«حركة الإنسان على أرض عمان» عرض مرئي يستعرض تاريخ عمان في متنزه سمهرم الأثري
صوَّر لحظات الخطوات الأولى للإنسان على أرض عمان منذ العصر الحجري -
وزير الدولة ومحافظ ظفار: عمل جبار يعرج بنا لملايين السنين من حركة الإنسان على هذه الأرض الطيبة -
كتب - بخيت كيرداس الشحري:-
بتكليفٍ سامٍ من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ورعاه -رعى مساء أمس معالي السيد محمد بن سلطان البوسعيدي وزير الدولة ومحافظ ظفار حفل افتتاح العرض المرئي (حركة الإنسان على ارض عمان ) بمتنزه سمهرم الأثري بمحافظة ظفار بحضور معالي عبد العزيز بن محمد الرواس مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية وبحضور عدد من أصحاب المعالي والسعادة والمكرمين والمسؤولين ولفيف من الإعلاميين والمهتمين بالشؤون الثقافية والتراثية.
بدأت الاحتفالية بإزاحة معالي السيد وزير الدولة ومحافظ ظفار راعي المناسبة الستار إيذاناً ببداية العرض المرئي الذي أشرف على تنفيذه مكتب مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية على واجهة جبلية بموقع سمهرم الأثري والذي يحكي عراقة وحضارة الإنسان العماني منذ العصور القديمة وحتى العصر الحالي في عرض مرئي نفذ بأحدث التقنيات التصويرية والصوتية والمؤثرات الفنية المصاحبة للعرض من خلال شاشة عرض ارتفاعها 33 م وعرضها 140م. وكان الحضور على منصة مواجهة خصصت لمشاهدة العرض المرئي الذي نقل المشاهدين إلى ما قبل التاريخ في مشاهد تصويرية تحكي تطور الإنسان على أرض عمان. يأتي العرض ضمن تطوير مواقع أرض اللبان المسجلة بقائمة التراث العالمي الثقافي والطبيعي بمنظمة اليونيسكو بهدف تعزيز السياحة الثقافية والأثرية بالسلطنة
وتجدر الإشارة إلى أن متنزه سمهرم الأثري يحتوي على قيم حضارية وإنسانية وثقافية وتاريخية وأثرية وسياحية مهمة ضمن أربعة مواقع بمحافظة ظفار تحت مسمى أرض اللبان مع مواقع (متنزه البليد الأثري وموقع وبار الأثري ومحمية أشجار اللبان بوادي دوكة).
ويضم المتنزه الخدمات الضرورية للزوار والسياح من أهمها الصالة الأثرية ومركز المعلومات الذي يشتمل على صالة للعرض تحتوي على شاشات عن طريق اللمس لتقديم مجموعة من المكتشفات الأثرية في المتنزه والمواقع المحيطة به والتي تعود لفترات زمنية مختلفة إضافة إلى مظلة خارجية ومرافق وخدمات رئيسية للزوار.
وقد أشاد معالي السيد محمد بن سلطان البوسعيدي راعي حفل الافتتاح بالعرض المرئي وقال معاليه: أنا سعيد جداً برعايتي لهذا الاحتفال وأتقدم بالشكر الجزيل للقائمين على هذا العمل الرائع الذي بذل فيه الجهد الكبير لإخراجه بهذه الصورة الرائعة وهذا المشروع في الحقيقة يعرج بنا لملايين من السنين من حركة الإنسان على أرض عمان وكيف بدأت الحياة على هذه الأرض وهذا عمل جبار يستحق كل التقدير والثناء وأعتقد أن هذا العمل سوف يحظى بمتابعة كبيرة ونتمنى من الجميع متابعة هذا العرض لأنه يوجز لك تاريخ الإنسان في عمان منذ العصر الحجري وحتى العصر الحالي في تصوير مثير ومشوق وممتع ومفيد في ساعة ونصف تقريباً.
حركة الإنسان في عمان العصر الحجري
صور العرض المرئي لحظات الخطوات الأولى للإنسان على أرض عمان منذ العصر الحجري وكيف تكونت الجبال العمانية قبل ملايين السنين وتكويناتها الجيولوجية المختلفة وكيف تحدى العمانيون تضاريسها وتكيفوا معها وبنوا عليها حضارتهم وكيفية ممارستهم للحياة في تلك الجبال وتطور حال الإنسان العماني ليكتشف البحر وليتصلوا بالعالم الآخر عن طريقه فيما بعد.
وقد اكتشف علماء الآثار في موقع شصر بنجد ظفار معثورات أثرية من حجر صوان يعود تاريخه إلى اثنين مليون سنة قبل الميلاد بالإضافة إلى دلائل أثرية في موقع رأس الجنز على المحاولات الأولى لكتابات قديمة ترجع للألف الثالث قبل الميلاد.
وانتقل العرض المرئي بالمشاهدين إلى بدايات استيطان الإنسان الشواطئ على أرض عمان وتعاملهم مع البحر وثرواته وبدأ الإنسان حينها صناعة القوارب في القرن الخامس قبل الميلاد ومع تطور صناعة السفن بدأ إنسان عمان القديم باكتشاف ما وراء البحار وآفاق العالم الآخر لتتطور الصلات فيما بعد وتتعمق العلاقات بين الحضارة العمانية وتلك الحضارات. وكان عصر النحاس من الفترات البارزة في حياة إنسان عمان القديم وبدأت صلاته التجارية بعد اكتشافه للنحاس بكميات كبيرة في جبال عمان حيث تطور إنتاج النحاس مما زاد من كميته فوق حاجتهم ليبدأ العماني بالتفكير جدياً في الاستفادة من الكميات الهائلة من النحاس وتصديره للخارج حيث كان العمانيون قد بنوا سفناً مؤهلة لحمله عبر البحار لمختلف المواقع وقد بدأت تجارة النحاس في عمان مع حضارة بلاد الرافدين، كما وصلوا إلى سواحل الهند والسند وسواحل شرق افريقيا ومع توفر النحاس بدأ الإنسان في صناعة أدواته من المعادن.
وقد اكتشف علماء الآثار أكثر من 150 موقعاً في عمان لاستخراج النحاس في الألف الثالثة قبل الميلاد ومع تطور صناعة استخراج النحاس بدأ الأنسان العماني يبني قراه بالقرب من تلك المناجم وبدأت تتشكل حياة المجتمع العماني في عصر النحاس ببناء تلك القرى وتجمع الناس فيها ليمارسوا حياتهم حسب إمكانياتهم في ذلك العصر.
واستطاع الإنسان العماني القديم في فترة ازدهار تجارة النحاس أن يكتشف بعض الصخور الفلزية وتسويقها مع النحاس وقد ذكرت مصادر تاريخية في لوح سومري في القرن الرابع قبل الميلاد أن هناك سفنا عمانية تأتي من بلاد مجان وهو اسم عمان القديم وذكر اللوح السومري أن السفن كانت تدعى بسفن مجان ومع تطور الصلات التجارية بين عمان مع حضارات العالم القديم أصبحت عمان معروفة بإنتاج المنتجات الحرفية وتذكر المصادر التاريخية أن الملكة شمسة ملكة عمان عقدت اتفاقية تجارة النحاس مع الملك سرجون الأكادي وكان الخليج العربي آنذاك يسمى بحر مجان واستمرت الاتفاقية حوالي 100 عام ومن ثم أراد الملك الأكادي نرام سين الاستيلاء على مناجم النحاس والسيطرة على مواقع تصدير النحاس في موطنها الأصلي وتصادمت القوتان البحرية الأكادية والعمانية في بحر مجان هزم فيها الأسطول العماني ولكن رغم انتصار نيرام سين إلا انه لم يحقق أهدافه من الغزو بسبب عدم تجاوب العمانيين وتعاونهم معه.
تطور الإنسان العماني القديم من خلال الهندسة المعمارية للقرى التي بناها قريب من تلك المناجم وكذلك تطور الحرف التي كان يصنعها إلى جانب صناعة السفن ليتطوروا فيما بعد واهتدائهم إلى طريقة لاستخراج المياه وإيصالها إلى أبعد مواقع ممكنه وبدأوا في شق الجبال والأرض وظهرت هندسة الأفلاج لهذا الغرض ومع ظهور الأفلاج ووصول المياه إلى مختلف المواقع عبر قنوات الأفلاج ازدهرت الزراعة وبقيت الأفلاج العمانية شاهدة على حضارة الإنسان في عمان واستطاع العماني أن يستعين بالمواقيت الشمسية لتوزيع تلك المياه بين المزارع والحقول وغرسوا الأشجار المتنوعة التي سيستخدمونها فيما بعد في بناء بيوتهم وسفنهم مثل النخيل والمانجو والمشمش واللوز وكذلك زرع العمانيون الورود ليصنعوا منها عطورهم.
كما تخلل العرض المرئي حياة الناس في الأسواق العمانية القديمة وتطورها عبر مراحل التاريخ والمنتجات التي يجلبونها للأسواق والحيوانات التي كان يستخدمها الإنسان العماني القديم مثل الإبل والخيول والأغنام.
وانتقل العرض المرئي بالمشاهدين إلى موقع سمهرم الأثري والذي يعد أحد موانئ تصدير اللبان الشهيرة والحديث عن تجارة اللبان في جنوب عمان خلال فترة الألف السابع قبل الميلاد وكان اللبان أحد أبرز السلع التجارية خلال فترة العصر البرونزي والحديدي وأصبحت الموانئ العمانية مراكز تجارية نشطة لخطوط تجارة اللبان وجسرا يربط حضارات العالم القديم بين الشرق والغرب.
وتضمن العرض التواصل الحضاري بين عمان والعالم وخبرة الملاحين العمانيين وعلاقاتهم التجارية الواسعة في مواجهة الأخطار وامتداد حدود الأراضي العمانية لأجزاء من سواحل آسيا والسواحل الشرقية لأفريقيا حيث رافق ذلك ازدهار علمي وعمراني وثقافي واسع ترجمته الإصدارات العلمية والثقافية والمخطوطات وإنشاء القلاع والحصون على امتداد فترات التاريخ العماني حيث شكلت عنوانا لكل عصر وفعالياته ومجتمعه واحتياجاته ويأتي تشييد حصن الشموخ في عصر النهضة المباركة وافتتاحه في العام 2010م ليصبح الشموخ والترقي هدفا للعمانيين وانسجاما مع واقع العصر الذي تسابقت فيه الأمم لبناء صروحها لتدخل به الالفية الثالثة.
وتمضي المسيرة إلى عهد السلطان هيثم..
وفي انتقال سلس وممتع بين الحقب التاريخية المختلفة التي عاشها الإنسان العماني القديم وصل العرض إلى شروق فجر جديد وشمس وضاءة على عمان وإنسانها وهي إشراقة شمس النهضة العمانية الحديثة المباركة بقيادة - المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور طيب الله ثراه - حيث كانت تلك النهضة المباركة امتداداً لتاريخ عمان القديم وعظمة الإنسان العماني وتطوره مع مراحل التاريخ المختلفة حيث شهدت عمان في عهد النهضة المباركة نهضة تنموية شاملة في جميع القطاعات وعاد مجدها الكبير الذي خفت فترة من الزمن في ظروف لم تكن مواتية لتاريخها القديم وأصبحت عمان في عهد جلالة السلطان قابوس رحمه الله منارة يهتدى بها في سياسة متزنة جاذبة للأمان والسلام وازدهار الإنسان ومبدأها التعاون السلمي بين مختلف الشعوب من اجل ازدهار الإنسان وتطوره وعلى هذا المبدأ تمضي المسيرة المباركة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- الذي خاطب العالم في خطابه الشهير عند توليه مقاليد الحكم في عمان بأن عمان سوف تنتهج سياستها المعتادة في السعي من أجل السلام الدولي وازدهار الإنسان والحفاظ على علاقات متزنة مبدأ السلام والحوار والتفاهم على مختلف الأصعدة والعمل على التعاون مع مختلف المنظمات الدولية من اجل السلام وإسعاد البشرية وتطورها ونبذ الصراعات.
