب المقنع بالنسبة لك؟ 

أي كتاب يحترم عقلي، بمنطقه ولامنطقه أيضًا. أحب من الكتب ما يأخذني إلى مناطق لم أعرفها من قبل، الكتب التي تثير الدهشة قلبًا وقالبًا. هكذا يقنعني الكتاب، وإن لم أتفق مع مضمونه. 

كيف اخترتِ قصص مجموعة «أشباهنا في العالم»؟ ولماذا أحببتِ هذه النماذج بالذات؟ 

عمدت في هذا الكتاب إلى اختيار قصص من عصور مختلفة، وأساليب كتابية مختلفة، من أنحاء العالم. إنها تظهر أننا متشابهون في كل مكان، وإن اختلفت تفاصيلنا الصغيرة. قد لا تكون هذه النماذج هي الأجمل في أعمال مؤلفيها، ولكني وجدت أن لديها ما تقوله لنا عنا، وقد نعثر فيها على شبيه لنا، نسخة طبق الأصل أو نسخة محسَّنة نعرف فيها ذواتنا ونعرف فيها جيراننا في هذا الكوكب. إنها فرصة للتعارف! 

ترجمتِ رواية «ساحر أوز العجيب» ليمان فرانك بام.. كيف اخترتِها؟ وما المختلف في الترجمة للأطفال؟ 

أحب ساحر أوز جدًا لأني مفتونة بفكرة الرحلة. قبل سنوات نشرت عددًا من المقالات ذيلتها باسم «الرحالة ب»، تيمنًا بالكواكبي، وإن كانت مقالاتي لا تشبه مقالاته لا في الموضوع ولا في الأسلوب. 

لذلك شغفت بفكرة رحلة دوروثي منذ الإعصار، وحتى درب البلاط الأصفر. ربما لا أود أن أعود من حيث بدأت كما فعلت، بل أريد الاستمرار في الرحلة، بشروط قد تختلف قليلًا. أما الترجمة للأطفال، فهي لا تختلف عن الترجمة للكبار، إلا في نواحٍ بسيطة. لكن الطفل يعرف جيدًا الكتاب المقنع من غير المقنع، وطريقة الأطفال في التفكير مدهشة. 

هكذا بدأنا جميعًا، لكننا ننسى في خضم مشاغل الدنيا في العناية بهذه الملكة. آسفة، أحب الاسترسال دائمًا عند الحديث عن أدب الطفل، لأنه من الفنون الأدبية المحببة إلى قلبي. تختلف الترجمة في كتب الأطفال في محاولة تسهيل اللغة (تبعًا للفئة العمرية المستهدفة)، وإن كنت أحاول دائمًا أن أجعل الطفل يبحث عما استغلق عليه بالعودة إلى المعجم. دعا فالنتاين كوننغهام أستاذ اللغة الإنجليزية وآدابها في جامعة أكسفورد، إلى إلغاء التعليم الإجباري للغة الأنغلوساكسونية في الجامعة، فأرسلت الكاتبة ديانا وين جونز رسالة إلى إحدى الصحف الأدبية، تعارض فيها دعوة الأستاذ لأن إلغاء تعلم الأنغلوساكسونية سيعني انقطاع المتعلم عن تاريخ لغته، وأنا أوافقها بشدة. لذا يجب ألا تختلف لغة الترجمة في العمل الموجه للأطفال عن اللغة في أعمال الكبار في استخدامها الفصيح من الكلمات والجزل من الألفاظ بما يناسب العمل أولًا وقبل كل شيء.

هل تحاولين الحفاظ على روح النص الأصلي بقدر الإمكان؟ 

بالتأكيد. في عمل صدر منذ عام ونصف عن دار «كلمات» بعنوان «الفتاة ذات الصوت العالي»، حاولت قدر استطاعتي المحافظة على لغة البطلة التي ليس فيها أي جملة سليمة لغويًا، مع إدراكي صعوبة قراءة العمل على هذا النحو. لكن القارئ سيتآلف مع لغة البطلة وسيفهم ما تريد قوله رغم كلامها «المكسَّر». لكن تعديل اللغة كان سيفقد العمل جزءًا مهمًا من روحه، بل سيفقده العنصر الأساسي الذي تقوم عليه، وهو لغة البطلة الخاصة. 

هل غزارة إنتاجك منبعها التنظيم؟ 

أستطيع القول إني بيتوتية غالبًا، وأعيش فيما يشبه العزلة الاختيارية، ولا أحضر كثيرًا من الفعاليات والأنشطة الثقافية، عدا معرض الكتاب الذي أزوره مرة أو اثنتين حسب الظرف. 

كما أني متفرغة للترجمة، لا أعمل في وظيفة أخرى، لذا فقد يكون لديَّ متسع من الوقت أكثر من غيري. ثم إن الترجمة كالكتابة، تحتاج إلى الانضباط والالتزام. 

أحاول في عملي أن أحدد مقدارًا يوميًا من العمل أنجزه كي أتفرغ للقراءة أو لمشاريع أخرى. وردًا على السؤال: التنظيم بالتأكيد عمل مهم. 

ولعلي أتمثل بالأستاذة لطفية الدليمي الكاتبة والمترجمة العراقية الكبيرة، التي تتبع نظامًا مشابهًا في حياتها مكَّنها من إصدار كتب كثيرة تأليفًا وترجمة. 

أخيرا.. ما أحلامك للترجمة؟ 

الأحلام كثيرة! أن أترجم كل الكتب التي أحب ترجمتها من دون عراقيل، وأن يجد فيها القارئ ما يمتعه ويؤانسه. قائمة أحلامي أطول من شَعر روبنزل، لكني سأكتفي بحلم إنجاز ما علي إنجازه كي أتمكن من الاستمتاع بالقراءة أيضًا!