العمانيون يحافظون على التقاليد الموروثة في الصحاري الشاسعة
الحشمان "د.ب.أ": عندما تشرق الشمس وتلقي بأشعتها الذهبية على أكبر امتداد من الرمال في العالم، تتألق الكثبان الرملية وتكتسب لونا ذهبيا في لوحة طبيعية تفوق في جمالها خيال كبار الرسامين.
وترتفع قمم من الرمال في الصحراء وكأنها في شوق لتعانق السماء الصافية الزرقاء، لتكشف للناظرين عن مناظر طبيعية فريدة تعيد الرياح تشكيلها مرارا وتكرارا كل ليلة.
وتتصاعد في المكان فجأة رائحة طعام الإفطار الشهي، بينما يأخذ المرشد السياحي محمد مسلم المهري على عاتقه إعداد كل شيء، وهو جالس بجوار سيارة رباعية الدفع.
وتكشف الآثار الظاهرة في الرمال ثعلبا صحراويا كان يتجول بالقرب من المخيم.
إننا الآن في الصحراء المعروفة باسم الربع الخالي، "ولكنها ليست خالية كما يوحي اسمها فهي حافلة بالحياة" وفقا لما يقوله المهري.
ومع ذلك فإن قوله ليس دقيقا تماما، لأن الربع الخالي يعد أكبر منطقة صحراوية رملية في العالم، وتضاريسها قاسية وتمتد لتشمل معظم الثلث الجنوبي من شبه الجزيرة العربية.
ويقع جزء منها في سلطنة عمان، وهنا وبمساعدة مرشد محنك مثل المهري، يمكنك أن تخوض تجربة العيش في عمق الصحراء كواحد من البدو بشكل مؤقت، ويمكنك أن تمضي بضعة أيام تستكشف خلالها معالمها، وفي نفس الوقت تنعم بكل وسائل الراحة التي تجلبها الحياة العصرية، مثل التنقل بالسيارة والاسترشاد بنظام تحديد المواقع بالأقمار الاصطناعية، والمبيت ليلا داخل خيام أو أكواخ مخيمات.
وهذا الشكل العصري من الحياة البدوية يعد واحدا من خيارات عديدة متاحة في الصحراء العمانية، والمهري على دراية كاملة بكل منها ويقودنا إلى الأشخاص الذين يشكلون الوجه الحقيقي للربع الخالي.
وعليك أن تنسى الصورة النمطية الشائعة عن البدو، على أنهم شخصيات ملثمة تجوب الصحراء مع قطعان من الجمال متحملين قسوة المناخ، حيث أن الحياة البدوية التقليدية تلاشت وأصبحت من ملامح الماضي، واستقر البدو داخل بيوت مشيدة.
ومع ذلك يصر سليم حسين الراشدي على القول "إنني لا زلت بدويا".
يعيش الراشدي 60 عاما على حافة الصحراء في قرية الحشمان، وشهد موجة التحديث السريعة وفقا لما يقوله وهو يرحب بنا بتقديم القهوة والتمر، وهو تقليد تراثي عماني ينم عن كرم الضيافة لا يزال باقيا رغم مظاهر التغيير الأخرى.
واعتاد أن ينام مع أسرته داخل خيمة بدوية، قبل أن توفر الدولة منازل مجانية مزودة بأجهزة تكييف الهواء، ويقول وهو ينظر من آن لآخر إلى هاتفه المحمول "الحياة في الماضي كانت صعبة أما الآن فأصبحت ميسرة".
وهناك مشاغل كثيرة تحيط بالراشدي، ففي قريته الحشمان التي يبلغ عدد سكانها 100 نسمة، يشغل منصب ممثل الحكومة ومن مهامه الإشراف على كل الأنشطة اعتبارا من المسجد والمدرسة إلى المستوصف وملعب الأطفال.
ومع ذلك فإن جذور العصر البدوي القديم لا زالت حية في بيت الراشدي، متمثلة في أبيه حسين علي بن رميده الراشدي الذي لا يمكن تحديد عمره بشكل دقيق، غير أن الابن يؤكد وهو يظهر صورا فوتوغرافية قديمة له أن "عمره لا يقل عن 115 عاما".
وهذا التقدير يجعل الراشدي الأب أكبر رجل معمر في العالم سنا.
ويؤكد الراشدي ووجه يلمع بالفخر أن الجمال السوداء مميزة، ويقول عندما أكون مع قطيع الإبل الذي أمتلكه، أنسى كل شيء آخر في الحياة"، ولكن ما هو الشيء الذي يفتقده في حياته الجديدة ؟.
ويرد قائلا "إنني أفتقد التجمعات الكبيرة من الأهل والمعارف التي كانت تجتمع في ود"، ويضيف إن كل منزل في هذه الأيام أصبح له مساحته الخاصة".
ونعلم أن هذه البيئة التي تبدو معادية حافلة بالمفاجآت المدهشة، ويعلم المهري كيفية قراءة معالم الرمال وأسرارها، ويعلم أماكن الكثبان الرملية العالية التي يصل ارتفاعها إلى 300 متر، وأين تكمن الصخور التي بحجم كرات التنس وتسمى الجيود وتعد من الأحجار الكريمة المتلألئة.
ويتوقف عند هيكل عظمي لجمل نافق، ويشير إلى آثار أنواع من السحالي وحيوانات الجرابيع والقوارض الصحراوية، مما يدل على حياة استطاعت التكيف مع بيئة قاسية.
ويتضح هذا التكيف أيضا في واحة ظهرت من صنع الإنسان، ويعرف المهري حقلا من زهور الرمال وينبوع دافئ تدفق فقط نتيجة أعمال حفر قامت بها شركة للتنقيب عن النفط، أدت إلى استخراج المياه من عمق 200 متر.
وهذه المياه المتدفقة متاحة للجميع، ويمكن الحصول على المياه عن طريق صمام كما يمكن حنى استخدامها في الاستحمام في الصحراء من خلال خرطوم.
وبعد مسيرة ساعات بالسيارة في مكان ما وسط العدم، يعيش شير أحمد وهو أب شاب لأربعة أطفال، ومعه أيضا ناصر أحمد حيث يعملان معا في رعاية الإبل، وهما من باكستان ويعملان ضمن فريق من أربعة أفراد مسؤول عن رعاية 250 جملا.
ويوضح الدليل المهري قائلا "إنهما من البدو العصريين، ولا يقوم العمانيون بمثل هذا العمل".
وهم يتحركون مع الجمال مثل أسلافهم كل شهرين أو ثلاثة أشهر، وهم يستخدمون الشاحنات في التنقل هذه الأيام، ويسمح لهم بالحصول على إجازة يسافرون خلالها إلى بلدهم كل عام أو عام ونصف العام.
وأصبح في استطاعتهم استخدام طبق فضائي مرتبط بالأقمار الاصطناعية لاستقبال شبكة الإنترنت، مما يمكنهم من الاتصال بشكل مستمر بأقاربهم عبر منصة واتساب، وفي الصحراء القفر يعيشون في غرف داخل حاويات يمكن نقلها من مكان لآخر.
وهم يرحبون بضيوفهم في مقطورة مشتركة مزودة بسجادة وجهاز تكييف الهواء، ويعمل المبرد بداخل مكان المعيشة بالطاقة الشمسية، وفي الخارج ربطوا جملا رضيعا أسود اللون بالشاحنة، ولأن أمه غير قادرة على إرضاعه فإنهم يتولون مهمة تزويده باللبن.
