ثقافة

أمسية رمضانية تستعرض «خريف زنجبار» في قالب روائي فني كُتِب للأجيال

27 مارس 2024
27 مارس 2024

احتضن مجلس حارة الشمال بولاية مطرح أمسية ثقافية للمؤلف عبدالله بن علي المجيني الذي قدم قراءة في روايته «خريف زنجبار»، وأدار الأمسية أنور الخنجري، بحضور عدد من محبي التاريخ والمهتمين.

واستهل عبدالله المجيني الأمسية بالتحدث عن مكانة زنجبار في قلب كل عماني حيث كانت عاصمة للإمبراطورية العمانية ومثلت فترة ازدهار في حياة العمانيين، حيث حققت عمان الكثير من الإنجازات السياسية على صعيد العلاقات الدولية مع عدة دول كبرى، وعلى صعيد التقدم الاقتصادي للموارد الزراعية فاستحدثت شجرة القرنفل، كما قام العمانيون كأسطول بحري كبير بالتجارة في وقت السلم.

وأضاف المجيني بأن أيام السلطان سعيد بن سلطان شهدت تشجيع الناس على الزراعة، وتم دعمهم بإصدار المراسيم السلطانية من قبل السلطان سعيد بن سلطان على أن من يزرع قرنفلا تدعمه الحكومة بشراء المحصول، وأن من يذهب لأرض قاحلة ويزرعها قرنفلا تصبح الأرض له، وأن من يزرع أي شجر آخر عليه أن يزرع مقابل كل شجرة شجرتي قرنفل، موضحا بأن ذلك أدى إلى تقدم البلد وتقدم تصدير سلعة كانت تكاد تصل إلى سعر الذهب. وعاش العمانيون ظروف ازدهار؛ لأنهم عاشوا واشتغلوا بتقاليدهم وأخلاقهم وبسببهم دخل الكثير من الأفارقة إلى دين الإسلام، ولكن القوى العظمى لم يرق لها قيام دولة عربية في تلك البقعة الخصبة من إفريقيا في نهاية القرن الماضي. فتآمرت، وتم الإعداد لإنهاء الوجود العماني بتنظيم من مرتزقة خارج زنجبار، كما تم تدريبهم على أيدي قياديين من خارج زنجبار، في الوقت الذي انشغل العمانيون فيه بخلافاتهم الداخلية مثل التنافس على السلطة والكراسي بدلا من أن يصنعوا جيشا قويا يحميهم، ودستورا وقوانين تجمعهم، وإنما تنافسوا على الأحزاب السياسية، فما كان من المتواطئين والأعداء إلا أن نجحوا في الانقلاب في سنة 1964 الذي كان وبالا على العمانيين، وارتكبت فيه الكثير من المجازر والحروب والاغتصابات والسرقات، وطرد الكثير منهم بل هربوا إلى جميع أصقاع الأرض ومنها إلى البلد الأم، ومنهم من بقي هناك يعايش مرارة العيش حتى واجه صعوبة في الاستمرار واضطر للخروج متأخرا. ويوضح المجيني: لقد جاءت فكرة كتابتي لهذه الرواية بعد أن طلب مني العديد من الأصدقاء زيارة زنجبار، وأخص بالذكر صديقي الدكتور ناصر بن عيسى الإسماعيلي الذي عايشت أسرته الظروف الصعبة وتمكنت في نهاية المطاف من التغلب على الحياة القاسية بعد ما لاقته من مرارة العيش والهرب إلى عمان بطريقة متعبة جدا وصعبة. واستعرضت خلال الرواية قصة أسرة الدكتور ناصر، وهي أسرة عمانية محافظة، والده الشيخ عيسى بن سعيد الإسماعيلي العالم المتدين الذي كان مدرسا لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، وتعلم على يديه منذ البداية، وقد بقي الشيخ عيسى هناك متمسكا بدينه وأخلاقه، ولم يتمكن من الخروج في سنة 1964، وكان رجلا كبيرا، لديه أسرة كبيرة، واضطر للبقاء حتى سنة 1972 عندها قرر الذهاب عبر الأراضي التنزانية بطريقة غير عادية. وباستطلاع حياة هذه الأسرة ومعايشتها للواقع المرير بالرغم من كونها أسرًا غنية في زنجبار إلا أن انقلاب سنة 1964 سلبها الكثير من الأملاك وأصبحت فقيرة معدمة. وباستعراض حياة هذه الأسرة حاول المؤلف أن يلقي بصيصا من الضوء على حقبة مهمة من تاريخ عمان، في تلك البقعة من الأرض، تكلم عن الأحداث وعن والثقافة العمانية، والحياة الاجتماعية العمانية، وممارسات العمانيين للتجارة والزراعة وقارنها مع حياة العمانيين في الوطن الأم، كما استعرض الكثير من الأنشطة اليومية والتقاليد والعادات والمناسبات، ليدون ما حدث ويثقف الأجيال الجديدة عن تاريخ عمان في تلك الحقبة وليجعل من روايته مرجعا للأشقاء العرب والأصدقاء الأجانب إذا ما أرادوا أن يعرفوا ما حدث في زنجبار وما هي أهمية زنجبار بالنسبة للعمانيين. ووجد المؤلف حاجة لوجود عمل روائي فني ليثقف الأجيال بطريقة غير مملة بعيدة عن مناهج البحث العلمي، مليئة بالتشويق لتكون أعم وأسهل واضعا في الاعتبار بأن الكثير من الكتب تناولت التاريخ العماني ولكن لم تؤلف روايات بهذه الطريقة. بعدها انتقل المجيني إلى التحديات التي أوضح بأنها تمثلت في تفاصيل حياة الأسرة وشح المعلومات عن الممارسات اليومية وشح المعلومات عما جرى للأسرة من أحداث والأسر التي عايشتها.

وعلى سبيل المثال الحياة اليومية في السجون والمعتقلات لم نستطع من خلال الكتب إيجادها لذلك اعتمدت التوثيق الشفوي في ذلك. كما اعتمد المؤلف على السرد الشفوي وتكمن صعوبته أن الأسرة تتكون من عدة أفراد كما أن الوالدين توفاهما الله، وبعد أن أخذ المؤلف بعض المعلومات من شفاه أحد الإخوة يضطر لإعادتها للمراجعة من بقية الأسرة للتأكد من سلامة كل الأحداث، والأنسب للكتابة عن أسرتهم. بالإضافة إلى شح المعلومات، ومقابلة أفراد الأسرة للاستماع إلى رواياتهم، وتطلب العمل زيارات ميدانية، وكانت الزيارة الأولى إلى زنجبار للأماكن التي عاشت فيها الأسرة في الريف الزنجباري وفي القرية التي نشأوا فيها، وقام المؤلف بزيارة المزرعة في القرية ولم يوجد فيها إلا الأطلال، ولكن مع الوصف الذي قدمه الأبناء تشكلت الصورة الدقيقة للمزرعة في ذلك الزمان، والممارسات اليومية للشيخ عيسى في مزرعته، والأعمال التي يمارسها السكان والقرية وكيف كانوا يعملون ويعيشون في الريف. بعدها انتقل المؤلف في زيارته إلى العاصمة التي عرفت باسم «المدينة الحجرية»، التي انتقلت إليها الأسرة بعد ذلك، وتم وصف المدينة والمباني والحارات والشوارع مركزا على الازدهار والفترة الرغيدة التي كان يعيشها العمانيون، وعلى التقدم المشابه لما يحدث في أوروبا من رصف للشوارع والتنظيم والمدارس والمصالح الحكومية، وأماكن الترفيه وملاعب الرياضة والأسواق المرتبة والميناء ومركز الشرطة وكل ذلك. كما وصف المؤلف بدقة المنزل العماني وكيف يعيش الناس فيه وأهم المباني والمرافق في المدينة، متتبعا خطة هروب الأسرة عبر الساحل التنزاني إلى دار السلام وبعدها السفر جوا إلى القاهرة ثم بيروت وبعدها إلى سلطنة عمان. وبعد الزيارة الأولى لزنجبار بسنتين ونصف أتبعها المجيني بزيارة ثانية للتأكد من المعلومات في وصف زنجبار ومرافقها ومبانيها، وأن ما كتب من وصف كان دقيقا، كما قام بزيارة جزيرة السجن، التي اعتقل فيها الكثير من العمانيين بعد الانقلاب، ومن ضمنهم والد الأسرة الشيخ عيسى الإسماعيلي. وبيّن أن الزيارات الميدانية كانت مهمة لتوثيق الرواية، وتحدث بعدها عن مستقبل الرواية بمحاولاته لإيصالها إلى أكبر شريحة من اللغات، مبينا أهميتها في إلقاء الضوء على التاريخ العماني، محاولا التوجه إلى مشروع آخر بتسليط الضوء على تاريخ وجغرافيا سلطنة عمان. كما أشار إلى كونها الرواية الأولى وأنه اشتغل كثيرا لإخراجها بصورة ناجحة. ووضع المؤلف مقدمة للرواية سطر فيها أهدافه، ووضع المراجع العربية والإنجليزية التي اعتمد عليها في نهاية الرواية، بالإضافة إلى الصور الفوتوغرافية لتدلل على الوقائع وتكون شاهدة على أحداث الرواية، وأوضح بأنه ضمن الرواية آراءه الخاصة السياسية والاجتماعية لإضفاء اللمسات الشخصية في الرواية مؤكدا على أنها آراء شخصية تحتمل الصحة والخطأ، وأشار بأن الرواية متوفرة في مكتبة روازن وقراء المعرفة لكل من يحب الاطلاع عليها.