1071957
1071957
المنوعات

مؤتمر «العلوم الشرعية».. يناقش تحديات الواقع وآفاق المستقبل

11 ديسمبر 2018
11 ديسمبر 2018

بمشاركة عدد من العلماء والباحثين من داخل السلطنة وخارجها -

الخليلي: يجب أن تبنى المناهج الدراسية على أسس سليمة.. وفقدان التزكية سبب تراجع الأمة -

د. كهلان: لدينا تجربة عمانية رائدة.. والمؤتمر جاء ليضع منهجا لطلبة العلوم الشرعية -

كتب – سالم بن حمدان الحسيني -

دعا سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة في الكلمة التوجيهية التي ألقاها أمس في افتتاح المؤتمر الدولي «العلوم الشرعية.. تحديات الواقع وآفاق المستقبل» الأمة إلى أن تعيد النظر في مناهجها الدراسية لتبني تربيتها على أسس قويمة. وعلى رجال العلم والفكر الاعتناء بإعادة منهج السلف الصالح في الاهتمام بالتزكية والتربية الصحيحة حتى لا يكون التعليم مجرد تنظير، وإنما تطبيق عملي لما يتعلمه الناس، مشيرا إلى أن الأمة الآن رضيت لنفسها الدنية والخضوع لأعدائها، بينما هي شرها مستطير فيما بينها، مؤكدا أن ذلك مرده فقدان التربية التي تنطوي على هذه التزكية. وهنا نص كلمة سماحته: «إنني أحمد الله سبحانه وتعالى على هذا الاجتماع الميمون الذي يحضره هذا اللفيف المبارك من رجال العلم ورجال الفكر، ليتدارسوا في هذا الصرح العلمي في هذه المؤسسة الطيبة المباركة أهم ما يشغل بال المصلحين، وهو العلوم الشرعية، وتحديات الواقع، وآفاق المستقبل، ولا ريب أن الله سبحانه وتعالى ما ترك الناس لأهوائهم بل أخذ بأيديهم إلى الحق، أرسل إليهم رسله، وأنزل إليهم كتبه، ولما أراد أن يتم نعمته عليهم بعث فيهم عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم الذي جمع شتات هذه الإنسانية بعد تفرقها، ووحّد كلمتها وقادها إلى الله سبحانه وتعالى، بعدما ندّت وشذت فكانت بحمد الله سبحانه وتعالى مستجيبة لهذا الداعي الحق، ومتبعة لهذا المنهج السديد الذي جمع بين صلاح الدين وسعادة العقبى.

العلم والعمل

وأضاف سماحته قائلا: وإذا كانت العلوم الشرعية هي أهم العلوم بسبب أنها تصل الإنسان بخالقه سبحانه وتعالى وتربط بين الفرد والأسرة وبين الفرد والمجتمع، وبين الفرد والأمة وبين الفرد والإنسانية بأسرها، فإن علينا أن ننظر بين الحاضر والماضي، وننظر إلى الفارق ما بينهما، مبينا: أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يكون مع التعليم تزكية لهذه النفوس، فقد امتن الله سبحانه وتعالى بالتزكية قبل أن يمتن على البشر بالتعليم في ثلاث آيات من كتابه الكريم، فهو القائل: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ، فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ)، وهو القائل: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)، وهو القائل: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)، فعلينا أن ننظر في واقع الأمة اليوم، هل هذه التزكية موجودة؟، أو أنها مفقودة؟. موضحا سماحته: إن هذه التزكية لم تصبح كما كانت من قبل، مشيرا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم حرص على التربية، وكان مربيا لأصحابه رضي الله تعالى عنهم، فلذلك كان يعلمهم عشر آيات من القرآن الكريم لا يغادرونها إلى غيرها إلا بعد أن يتقنوا ما فيها من العلم والعمل، فكان التطبيق بجانب التنظير، ولم يكن التعليم تنظيرا فحسب، فهل واقع اليوم كما كان بالأمس في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفي عهد السلف الصالح.

وقال سماحته: ونحن إذا عدنا إلى ما نشاهده من واقع هذه الأمة وجدنا ما يدعو إلى الأسى والأسف – والعياذ بالله – وجدنا كثيرا من الأمور التي أبعدت هذه الأمة عما كان عليه سلفها، إن الله سبحانه وتعالى وصف محمدا صلى الله عليه وسلم والذين معه بقوله: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) والآن انقلب الناس بعكس ذلك، فهم أشداء فيما بينهم، رحماء بالكفار، ولم يكونوا رحماء فحسب، بل بجانب ذلك هم مستخدمون أذلة لمن يريد بهم الشر، ويريد بهم الهوان، ويريد أن يرديهم إلى الحضيض الأسفل، هم مستكينون له ومنقادون له، بينما العداوة سافرة فيما بين الأخوة أنفسهم، فأين هذه التزكية؟! لو كانت هنالك تزكية في التربية منذ المراحل الأولى إلى المراحل العليا لما كان واقع الأمة كذلك! فمن هنا كان على الأمة أن تعيد النظر في مناهجها الدراسية من لدن الروضات إلى الدراسات العليا، عليها أن تعيد النظر لتبني تربيتها على هذه الأسس القويمة التي جاء بها القرآن الكريم، وجاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم.

وأكد قائلا: إن الأمة الآن رضيت لنفسها أن تقبل الدنية، وأن تخضع لأعدائها، بينما هي شرها مستطير فيما بينها، وهذه كلها كما قلت إنما يرجع إلى فقدان التربية التي تنطوي على هذه التزكية، التي جاء بها القرآن الكريم، فلذلك أرجو من جميع الحاضرين في هذا اللقاء الميمون من رجال العلم، ورجال الفكر أن يعطوا هذه القضية أهميتها وأن يعتنوا بإعادة منهج السلف الصالح في الاهتمام بالتزكية والتربية الصحيحة بحيث يكون التعليم ليس مجرد تنظير، وإنما هو تطبيق لما يتعلمه الناس، مبينا سماحته القول: إننا سمعنا لما تلي علينا من القرآن الكريم في مستهل هذا المؤتمر كيف يوصف الأسلاف في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) مبينا أن هذا هو المنهج الصحيح، وهذا هو الإسلام، وهذا هو دين الله الحق، بأن تكون الحياة وبأن يكون الممات لله سبحانه وتعالى، وأن يكون كل ما يصدر من الإنسان خالصا لوجه الله سبحانه والاستسلام التام، والانقياد التام لله رب السموات والأرض، ولو أخذ المسلمون بهذا وطبقوا هذا الإسلام بهذه التعاليم لما كان هذا الشقاق وهذا الخلاف وهذه الفتنة فيما بينهم. اسأل الله لكم التوفيق وأن يبارك في هذا الحضور وأن يبارك في هذا البلد وقيادته وجميع أطيافه وأن يبارك في أمة الإسلام، ليكون فيها الخير إلى قيام القيامة.

من جانبه قال فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة في تصريح له على هامش المؤتمر: إن هذا المؤتمر جاء ليقدم نموذجا لما يتطلع إليه فيما يتعلق بالعلوم الشرعية سواء كان ذلك من حيث المؤسسات التي تعنى بالتعليم الشرعي أو كان المجامع ودور الإفتاء وكل المؤسسات التي لها علاقة بالعلوم الشرعية، مضيفا: إن لدى السلطنة تجربة رائدة، تجربة تاريخية وتجربة معاصرة يمكن أن يستفاد منها، ونحن أيضا بحاجة إلى أن نسمع من المشاركين في البحوث لآخر ما وصلوا إليه لنستفيد منه، ونريد أن نقدم لهم التجربة العمانية التي تقوم على احترام المذاهب الإسلامية، وأئمة الإسلام والانتفاع من تراثهم الذي تركوه في مختلف مناحي العلوم الشرعية، وهذا محور قد يغيب في بعض المحافل والمؤتمرات والندوات التي تقام لقلة اطلاعهم على التجربة العمانية، ولغياب الباعث الذي يدعوهم إلى أن يبحثوا في هذا التراث ليستفيدوا منه في معالجة بعض صعوبات الواقع، وفي استشراف المستقبل، ونحن على مشارف عصر يسمى بعصر الثورة الصناعية الرابعة هناك الكثير من القضايا نظن أن في تراثنا ما يفيد وينفع وفي تجربتنا العمانية أيضا ما يمكن أن يضيف لما نتطلع إليه بمشيئة الله تعالى.

أما عن دور هذا المؤتمر وما يمكن أن يضيفه لطلاب العلم أوضح فضيلته قائلا: هذا هو المؤتمر الأول وهو اللبنة الأولى التي تسعى كلية العلوم الشرعية إلى أن يكون الانطلاقة لفتح آفاق لطلبة العلوم الشرعية بحيث يطلعون على القضايا المعاصرة، كيف تبحث المجامع الفقهية وأفراد العلماء كيف يصورون هذه المسائل؟ وما هي المصادر التي يرجعون إليها؟ وكيف يستفيدون من إفرازات العصر في مختلف وجوه العلم والمعرفة التي يحتاجون إليها حتى يتصوروا المسائل التي تعرض عليهم تصورا صحيحا، إذن فهو يضع المنهج الذي يحتاج إليه طلبة العلوم الشرعية في واقعنا المعاصر بكل ما فيه من معطيات وإنتاج علمي ومعرفي وثقافي، مبينا فضيلته: انه لا يصح أن يكون الباحث في العلوم الشرعية بعيدا عن هذه المجالات وإلا كان هناك خلل في تصوره لهذه القضايا والمسائل التي تهم المجتمع ويحتاج إليها الناس، وأن حصل هذا فستكون النتيجة قطعا خاطئة.

الوحي الإلهي مصدر للتشريع

وكان المؤتمر قد استهل بتلاوة عطرة من القرآن الكريم، بعدها ألقى د. عبدالله بن مسلم الهاشمي عميد كلية العلوم الشرعية كلمة أوضح فيها: إن الوحي الإلهي الذي انطلق به لسان النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفاض على جوارحه سلوكا عمليا، مصدرا للتشريع، ومنطلقا للتربية، وأساسا للبحث والاكتشاف، فمن أجل حفظه كما أنزله رب السماء ظهرت علوم اللغة ومباحثها، ومن أجل سبر أسرار إعجازه البياني ظهرت علوم البلاغة، ومن أجل دراسة ما ورد فيه من أنباء القرى ظهر علم التاريخ، مبينا أنه على الرغم مما مرت به هذه العلوم في أزمنة معينة وأمكنة محددة من محن، وما اعتراها من ضعف ووهن، انحرفت بأسبابه عن مقاصدها النبيلة، واستغلت فيه لغايات سقيمة، واتخذت مطايا للتفريق والتقسيم والتصنيف، بله العنف وسفك الدماء، فإنها ما زالت طوق النجاة لأمة ما عرفها التاريخ إلا بها، ولا شيدت حضارتها إلا على هديها.

وأضاف: إن علوم الشريعة اليوم تواجه تحديات متنوعة، يفرضها الواقع، ينبغي الوقوف عليها؛ تتمثل في مناهج البحث، ومسالك بناء المعرفة، ومداخل المراجعة والتطوير، وطرائق التعليم والتحصيل، وأساليب القياس والتقويم، وأسس ترتيب مفردات محتوياتها وتنظيمها وتسلسلها، وانتقاء المناسب منها. وهي في الوقت ذاته حبلى بإمكانات التحديث، والاستجابة لمقتضيات العصر، ومواكبة تطوراته. ولقد نظمت كلية العلوم الشرعية هذا المؤتمر، وقصدها أن تجمع ثلة من العلماء والباحثين المختصين؛ ليسلطوا الضوء على جوانب من واقع العلوم الشرعية، ويستشرفوا مستقبلها، ويلفتوا النظر إلى آفاقه الرحبة، وسبله الواسعة. مؤكدا أن المؤتمر شهد إقبالا كبيرا، فقد نظرت اللجنة العلمية فيما يربو على مائة وتسعين ملخصا، ثم حكّمت مائة وسبعة بحوث، قبلت منها اثنين وسبعين، وسيُعرض في جلسات المؤتمر ما يربو على ستين بحثا، يقدمها باحثون مختصون من داخل السلطنة وخارجها.

واختتم كلمته بالقول: إنه لمن يُمن الطالع أن يُفتتح هذا المؤتمر، وبلدنا الغالي ما زال يتنسم عبير مناسبة غالية، ألا وهي العيد الوطني الثامن والأربعون المجيد، الذي مر على الاحتفال به أيام قلائل، فيه يتجدد العهد والولاء لقائد البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، الذي أسس النهضة الحديثة لهذا البلد على قواعد الدين الحنيف والشريعة السمحة، وأرسى أسس التسامح والتعايش والإخاء.

وقد تخلل الحفل عرض للمسيرة التعليمية بكلية العلوم الشرعية منذ تأسيسها حيث كانت معهدا للعلوم الشرعية وحتى اليوم كما تم تكريم الرعاة ولجان المؤتمر انطلقت بعدها الجلسة الأولى بعد استراحة قصيرة والتي اشتملت على ثلاث أوراق بحثية الأولى ألقاها محمد أكرم الندوي من كلية كامبردج الإسلامية (بريطانيا) بعنوان: «الدين والدنيا – مقاصد الشريعة وحدود نصوص الكتاب والسنة، بعدها ألقى حسين أحمد الخشن من المعهد الشرعي الإسلامي بلبنان ورقة بعنوان: «دور الزمان والمكان في الاجتهاد المعاصر»، والورقة الثالثة للدكتور عبدالله العبري من جامعة السلطان قابوس بعنوان: «خطاب التقريب بين المذاهب في فكر الشيخ إبراهيم العبري». في حين ستعقد جلسات المؤتمر الأخرى في مبنى الكلية بالخوير على فترتين صباحية ومسائية على مدار ثلاثة أيام حتى يوم غد الخميس. ويأتي هذا المؤتمر «بُغية تدارس القضايا المتعلقة بالعلوم الشرعية تدريسًا وبحثًا من الجوانب المختلفة، لإلقاء الضوء على الواقع، وما يكتنفه من تحديات ومهددات، واستشراف المستقبل، وما يزخر به من آمال وتطلعات، وإتاحة الفرصة لتبادل المعلومات والتجارب والرؤى، ومناقشة المقترحات والأطروحات في هذا المجال الحيوي. وسوف تنشر «عمان» ملخصات أوراق العمل في أعداد لاحقة.

وكانت فعاليات هذا المؤتمر الذي تنظمه كلية العلوم الشرعية قد انطلقت صباح الأمس تحت عنوان: «العلوم الشرعية: تحديات الواقع وآفاق المستقبل» بقاعة كريستال بفندق جراند ملينيوم بالغبرة تحت رعاية سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة وحضر افتتاحه عدد من أصحاب المعالي والسعادة والفضيلة والأساتذة وطلبة العلم وعدد كبير من الجمهور، كما يحضر المؤتمر عدد من العلماء والباحثين من داخل السلطنة وخارجها.