أمجاد وطنية خالدة في عمق التاريخ
20 نوفمبر 2025
20 نوفمبر 2025
يحيى بن سالم الرحبي
من ينظر إلى صفحات التاريخ المشرق عبر عصور متلاحقة، حقب زمنية توالت على بلادنا الغالية عمان، يجد أنها لعبت دورا محوريا في العالم، وأصبح لسان حالها يسمع «القاصي والداني»، فشعاع النور وضاء من وصولها إلى بلاد» السند والهند» حيث قطعت السفن العمانية آلاف الأميال، وكان الأسطول البحري العماني ذا شهرة ومكانة عالية، فلم يغب عن صفحات الماضي ذكر البحار العماني أحمد بن ماجد الذي ذاع صيته في أرجاء العالم، فهو الرجل البارع في علوم «الفلك والملاحة والجغرافيا».
لقد اشتهر العمانيون منذ الأزل بمقدرتهم على مقارعة أمواج البحر الهائج، فكانت سفنهم تمخر عبابه الطويلة في رحلات تمد لشهور، فهم لا يعرفون أي معنى «للكلل أو الملل» فهم أسود البحار التي لا يستعصي عليها السير في موج البحر الهادر.
إن سلطنة عمان لم تكن يوما مجرد اسم على خارطة العالم، بل نجمٌ وضاءٌ ساطع في مجالات كثيرة، فرجال عمان الأوائل، كانوا ينيرون الطرقات ويفتحون أبواب التواصل ما بين دول العالم المختلفة، فالعمانيون -كما عرفوا قديما- لهم مكانتهم بين الأمم السابقة واللاحقة، ويكفي أن تكون عمان دولة «ود ومحبة وسلام»، وحضارة ضاربة في عمق التاريخ، فهي التي دخلت إلى الدين الإسلامي الحنيف طواعية دون حرب أو صدام، فدعا لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «اللهم ارزقهم العفاف والكفاف والرضا بما قدرت لهم، اللهم أكثر خيرهم من بحرهم وبارك لهم في ميرتهم ولا تسلط عليهم عدوا من غيرهم».
ومن الثابت في كتب المؤرخين عن سلطنة عمان أن لها وجود تاريخي وحضاري في شرق إفريقيا، والذي امتد هو الآخر لقرون عديدة، حيث كان لهم التأثير الكبير على المنطقة «ثقافيا وسياسيا واقتصاديا».
وعلى مد البصر، عرفت سلطنة عمان بأنها ذات بعد تاريخي وعمق ثقافي ومحور سياسي مهم، ولهذا فإن علاقة عمان بالدول كانت تتسم بـ»الرخاء والاستقرار والسلام»، ولهذا أصبح العماني يفتخر كثيرا بسابق العهد وحاضره، واستطاعت عمان أن تحقق الكثير من المنجزات على مختلف الأصعدة ومحط اهتمام وتقدير من دول العالم.
يستحضرنا هنا ما قاله المؤرخ والفيلسوف توماس كارليل: «جميل أن يموت الإنسان من أجل وطنه، ولكن الأجمل أن يحيا من أجل هذا الوطن».
في السابق سعى العمانيون إلى خوض معارك عظيمة ضد المعتدين واستطاعوا أن يتمكنوا من الحفاظ على هذا الوطن وبث روح الاستقرار والأمان فيه، واليوم يواصل أبناء عمان سعيهم في البناء والعمل على المحافظة على ذلك الإرث الحضاري والتاريخي، والرقي بمؤسسات الدولة الحديثة.
لن نسأل التاريخ عن أمجادنا القديمة فهي واضحة الملامح لا تحتاج إلى بحث طويل، فشواهد التراث العماني تزهو على امتداد البصر، فماضينا التليد يخبرنا عن ملاحم البطولات التي خاضها سلاطين عمان في فترات اتسمت بالبسالة والفداء.
واليوم يقف العمانيون على إرثهم التاريخي، وعيونهم على المستقبل الواعد مستلهمين قوتهم من النهج السامي، سائرين على خطى التقدم والنماء، محافظين على تراثهم الذي توارثوه عن الآباء والأجداد، متمسكين بعاداتهم وتقاليدهم العمانية الضاربة في عمق التاريخ، حاضرة في ثنايا أرض الوطن، باقية في أيدي الأبناء الأبرار.
وأخيرا.. علينا أن نذكر شيئا وهو أن تغير الحياة لا يمنع أبدا من المحافظة على تراث الماضي، فهو أحد الركائز الأساسية التي تجعل المجتمع متمسكا بتراثه وعاداته، فالحداثة ليست معناها الانفصال عن الماضي، بل تجعلنا أكثر حرصا على المحافظة على الموروث الوطني من الاندثار أو الزوال.
