الرئيسان الروسي والإيراني خلال لقائهما في الكريملين الأربعاء مع مراعاة كبيرة للتباعد الاجتماعي
الرئيسان الروسي والإيراني خلال لقائهما في الكريملين الأربعاء مع مراعاة كبيرة للتباعد الاجتماعي
العرب والعالم

روسيا وإيران في استعراض للوحدة ضد الولايات المتحدة

23 يناير 2022
برغم الخلافات القائمة بين البلدين
23 يناير 2022

جالسا في الجهة المقابلة للرئيس فلاديمير بوتن، وبينهما طاولة كبيرة، وعلى مسافة تراعي احتياطيات كوفيد، ذكَّر الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي نظيره الإيراني يوم الأربعاء الماضي بأن طهران "تقاوم أمريكا منذ أربعين سنة".

الآن إذ تغوص روسيا في مواجهتها الخاصة مع الولايات المتحدة، قال الرئيس ابراهيم رئيسي للرئيس بوتن في تصريحات أذيعت تليفزيونيا إن الوقت حان للتعامل مع "قوة الأمريكيين بمزيد من التآزر في ما بين بلدينا".

كان الوضع في الكريملن أشبه بعض الشيء بالمسرح الجيوسياسي، في لحظة حرجة لواشنطن وخصميها. إذ بدأ الرئيس الإيراني يوم الأربعاء الماضي زيارة مدتها يومان إلى موسكو هدفها إظهار الروابط الوثيقة بين البلدين اللذين كثيرا ما تتباين مصالحهما ويشهد تاريخهما توترا في العلاقات، لكن لهما بصورة متزايدة، بجانب الصين، خصما واحدا هو الولايات المتحدة.

بالنسبة للرئيس بوتن المتورط في خلافه مع الولايات المتحدة بشأن مجالات النفوذ والذي يواجه عقوبات قاسية في حال مضيه قدما في غزوه الذي هدد به أوكرانيا، كانت هذه فرصة ليظهر أن لروسيا أصدقاء يمكنها استدعاؤهم إلى المعركة مع الغرب. وبما يتسق وهذه الرسالة، تشهد الزيارة كلمة يلقيها الرئيس ابراهيم رئيسي أمام غرفة البرلمان الروسي الدنيا في تكريم نادر لرئيس زائر.

أما إيران، ذات الاقتصاد المرهق بالفعل بسبب العقوبات الأمريكية، فمنخرطة في مفاوضات دقيقة لإحياء صفقة 2015 النووية. ومع ذلك فقد أعرب الرئيس ابراهيم رئيسي عن دعم ضمني للرئيس بوتن في أوكرانيا، وأكد وزير الخارجية الإيراني على أن الرئيسين سبق أن اتفقا على "إطار" اتفاقية حاكمة لمزيد من التعاون الاقتصادي والعسكري.

غير أنه لم يجر توقيع علني لأي اتفاقية، ولا يزال استعداد الكريملين لبيع المزيد من السلاح الروسي الحديث لإيران بعد طول سعي من طهران إليه أمرا غير واضح. لكن إلى جانب مناورة بحرية قادمة تشارك فيها سفن حربية من روسيا وإيران والصين، بدا أن الكرميلين عازم على توجيه رسالة بأنه يواصل تعزيز روابط جديدة يمكن أن تكون بمثابة ثقل موازن للغرب. كما تشير إيران من جانبها إلى أن لديها بدائل في حال عدم رفع الغرب للعقوبات.

قال الرئيس بوتن للرئيس إبراهيم رئيسي "إن بيننا على الصعيد الدولي تعاونا وثيقا" في إشارة إلى أزمتي سوريا وافغانستان، وتعهد بتقريب إيران من الكتلة التجارية التي تقودها روسيا وتعرف باتحاد أوروآسيا الاقتصادي.

تبقى بين روسيا وإيران طائفة من الاختلافات. فبرغم سنين من العقوبات، يبقى الاقتصاد الروسي ـ خلافا للإيراني ـ جزءا أصيلا من الغرب. كما عمل الرئيس بوتين على تقوية الروابط مع إسرائيل التي يراها القادة الإيرانيون عدوا. وفي فيينا، تعمل روسيا مع الولايات المتحدة وأوربا على محاولة إحياء المفاوضات المتعثرة لاستعادة الصفقة التي تحد من برنامج إيران النووي.

ولكن مع احتدام صراع روسيا مع الغرب، يزداد المسؤولون الروس عزما على غض الطرف عن هذه الاختلافات. قال جريجوري لوكايانوف ـ المتخصص في العلاقات الدولية بمدرسة الاقتصاد العليا في موسكو ـ إن المسؤولين الروس ازدادوا انحيازا في السنوات الأخيرة لموقف بعض نظرائهم الإيرانيين الحاد في معاداته للغرب. وقد تحدث الرئيس إبراهيم رئيسي ـ وهو رجل دين شديد المحافظة تولى الرئاسة في أغسطس ـ مؤيدا توثيق الروابط مع روسيا برغم التشكك من الشعب الإيراني.

وعن زيارة الرئيس ابراهيم رئيسي إلى موسكو قال جريجوري لوكايانوف "إن هذه الزيارة لا تقصد الداخل في كلا البلدين بقدر ما تقصد الغرب في المقام الأكبر" مضيفا أن "في القيادة الروسية الآن عددا أكبر من أنصار تبني المسار الإيراني الرادكالي الذي كان يعد غير مقبول في روسيا".

حشدت روسيا مئة ألف من القوات حول أوكرانيا، مع مطالبتها بضمانات لعدم امتداد حلف شمال الأطلنطي إلى أوكرانيا أو أماكن أخرى في شرق أوروبا. ويقول مسؤولون غربيون إن بوسع بوتين أن يطلق غزوه لأوكرانيا في أي وقت، وهددوا بعقوبات قاصمة على روسيا ودعم عسكري جديد لأوكرانيا في حال قيامه بهذا. وفي الجزء العلني من لقائه مع الرئيس بوتين، لم يأت الرئيس إبراهيم رئيسي على ذكر أوكرانيا، لكنه كرر في كلامه ازدراء الكريملين المعروف للتحالف العسكري الغربي.

وبحسب الرواية الحكومية الإيرانية للاجتماع، قال الرئيس ابراهيم رئيسي "إن نفوذ حلف شمال الأطلنطي في القوقاز وآسيا الوسطى تحت أي ذريعة يمثل تهديدا للمصالح المشتركة للدول المستقلة". وكان في ذلك يشير إلى منطقتين كانتا ضمن الاتحاد السوفييتي ولا يزال الكريملين يراهما جزءا من مجال النفوذ المستحق لروسيا.

جاء فوز الرئيس ابراهيم رئيسي بالرئاسة ليعزز سلطة الفصيل الذي كان ينتقد حكومة الرئيس حسن روحاني الوسطية السابقة ويعتبرها مفرطة في التواؤم مع الغرب، بما جعل إيران أقرب إلى موقف الرئيس بوتين.

التقى الرئيس بوتين بالرئيس ابراهيم رئيسي برغم جهود الكريملين الحثيثة لوقاية الرئيس بوتين من فيروس كورونا بعد انتشار متحور أوميكرون في موسكو. فجلس الرئيسان على مسافة عشرين قدما من أحدهما الآخر، وقال المتحدث باسم الرئيس بوتين لاحقا للإعلام الروسي إن ترتيب الجلوس جاء مراعاة لـ"التدابير الصحية الضرورية".

قال الرئيس بوتين للرئيس إبراهيم رئيسي إنه "لا يمكن أن تغني مؤتمرات الفيديو أو الاتصالات الهاتفية عن الاتصال المباشر، حتى لو كان على هذا الشكل" مشيرا إلى الطاولة الكابيرة القائمة بينهما.

بعد لقاء الأربعاء في الكريميلن، نشر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان على تويتر إن الرئيسين "اتفقا على إطار لاتفاقية طويلة المدى"، وفي تصريحات له يوم الأربعاء قال الرئيس ابراهيم رئيسي إن الوثيقة "سلِّمت" للرئيس بوتين.

قال وزير الخارجية الإيراني إن "علاقات طهران وروسيا انتقلت إلى مسار جديد حركيٍّ سريعة الإيقاع، وإن تعاونا ممتازا سوف يبدأ في هذه المرحلة الجديدة من العلاقات".

تركز اتفاقية السنوات العشرين التي نوقشت بين الرئيسين بوتين ورئيسي ـ حسب مسؤولين إيرانيين ـ على انتقال تكنولوجيا من روسيا، وشراء معدات عسكرية روسية واستثمارات روسية في البنية الأساسية للطاقة في إيران. قالت إيران إن الاتفاقية ستكون على غرار الصفقة الأمنية الاقتصادية الشاملة الموقعة في سبتمبر بين إيران والصين التي سوف تستثمر الصين بموجبها قرابة أربعمئة مليار دولار في نطاق واسع من المشاريع في إيران في مقابل نفط مخفض على مدار عقدين.

في حوار هاتفي، قال محمود شوري نائب مدير معهد دراسات إيران وأوروآسيا في طهران "إننا نسعى قطعا إلى اتفاقية طويلة المدى مع روسيا لأنها تمثل ضرورة" وأضاف أن "الأهم من الشراكة الاقتصادية مع روسيا هو التحالف العسكري والمخابراتي".

في روسيا، يعتقد كثير من المحللين أن أفق ازدياد التعاون العسكري الروسي مع خصوم أمريكا يمثل أحد أهم أوراق الضغط على واشنطن. في يوم الثلاثاء، دخلت سفن حربية من أسطول الهادي الروسي ميناء تشباهار الإيراني في خليج عمان استباقا لمناورة بحرية مشتركة مع إيران والصين حسبما أعلنت وزارة الدفاع الروسية.

لكن لعل أكثر المواضيع الشائكة التي تواجه موسكو وطهران هو مستقبل برنامج إيران النووي. ففي تصريحاته المذاعة تليفزيونيا يوم الأربعاء قال الرئيس بوتن للرئيس إبراهيم رئيسي إنه كان "من المهم جدا الاستماع إلى موقفك" في مفاوضات فيينا.

تتعثر محاولات استرداد اتفاقية 2015 التي يريد الرئيس بايدن الرجوع إليها بعد انسحاب الرئيس دونالد ترامب منها في 2018. ويشير دبلوماسيون إلى أنه ربما لم يبق إلا أسابيع قليلة قبل أن تخرق إيران الحدود الأصلية خرقا كبيرا يصبح إحياء الصفقة في ظله أمرا لا معنى له.

في نوفمبر الماضي، بعد استراحة بسبب الانتخابات الرئاسية في إيران، رجعت حكومة رئيسي إلى المحادثات رافضة التنازلات التي سبق أن قدمتها الحكومة السابقة. ثم عادت إيران ـ بعد بعض الضغوط من روسيا ـ لتوافق على التفاوض على أساس المحادثات السابقة، لكن دون قبول لجميع تنازلاتها السابقة.

يعتقد محللون أن روسيا تواصل لعب دور بناء في محادثات فيينا، فهي لا ترى في تسلح إيران نوويا أو في هجوم أمريكي أو إسرائيلي على إيران بديلا مستساغا للصفقة النووية. وذلك يعني أنه من المرجح أن يضغط الرئيس بوتين على إيران لتتحرك بصورة أسرع، برغم أن بوتن قد يميل إلى استعمال التعاون الروسي في المحادثات كورقة ضغط للمساومة في المواجهة بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا.

قال على واعظ المدير الإيراني لمجموعة الأزمات الدولية إن "روسيا لا تريد أن تتسلح إيران بقنبلة ولا تريد أن تتعرض إيران لقنبلة. والروس بارعون للغاية في العزل بين اختلافاتهم مع الغرب".

• شارك في الكتابة أنطون تروجانوفسكي من موسكو وفرناز فصيحي من نيويورك وستيفن إرلانجر من بروكسل ـ فضلا عن إسهام إيفان نتشيبورينكو وأوليج ماتسينيف من موسكو

** خدمة نيويورك تايمز "خاص عمان"