No Image
تحقيقات

الدراما العمانية.. بين سؤال الأزمة وهشاشة النقد

05 أغسطس 2023
تباينت الآراء واختلفت المسارات
05 أغسطس 2023

في كل موسم "درامي" يثار الكثير من الحديث حول الدراما العمانية، وتبدأ الأحكام عليها تنهال من كل مكان.. وبعيدا عن تصنيفات "المؤيد" و"المعارض" لها، يظهر تصنيف جديد يعتقد البعض أن الاختلاف حوله أهم بكثير من الاختلاف حول فكرة الـ "مع" أو "ضد".. وهذا التصنيف، مع التحفظ هنا قليلا أو ربما كثيرا حول استخدام مصطلح "النقد" دون تقييد أكاديمي واضح هو: "نقد انطباعي" أو "نقد أكاديمي ومهني" وبين النقدين مساحة كبيرة جدا.

على أنّ كلا النقدين لم يظهرا إلا عبر مساحات وسائل التواصل الاجتماعي التي يشتبك فيها النقد المهني مع غيره، وتتفرق الجدية إنْ حضرت وسط سيل التعليقات التي لا علاقة لها لا بالنقد ولا بالدراما.

والغريب أن الجميع يختفي، تماما، بعد الحلقة الأخيرة، ويتلاشى ما اعتبره البعض نقدا، لأنه، ربما، لم يقم، على أسس النقد، أو لم تكن الدراما في جوهر خطابه عندما "حاول" التماس مع النقد.

في هذه المساحة نحاول أن نطرح بعض الأسئلة التي طرحت خلال شهر رمضان الماضي، ونبحث لها عن إجابات بعيدا في سياق أكثر هدوء، وأكثر مهنية.

هل تعيش الدراما في سلطنة عمان أزمة مزدوجة في الجوانب الفنية والكتابية وفي الجوانب الإنتاجية؟ وهل هي تتراجع عمّا كانت عليه في العقود الماضي؟ وإن كانت كذلك أين تكمن المشكلة؟ هل تكمن في كاتب النص؟ أم في كاتب السيناريو؟ أم في المخرجين والفنيين؟ أم في الممثلين أنفسهم؟ أم في جهات الإنتاج؟

"عمان" تبحث في ذلك، وتستقصي آراء العاملين والمهتمين بالدراما العمانية.

  • تذبذب المستويات موجود.. وشركات الإنتاج أحد الحلول

غياب الاستقرار

توجهنا بالسؤال للدكتور سعيد السيابي -أكاديمي بجامعة السلطان قابوس-.. "هل تراجع مستوى الدراما العمانية عما كانت عليه قبل عقد من الزمان؟"

فقال: "بعين المتابع الصادق على تقدير الجهود المبذولة في هذا القطاع هناك تذبذب كبير لا يوصل لنتيجة محسومة بين الصعود للأفضل أو النزول إلى الأسفل وهذا مرده إلى عدم وجود استقرار في قطاع الإنتاج الدرامي العماني والتقلبات والتنقلات في قياداته الداخلية الكثيرة وفي مستوى دون الطموحات التي لا تصنع من التحدي منهجا ولا التقييم الجيد سبيلا إلى الوصول لمرحلة الاعتماد على نقل الخبرات لأجيال من الممارسين لاستراتيجية الدراما العمانية، ومرد هذا الأمر إلى العدد الضيق والمحدود من العاملين في قطاع الدراما حتى تم الاستعانة من أقسام هندسية وفنية ومن غير حملة المؤهلات العلمية في الدراما أو من غير المؤهلين بالتدريب الفني في الدورات المتخصصة دراميا للعمل في هذا القطاع، لهذا النتيجة واقعيا تكون كمن أراد استبدال العلاج بين الطبيب المؤهل المتخصص بأفضل الأساليب الحديثة وبين المعالج الشعبي الذي يعتمد على الأساليب التقليدية".

التقنيات متقدمة..والأعمال مقبولة

ينفي الممثل زكريا الزدجالي أن يكون وضع الدراما العمانية الآن متراجع حيث قال: "لا نستطيع أن نسمي ما يحدث الآن بأنه تراجع لأن التقنيات المستخدمة متقدمة وأفضل من السابق بمراحل عديدة.. إنما هي هنات يقع فيها صناع الدراما أحيانا". وأضاف: "إذا ما قارنا السابق باليوم بشكل عام فهي مرحلة (محلك سر)، على الرغم من وجود أعمال عظيمة سابقا ولكن هذا لا ينفي بأن الدراما لا زالت تقدم أعمالا بين المقبولة والجيدة على الرغم من الهنات".

النقاد غائبون.. والآراء انطباعية عاطفية

من جانبه يقول المخرج والكاتب الدرامي والمسرحي عبدالله البطاشي: "الدراما بوصفها عمل إبداعي هي عملية مستمرة وليست متوقفة، وإطلاق سؤال كهذا حسب وجهة نظري كمخرج وكاتب دراما هو طرح لا يناسب الساحة الفنية لدينا ولعدة أسباب أهمها أن الساحة ووسائل الإعلام المقروءة والمرئية المختلفة خالية تقريبا من النقاد المتخصصين (خريجين نقد درامي)، فوجود مثل هؤلاء هو المعيار الحقيقي للخروج بنتائج دراسات أو إحصائيات، فالآراء الإنطباعية مهما طغت تبقى ضمن قوس الذائقة الشخصية، ولا يمكن أغلاق هذا القوس بعد عبارات أو مقالات عائمة لنقول بأن هذه نتائج، وأغلب المتحدثين لدينا في الدراما وحولها مهما كانت ألقابهم يكتبون ويتحدثون وفق إنطباعات عاطفية تؤثر عليها عوامل في الغالب لا تكون مهنية، إضافة إلى غياب ما يعرف بلجان تقيمم الجودة وعناصرها فيصبح الجميع بمختلف الأمكانيات الفنية تصنيف واحد، صدقا فالوضع لدينا مأزوم بغياب المتخصصين عن الواجهة وانزوائهم إما لعدم تقدير أو لعدم الرغبة فيهم، كانت هناك خارطة طريق ونأمل أن نعود إليها، فنسبة السكان في بلادنا تحتاج إلى أعمال درامية متنوعة تلبي كل الأذواق ، مسلسل كوميدي وتراثي وتاريخي وفنتازي وبهذا سنكون على المسار الصحيح".

غياب المنهجية

وعن التراجع أو التقدم في الدراما قال الدكتور عبدالكريم جواد - متخصص في المسرح- : "لا يمكننا أن نتحدث عن تراجع مستوى الدراما أو تقدمها في سلطنة عمان، فالدراما لن تستطيع أن تتطور في خط مستقيم للأمام ما لم تكن هنالك مؤسسة معنية بالدراما بالدرجة الأولى وأن تعمل هذه المؤسسة وفق منهجية واضحة ووفق خطة استراتيجية متقنة ابتداء من دراسة الوضع القائم والظروف المتاحة ومن ثم تضع الاستراتيجية خطط دقيقة متقنة لتطوير الدراما وفق أسس زمنية محددة ووفق ميزانية مالية محددة على أن يتم تقييم هذه الاستراتيجية دوريا ومرحليا وسنويا ومن خلال التقييم يتم الإصلاح والتقويم في خطط الإستراتيجية وفق المتغيرات التي قد تحدث في تلك الفترة أو لظرف ما، إن مثل هذه الإستراتيجية التي قد وضعت صورة شبيهة لها في 2011 يمكن أن تكون بحاجة إلى تطوير وتحديث أعتقد هي منهج مهم جدا لتطوير الدراما العمانية في مسار واضح وطموح ... من حيث المبدأ أرى أن عمان حافلة بالمواهب والقدرات والموروث الثقافي والحاضر الري والمستقبل الواعد وكل هذا يؤهل لأن تكون لدينا استراتيجية واضحة تنفذها مؤسسة معنية بالدراما".

هل تطور الدراما يسير بشكل تراكمي أم يشهد الآن جمود أو تراجع؟

اختلفت الآراء بين من يرى أن الدراما العمانية بدأت تسير نحو الإنحدار وبين من يلمس فيها بذرة التطور، وبين من لا يشعر بالتغير سواء أكان التغير إيجابيا أو سلبيا، ولكن رأي المتخصص قد يكون مختلف نوعا ما، وهو ما قاله المتخصصون في الدراما والمسرح.

مقياس التطور: علامات واضحة

يقول الدكتور سعيد السيابي: "الإجابة على تطور قطاع من عدمه عندما ننظر إلى المخرجات من حيث الكيف والكم وهي ببساطة علامات واضحة ولا تحتاج لنتستر عليها ونحجب الإجابة حولها، وأفضل وسيلة هي مقارنتها بأقرب قطاع مستقل بالمؤسسة فعلى سبيل المثال قطاع الأخبار في تلفزيون سلطنة عمان هو نفسه قبل عقد من الزمن أم أن هناك تطور نوعي وأساليب جديدة دخلت عليه. الإجابة المؤكدة أن هناك هدف تحقق من تزويد هذا القطاع بالممكنات لهذا وصل إلى تقديم صورة بصرية وتقنية وأضاف أسماء جديدة ومحترفة وتقدم رسالتها بجودة متوفرة وما تحصلت عليه من علوم ومعارف عكفت المؤسسة على تنفيذه لها، وهذا باختصار ما يتطلبه قطاع الدراما من خارطة طريق".

العمل الدرامي قائم على المشاركة والخبرة

ويقول عبدالله البطاشي: "الدراما العمانية حالها كحال أي فن معرض للصعود والهبوط كونها محكومة بالتجارب المتماهية مع تقنيات الكتابة الدرامية التي تشهد تحولات متسارعة، فتقنية كتابة الدراما في التسعينات وعام 2000 مثلا قطعا هي غيرها في عام 2023 ، وتقنيات التصوير والاخراج والتمثيل كلها عوامل إبداعية خاضعة للتجريب والتجويد عبر إنتاج كمي ونوعي مستمر لا تحركه الأهواء وما هو غير منصف، وقطاع الدراما بشكل خاص لا يحتاج بطولات فردية أواحتقار وتقزيم الآخرين، بل هو عمل جبار قائم على المشاركة والتكاتف والاستفادة من مختلف القدرات والخبرات والاعتراف بوجودها والاستفادة منها وعدم تجاهلها، و ما نحتاجه اليوم هو وجود لجنة قراءة نصوص من أفراد متخصصين ومهنيين بعيد عن كل الحسابات الأخرى، نحتاج إلى لجنة مهنية متخصصة في العمل الدرامي تقوم بإدارة هذا الملف عبر رؤية وطنية كما كان في السابق حيث كانت وزارة الإعلام الأولى ولاحقا الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون تنتج عدة أعمال درامية متنوعة عبر شركات الإنتاج الفني المحلية التي كانت تؤهلها وتدعمها لتكون شريكة لها في العملية الدرامية، كما أن وجود لجنة تقييم الجودة والكفاءة تعد من الممارسات المهنية التي تضع النقاط على الحروف، وتلفزيون سلطنة عمان كان وما يزال حامل لواء الصناعة الدرامية وهو داعم رئيس لها وجهوده جبارة في هذا المجال".

الخبرة والدراسة الأكاديمية

وقال الدكتور عبدالكريم جواد: "نحن لا نستطيع أن نتحدث عن جمود أو تراجع لعدم وجود خط تصاعدي واضح، وإنما هنالك اجتهادت وقد تتكثف هذه الاجتهادات وتصبح هنالك مساحة واسعة للدراما في سنة معينة وقد تتقلص تلك الاجتهادات، السؤال هو نوعية الدراما التي تقدم هل وجدت لها مسارا واضحا في تطويرها؟ أنا أعتقد أن الاستراتيجية الواضحة البناءة هي من يمكن أن توفر لنا معايير ومؤشرات في تطور الدراما العمانية ويجب أن نضع بعين الاعتبار أيضا اليوم لم يعد الاجتهاد وحده كافيا للتطوير إنما لا بد من الدراسة المنهجية توفير الداتا والبيانات والمعلومات توفير الكوادر التي تمتلك الخبرة من ناحية ولديها دراسة أكاديمية متقدمة من ناحية أخرى لابد أن ترتبط الخبرة بالدراسة والمعرفة واليوم لم تعد هناك مساحة حقيقية للاجتهاد وللعمل من باب المبادرة وحسن النية وإنما لا بد من التخطيط والدراسة لتطوير الدراما".

أزمة نص.. أزمة مخرج.. أزمة ممثل؟

ولا زالت التهم تدور في حيزها المغلق عن المتسبب في حدوث المشكلة، فهل نحن نواجه أزمة ممثلين مع قلة العدد وضعف إمكانياتهم، أم أن اللوم ملقى على كاهل المخرجين، أم هي النصوص التي نفتقر لوجودها وهي كما هو متعارف عليه في الوسط الدرامي أنها أساس نجاح العمل.

أزمة حقيقية أم مصطنعة؟

حول ذلك يقول الدكتور سعيد السيابي: "من السهل أن نرمي الأخطاء على غيرنا ومن الصعوبة المكاشفة بأننا مرتكبي هذه الأخطاء. فالحديث دائما عن أزمات للنصوص وللممثلين هي تتردد كثيرا وواقع الحال يقول عكس ذلك، فهناك قاعدة عريضة من الممثلين المحترفين ومن الصف الثاني والثالث والشباب الطموح الذي يرغب في الحصول على فرصة للتمثيل، والأمر الآخر نفس الممثل العماني الذي نجده في صورة نمطية وتمثيل مبالغ فيه نجده في أدوار أخرى ممثلا متمكنا ومقنعا، فما هو السر في ذلك؟ ونقولها باختصار متى ما كانت صناعة العمل الدرامي مكتملة كان الإنتاج محترفا، ومتى ما كان الإنتاج الدرامي يقف خلفه عوامل السرعة والاستعجال وعدم تساوي الفرص الإنتاجية كان العمل أقل ما يقال عنه هو إضافة رقم للأعمال المقدمة وكسب للمال الذي كان لابد من تخصيصه وصرفه سنويا! وذات الإجابة في قضية ازمة الكاتب الدرامي العماني، فالحقائق تقول هناك كتاب لهم باع طويل وحققوا مراكز متقدمة في مسابقات الدراما العربية على مستوى الإذاعة والتلفزيون كالأستاذ أحمد الأزكي وأحمد درويش الحمداني وخليفة الطائي وغيرهم، وهناك كتاب المسرح الذين يمكن أن يكونوا فريقا وطنيا جاهزا ليقدم تجاربه في الكتابة الدرامية التلفزيونية، ولكن هل عمل واحد يتيم يمكن أن يخلق الرغبة في الكتابة للدراما التلفزيونية في ظل عدم الوضوح حول ما هي استراتيجية الإنتاج الدرامي السنوية التي يرغب التلفزيون في تنفيذها؟! فلو افترضنا طرح قطاع الإنتاج رغبته في إنتاج ثلاثة أعمال درامية بين الاجتماعي والتراثي والبدوي ويستقبل الأفكار من الكتاب أو مجموعة من الكتاب ويتم بعد قبول الفكرة اسناد كتابة المسلسل الذي انتخب للتنفيذ، فهل هذه الطريقة تلقى قبولاً أم طريقة الغموض العامة التي لا أحد يعرف أين خريطة الإنتاج والتي تتطلب أن يقدم الكاتب مسلسله كاملا لثلاثين حلقة تتجاوز عدد صفحاتها الالف صفحة ويمكن قبوله أو رفضه بناء على رغبة القائم بالعملية الإنتاجية؟! هنا علينا أن نتوقف قليلا وأن نلتزم بالمهنية والحرفية المطلوبة في إدارة أزمة التأليف والاجابة على فحوى هل هي أزمة حقيقية أم أزمة مصطنعة".

أزمة رؤية ..

ويقول زكريا الزدجالي حول ذلك: "هي أزمة رؤية تشمل جميع ما ذكر.. بالإضافة إلى النص وعلاقته بالخصوصية العمانية، وتناسبه أو تعارضه مع الرؤية الإدارية والرقابية".

محرقة أفكار

في حين أن الكاتب عبدالله البطاشي يقول: "في النص لا اعتقد ذلك والشيء بالشيء يذكر، ومؤخرا هناك امتعاض كبير لدى العديد من كتاب الدراما الذين تقدموا بنصوصهم إلى تلفزيون سلطنة عمان وتم رفضها لأسباب غير معلومة أو غير مقنعة او مبهمة، الدراما ليست قطاع برامجي قائم على الإعداد والتجميع، بل هو محرقة أفكار وجهود ضخمة ومضنية ومرهقة لكاتب السيناريو وبالتالي فهي تتطلب مسؤولية ومهنية عالية في قراءتها وتقييمها وهذا لايتأتى إلا عبر لجان واسعة وخبيرة في القراءة لإعطاء نتائج فنية وتفصيلية وهذا معمول به في كل الدول التي تحترم الفن وتتعامل معه كتخصص، وبلادنا ولله الحمد تملك الكثير من الكتاب المبدعين يملكون أفكار طليعية متقدمة ومتطورة وهم يستحقون احترام نصوصهم، وأيضا لكون الانتاج ضعيف وهو عمل درامي واحد في السنة فالأمر قطعا يسبب مشكلة، أما أزمة ممثل قد نتفق في موضوع التدريب والتأهيل وصقل المواهب الحقيقية المناسبة للتمثيل في التلفزيون، فالثقافة الفنية والتأهيل ضرورة، والأهم هو التخصص في من يختار الممثلين في التلفزيون، فهذا مجال لا يحتمل التلاعب أو العبث، فالتمثيل منهج يدرس ويدرب ويصقل وليس منحة يمنح حسب الذوائق الشخصية، وعملية توليف الممثلين واختيارهم يتم عبر مراحل متعددة ويخضعون لتجارب أداء وهي عملية معلومة لدى أصحاب الخبرة، أما في جانب الإخراج لدينا قدرات ولكنها تحتاج إلى الدعم والثقة مقارنة بالثقة في القادمين من خارج الوسط المحلي، خاصة من الذين يكلمون خبرة 15 و20 سنة وأكثر في المجال ولهم تجارب مشهود لها".

المؤسسة المتخصصة تحل الأزمات ..

ويرى الدكتور عبدالكريم جواد أننا في عمان لا نواجه أية أزمات، ويقول: "بالعكس أرى أن عمان زاخرة بكثر من المواهب على كل المستويات بل وأستطيع أن أقول باطمئنان أننا على مستوى المنطقة ودول الخليج العربية نحن أصبحنا روادا في العمل المسرحي باعتبار أن العمل المسرحي هو معمل التفريغ الأول للكوادر الدرامية على مستوى التمثيل أو الكتابة الدرامية والإخراج أو مختلف المستلزمات المسرحية الاخرى".

ويضيف: "نعم لدينا كوادر كثيرة وبعض هذه الكوادر أصبح مؤهلا أكاديميا. أعتقد أنني أرجع إلى إجابة السؤال الاول فأقول أن تطوير الدراما لن يتم إلا عبر مؤسسة متخصصة جدا في هذا المجال، وهذه المؤسسة تعمل وفق استراتيجية واضحة على مدى سنوات طويلة قد تكون عشر سنوات أو عشرين سنة وفق خطط مدروسة بعناية وموازنات ومواقيت واضحة وكذلك وسائل تقييم وتقويم دقيقة".

ألن ينجح تحويل الرويات العمانية إلى أعمال درامية؟

وتشكل الروايات بيئة خصبة لكتابة السيناريوهات الدرامية، وهو ما يشكل نجاحا مشتركا، ولكن ما زالت الرواية العمانية غير حاضرة في هذا المجال، رغم ما تحققه من جوائز ومشاركة وإقبال في الوطن العربي، ويبقى السؤال متى سيحين الوقت لكتابة نص درامي من قصص الروايات؟ وما مدى نجاح النصوص المستخلصة من الروايات لو تم العمل بها في سلطنة عمان؟

يقول الدكتور سعيد السيابي حول ذلك: "الرواية كفن سردي مكتمل الحكاية هي مادة جاهزة لتحويلها لفضاءات الصورة الدرامية التلفزيونية وهذه الحرفة في تحويل السرد لسيناريو قامت العديد من المؤسسات الإعلامية والفنية في العالم بتنفيذها، ونجحت في تقديم تكاملا بين كتاب الرواية وكتاب السيناريو، وحققت الكثير من الأعمال نجاحات متواصلة، ودخلت في هذا التحويل من السرد إلى الدراما أسماء كبيرة عالمية وعربية، والروايات العمانية لا تقل قيمة فنية عن غيرها من الأعمال التي يمكن تحويلها بوجود محترف في كتابة السيناريو، والغريب في الأمر الإذاعة العمانية تجاوزت التلفزيون بمراحل واستطاعت خلال مسيرتها تنفيذ مسلسلات إذاعية مأخوذة من نصوص روائية قام بها عدد من كتاب السيناريو العمانيين والعرب وشارك فيها نجوم الدراما العمانية في تمثيلها، وشخصيا حصل على جائزة الدراما العربية لدورة بغداد في العام 2013 لمسلسل إذاعي (رياح الحب) مأخوذ عن رواية عمانية للكاتب والشاعر محمد المسروي بعنوان (ولد العجيلي)، والتي قمت بكتابتها تلفزيونيا ولكنها لم تنتج بعد".

خطة استراتيجية طويلة الأمد

ويؤيد الفكرة الدكتور عبدالكريم جواد فيقول: "نعم ثم نعم ثم نعم، نحن لدينا كتابات في الرواية والقصة القصيرة مهمة جدا، وبعضها تحمل وجوها درامية جيدة جدا، وأقترح في هذا المجال أن نتبنى مشروعا منذ الآن يتمثل في اختيار 30 نصا من القصص القصيرة التي تحتوي أبعادا درامية ويتم تكليف مجموعة من المؤلفين والكتاب العمانيين في صياغة تلك القصص الثلاثين في ثلاثين حلقة درامية تقدم في رمضان القادم، سنة من العمل منذ الآن تكفي لتقديم 30 حلقة من القصص القصيرة".

ويضيف: "ذلك مشروع مهم وفاعل في تعريف المشاهد على النتاجات في مجال القصة القصيرة، وهي نتاجات شديدة الارتباط بهواجس وهموم وواقع المجتمع العماني، وإذا ما صيغت في قوالب درامية جيدة، أعتقد ستكون تجربة مثيرة للإهتمام، أيضا أقترح –استكمالا لهذا المشروع- أن يتم اختيار 12 رواية عمانية ويتم صياغة تلك الروايات منذ الآن على شكل أفلام تلفزيونية فما أجمل أن يكون لدينا 12 فيلما تلفزيونيا يبدأ عرض كل شهر فيلم منذ بداية العام القادم".

ويقول جواد: "يمكن أن تتم صياغة أحد تلك الروايات لتكون مسلسلا دراميا تلفزيونيا، إذا ما كانت تلك الرواية تحتوي مساحة رحبة من الدراما، وأن يتناول إعداد تلك الرواية مجموعة من الكتاب الدراميين العمانيين المؤهلين والذين حققوا تجارب في الكتابة الدرامية السابقة جيدة ومميزة، هذا المشروع المقترح في مراحله الثلاثة مقترحا ينهض بالدراما العمانية على المستوى مساحة زمنية واضحا خلال عامين من الآن، وفي النهاية هذا لابد أن يأتي في ضمن خطة استراجية طويلة الأمد. أرى من المناسب أن يتم الفصل بين الدراما وبين سياقات الإعلام الرسمي، فللأعلام الرسمي أهداف وغايات ومقاصد قد لا تتواءم مع طبيعة الدراما واحتياجاتها".

هل الأجور سبب من أسباب عزوف البعض عن العمل الدرامي؟

ويرى زكريا الزدجالي أن الأجور سبب من الأسباب بالطبع، ويقول: "أحيانا المبادئ هي من تمنع الفنان بمختلف مسمياته في الامتناع عن تقديم عمل قد يمزق رقابيا أو قد يكون ركيكا أو لا يتناسب مع رؤيته مما يؤدي إلى سقوطه فنيا".

أما عبدالله البطاشي فلا يرى أن هذا هو السبب حيث يرى أن الفنان العماني محترم، وصبور وقنوع، وهو وطني بدرجة كبيرة، لذلك صوته خافت ويعمل بدون ضجيج ويضحي من أجل رفعة بلاده في مجاله وهو يقبل بالمتوفر متى ما تم تقديره واحترامه.

الحلول ..

وحول الحلول التي اقترحها الدكتور سعيد السيابي: أن يكون للدراما العمانية مختبرا يجمع القطاعات الفنية الفاعلة فيه ليكون ذلك خارطة لطريق طويل ينجز تراكميا بين المؤسسة الرسمية وشركات الإنتاج الفني، ويسعى لجذب مزيد من الدعم والإعلان والمشاهدة الواسعة والقبول الجيد فصناعة الدراما الاحترافية هي قوة اقتصادية في المقام الأول، وبيئة حاضنة لعدد كبير من الفرص الوظيفية، ورافد للعديد من القطاعات كالفنادق والنقل والتغذية والملابس، والدراما كقوة ناعمة تمثل التثقيف والترفيه الذي لا بد منه لخلق مجتمع شغوف بفنونه ويقدر منجزاته الحضارية ويمارس رسالته في زراعة المحبة والعطاء وتأكيد قيمه الرفيعة العالية التي تتعرض كغيرها لتجاذبات كثيرة تستطيع الدراما استحضارها ومدها بالحياة والتجديد والاستمرارية.

ويؤكد الفنان زكريا الزدجالي على أن صناعة الدراما عبر شركات إنتاج تعمل على إنتاج الأعمال الدرامية وتسويقها حل من الحلول، ويقول: "لكن هذا لا يعني بأن كل الشركات الفنية قادرة على تقديم عمل درامي ذا جودة، بل يجب فلترة الشركات واختيار الشركات وفق معايير الجودة".

الإنتاج مرتبط بالميزانية ..

وتوجهت "عمان" بالسؤال للقطاع الدرامي في تلفزيون سلطنة عمان للرد على آراء واقتراحات المشاركين في التحقيق، وقال يوسف الحاج.. خبير درامي في دائرة الإنتاج الدرامي: أن الإنتاج التلفزيوني مرتبط بسياسية التلفزيون، والموازنات، ومدى حاجة التلفزيون لكم الأعمال، وكله مرتبط ببعض، والأمر لابد أن يترك لهذه المعايير، لا سيما السوق الإعلان والمردود من كثرة الانتاج إذا فرضنا ان التلفزيون أنتج 4 أو 5 أعمال، فالسؤال ما هو المردود من سوق الإعلان، والعملية تحتاج لحسابات تجارية لا بد مراعاتها، والعملية الإنتاجية ليست مرتبطة فقط بدائرة الإنتاج الدراميين، وإنما يجب النظر للأمر من مختلف الزوايا أهمها الزاوية التجارية، وتلفزيون سلطنة عمان يرى الآن أنه يجب إنتاج عمل واحد، وربما مستقبلا عملين وفق السياسات والخطط والموازنات التي يحددها التلفزيون نفسه، وهو الأمر الذي يسري في كل تلفزيونات الخليج، أما تعدد الأعمال التي نشاهدها في المسلسلات الخليجية ما هي إلا نتاج السوق، وتوجد قنوات خاصة تجارية منتجة.

نحن بحاجة لسوق إعلامي متعدد القنوات، مع وجود قنوات خاصة وشركات إنتاج تتعامل مع القنوات، وتنتج أعمال برأس مالها.

نقص وجود المتخصصين أحد أسباب التخبط أحيانا في الأعمال الدرامية؟

ويشير الحاج إلى أنه لا يوجد تخبط إطلاقا ويقول: "العمل الدرامي ليس قائما على جهد فردي، وإنما هو منظومة قائمة تنفذ العمل من مشرف عام إلى إشراف فني ومدير إنتاج، إلى مشرفين ميدانيين، وفنيين ومخرج منفذ ومساعد مخرج، هؤلاء جميعا يقفون وراء العمل الفني، فلو تخبط شخص فلا يمكن للبقية التخبط، وقرار إنتاج أي عمل تتم عبر دراسته من قبل أكثر من شخص مشارك في العمل، والعمل الفني يتم عرضه ويقيّم.

وحول وجود متخصصين في الإنتاج الدرامي يقول الحاج: "أي عمل قائم يقف وراءه متخصصين، كل من يشارك في العمل الدرامي متخصص في مجاله من مخرج وممثل وفني ومشرف وغيرهم، ولديهم من الخبرة الكافية ما يؤهلهم للنهوض وإنتاج أي عمل درامي، وبالنسبة للعمل الإداري في دائرة الإنتاج فهو قائم على الخبرة الإدارية وليس قائما على الدراسة الأكاديمية، ومعظم العاملين في الإنتاج هم متخصصون في الجانب الإداري، أما الجانب الفني فهو متروك للفنيين العاملين في الميدان".

ولا ينكر الحاج أن الأعمال الدرامية كغيرها من المجالات بحاجة إلى النقد الفني السليم والبناء، وهو ما تكون له نتائجه الإيجابية مع رفضه تماما ما ينشر من آراء انطباعية لا تمت للنقد بصلة، ويقول: "بالطبع نحن بحاجة لآراء نقدية حقيقية، وكل العاملين في العمل الفني يبحثون عن النقد الفني الحقيقي للإستفادة منه، ولكن في بعض الأحيان نرى غير ذلك من خلال ما نلاحظه في شبكات التواصل الاجتماعي ما هي إلا تعليقات سلبية، وأحيانا حتى قبل عرض العمل، ومجرد تصيد ورفض للعمل العماني من قبل نسبة كبيرة، ولا يمكن التعويل على هذه التعليقات في عملية النقد، ولا يمكن أن تؤخذ كمعيار، وكل الأعمال سنويا تهاجم، وينظر لها بمنظور سلبي في كثير من الأحيان، أما الناقد الذي ينظر للعمل بعين التخصص هو ما نبحث عنه".

الاستثمار في المجال الدرامي ..

وحول الحلول يقول يوسف الحاج: "حلول تطوير الدراما هذا موضوع شائك وتم إشباعه بالكثير من المقترحات، وأنا في رأيي الشخصي أنه لابد من وجود دور مكمل من قبل القطاع الخاص، ولابد للمستثمر العماني أن يستثمر في هذا القطاع، مع وجود محطات فضائية وشركات تستثمر في الدراما، وتنظر بعين التسويق للعمل، والعمل الدرامي ينفذ من قبل جهة رسمية حكومية يختلف عن العمل الذي ينفض بغرض عرضه على قناة خاصة من نواحي كثيرة، من ناحية سقف الطرح، وثيمة العمل، ومعايير أخرى، والعمل الدرامي الرسمي يراعي جوانب مختلفة، ولا بد أن يكون عمل يراعي كل أسرة".

ويضيف: "من ضمن المقترحات التي عرضت وجود أكاديمية ولكن لا بد من السؤال هل وجود أكاديمية متخصصة بالفنون هل يمكن أن تحل المشكلة؟ السؤال هنا ما هي الجهة التي ستستقطب المخرجات في ظل عدم محطات فضائية خاصة، وعدم وجود إنتاج متعدد، والاعتماد على التلفزيون الرسمي فقط، وهذا ما يمكن أن يشكل إشكالية أخرى".

روايات صالحة لتحويلها لنص درامي..

وحول تحويل الروايات العمانية إلى سيناريوهات ونصوص لأعمال درامية يقول: "هناك تجارب كثيرة في الخليج وفي الوطن العربي على تحويل الروايات إلى سيناريوهات لمسلسلات درامية، مثال ذلك مؤخرا كانت رواية "ساق البامبو"، و"لا موسيقى في الأحمدي"، وفي مصر أيضا عدد من روايات نجيب محفوظ ويوسف السباعي وتوفيق الحكيم وغيرهم إلى أعمال درامية، والفكرة قائمة حاليا، ولكن لا بد ن الاختيار المناسب حيث أن بعض الروايات تأملية أو فلسفية، وهذه من الصعب تحويلها إلى دراما، حيث يطغى فيها السرد أكثر من الحدث، لهذا فهي بحاجة لجهد كبير وتدخل من السيناريست بحيث يضيف أحداث كثيرة إلى الرواية، ولا بد أن يكون ذلك بموافقة الروائي، وكذلك الروايات التاريخية أو التي تمثل حقبة معينة فهي تحتاج إلى تجسيد قبل تحويلها لعمل درامي، وتحتاج لإمكانيات مالية ضخمة، فبالتالي أي جهة إنتاج تقدم على عمل هذا النوع من المسلسلات أن تبحث عن العائد المادي من سوق الإعلان.

أما الروايات التي يمكن تحويلها إلى عمل درامي فأرى أنه من الأفضل أن يقوم الروائي بنفسه بتحويل الرواية إلى سيناريو لا سيما إن كان يملك المعرفة والقدرة على ذلك".

لا نص يرفض دون مبرر ..

وينفي الحاج أنه تم رفض النصوص دون تقديم تبرير حقيقي ويقول: "رفض النصوص دون تقديم مبرر فهذا غير صحيح، كل شخص يتم إبلاغه عن سبب رفض نصه أو تأجيله، وعلى سبيل المثال تلقيت مكالمة من أحد الكتاب يريد تقديم نص كوميدي، وأن نصه سوف يقوم بنقلة نوعية كبيرة في الدراما الكوميدية، وطلبت منه إرسال النص فوجدت أن النص عبارة عن سكتشات وكل سكيتش مدته دقيقتين إلى أربع دقائق، فأخبرته أنه نص غير مكتمل ولابد من الاشتغال عليه، وكذلك بعض النصوص عليها ملاحظات رقابية وإبلاغ الشخص أيضا بذلك، مع العلم أن النصوص قليلة جديدة، ونبحث عن النصوص، وتواصلنا من العام الماضي مع الكتاب لكتابة سيناريوهات، ونحن حاليا في انتظار نتاج كتاباتهم".

ويضيف: "الكتابة الذكية لابد أن تراعي الإنتاج، فالكاتب حين يكتب نصا لابد أن يراعي أن نصه بالإمكان تنفيذه، والإنتاج يختلف من مجتمع إلى آخر، والقصص تختلف، فما كل قصة تعرض في الخارج تكون مناسبة لمجتمعنا والعكس صحيح. الدراما العمانية وخاصة الرسمية تراعي المجتمع وثقافته، أما من النواحي الفنية فنحن راضين كل الرضا عن المستوى الفني لأعمالنا لا سيما خلال السنتين الأخيرتين، ومن خلا مسلسل "اسمع وشوف" نجحنا في تسويق الدراما العمانية، وحصلنا على جائزة الشراع الفضي ضمن الأعمال الكوميدية في مهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون، وهذه السنة نجح مسلسل "منا وفينا" في استقطاب الجمهور فأصبح الأعلى مشاهدة في قناة الشارقة ومنصة مرايا، بين مجموعة من الأعمال الخليجية الضخمة".