No Image
ثقافة

السيد هلال بن بدر: الشاعر الظريف

03 أبريل 2024
رواد الأدب العماني
03 أبريل 2024

هلال بن بدر بن سيف البوسعيدي، ولد بمسقط سنة 1314هـ/1896م، ونلاحظ أن عدة عوامل أثرت في حياته وشاعريته، أولهما، أنه نشأ في أسرة عريقة، هي ربيبة القصر، فقد كان والده من قادة دولة السلطان فيصل بن تركي.

ثانيها: بيئته العلمية، فقد قرأ القرآن على محمد أبي ذينة التونسي، وأخذ علوم العربية على يد العلامة راشد بن عزيز الخصيبي، والعلامة عيسى بن صالح الطيواني، ثم عاش في عُمان في أحضان الأدب والعلم.

ثالثها: ترقّيه في القصر السلطاني، فحين بدأ نظم الشعر، وترقى بفنه حتى أطلق عليه «الشاعر الظريف» للطافة أسلوبه، وجاذبية شعره، قرّبه السلطان حتى شغل العديد من المناصب الرسمية، فقد كان نائبًا لرئيس المحكمة العدلية ثم سكرتيرًا خاصًا للسلطان سعيد بن تيمور، ثم رئيسًا لأول مجلس بلدي في العاصمة، ثم عيّن مندوبًا للسلطان في المهام الخاصة.

رابعها: أسفاره، فمنصبه أتاح له السفر إلى بلدان كثيرة بصحبة السلطان مثل أوروبا والهند والبحرين.

وللسيد هلال ديوان شعري مطبوع بعنوان: «ديوان السيد هلال بن بدر البوسعيدي» حققه: محمد بن علي الصليبي وألّف كتبًا أخرى (غير مطبوعة)، ومنها: «الأوليات»، و«تاريخ عمان» وهو في أربعة أجزاء، و«المناهج الدراسية»، كما ألّف كتابًا في «الإملاء».

وتغطي قصائده موضوعات المدح والرثاء والغزل والحض على طلب العلم، وشعر السيد هلال يتصف بثلاث خصائص مهمة في مستواه الموضوعي: الأولى إنه شعر وطني، يقول الدكتور عبد الباسط عطايا «شعر السيد هلال يتقاسمه محوران المحور الوطني العماني، والمحور العربي الإسلامي، ففي المحور الأول، نجده حريصا على الوطن واستعادة أمجاده، امتدادًا لنفس أبي سلام الاستنهاضي:

يا دعاة الشقاق رفقا بقطرِ

حطمته الأغراض والأهواءُ

أين منكم أئمةٌ، خيرة الخلق

هداةٌ، أعزةٌ، فضلاءُ

وملوكٌ شادوا دعائم ملكٍ

وبإفريقيا تعالى البناءُ

وطني والخطوب فيه توالت

هل على مثل ما أتانا بقاءُ

لذا يتمنى أن يعود لعمان غابر مجدها، ويرى أن العلم أفضل وسيلة لذلك، وخاصة المعاهد التي يتخرج منها «جيل تطفح وجوههم بالحيوية والرجولة، فبالعلم يستطيع الأبناء أن يتعرفوا على تاريخ أجدادهم وماضيهم العريق، ثم يذكر بعض مآثر الأجداد من إكرام الضيف، كما يشير إلى المشهورين والمرموقين في تاريخ عُمان، ويهيب بالأبناء أن يحسنوا النوايا، ويتخلوا عن الأوهام، يقول:

شباب وفتيان كأن وجوههم

وأحسابهم منها صفائح عقيان

إذا وردوا من منهل العلم وارتووا

أجابوك عن ماضيهم ببيان

ألسنا قراة الضيف في كل موطنٍ

ألسنا أباة الضيم يوم طعان ؟

أليس صحار يوم ذاك خطيبنا

ومن كصحار والزعيم ابن صوحان ؟

بني انبذوا غِل الصدور وحطّموا

قيودا من الأوهام والهذيان

فعمان تسكنه حتى في قصائد المديح، حين يهنئ بفتح مبين، أو نصر تليد، أو بعيد مجيد فيلهج لسان حاله معبرا عن كل هذا شعرا، ومن ذلك قوله مهنئا السلطان سعيد بن تيمور بالعيد:

إشراق وجهك للعروبة عيدُ

فاهنأْ بدهرك إنه لسعيد

وأعدْ مكان عمان في تاريخها

فحليفك التوفيق والتأييد

واسعد بوالدك المليك وقربه

فالشمل مجتمع ويومٌ عيد

ولنجلكم قابوس جل تهانئي

لا زال يسمو للعلى ويسود

وعمان مهد العروبة في الماضي والحاضر والشاعر لا يرضى بعمان بديلا:

مهد العروبة ماضيها وحاضرها

فشيبها وفتـاهـا اليـوم أحـرارُ

حسبي عمان ولا أرضى بها بدلا

إن غرّ غيري بنيان ودينارُ

أما المحور الثاني فهو المحور العربي الإسلامي، فيحضر الوطن العربي وقضاياه، ونلمس أيضا مسحة الاستنهاض، فنراه يخاطب الأباة من أبناء الأمة العربية والإسلامية، يستحثهم ويثير هممهم، ويذكرهم بماضيهم الحافل المجيد، ومن هذه الأبيات ما يخاطب فيه (بغداد) قائلا:

بغداد يا أرض الأباة

يا أخت دجلة والفرات

بغداد یا بلد العروبة

والعلوم الخالدات

بغداد مهد العلوم أنت

وما أتى من معجزات

بغداد یا بلد الرشيد

وآله الغر السراة

بغداد یا بلد النضال

وقادة العرب الكماة

فكان السيد هلال صوتا مدويا في الدعوة إلى الوحدة العربية، والتخلي عن كل ما يسبب الفرقة والتجزئة، ومن ذلك قوله:

من لي بيومٍ للعروبة

عائد بالماضيات

من لي بها من وحدةٍ

وتساندٍ في المعضلات

من لي برايات لها

متعانقات خافقات

من لي بجحفلها إذا

ماسار دك الراسيات

قم يا فتى العرب الكماة

فقد ورثتَ المكرمات

وانهض فمجدك لم يقم

إلا على حد الظباة

طهّر بلادك واغتنم

عز الحياة من الممات

أما نكبة فلسطين فإنها من أشد الأرزاء التي ابتلي بها العرب والمسلمون في تاريخهم القديم والحديث، وهي الجرح في القلب العربي المسلم الذي مازال ينزف في انتظار اليد المؤمنة التي تضمد الجراح، وتجمع الشمل وترأب الصدع، وتغسل من جبين الأمة عارا لحقها، فقد أثارت هذه القضية كوامنه ولواعجه فراح يتغنى بصدق الإحساس وحرارة العاطفة يبلور ما يكنه صدره من حب لهذا البلد المقدس، أرض الإسراء والمعراج، وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وهو يهيب بأبناء العروبة أن يهبوا يدا واحدة لغوث أبناء فلسطين بكل ما تجود به أنفسهم وتحريرها من الأعداء لتعود إليها أصالتها، يقول:

أكثرت في القول بل أكثرت في الخطبِ

أقلل فديتك واعمل يا أخا العربِ

جردت سيفًا ولكن لا مضاء له

كأنما السيف منسوب إلى الخشبِ

بني العروبة هل طاب المقام لكم

وفي فلسطين أشلاء على لهب ؟

من للفتاةِ إذا ما هيض جانبها

ومن لشيخ قعيد عندها وصبي

يستصرخون بكم هل منقذ لهم

من الفظائع والتنكيل والوصب

سمعت جعجعة منكم فهل طحنت

تلك الرحى أم غدت في كف مضطرب

أثرتموها وقلتم سوف نجعلها

مزدانة بجهود الفعل والنسب

وسرتمو وبنود النصر تقدمكم

فكان فعلكم أدعى إلى العجب

قد انثنيتم وقد خارت عزائمكم

وعم جمعكم ضرب من الشغب

وكلما رمتم أمرا تثبطكم

عن المضي به آراء ذي إرب

أبعد ما انتثرت أشلاؤكم وجرت

دماء أبطالكم في المأزق اللجب

تهادنون ولم تفلل مضاربكم

يا للرجال لأمر غير مرتقب

أما الخصيصة الثانية لشعر السيد هلال، فهو تمثيله عصره الذي عاش فيه في مدحه ووصفه، فأنت تمر بأحداث عمان والوطن العربي كله، ونراه يكتب متأثرا معزيا مصر في وفاة أحمد شوقي وحافظ إبراهيم فيقول:

خر نجمان من علو سماك

أنت يا مصر ما الذي قد دهاك

حافظ مات ثم يتلوه شوقي

أي خطب أجل مما أتاك

شاعر النيل من تركت لمصر

بعدك النيل ما جرى غير باك

أما الكويت فإن الشاعر يذكر لها وقوفها إلى جانب الأمة العربية ودعمها بالمال خاصة حين تعرضت مصر للعدوان الثلاثي ١٩٥٦م.

إن الكويت إذا ازدانت بثروتها

زادت مكارمها طالت أياديها

كم من أياد لها مَدت بمكرمة

نحو العروبة في أعلى رواسيها

والخصيصة الثالثة، إنه شاعر المجتمع وقضاياه، فنراه يدعو إلى طلب العلم والتحرر من براثن الجهل، فالعلم هو إكسير الحياة فنجد له نصيب الأسد في أشعاره، ها هو يرحّب بعودة البعثة التعليمية من العراق، وقد ألقى القصيدة في الحفل الذي أقيم في المدرسة السعيدية بمسقط، فيقول:

اليوم أطربُ أن أحيي فتية

قد أعرقوا نحو العلوم فأنجدوا

ياقتيه رفعت مكان بلادها

طابت عناصركم وطاب المولدُ

كما يهيب بالفتاة العمانية أن تتحرر من قيود الجهل كما يحثها على طلب العلم والتمتع بحقوقها التي شرعها لها الإسلام، فاسمعوا معي إذ يقول:

وصرحي بلسان العلم طالبةً

حقًا يجلك في عالٍ من الرتب

للبيتِ أنت وللطفل العزيز

وللزوج الأليف وللأخلاق والأدب

وكثيرا ما دعا الشاعر أبناء عمان للتحلي بالمكارم:

ألسنا قراة الضيف في كل موطن

ألسنا أباة الضيم يوم طعان

أليس صحار يوم ذاك خطيبنا

ومن كصحار والزعيم أب صوحان؟

بني انبذوا غل الصدور وحطموا

قيودًا من الأوهام والهذيان

أما الوصف فله فيه شعر رائق، ومن ذلك وصفه لحصن جبرين حين قال:

يا نسمة في ربى جبرين مسراها

أهدت لقلبي ذكرى لست أنساها

وأنعشتني وما في القلب من وطر

سوى عهود أُناجيها وأرعاها

في ظل قصرك يا جبرين مرتعها

وتحت دوحتك الشّماء مأواها

من لي بجبرين أو من لي بدوحتها

من لي بساحتها من لي بريّاها

ملء الفؤاد وملء العين موقعها

وفي ضميري أنّى سرت مجراها

يومي بقصرك يا جبرين قد قصرت

ساعاته ودقيق الفنّ أفناها

أُقلّب الطّرف في أشكال هندسة

وأستعيد خيالي في ثناياها

يا قصر حدّث وفي التاريخ مفخرة

فقد خبرتك مزهوا وتيّاها

ما أنت يا قصر إلا تحفة عرضت

تكفّل الدّهر في إيضاح معناها

يقول الصليبي: «أما من الناحية الفنية فإن الشاعر يبدو مقلدا في كثير من الأغراض التي طرقها كما أكثر من المقطعات التخميسية. ومن حيث العاطفة فإننا نجدها فاترة في بعض القصائد، أما في المدح فإننا نستطيع التعرف عليها في كل قصائده. أما عن أسلوبه فإن الشاعر يكثر من الإطناب والاقتباس من القرآن الكريم والحديث الشريف، وقد تملي عليه ضرورة القافية استخدام ألفاظ لا تفي بالمعنى الصحيح. أما خياله فيتجلى في كثرة استعاراته وتشبيهاته وكناياته».