ثقافة

أخاطب الأطفال والأهل معًا في كتاباتي من أجل الوصول إلى الهدف المنشود

20 أكتوبر 2023
د. فاضل الكعبي لـ«عمان»:
20 أكتوبر 2023

أشار إلى الإهمال الذي يعاني منه المتخصّصون في أدب الأطفال

إدمان الأطفال على الألعاب الإلكترونية يجب أن يقابله عمل موازٍ يحمل المتعة والشغف ذاته

يعتبر الدكتور فاضل الكعبي واحدا من المهتمين بأدب الأطفال في الوطن العربي وما قدمه للمكتبة العربية من أعمال كثيرة في مختلف صنوف الأدب يجعله في ريادة العاملين في هذا المجال.

جريدة «عمان» حاورته في عدد من القضايا التي تهم الإبداع للأطفال ومستقبل الطفولة العربية، تابعنا:

إعداد جيل من الأطفال يعني بناء مجتمع، ككاتب متخصص في أدب الأطفال كيف يمكن أن يكون هذا البناء صحيحا من خلال الأدب والقراءة في ظل ما يحيط بمجتمعاتنا العربية من انتكاسات وإحباطات ووضع اقتصادي صعب...؟

هذه حقيقة علمية وتربوية خالصة يمكن إدراكها ومعرفة نتائجها في الواقع السلوكي والتربوي والعلمي للطفل، وكذلك ما كشفته وكشفت عنه الدراسات العلمية التي خلصت إلى نتائج لا شك فيها تشير وتؤكد على أهمية الأدب والقراءة في وضع الأسس الصحيح لبناء الطفل والتواصل في تصاعد ركائز هذا البناء بالشكل الصحيح، فالطفل الذي يتلقى العناصر الأدبية والثقافية المتقدمة في عملية البناء لكيانه الإنساني نجده أكثر رسوخًا وصحة ونضجًا من الطفل الآخر الذي حرم من تلقي هذه العناصر والمنعزل عنها بالمرة، فالطفل الأول أكثر إيجابية وسلامة وجودة من الطفل الآخر، فالأول تكمل فيه ممكنات الإيجابية على عكس الطفل الثاني الذي يكمن فيه السلب بكل أبعاده وإفرازاته نتيجة ما يسيطر عليه من الجهل ومن الفقر الثقافي في سلوكه وفي قدراته وفي نظرته للحياة وفي معطياته لهذه الحياة، ولهذا لا بد من اعتماد الأدب واتخاذه كضرورة وأساس مع ممكنات القراءة ووسائلها في البناء الإنساني والتربوي والاجتماعي السليم للطفل، أما ما ذكرتَه وأشرتَ إليه مما يحيط هذا الطفل في مجتمعاتنا العربية كما من انتكاسات وإحباطات ووضع اقتصادي صعب فهذا لا يمنع من تحصيل ما يجب تحصيله من وسائل وممكنات أساسية وضرورية لبناء الطفل على الرغم من أن لهذه المشكلات تأثيرها الواضح على عملية البناء المتكاملة، لكن لا بد من الانحياز بأي شكل وبأي حال إلى الأدب والقراءة حتى بالنسب المحدودة وبالممكنات المتوفرة لأجل إتمام عملية البناء الصحيح للطفل.

قدمت الكثير من الكتب للأطفال وضمن سرد متنوع وأساليب مختلفة، ككاتب وأديب كيف يمكن أن تصل بهذه المنشورات لأيادي الأطفال لكي يقرأوا ويستفيدوا مما يكتب لهم في ظل هذا الواقع المعاش، خصوصًا أن ما يطبع من كتب قد لا يتجاوز طبعة أو اثنتين أو ثلاثًا بالحد الأعلى؟

هذا الأمر يتعلق بالدرجة الأساس بالناشر وطرق نشره وتقديمه وتوزيعه للكتاب، فمن ناحيتي أنا أقوم بتأدية واجبي ككاتب يحمل رسالة إنسانية وأخلاقية وأدبية وتربوية وجمالية للطفل عبر ما أكتبه من أدب خاص وموجّه للأطفال على اختلاف فئاتهم العمرية ولليافعين أيضًا وبأساليب وأشكال مختلفة سواء بالقصة أو القصيدة أو الحكاية الشعرية أو المسرحية أو الرواية وكل من هذه الأشكال التي أكتبها كنت وما زلت وأبقى أحرص على أن تصل إلى قارئي الطفل المتلقي بأيسر الأساليب وأكثرها إمتاعًا وتشويقًا وتأثيرًا، فأقدم بذلك الأدب الرصين والممتع والمشوق والمفيد والمؤثر للطفل، ويبقى الأمر الآخر والمهم عند الناشر الذي يحمل هذا الأدب على المحمل المناسب واللائق في مخاطبة الطفل، فللناشر الدور المهم والفاعل في إيصال النتاج الجيد الأديب إلى الطفل المتلقي، وأحيانا يحدث العكس ببقاء هذا النتاج يدور في نطاق ضيق ولا يصل إلى المساحة الواسعة من جمهور المتلقين بسبب قصور الناشر وعدم فاعليته في توزيع هذا النتاج الأدبي كما يجب إذ يتطلب من الناشر أن ينظر إلى الأفق الأوسع في نشر الكتاب وتوزيعه، فطباعة ألف نسخة من كتاب الكاتب لا يشكل شيئًا أمام مساحة واسعة وتتسع لملايين الأطفال الذين يحلم الكاتب ويتمنى أن يصل كتابه إليهم جميعًا، إذن المشكلة هنا في الناشر وليس في الكاتب.

عالجت كثيرًا من القضايا المهمة في حياة الأطفال وكتبت عنها بأسلوب علمي وطبي، هل ما تكتبه موجه للأطفال خاصة أم لذوي الأطفال، وبرأيك لمن يوجب توجيه البوصلة، وهل هذا يكفي لتنمية ذائقة الطفل ومعارفه؟

سؤالك هذا ينطوي على عدة اتجاهات من المحاور المهمة في التساؤل، وهو سؤال مهم وذكي للغاية، يتطلب التعامل معه بالإجابة وأخذه على وفق ذلك بأكثر من ناحية، ففي الأولى أجيبك بالقول: نعم أنا أنظر إلى قضايا الأطفال وطرق معالجتها من زوايا متعددة وكثيرة تلمّ بهذه القضايا وتعالجها وتظهر المخفي منها وتعمّقه في دائرة الفهم والانتباه والمعالجة، ومن ذلك أخذت بأسلوب المعالجة النفسية والاجتماعية والأسرية والتربوية والسلوكية لكثير من القضايا المهمة في حياة الأطفال والتي تتطلب مني التعرض لها ومعالجتها، فكتبت بذلك عشرات القصص والروايات والحكايات الشعرية تحت مفهوم «القصة العلاجية» التي تطرح المشكلة وتضع لها الحلول المناسبة عبر معالجتها بأسلوب أدبي وعلمي وطبي ونفسي لا يشذ ولا يخرج عن متطلبات المعالجة الصحيحة باتجاهاتها المتعددة، فكتبت بذلك عن مشكلة الطلاق وتأثيرها على الطفل، وكذلك مشكلة المشاحنات المتواصلة وحالة العنف والشجار المتواصل بين الوالدين وما يسببه من قلق وصدمات للطفل، وكذلك تعرضت لحالة الفقد وحالة إدمان الأجهزة الإلكترونية وغيرها، ومن ناحية أخرى فالمؤكد والثابت أن يكون الأدب موجهًا للأطفال أنفسهم وعلى مقاسهم العمري والنفسي واللغوي والوجداني بحيث تكون لغة الكتابة وأسلوبها ومستواها الفني والتقني متناسبًا مع مستوى هذا الطفل أو ذاك في فئته العمرية المحددة، إذ لكل فئة مقاسات ومستويات ومعايير تختلف من فئة إلى أخرى في الموضوع واللغة والتوجيه والدلالية وغيرها، وينبغي على الكاتب أن يكون حريصًا أشد الحرص في توجيه كتابته توجيهًا صحيحًا للمتلقي، ولا بأس أن يتلقاه الأب أو الأم ويقرأه للطفل ليكون هنا هو الوسيط الفاعل بين الكاتب والطفل، ولهذا الوسيط الأثر البالغ في النجاح أو الإخفاق في عملية إيصال وتوصيل رسالة الكاتب إلى متلقيه الطفل.

ضمن السيرورة العامة للمجتمع وما فيه من تسارع وتطور، هل ما يقدم للطفل العربي يتواكب مع ما يحدث في العالم من حداثة لأجل تنمية مدارك الطفل، أم نتركه حبيس التراث والقصص المتوارثة والروتينية، حتى يكون لدينا جيل يواكب ما يحدث في العالم..؟

هذا يتبع صيغ وأساليب ما يكتب وما يقدم لطفلنا العربي في العصر الراهن، وحقيقة أن ما يكتب الآن للطفل العربي من أدب في نسبة كبيرة منه تحاول ولا تصل إلى المستوى المطلوب من المواكبة التي نريدها للحاق بعالم التطور والتنامي المتسارع في حركة العالم في كل يوم بل وفي كل ساعة ودقيقة، فيبقى هذا الأدب يجري ببطء نحو الأمام ولا يصل إلى نسب ذلك التطور المتسارع بوتيرة أكبر مما هو متوقع، ولكن مع هذا يسعى هذا الأدب في جوانب منه مما ينتجه كتابه المبدعون الحقيقيون إلى الوصول بما يكتبون إلى درجة متقدمة من المواكبة وجلب انتباه الطفل المتلقي إلى ماهية كتابتهم هذه بدرجة تمنح الطفل بعض القبول والاستقرار النفسي والفكري والموضوعي، لكننا مع ذلك نسعى ونطمح للوصول إلى درجات متقدمة وإنقاذ أدب الطفل من تلك النسبة العالية من الغث الذي يكتبه هواة الكتابة فيه والذي يأتي في أغلبه ليشكل عامل إعاقة وتضليلًا أمام وصول أدب الطفل الحقيقي إلى المواكبة المتقدمة والمطلوبة لتطور العصر، ومن جانب آخر فإن اعتماد البعض على القصص المتوارثة في تغذية الطفل بعناصرها كما هي دون تمحيص وتشذيب يشكل إعاقة فكرية وجمالية للطفل من جهة وللأدب الحديث من جهة أخرى في التواصل مع المواكبة المطلوبة للتطورات المطلوبة.

ككاتب متخصص هل تفكر في كتابة قصص أو روايات من عالم الطفولة لكي يقرأها الكبار كونك صاحب تجربة في هذا المضمار، وبمعنى آخر استلهام روايات شيقة من عالم الطفولة الثري بمادته، وتكون مفيدة في تنشئة جيل صحيح ومتوازن من قبل الأهل..؟

نعم، هذا هو هدف أساس بحد ذاته، وهو غاية من بين الغايات الأساسية والضرورية التي أشتغل عليها في عملية الكتابة للأطفال، ولهذا الجانب أسبابه وأهدافه وهي متعددة الرؤى والاتجاهات والمعاني والدلالات، ولعل منها في المقدمة ما نسعى إليه من الربط الموضوعي والنفسي والاجتماعي بين عالمين متجاورين ومتجانسين في مساحة إنسانية واحدة، عالم الأطفال وعالم الكبار الراشدين، عبر إيجاد حالة من الجذب والتفاعل القرائي والنفسي والخيالي بين مجسات واهتمامات المتلقي الصغير مع المتلقي الكبير في آن واحد، وفي عملية اتصالية وقرائية واحدة، الأمر الذي يجعل الطرفين متفاعلين مع المقروء الأدبي الذي تتجسد فيه المنفعة والمتعة للطرفين، وهذا الأمر انطلقت به برواء وتفكير علمي دقيق وعميق كوني ناقدا وباحثا ومفكرا بالمادة العلمية والموضوعية والفكرية قبل صياغتها وتجسيدها بالشكل وبالأسلوب الأدبيين المناسبين، ومن هذا المنطلق انطلقت بكتابة القصة العلاجية التي تتعرض لكثير من القضايا المشتركة بين عالم الطفولة وعالم الكبار وتشكل مادة معرفية وتعليمية وتوجيهية وتشويقية لكثير من المعالجات النفسية والوجدانية والخيالية والاجتماعية وحتى الصحية، والتي تفيد الكبير مثلما تفيد الصغير، وكان آخر عمل لي في هذا الاتجاه كتابة وإصدار قصة علمية علاجية توجيهية إمتاعية مشوقة تتعرض لقضية حمل المرأة وكيفية تعاملها مع الحمل وحالته وماذا يجب عليها معرفته والقيام به لجنينها وكيف تتفاعل معه بكل تشويق ودقة، وكنت في هذه القصة الموسومة (أنا في بطن ماما) أخاطب الصغير والكبير في آن واحد، أي أنني هنا صغت القصة بلغة الأطفال لكن هذه اللغة أتت مطواعة وسلسة لاستساغة الأم وإمتاعها وهذا الأسلوب كما أرى وأظن يعد الأول في استخدامه في أدب الأطفال.

كيف نستعيد أطفالنا المسروقين باتجاه عالم الهاتف النقال والتكنولوجيا والألعاب الإلكترونية ونعيدهم للقراءة المفيدة ؟.

سؤال مهم وجوهري وهو سؤال الساعة والعصر، نعم لقد تغلبت وسائل التكنولوجيا الاتصالية والترفيهية والإمتاعية على الوسائل والوسائط الثقافية والتربوية التقليدية الأخرى كالكتاب بشكل عام والألعاب التقليدية الأخرى، وهذا أمر طبيعي للغاية، وذلك لأن الوسائل التكنولوجية تحمل الكثير من المتعة الفائقة والتشويق المدهش للطفل وتعطيه الاستجابة السريعة لما يريد من درجات المتعة والاتصال وحتى المنفعة والمعرفة، ولهذا فقد سبقت الكتاب بآلاف الخطوات والمراحل مع أن الكتاب هو الأساس وهو من فكر بها واخترعها وأوجدها، لكن التكنولوجيات هذه سيطرت تمامًا على عقل الطفل وفكره واحتلت الأولوية باهتمامه، وأفرزت بعض الأخطار والمضار على عقل الطفل وخياله، من خلال الإدمان على استخدام هذه الوسائل وتجاهل الكتاب ومثيله من حاجات الطفل الأساسية، وقد أدخلت هذا الأمر في دائرة الاهتمام والتفكير والمعالجة وخلصت إلى كتابة قصة موجهة لفئة الأطفال ولفئة اليافعين في آن واحد لتكون قصة علاجية لحالة الإدمان على التكنولوجيات وعنوانها (يوميات آيباد)، وقد أصبح الأمر -بالنسبة لكتاب الطفل خاصة ولتقنيات الكتابة في أدب الأطفال عامة- أمرا في غاية الصعوبة والخطورة، أي أنها الآن أمام تحدٍ كبير وفي منافسة شديدة للغاية بين الكتاب والوسائل التكنولوجية ليس من السهل التفوق فيها أو مجاراة الكتاب للتكنولوجيات العصرية، ولكي نعيد الطفل إلى القراءة المفيدة علينا أن نحسن من أساليب وتقنيات وأشكال الكتابة والنشر في أدب الأطفال، علينا أن نبهر الطفل ونشده ونشوقه بشدة لكل ما نكتبه له من أدب ولكل ما ننشره من كتب ومطبوعات تخصه بالذات.

من وجهة نظركم أيها أسرع في الوصول إلى عقل الطفل والتأثير عليه، الكتاب أم التلفزيون أم المسرح أم الإذاعة، عن طريق الشعر أم القصة القصيرة أم الرواية، وأي الوسائل تضمن وصولها له، الورقي أم الإلكتروني ومدى الاستفادة مما بين أيديهم من تكنولوجيا..؟

يحمل هذا السؤال الجدلي المهم في طياته أكثر من قضية وأكثر من محور واتجاه من اتجاهات النظر والتعامل مع وسائل ووسائط الطفل الثقافية والإعلامية والتربوية والفنية، لكنني هنا مع ذلك سأجمل كل ذلك في إجابة واحدة وموجزة، نعم الأسرع بالوصول إلى الطفل والتفاعل مع عقله ووجدانه وفكره وخياله هو الوسيط الفني المجسد لكل هذه الاتجاهات الفكرية والأدبية معًا، مع أن لكل واحدة من هذه الوسائط والمسميات وظائف وخصائص في التوجه وفي مخاطبة الطفل على طريقتها الخاصة والمحددة بأسلوبها وتقنية وجودة وحسن وصولها إلى الطفل والاستجابة لذائقته وتفاعله، لكن المجسد الحركي والإيقاعي والصوري والدلالي أكثر تأثيرًا من الوسيلة المحددة لإطارها اللغوي والورقي الثابت، وكنت قد درست هذا الجانب وبحثت فيه من كل الاتجاهات وخلصت إلى دراسة مهمة للغاية صدرت بعنوان «المداخل التربوية ومرتكزات التجانس المعرفي في ثقافة الأطفال» تعرضت فيه بشكل علمي وفني إلى مدى تأثير المادة الأدبية أو الفنية المجسدة لأكثر من جنس أدبي أو فني في تنظيمها وبنيتها عن غيرها من المادة الأدبية أو الفنية المجردة والقائمة بذاتها فخلصت بذلك إلى مفهوم جديد ومبتكر سميته اصطلاحًا ومفهومًا بـ«الاندماجية بين الفن ولأدب» التي تؤكد فيها على أن المادة الأدبية كلما زدنا عليها وأضفنا لها من عناصر الفن المتعددة الأخرى سيكون تأثيرًا في الطفل أبلغ وأكثر وهكذا، وقد شرحت هذا وحللت هذه النظرية بشكل واسع.

قلت سابقًا إن كاتب أدب الأطفال يعاني من التهميش والعوز المادي ولا يوجد اهتمام به، والكتابة خاسرة على عكس ما يحدث في الغرب، لمن توجه أصابع الاتهام هنا، لدور النشر، أم للأهل، أم للحكومات أم للجهات المعنية بهذا الأدب، أم لمن، أرجو الإجابة بصراحة..؟

نعم، هذا هو الواقع المعاش لحال الأديب وكاتب أدب الأطفال في عموم عالمنا العربي، ليس هناك من رعاية واهتمام، أو تكريم ولا تقدير لأهمية ما يكتب ويبدع، وبأقصى تقدير له ولأدبه في بعض الحالات فهو يوضع في المراتب الأخيرة من ذكر وتقدير المنتج الأدبي للأسف الشديد مع أن موقعه وموقع أدبه الباني والبنّاء يفترض أن يكون في المقدمة ويراهن عليه في بناء وتنمية الطفل من عدة اتجاهات، لكن هذا ما لا نراه في الواقع العربي، على عكس ما هو سائد من رعاية فائقة واهتمام في الغرب، وأشير هنا بالاتهام لكل المسميات التي أشرتَ لها في طيات سؤالك المهم بدءًا من دور النشر مرورًا بالأهل والمؤسسات الثقافية والإعلامية وانتهاء بالجهات المعنية بالحكومات المحلية وغيرها، ولكل من هذه الجهات درجة من القصور في تقييم الكاتب وأديب الأطفال، ونلاحظ ما يحز في النفس حقيقة من بعض الجهات الثقافية والحكومية في بعض الأقطار العربية قد راحت تنظر إلى كاتب أدب الأطفال من منظور آخر غير الإبداع والمكانة الأدبية وتميز بين هذا وذاك على أسس غير فنية وإبداعية وهذا يعطي انطباعا غير صحيح عن ما يجب أن يكون النظر والتعامل مع أديب وكاتب الأطفال في عموم أقطارنا العربية.

روايتك «سيرة أخرى للطنطل» التي استلهمت سيرتها من الخيال الذي يلامس أسطورة جلجاميش أو قصص سوبرمان الخارقة مثلا... ماذا أردت أن تقول من خلالها، وهل هذا الخيال الذي يمكن أن نجذب من خلاله اليافع بدل أن ينجر وراء ما يصل إليه من أعمال أجنبية مفسدة له وتسبب الإدمان مثلا..؟

هذه الرواية العجائبية الغرائبية المشوقة كنت قد تماهيت بها مع بعض المحكي من الموروث الشعبي العراقي ومن جوانب ما هو متصل في الدلالات الحكائية العالمية في بطولات وقصص الخوارق الخيالية كمدلول سوبرمان وقوته الخارقة المتخيلة ومدلول الساحرة والطنطل وقوته الخارقة الشريرة غير المنظورة وكل هذا أصبغته في الرواية أعدت تشكيله بشكل ومحتوى آخر بالتركيز على شخصية الطنطل التي وظفته في سرد الرواية توظيفًا إيجابيًا مؤثرًا يتفق وتمنيات وخيالات وأحلام الفتى بكل الرواية فانتقلت به من فعل الشر إلى فعل الخير عبر إعطاء خيال البطل والأبطال الآخرين بالرواية زخمًا من الخيال والتفكير والتحفيز نحو معرفة واستخدام قوة الذات وطاقته الخلاقة في صد ورد وتحدي الظلم والعدوان وكل أشكال التنمر والفساد الواقعة على كرامة الإنسان وحريته. فهذه الرواية هي رواية الثورة على الظلم والظالمين وعلى المجرمين في جنبات المجتمع، والرسالة التي تريدها هذه الرسالة للفتيان اليافعين هي الانطلاق بطاقاتهم وقدراتهم نحو التطلع الواعي ونحو الخيال الإيجابي المتحرر من أشكال الخوف والخنوع وتحدي الظالمين من أجل إشاعة أشكال الجمال وروحه في الحياة وفي ضمير الإنسان.

بعيدا عن المجاملة كيف ترى مستقبل الطفولة العربية..؟

لا يمكن النظر نظرة أحادية واحدة ومن زاوية محددة ومن منظور ضيق ومحدد إلى مستقبل الطفولة العربية فهذا المستقبل يقع أمام أكثر من محدد في المنظور وغير المنظور منه، فالمنظور منه يشكل صدمة كبيرة للنظر وللإحساس ويترك أكثر من وخزة وغصة في القلب والضمير لما هو واقع ومرئي محسوس من معاناة وتحديات وآلام ومخاطر تطال المساحة الأكبر للطفولة العربية في أغلب أقطارنا العربية والتي ما زالت تعاني منها بسبب ما جرى لها ويجري بسبب الظروف القاهرة للحروب وللعوز وللاقتصاد الضعيف وغير ذلك مما لحق بالطفل العربي الذي هو أول الضحايا وأكثرها تضررا مما حصل من ويلات ومعاناة، فكيف تريد من المستقبل أن يكون في ظل هذا الواقع ؟.. لكننا على الرغم من ضبابية هذا الواقع والتباسه وقتامة الصورة التي نرى الطفولة العربية فيها نتأمل الخير والتغيير في كل ذلك لتكون صورة المستقبل أفضل وأكثر إشراقًا لأطفالنا وهم ينعمون بالأمن والأمان وتلبى حاجاتهم وتحقق لهم الحقوق الأساسية على أكمل ما يرام، ونرى واقعهم أفضل وأكثر إشراقة في كل شيء.

أي البلدان العربية لديها اهتمام أكثر بأدب الأطفال ورعايتهم ثقافيا، وكذلك الاهتمام بمن يكتب لهم..؟

قد أرى حيثيات هذا السؤال ومرادفاته بالإجابة تتصل بما سبق من سؤال، وجوابًا على ذلك معروف جدًا من سنوات بعيدة أن الظروف السياسية والاقتصادية تنعكس دائمًا على مساحات الوعي الثقافي والفكري والحضاري لتنتج عن ذلك مناخات صحية لإنعاش الجوانب الثقافية في واقع الحياة، وإذا كان الأمر بالاهتمام هذا الذي يلقاه ويوجّه لأدب الطفل ورعاية الأطفال ثقافيا فهناك مؤشرات تعكس ذلك بناء على ما هو سائد من الظروف التي ذكرتها ومما هو سائد إلى جانب تلك الظروف من الوعي المجتمعي بأهمية أدب الأطفال وثقافتهم فنجد مصر ثم العراق وسوريا والأردن تشكّل محور الاهتمام الفائق بأدب الأطفال في عالمنا العربي منذ سنوات بعيدة، لكن ما جرى من تراجع اقتصادي لبعض هذه الأقطار حال دون تنشيط وتائر الاهتمام بأدب الأطفال كما يجب، وأتت دولة الإمارات العربية المتحدة بما تمتلكه من ثراء اقتصادي لتزيد وتعمّق اهتمامها بأدب الأطفال سنة بعد أخرى لتجعلنا نفخر بما تقدمه وتنشطه في أدب الأطفال في عموم واقعنا العربي، ثم نرى هناك الكثير من الاهتمام بأدب الأطفال في دولة قطر وفي الكويت أيضًا وفي السعودية، أما أدب الأطفال ودرجة نهوضه ونسب الاهتمام به وبمنتجه وصناعته فهو ما زال يحبو، ينهض هنا ويكبو هناك في بقية الأقطار العربية الأخرى.