المحافظات

كيف يمكن تحويل المباني الحكومية المهملة إلى مراكز فاعلة تخدم المجتمع؟

30 أبريل 2024
الاستثمار الأمثل يعزز التنمية المستدامة
30 أبريل 2024

• م. عبدالله الغافري: فرصة لتطوير البنية الأساسية وتحسين جودة الحياة

• م. سالم الحجري: بعض المباني ممكن إعادة ترميمها إذ كانت القواعد غير متهالكة

• م. محمد الريامي: ضرورة عمل دراسة مستفيضة ومعرفة القيمة التاريخية للمبنى

• د. محمد العريمي: تشكيل لجنة فنيّة تعاين المباني وتعد تقارير وتصدر توصيات تتعلق بصيانتها أو إزالتها

في زوايا سلطنة عمان توجد المباني المهجورة كجواهر مخفية في متاهات المدن، تنتظر أن يلمع بريقها، وتمثل مصدر إهدار للموارد والمساحات، ويمكن أن تكون هذه المباني فرصة للتحول والاستفادة الإيجابية، من خلال ترميمها وتجديدها، واستخدامها لأغراض جديدة مثل المرافق الثقافية، أو مراكز التعليم، أو حتى المساحات الفنية والإبداعية.

يقول المهندس عبدالله بن ناصر الغافري، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الغافري العقارية: يشكل استغلال المباني الحكومية غير المستعملة فرصة لتطوير البنية الأساسية وتعزيز الخدمات العامة، ويمكن تحويل هذه المباني إلى مرافق مثل فنادق ومراكز تعليمية وتثقيفية، مما يسهم في تحسين جودة الحياة للمواطنين ويعزز الاقتصاد المحلي، مشيرًا إلى ضرورة عمل تقييم عام للوضع الحالي لهذه المباني، حيث يتطلب أي مشروع لتحويل المبنى تقييمًا دقيقًا للحالة الحالية للمبنى، بما في ذلك الهيكل والتسهيلات والتحديات الفنية المحتملة.

ويعلّق المهندس سالم بن سعيد الحجري، مهندس معماري وتخطيط قائلا: إنه بالإمكان النظر إلى المباني الحكومية المهجورة ومعالجتها بطرق كثيرة منها الرجوع إلى الجهة المعنية المشرفة على المبنى، ويتم الرجوع إلى قسم المشروعات وطرح الأسئلة عليهم: هل لديكم أي مشروع يمكن أن يدعم جهتكم سواء في المجال الصحي أو التربوي أو الاستثماري؟ إن كان الجواب نعم، فيتم طرح المبنى لتطويره أو الإعلان للاستثمار والتنافس وطرح تصورات تخدم هذا المبنى، وبالإمكان استثماره بنسبة 20% أو 50%، أما إذا كان المبنى متهالكا فتتم إعادة طرحه أو مزايدته في المواقع المخصصة، موضحًا أن بعض المباني من الممكن إعادة ترميمها إذ كانت القواعد والأسس غير متهالكة، أما إذا كان المبنى متهالكا فينصح بعدم ترميمه وإعادة بنائه من جديد، وإن كان المبنى يسمح بإعادة البناء فينبغي وضع طابع عماني تقليدي وبما يتماشى مع الهندسة المعمارية الحديثة.

القيمة التاريخية

وينوه المهندس محمد بن هاشل الريامي، أمين جمعية المهندسين العمانية بأن تحويل المباني الحكومية غير المستعملة إلى فنادق ومراكز تعليمية وتثقيفية يعتمد على التصور العام لهذه المباني وقيمتها السوقية، بالإضافة إلى عوامل العرض والطلب بالنسبة للفنادق، أما بالنسبة إلى المراكز التعليمية فتحتاج إلى تصوُّر واضح مع استراتيجية التعليم والثقافة بحيث تستغل هذه المراكز لتحقيق التقدم في مجالات متنوعة تتماشى مع التطور الملحوظ والمتنامي الذي يشهده العالم، ولتلبي كافة احتياجات المجتمع بشتى الطرق، مضيفًا إنه من الممكن تحويل هذه المباني إلى فنادق أو مراكز ثقافية أو تعليمية لكن ضمن تصوُّر واضح يحقق قيمة مجتمعية أو استراتيجية مدروسة وضعت لها كافة الخطط الشاملة لنجاحها، وعدم المضي في تطويرها دون دراسة متعمقة ترسم فيها كل الأهداف والمشاكل التي قد تواجه الفريق المنفذ».

وأضاف الريامي: هناك عدة تصورات لمثل هذه المباني حول إعادة ترميمها وبنائها وتعتمد في الأساس على حالة المبنى من ناحية سلامة الأساسات وقواعدها وتحمُّلها للوظائف المستقبلية لها، الأمر الذي يحتاج إلى دراسة مستفيضة، إلى جانب دراسة فنية لجدوى الترميم وإعادة الاستعمال، موضحًا أنه في بعض الحالات الاستثنائية يكون هدم المبنى ذا جدوى اقتصادية عالية خاصة إذا كان المبنى في موقع استراتيجي وفيه أسعار الأراضي مرتفعة، ويتم استغلاله في بناء مبنى حديث ذي عائد مادي عالٍ، لكن لا بد من معرفة القيمة التاريخية للمبنى بحيث إن النظرة المعنوية والتاريخية تعتبر أهم من الجانب المادي.

دراسة جدوى

من جانبه قال عمار بوبر، مهندس معماري: يتضمن تحويل المباني الحكومية غير المستخدمة إلى فنادق أو مراكز تعليمية أو مراكز ثقافية عدة خطوات أساسية أهمها التقييم والتخطيط، حيث يجب أن نبدأ بتقييم حالة المبنى ومدى ملاءمته للاستخدام المقصود، وإجراء دراسة جدوى لفهم السلامة الهيكلية ولوائح تقسيم المناطق والتكاليف المحتملة المرتبطة بالتحويل، بالإضافة إلى إشراك المهندسين المعماريين والمصممين لتطوير خطط تتوافق مع أهمية الموقع للمبنى ومن ثم الحصول على التصاريح والموافقات اللازمة من الجهات المعنية، مشيرًا إلى ضرورة إعادة الاستخدام التكيفي من حيث تخطيط المبنى ووسائل الراحة لتناسب غرضه الجديد، إلى جانب الحفاظ على السمات التاريخية المهمة مع ضمان دمجها في التصميم الجديد، موضحًا أنه من الممكن الحفاظ على المباني التاريخية والفوائد البيئية لإعادة استخدام الهياكل القائمة بدلا من بناء هياكل جديدة، مضيفًا إنه يجب أيضًا الأخذ بالتحديات مثل ضمان السلامة الهيكلية، والتنقل بين المرافق للمبنى، وإدارة التكاليف في الاعتبار عند تقييم جدوى ونجاح مثل هذه المشروعات، وغالبا ما تكون الجهود التعاونية بين المهندسين المعماريين والمهندسين الإنشائيين وأصحاب المصلحة عاملًا أساسيًا في تحويل المباني الحكومية بنجاح إلى مساحات جديدة نابضة بالحياة.

حصر المباني

قال الدكتور محمد بن حمد العريمي، خبير إعلامي بهيئة حماية المستهلك: لعلّ كل من يمر بجوار تلك المباني والمنشآت يطرح التساؤل المهم والملِحّ ذاته: لماذا توقفت هذه المباني عن تقديم خدماتها؟ ولماذا لا يعاد ترميمها وصيانتها، وإعادة تأهيلها بشكل أفضل، وبتخطيط أجمل يواكب العصر؟ خاصة أنها كانت شاهدة على ما تشهده البلاد من نهضة في شتى المجالات! إن وجود هذه المباني بهيئتها الحالية دون استغلال يطرح العديد من التساؤلات حول الهدر المالي الحاصل؛ فهذه المباني ليست بذلك العمر الزمني الطويل التي يمكن أن نقول حينها إنها استنفدت عمرها الافتراضي، وهي تطرح كذلك قضية أخرى تتعلق بمدى جودة المواصفات المتعلقة ببنائها، كما أن وجودها هكذا دون استغلال من شأنه أن يجعلها مكانًا لبعض الممارسات التي تهدد المجتمع المحيط بها، وبؤرة للأمراض من جراء تراكم النفايات وتكاثر الحشرات والزواحف الضارة، ناهيك عن تشويهها للمنظر العام للمكان الذي توجد فيه. وأوضح أنه من المهم أن يتم تنفيذ عدّة خطوات مهمة تجاه هذه المباني، لعلّ أهمّها هو حصر أعداد تلك المباني الموجودة في سلطنة عمان، ثم فحصها وخاصة المُتضررة والآيلة للسقوط والمُشوهة للمنظر العام، وذلك من خلال لجنة فنية تعاين تلك المباني وتعد حولها تقارير فنية وتصدر توصيات تتعلق بصيانتها أو إزالتها حسب حالتها القائمة بما يضمن تحسينها وإظهار الوجه الحضاري والجمالي للمدينة، ثم تأتي الخطوة التالية وهي استغلال هذه المباني في إقامة مشروعات خدمية كمؤسسات تعليمية، أو صحية، أو اجتماعية، أو ترفيهية، أو ثقافية، كالمدارس، والعيادات، والمتاحف، والمساحات الخضراء، ومراكز الشباب، وغيرها.

آلية وطنية

قال الدكتور رجب بن علي العويسي، خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية بمجلس الدولة: إن المباني الحكومية التابعة لوزارة التربية والتعليم سواء كانت مواقع المديريات التعليمية أو المخازن أو المدارس وسكنات الهيئات التعليمية وسكنات الطلبة الملحقة ببعض مدارس التعليم في المحافظات، التي تم إحلالها، تواجه اليوم تحديات كبيرة وترافقها مخاطر كثيرة على البيئة والواجهة الحضارية والذائقة الجمالية للمنطقة في ظل خطر الاندثار، بعد أن اتجهت خطط الإحلال إلى استبدالها بمدارس جديدة أو بمبانٍ أخرى نظرًا لعدم كفاءتها للاستخدام أو قابليتها للصيانة، للتكاليف التي تحتاجها أو صعوبة استخدامها، أو تعرضها للأنواء المناخية، بسبب قربها من الشواطئ، أو موقعها في المنخفضات والأودية أو تأثرها بمخططات البنية الأساسية كالطرق وخطوط الكهرباء والمياه والصرف الصحي والإنشاءات الأخرى، أو لتحول السكن من تلك المناطق التي كانت تشكل فيها المدارس مثلًا حاضرة الولاية أو مركز المدينة وانتقالها إلى مخططات إسكانية أخرى جديدة أصبحت هذه المدارس القديمة بعيدة من السكن، لتتجه المخططات الإسكانية الجديدة إلى مناطق أخرى أكثر اتساعًا وأكثر فرصة لنمو الخدمات وحصول الفرص الإسكانية والخدمات الأساسية فيها.

وأضاف: مع القناعة بأن المعطيات وعمليات التطور والظروف التي واجهتها هذه الأبنية وغيرها كانت سببا في البحث عن آلية وطنية في التعامل معها، خاصة في ظل الصورة التي باتت ترافق هذه المباني وتعكسها في ظل مخاطرها المتعددة على البيئة وجماليات المكان والنظافة العامة، إلا أنه من المؤلم حقًّا أن تظل هذه المباني في حالة يرثى لها لتواجه خطر الاندثار بفعل الطبيعة، والانهيار بفعل الإهمال وغياب الاهتمام، ولتصبح خطرًا يهدد البيئة وحياة الناس في بيئات موحشة أصبحت مأوى للحيوانات السائبة والأفاعي والحشرات الضارة وتراكم الأوساخ والقاذورات أو أماكن لاستخدامها من قبل الأيدي العاملة الوافدة أو غير ذلك، كان من الأهمية أن تتدارك الجهات الحكومية المسؤولة عن هذه المباني هذا الأمر وتتخذ من الإجراءات الحكيمة التي يجب أن تطالها بما تنتظره من مدد الاهتمام وطريق المعالجة وتصحيح المسار باعتبارها ملكًا للدولة، وعبر دراسة هذه المباني من الناحية الاقتصادية والسياحية والثقافية بعد ترميمها أو إزالتها إما بإقامة مشروعات اقتصادية إسكانية وتجارية عليها أو إعادة تأهيلها وتوجيهها، أو أن تعاد صياغة هذه المباني بما تحتله من مساحات كبيرة في وسط المدن والأحياء وما تشكله من مواقع استراتيجية في مسار الاستثمار والتطوير، وأن يعاد تصميمها بصورة تعكس القيمة المضافة التي تشكلها هذه المباني والبيئات؛ فإن خطورة الوضع، يستدعي اليوم تكاتف الجهود لإيجاد معالجات حكيمة لهذا الملف، وفق سياسات وطنية تحافظ على مكانة هذه البيئات التي تقع فيها هذه المباني وتعيد إنتاجها وفق طبيعة الظروف والمتغيرات وتوجه فرص الاستثمار لها، خاصة أن بعض هذه المباني كالمدارس القديمة تقع في مواقع استراتيجية في وسط المدن وفي بيئة إسكانية أو تجارية تعج بالحياة وفرص التطوير والتجديد وتشهد العديد من الاستثمارات في الأراضي التجارية والأنشطة الاقتصادية حولها، بينما تتعرض هذه المباني يوميًّا إلى خطر الاندثار حتى أصبحت بيئات موحشة ومصدر قلق للسكان القاطنين في تلك المناطق؛ كونها أصبحت مكانًا للحشرات ومأوى لها.

وأكد العويسي على أهمية البحث في آلية وطنية تمتلك المزيد من البدائل والخيارات وتوفر حلولًا مقنعة يمكن من خلالها الوصول إلى قرار إجرائي في استغلال واستثمار هذه المباني بمختلف أنواعها وأشكالها وإعادة تأهيلها بحسب كفاءة هذه المباني، وتبني سياسات تشغيلية وتطويرية لهذه البيئات، آخذة في الاعتبار معطيات الموقع الاستراتيجي والآلية التي يمكن الاستفادة منها والمنشأة التي يمكن بناؤها على أراضي هذه المباني بعد إحلالها والفرص المتحققة منها، وبشكلٍ خاصٍ تلك التي تحتضن موقعًا اقتصاديًا واستثماريًا مهمًا، وما زالت المناطق حولها تعج بالسكن والحياة والنشاط والأنشطة الاقتصادية، مشيرًا إلى أن ما حملته «رؤية عمان 2040» في أولوية البيئة والموارد الطبيعية، والهدف «استخدام مستدام للموارد والثروات الطبيعية واستثمارها بما يكفل تحقيق قيمة مضافة عالية»، يعد محطة مهمة في سبيل تعظيم فرص الاستثمار وإدارة الموارد الوطنية وفق نظام الحوكمة.