No Image
ثقافة

أضاميم.. السيد حمد يؤرخ للشعراء في «قلائد الجمان»

17 سبتمبر 2022
17 سبتمبر 2022

صدرت الطبعة الأولى من كتاب (قلائد الجُمان في أسماء بعض شعراء عُمان)، للسيد القاضي الأديب حمد بن سيف بن محمد البوسعيدي (ت: 1997م)، في مسقط عام 1413هـ/ 1993م، ورغم أن الجهة التي صدر عنها الكتاب لم تُذكر في صفحة البيانات، لكن من الواضح أنه عن مكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي في بدايات نشرها، وقد قدَّم له عبدالله بن سلطان المحروقي (ت: 2021م)، ووصفه بأنه (كتاب فريد في موضوعه، جمع فيه الكثير من أشعار متفرقة لعلماء كاد أن يَخْنَي على تلك القصائد المتناثرة).

وكتاب «قلائد الجُمان» مكمِّل لكتاب «شقائق النعمان»، لمؤلفه الشيخ محمد بن راشد الخصيبي (ت: 1990م)، الصادر في طبعته الأولى عام 1984م، عن وزارة التراث القومي والثقافة (سابقا)، ولكن حظ كتاب «الشقائق» من الذيوع والشهرة أكثر من حظ «القلائد»، إذ يكاد لا تخلو مكتبة عمانية منه، وأعادت الوزارة طباعته عدة مرات ولا تزال، وهذا لا يعني أن كتاب القلائد لم يحظ بالقبول، بل أن طبعته نفدت منذ سنوات، ولا أظن أن طباعته أعيدت، على أهمية الكتاب للباحثين، والذي يؤرخ لأكثر من مائة شاعر عماني، من أجيال وأزمنة مختلفة.

في مقدمته كتب السيد حمد (رحمه الله): (خطر بالبال أن أجمع كتابًا مختصرًا، أذكر فيه بعض شعراء بلدنا عُمان، الذين لم يرد ذكرهم في كتاب «شقائق النعمان»، وفي الحقيقة لا لوم على مؤلفه في عدم ذكرهم، بعُدم المصادر والمراجع، وإلا فهو قد بذل الجهد وآل بما لم يسبق عليه، ومن غير الممكن حصرهم، لكن كل يدوِّن ما اطلع عليه..)، لأنه يصعب على المؤلف جمع كل الأسماء، خاصة أنه اعتمد على مصادر من المخطوطات، ثم تتوفر في فترة لاحقة مخطوطات أخرى، وحينها يكون الكتاب قد طُبع، وخرج إلى النور، أو يكون المؤلف قد فارق الحياة، فيأتي من يكمل مشروعه.

تنتمي مادة الكتاب إلى «السير والتراجم»، وهو نمط قديم من التأليف، نتج عنه الكثير من المؤلفات العربية، وفي عمان يرجع الفضل للأديب الشيخ محمد بن راشد الخصيبي صاحب كتاب «شقائق النعمان»، ولولا الجهد الذي بذله، لضاعت الكثير من الأسماء الأدبية والشعرية العُمانية، كما أنه فتح باب توثيق أسماء الشعراء، وتقسيمهم إلى طبقات، ونَظْمِ أسمائهم في قصيدة واحدة، مطلعها: (أتْحِفِ السَّامِعينَ مِنْ ذِكرَياتِي.. واسْقِهم مِنْ رَحِيقِ مُبتَكرَاتِي)، مع إرفاق نصوص من روائع أشعارهم، وفتح الباب لجيل آخر من الباحثين، فظهر الشيخ سيف البطاشي بكتابه «إتحاف الأعيان» طبع في ثلاثة أجزاء، ويمكن إضافة كتاب «شعراء عمانيون» للشاعر سعيد الصقلاوي بين هذه القائمة التي اشتغلت على توثيق الأسماء الشعرية، وكذلك بعض من مؤلفات إسماعيل بن حمد السالمي ككتابه «المُذكِّرَة في الشعر العُماني»، وأسماء أخرى، عملت في هذا الحقل بصور مختلفة، توثيقًا وحصرًا وجمعًا وتحليلًا ونقدًا.. الخ.

أما السيد حمد بن سيف فلم يقسِّم الشعراء إلى طبقات، كما فعل الأديب محمد الخصيبي، ولم يجمعهم في منظومة واحدة، إنما قدَّم لكل شاعر بتعريف موجز، وكعادة المؤلفين العمانيين، وغير العمانيين التقليديين، لا يهتمون بتوثيق مصادرهم، رغبة في الاختصار، فهم ينقلون من غيرهم بلا توثيق لمصادرهم، وقد يشيرون عرَضًا في سياق المادة، إلى اسم المؤلف أو اسم الكتاب.

وقد رتَّب السيد حمد أسماء الشعراء في الكتاب ترتيبًا ألفبائيًا وليس طبقيًا، وتحرَّى تواريخ ميلادهم أو وفاتهم، ويؤرِّخ لبعضهم بكلمة «حُرْوَة»، فيكتب على سبيل المثال: (وُلِدَ حُرْوَة...)، أي أتحَرَّى عام ميلاده، وفي بعضهم يذكر القرن الهجري الذي عاش فيه الشاعر، ونجده يختصر في تقديم بعضهم، أو يسهب في الكتابة عن آخرين، بما يتحصَّل عليه من معلومات، تبلغ قرابة صفحة، ثم يرفق نماذج من أشعارهم، ويختار من النصوص المتميزة لهم، أو المتربطة بحدث ما، أو كتب تقريضًا شعريًا لكتاب ما، كقصيدة سعيد بن سليمان بن سرحه العامري، في تقريضه لكتاب «التقييد والاختصار»، يقول في بعض منها: (فيه كشفٌ لكلِّ مَعْنَى خَفِيٍ.. مُشكِلٍ مِن مَسَائِلِ الآثارِ)، (وبه الطِّبُّ والعِلاجُ وفيه.. طَرَفٌ مِن جَواهِر الأشعَار..) وكقصيدة الفقيه واللغوي والمؤرخ سلمة بن مسلم العوتبي الصُّحاري، يشير إلى كتابه الفقهي «الضِّياء» في قصيدة بائية: (سَمَّيته بالضِّيا إذ كانَ فيه هُدَىً.. مِنَ العَمَى وضِيا مِن ظَلةِ العَطب)، مذكرًا ببيتي الزمخشري الشهير في مدح تفسيره «الكشَّاف»: (كلُّ التفاسِيرِ في الدُّنيا بلا عَدَدٍ..)، وبعض الشعراء ينظمون فصول الكتب ذات الأجزاء المتعددة، كقصيدة الأديب سالم بن محمد الصَّخبوري النزوي، (من شعره قصيدة في عدد أجزاء كتاب «بيان الشرع» مع ذكر محتوياته)، وبعضهم يكتب الموشح، كالشاعر خلف بن أحمد بن عبدالله الرقيشي:

أيُّهَا النائِمُ لِمْ هَذا المَنَام

فالضِّيَا لاح.

فَدَع النَّوْم وبادِرْ للقِيَام

قَدْ دَنا الإصْباح.

ومن النظم العلمي، يذكر السيد حمد في قلائده أنمُوذجًا شعريًا للطبيب الشاعر راشد بن خلف بن محمد بن عبدالله بن هاشم، نشأ في قرية «عيني» بالرُّستاق، له منظومات في الطب، كقصيدته «زاد الفقير وجَبْر الكسير»، قصيدة شهيرة للطبيب، وقدمها السيد حمد بقوله: (حوت ما يحتاج إليه الطبيب من معرفة طبائع الأغذية والأدوية ومعرفة الداء والدواء، وقد شرحها بنفسه شرحًا وافيًا)، وهذا أولها:

أقولُ مَقالًا

مُحْكمًا ومُفصَّلًا

لأهل النُّهَى

في الطِّبِّ عِلمًا مُكمِّلًا

ومن الأطباء الشعراء كذلك، الطبيب راشد بن عميرة بن ثاني بن خلف، من حكماء القرن العاشر الهجري، ينتمي إلى الأسرة الطبية الشهيرة، وصاحب كتاب «فاكهة ابن السَّبيل»، ومن شعره منظومة رائقة، تتناول ما يجب على الطبيب معرفته من الشروط التي أمر بها الحكماء، وله أرجوزة في ذكر العين وأدويتها، فهو طبيب ومؤلف، وله أراجيز كثيرة في علم الطب، كمعرفة النبض والتشريح وغيرها.

ويا لهذا «النصيف» الذي شغل بال الشعراء بعد أن سقط من رأس صاحبته، منذ النابغة وحتى اليوم، أحقا لم ترد إسقاطه يا أبا ذبيان!، ولأنه النصيف، الخفيف الرهيف، السِّاقط ولا لاقط، فترسُم عينُ الشاعر المشهد، وتصوِّره بحسب حملقة عينه ورَفَّة جفنه، ولأنه النصيف، فلا يفوِّت الشعراء وصفه، ولو بالإشارة إليه، ويضمِّن السيد حمد كتابه القلائد أكثر من قصيدة في وصف النصيف، الأولى للشاعر الأديب صالح بن حبيب البوسعيدي، عاش في بلدة «مسلمات» بوادي المعاول، خلال القرن الثالث عشر الهجري، وله أشعار لم يوجد منها إلا اليسير، منها قصيدة النصيف:

قالتْ وقد سَقَط

النَّصِيفُ برَدْفِها

أمَّاهُ قدْ ضَاعَ

النصِيفُ وَبَانا

وفي النصيف، يكتب الشاعر المِنَحِي الشيخ سليمان بن أحمد المحمودي:

وتَقُولُ يا أمَّاهُ:

واحَزَنِي لقَدْ

سَقَطَ النَّصِيفُ

ومَا عَلِمْتُ وبَانا

ويكتب الأديب مسعود بن محمد الصَّارمي في النصيف قصيدة عينية، منها:

سَقطَ النَّصِيفُ

ولا دَرَتْ بسُقوطِهِ

فبَدَا لنَا قَمَرٌ ولَيلٌ أسْفَعُ.

واختيارات السيد حمد للقصائد الشعرية، تتشابه تقريبًا مع اختيارات الأديب الخصيبي في الشقائق، بما يتفرَّد بها الشاعر، وتحمل متعة قرائية، متجاوزة الأغراض المألوفة، ما يؤكد أن هذه النصوص تحمل فكرًا ومعرفة ورؤية، وأن الشاعر العُماني في مختلف العصور، حاول أن يطور من أساليبه الشعرية، ويقدم ابتكارات جديدة على التجربة، كما تؤكد اختياراته للقصائد ظهور شخصيات أدبية وشعرية مثقفة، خلال القرون الماضية.

ختامًا: للسيد حمد مؤلفات أخرى، من بينها: «الجواهر السَّنية في المسائل النظمية»، و«إرشاد السائل من أجوبة المسائل»، و«الموجز المفيد نبذة من تاريخ البوسعيد»، وقبل وفاته كان ينوي أن يصدر كتاب حول الخنساء العمانية، جمع فيه سير لمجموعة من الشاعرات العمانيات، مع نماذج من أشعارهن، على شاكلة كتاب القلائد، لكن الموت عاجله.