جوليان لي
جوليان لي
ترجمة

توقُّع المزيد من السنوات المضطربة لمنتجي النفط

02 يناير 2022
• جوليان لي محلل استراتيجي للنفط في بلومبيرج
02 يناير 2022

(في المستقبل الوشيك ستواجه مجموعة منتجي النفط عودة الفوائض في الإمدادات وتزايد الحاجة لخفض الإنتاج مرة أخرى. في ذات الوقت ستواجه ضغطا من البلدان المستهلكة "التي تشعر بالقلق من تصاعد التضخم" للاستمرار في ضخ النفط)

احتفلت مجموعة منتجي النفط أوبك "بْلَس" بعيد ميلادها الخامس في أوائل ديسمبر. اتسمت تلك الفترة بقدر من الاضطراب فاق ما كان يمكن أن يتصوره هؤلاء المنتجون عندما اجتمعوا أول مرة لمواجهة التهديد الذي شكله ازدهار النفط الأمريكي في عام 2016. ولا يبدو أن المستقبل أكثر يسرا.

كانت أوبك زائد على وشك الانهيار في عام 2020. لكن أنقذتها جائحة كوفيد-19 والحاجة إلى التنسيق المشترك لإدارة إمدادات النفط في وجه هبوط مفاجئ وكبير وغير مسبوق في الطلب. لقد ارتقى أعضاء المجموعة إلى مستوى ذلك التحدي بقدر لافت من التماسك.

أما التحدي التالي الذي يواجههم فسيكون الاستمرار في التعاون فيما بينهم مع اختبار حجم حاجة العالم من النفط لحدود قدراتهم الإنتاجية.

في مواجهة انهيار أسعار النفط التي هبطت من 110 دولارات للبرميل في منتصف عام 2014 إلى أقل من 30 دولارًا في أوائل 2016 وتصاعد حجم المخزونات النفطية، وافق الأعضاء الـ 13 في منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" في نوفمبر 2016 على خفض الإنتاج بمقدار 1.2 مليون برميل في اليوم. وناشدوا البلدان غير الأعضاء لمساندتهم بالمزيد من التخفيضات.

وافقت مجموعة من 11 بلدًا بما في ذلك البلدان الثلاثة الأكبر إنتاجا للنفط التي كانت جزءًا من الاتحاد السوفييتي السابق "روسيا وكازاخستان وآذربيجان" على خفض إجمالي إنتاجها بما يقارب 560 ألف برميل في اليوم من بداية عام 2017.

كان القصد أن يستمر ذلك الخفض الأوَّلي للإنتاج حتى نهاية يونيو. لكن تم تمديده ليس مرة واحدة فقط بل مرتين. ثم في نهاية 2018 زاد حجم التخفيض. ولاحقا مُدِّدَ مرة أخرى. وبحلول مارس 2020 كان قد مضى ما يزيد عن ثلاثة أعوام من التطبيق المستمر لبرنامج تقييد الإنتاج الذي تقرر له في البداية أن يسري لفترة 6 أشهر فقط.

ثم فجأة انفجر كل شيء.

فمع شروع جائحة كوفيد-19 في خفض الطلب على النفط، طالبت السعودية أن تشارك روسيا في خفض مقترح للإمدادات بسحب حوالي 1.5 مليون برميل إضافي في اليوم من إنتاجها. اعترضت روسيا على ذلك. وانهارت المجموعة التي صارت تعرف بأوبك "بلس".

لم يفترق المنتجون بهدوء. بل اشتبكوا في أشد المواجهات مرارة بعد انفصالهم وذلك بضخ النفط وإغراق الأسواق فيما كانت إغلاقات الاقتصادات وقيود حركة السفر العالمية تقلص من حجم الطلب.

هبطت الأسعار مرة أخرى. وكان ذلك كافيًا لجمع المنتجين حول طاولة "افتراضية" في أبريل 2020 للاتفاق على أكبر تخفيضات طوعية على الإطلاق. ومنذ ذلك التاريخ فاق أداؤهم "تقيدهم بالخفض" التوقعات. يقينا فاق توقعاتي. بل وربما توقعاتهم هم أنفسهم.

أظهر أعضاء المجموعة قدرًا كبيرًا من المرونة في ضبط وتعديل إمداداتها النفطية بحسب التغير في حجم الطلب مع انحسار وتمدد الجائحة خلال العامين المنصرمين، ولو أنهم لم ينجحوا دائما في ذلك.

لقد أجلوا خططا سابقة للتقليل من تخفيضات الإنتاج فيما طبقت السعودية تخفيضات إضافية طوعًا عندما تباطأ الطلب لتنشيطه. ومؤخرًا استحدثوا برنامجًا لضخ المزيد من النفط في السوق مع تزايد وتيرة التعافي.

وما كان مفاجئًا، بقدر أكبر من تلك المرونة، درجةُ الالتزام التي أبداها المنتجون بما قالوا أنهم سيفعلونه. يقينا كان هنالك من لم يتقيدوا بتعهداتهم. لكن عدم الالتزام التام عوضت عنه التخفيضات السعودية الأحادية إلى جانب وقف الإنتاج لأغراض الصيانة في بلدان مثل كازاخستان وتراجع الطاقة الإنتاجية في بلدان أخرى مثل أنجولا وماليزيا. والأهم من ذلك دحض التوقعات بانهيار الاتفاق مع تصاعد الطلب.

تظل الآفاق المستقبلية في العام الجديد (2022) غير مؤكدة على نحو ما كانت عليه في العام الذي مضى. فالجائحة لا تزال بين ظهرانينا. وظهور متغير جديد آخر لفيروس كورونا في شهر نوفمبر جعل الأسعار تهبط مرة أخرى مع سعي البلدان إلى احتواء انتشاره.

في المستقبل الوشيك ستواجه مجموعة المنتجين عودة الفوائض في الإمدادات النفطية وتزايد الحاجة لخفض الإنتاج مرة أخرى. في ذات الوقت ستواجه ضغطًا من البلدان المستهلكة "التي تشعر بالقلق من تصاعد التضخم" للاستمرار في ضخ النفط.

لكن بافتراض استمرار تعافي الطلب، لن يطول الوقت قبل أن يكون الشاغلُ الرئيسي "لسوق النفط" قدرةَ المجموعة على إنتاج كل النفط الذي يحتاجه العالم فيما يحاول الانتقال من الوقود الأحفوري إلى موارد الطاقة المتجددة.

تقول شركة "لوك أويل بي جيه إس سي"، ثاني أكبر منتج للنفط في روسيا، أن طاقة إنتاجها الاحتياطية ستنفد بحلول إبريل إذا استمرت أوبك في إضافة 400 ألف برميل في اليوم شهريًا.

وحذر وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان من أن العالم سيواجه نقصا في الإمدادات بحوالي 30 مليون برميل في اليوم بنهاية العقد الحالي. وهو محق في قول ذلك. فمع عدم استطاعة عدة بلدان في مجموعة "أوبك بلس" تحقيق أهدافها الإنتاجية واقتراب بلدان أخري "من بينها روسيا" من بلوغ كامل طاقتها الإنتاجية قد لا يطول الوقت قبل أن تجد المجموعة صعوبة في إضافة الإنتاج الذي تحتاج إليه لموازنة "العرض مع الطلب" في سوق النفط. وقد لا تكون السنوات الخمس القادمة أكثر سلاسة لمجموعة منتجي النفط من سنواتها الخمس التي مضت.