20-(4)
20-(4)
المنوعات

«قارئ اللون» .. مبادرة لتعليم المكفوفين الرسم من خلال الرائحة

16 أبريل 2021
16 أبريل 2021

عمّان، العمانية: انطلقت مبادرة "قارئ اللون" في العاصمة الأردنية عمّان؛ لتكون مبادرة إنسانية إبداعية تعنى بالمكفوفين أو من يعانون من مشاكل في البصر، فاتحةً الأبواب أمامهم ليُبرزوا قدراتهم الكامنة ويعبّروا عن مشاعرهم عبر الرسم. في حديثه لوكالة الأنباء العمانية، يؤكد صاحب المبادرة، الفنان التشكيلي سهيل البقاعين، أن مبادرته التي انطلقت قبل عشر سنوات، أسهمت في رفع قدرة الطلبة المكفوفين في التعبير عن أحاسيسهم، وعزّزت ثقتهم بأنفسهم، وعملت على دمجهم بفاعلية في المجتمع. ويوضح بقاعين أنه تبنّى هذه المبادرة لأنها "تساعد المكفوفين، وتنمّي خيالاتهم ومداركهم، وهي، فضلاً عن ذلك، طريقة لتنشيط الجانب الأيمن من الدماغ". ويستشهد في هذا السياق بمقولة لبيكاسو مفادها أن "اللوحة مهنةُ الرجل الأعمى الذي لا يرسم ما يراه، ولكن ما يشعر به وما يتخيل أنه قد رآه، أو ما يقول لنفسه أنه رآه". وعن بدايات هذه المبادرة، يقول بقاعين: "تطوّعتُ للالتحاق بالأكاديمية الملكية للمكفوفين بالأردن ، لتعليم الرسم للمكفوفين وضعاف البصر، فاستهجن الجميع فكرتي، لكنهم أتاحوا لي الفرصة لتطبيقها على أرض الواقع، وفي أحد الأيام اقتربتْ مني طفلة في السادسة من العمر تعاني من مرض ارتفاع ضغط العين، وقالت: (لدي حلم)، وحين سألتها عن حلمها أجابت: (أريد أن أرى لوحتي قبل أن أفقد بصري)، فزادت كلماتها إيماني وتصميمي على مساعدة الأطفال لكسر الحواجز التي تقف أمامهم والانطلاق إلى آفاق رحبة في التعبير عن أنفسهم". وكرّس بقاعين وقته للبحث ودراسة أوضاع هذه الفئة من الناحيتين الطبية والنفسية، وبدأ بتدريبهم على الرسم باعتماد حاسّة شمّ اللون. ويوضح في هذا السياق: " استخدمتُ الألوان المعطّرة ليتمكّن الطفل من ربط الألوان بالروائح وتصويرها لاحقاً في إنتاجه الفني، فمثلاً، يرتبط اللون الأخضر برائحة النعناع، فاخترتُه لرسم العشب". وكان التحدي الرئيس أمام بقاعين، إقناع الكفيف بمعنى اللون، لأن المكفوفين غالبًا ما يعتقدون بعدم وجود اللون أو لا يدركون ماهيته، هذا إذا استُثني اللونان الأسود والأبيض، يقول بقاعين: "قررتُ إيجاد طريقة للاشتباك مع خيال الكفيف، لتعريفه بأهمية اللون في حياتنا اليومية، وقد نجحتُ في ذلك من خلال ربط اللون بعناصر من الواقع؛ كالشمس والبحر والشجر، وكذلك ربط اللون بمفردات الحياة اليومية؛ مثل اللبس والأكل وأثاث البيت، ثم إقناع الكفيف بأن تنوع الألوان من شأنه أن يُبرز جماليات الحياة". ويستذكر بقاعين ما فعله الفنان التركي "أشرف آرمنال"، الذي نجح في تصميم سيارة "فولفو" ورسم أدقّ التفاصيل فيها رغم أنه كفيف. فقد قال هذا الفنان حين سُئل عن سرّ نجاحه: "أنا أرسم بمخيلتي، عندما أريد أن أرسم بحرا فإنني أرتدي طوقَ نجاة حتى أشعر بالبحر وأمواجه". لكن التحدي الذي واجهه بقاعين لم يقتصر على إقناع المكفوفين بمعنى اللون أو أهميته أو أثره، فثمة حاجة ملحّة لإقناع المجتمع المبصر المحيط أيضا بأن الكفيف يستطيع أن يفهم معنى اللون وأن يربطه في الحياة المحيطة به. ويؤكد بقاعين أن المكفوفين وضعاف البصر لديهم تفاعل على حدّ سواء مع الألوان؛ عن طريق الشمّ وربط الروائح بمفردات من الحياة، وأيضاً بربط الألوان بثوابت من الواقع كالبحر والسماء والشجر وقوس قزح. ويرى هذا الفنان أن المبادرة نجحت على المستوى الإنساني في "إخراج الكفيف من الدائرة المغلقة التي وضعه المجتمع في إطارها، والقائمة على الاعتقاد بعدم مقدرته على فعل شيء من دون الاستعانة بالآخرين". وقد أسهمت المبادرة، وفقاً لبقاعين، في تفعيل الخيال لدى الكفيف وتغيير نظرته إلى الحياة على أنها تنحصر في اللونين الأسود والأبيض. فضلاً عن دورها في تعليم الكفيف بأنه لا يوجد مستحيل، وجعله يتحدى الإعاقة والمصاعب المحيطة، وما يستتبع ذلك من أثر إيجابي على نفسيته عندما يعبّر عما في خياله لإيصال فكرته للجميع. وتمخضت التجربة الممتدة على مدار سنوات، عن إقامة عدد من المعارض داخل الأردن وخارجها، من بينها "ما وراء البصر"، و"ظلال"، و"قراءة اللون"، و"عبق اللون". وقد أثبتت هذه المعارض مهارات هذه الفئة في الرسم، فحظيت برعاية رسمية، واقتُنيت مجموعة من اللوحات فيها من قِبل مؤسسات وهيئات وأكاديميات عربية. وفي سياق متصل، أصدر بقاعين كتيبًا بعنوان "قصة عبق اللون" طُبعت منه ألف نسخة، ووُزعت على المدارس، للتعريف بقصص نجاح طلبة الأكاديمية، وكيفية تحويل الإعاقة إلى طاقة إبداعية، والتركيز على أهمية البصيرة التي يمتلكها المكفوفون وضعاف البصر. وتواصل مبادرة "قارئ اللون" تنظيم حلقات عمل تدريبية للأطفال بالتعاون مع الأكاديمية الملكية للمكفوفين، يشرف عليها بقاعين داخل محترفه الفني "دارة سهيل" في جبل اللويبدة في العاصمة الأردنية عمّان. وتركّز الحلقات على تعليم المشاركين أساسيات الرسم، وتوفر لهم الأدوات اللازمة لذلك من ألوان وأوراق وكانفاس. ويهز بقاعين رأسه تعبيرًا عن رضاه عمّا تحقّق في هذا المجال وهو يقول: "مهما كان مقدار الذي حققناه، فهي محاولة جديرة بالاهتمام". ونظرًا للأثر الذي حققته هذه المبادرة، فقد مُنح بقاعين وسام الملك عبدالله الثاني للتميز من الدرجة الثالثة، تقديرا لجهوده الدؤوبة في إثراء الفن التشكيلي ولمبادراته التطوعية الموجهة لفئة المكفوفين أو من يعانون من تحدّيات في حاسة البصر.