بين صرخات الواقع ونافذة الأمل..أمنيات الفلسطينيين للعام الجديد 2026
يدخل الفلسطينيون العام الجديد 2026، وآمالهم تبدو وكأنها جذوة نارٍ تُضرمها الريح القاسية لتطفئها مع كل هبة برد، في قطاع غزة والضفة الغربية على حدٍّ سواء. بين حطام البيوت وذكريات من رحلوا، يقف الفلسطينيون كجدرانٍ مشرّعة بين جراحٍ لم تندمل، وآمالٍ لا يعرفون ما إذا كانت ستُثمر حقًا دولة مستقلة تنهي سنوات الاحتلال الطويلة. فبين الألم والأمل، يتطلع الفلسطينيون إلى عامٍ جديد يحمل وعد التحرر من ثقل الاستيطان، وسقوط آخر حواجز الحصار في أراضيهم.
صدى آمالٍ بلا ضمانات
في قطاع غزة، حيث الدمار وكُتل الركام تحكي حكاية حربٍ استنزفت أرواح آلاف المدنيين، يعيش الناس على هامش بقايا ما كان يُسمّى حياة، وحيث لم تُطفئ الهدنة الحاملة لقدرٍ جديد من الآمال هدير الطائرات تمامًا، ولم تطوِ صفحة الخروقات التي يتهم الفلسطينيون الاحتلال بها.
وعلى الضفة الغربية، تتسارع وتيرة الاستيطان والهدم، كأن الأرض تتقلّص يوماً بعد يوم. وفي القدس الشرقية، وفي قلبها المسجد الأقصى، يستغل المستوطنون برعاية جيش الاحتلال الأعياد اليهودية في اقتحاماتٍ متكررة لمسارٍ تاريخيٍّ دينيٍّ وسياسي، ما يذكّر الفلسطينيين بأن سيادة أراضيهم لا تزال نصب أعين المحتل.
ومع انقضاء عامٍ من المعاناة والمطالبة بحقوقٍ لم تُستجب، يتساءل الكثيرون: هل 2026 سيكون عام الانتقال إلى دولة فلسطينية مستقلة؟ وهل ستنتهي مفاعيل الاحتلال وطياته في النفوس والواقع المعيشي؟ إن إجابات هذه الأسئلة ليست بسيطة، بل هي مزيجٌ من آمالٍ بشريةٍ عميقة تتراقص على إيقاع معطياتٍ سياسية معقدة.
بدورها، تستعرض «عُمان» آمال الفلسطينيين للعام 2026، واقعهم اليوم في غزة والضفة الغربية، ومعاناة المدنيين، والانقسامات في الرؤى، فيما تظل الآمال معلّقةً على مفاوضاتٍ دوليةٍ كُتبت فيها الكثير من العقبات منذ عقود.
واقع غزة: جراحٌ لا تندمّل
في قطاع غزة، حيث لا يزال صدى إطلاق النار يرنّ في الأرجاء منذ سنواتٍ طويلة، ظلّت الهدنة الهشّة بين الاحتلال الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية في مأزقٍ حقيقي. بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الماضي، وُثّقت خروقات متواصلة من قبل قوات الاحتلال، حيث تستمر آلة القتل الصهيونية في حصد أرواح المدنيين.
وفقًا للمكتب الإعلامي لحكومة غزة، فإن إسرائيل ارتكبت 969 خرقًا لاتفاق وقف إطلاق النار خلال 80 يومًا فقط يومًا، حتى تاريخ 29 ديسمبر 2025، ما تسبّب في مقتل أكثر من 410 فلسطينيًا وإصابة 1,112 آخرين بينهم نساء وأطفال، بينما لم تتجاوز واردات المساعدات الإنسانية نحو 41% من الكمية المتفق عليها في الاتفاق، مما عزّز معاناة المدنيين في القطاع.
وبينما تتعثر المفاوضات حول المرحلة الثانية لاتفاق وقف إطلاق النار، يرى الفلسطينيون في غزة أن الزمن يمرّ دون انتقال حقيقي نحو تحقيق أمنٍ دائمٍ أو إعادة إعمار واسعة للبنية التحتية التي دمرتها الحرب. تُضاف إلى هذا التردّي في الأوضاع الإنسانية، معاناة فصل الشتاء الذي ضرب المخيمات والخيام، حيث أدّت الأمطار والفيضانات إلى تأزّم الوضع المعيشي، جاعلة من خيام النازحين غير صالحةٍ للسكن، مع تسجيل عشرات الوفيات بسبب البرد وانهيارات المنازل المدمرة.
ووسط هذا الواقع المرير، لا يزال الفلسطينيون في غزة يحملون آمالاً كبيرة بأن يكون العام 2026 نقطة تحوّل في مسيرة الشعب نحو إنهاء الاحتلال، إنهاء الحصار، وتحقيق حق العودة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
الغزيون: آمال ومعاناة
أحمد سعيد (38 عاما)، من بيت لاهيا، شمال قطاع غزة، يقول: «لقد مررنا في حربٍ مريرة، وكلّ عامٍ جديدٍ يدخل ونحن لا نعلم إن كنا سنراه بلا دمارٍ أو فقدٍ لعزيز». في بيته الذي دمرت حرب الإبادة، يشدّد أحمد على أن آماله في عام 2026 ترتكز على «استقرارٍ حقيقي يتجاوز وعود الهدنة المتكررة، وأن يتحسّن الوضع الإنساني إلى حدٍّ يخلّصنا من هذا العذاب».
يوضح: «نحن نريد أن نعيش مثل بقية شعوب العالم، أن تفتح الحدود أمامنا، أن نضمن لأطفالنا حق التعليم والصحة، وأن لا نكون رهائن لسياساتٍ لا نعرف نهايتها». ينبض صوت أحمد بالحسرة والصلابة في آنٍ واحد، فهو ليس مجرد رجلٍ يكابد القسوة اليومية، بل هو عابر أملٍ يبحث عن بصيصٍ في نهاية نفقٍ طويل.
ويُبين الأب لسبعة أطفال: «الأمطار التي غرقت فيها الخيام، والأطفال يهرعون بحثاً عن مأوى آمن، تذكّرنا بأن عام 2025 لم يختلف عن سابقاته، وأن عام 2026 إذا لم يشهد تغيّرًا جذريًا فسيكون مجرد امتدادٍ لمعاناتنا».
أما سلمى أبو حسن (27 عامًا)، التي فقدت شقيقها خلال إحدى الخروقات الأخيرة للهدنة، تقول: «كل عامٍ جديدٍ يدخل ونحن نعدّ لحظاتٍ من الفرح القصير، قبل أن ينهار كل شيء أمام أعيننا. آمالي في عام 2026 أن ترى عيون أطفالنا الألوان الحقيقية للحياة، لا لون الدخان ورائحة الحرب».
وتتابع النازحة إلى منطقة مواصي خان يونس، جنوب قطاع غزة: «أريد أن أشعر بالأمان حين أُرسل أطفالي إلى المدرسة، أن أعدّ لهم وجبةً يومية، وأن لا أكون مضطرةً لشرح معنى الصوت المفاجئ الذي نسمعه دائماً، هل هو قذيفة أم مجرد سيارة تُمرّ؟».
غزة: بين الواقع والمأمول
في هذا الصدد، يرى المؤرخ والباحث الفلسطيني المقيم في غزة، عبد اللطيف أبو هاشم، أن عام 2026 يشكّل اختبارًا حقيقيًا للسياسات المحلية والدولية تجاه القضية الفلسطينية. يشدّد أبو هاشم على أن الهدنة الراهنة، بالرغم من أهميتها، لا تعدّ كافية لتحقيق السلام الدائم، بينما يشهد الفلسطينيون على أرضهم خروقاتٍ تُمثّل تهديداً مباشراً للاتفاقات القائمة، ما يُعرّض المجتمع لغليانٍ جديدٍ في أي لحظة.
يقول أبو هاشم: «الواقع في غزة اليوم هو نتاج تراكم سنواتٍ من الاحتلال والحروب والحصار، فكلّ هدنةٍ لا تُترجم إلى حلولٍ سياسية مُلزمة تجعل الفلسطينيين شركاء فاعلين في تقرير مصيرهم تبقى هشةً وقابلةً للانهيار».
ويوضح: «آمال الفلسطينيين في عام 2026 ليست مجرد أمنياتٍ عابرة، بل هي إعادتهم لكرامتهم المسلوبة، استعادة حقوقٍ سياسيةٍ واقتصادية واجتماعية. إن إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وإنهاء الاستيطان، وتحقيق حرية الحركة، كلها أهدافٌ لا يمكن أن تتحقق إلا بإرادة دولية حقيقية تُلزم الاحتلال بوقف سياساته العدوانية».
ويرى أبو هاشم أن «الفلسطينيين بحاجةٍ إلى استراتيجيةٍ وطنية تجمع بين العمل السياسي والدبلوماسي والمقاومة القانونية، حتى لا يبقى عام 2026 صفحة جديدة من صفحات الانتظار التي طال أمدها».
الضفة الغربية: استيطان يبتلع الأرض
على الضفة الغربية، لا يبدو الاستيطان مجرد سياسة حكومية عابرة، بل مسارًا متسارعًا يعيد رسم الجغرافيا الفلسطينية على مهلٍ قاسٍ. فخلال عام 2025، ووفق معطيات نشرتها منظمة «سلام الآن» وتقارير أممية، صادقت الحكومة الإسرائيلية على إنشاء 19 مستوطنة جديدة، ليرتفع عدد المستوطنات المعترف بها رسميًا إلى نحو 210 مستوطنات، مقارنة بـ141 فقط قبل ثلاثة أعوام. أرقام لا تُقرأ بمعزل عن سياقها، إذ تعكس اندفاعًا واضحًا نحو تثبيت وقائع دائمة على الأرض، تتجاوز فكرة البناء إلى إعادة تعريف السيطرة والسيادة.
هذا التوسع لم يتوقف عند حدود الإعلان السياسي، بل ترجم ميدانيًا عبر موجة غير مسبوقة من المصادقة على الوحدات الاستيطانية. تقرير صادر عن الأمين العام للأمم المتحدة أشار إلى الموافقة خلال عام 2025 على ما يقارب 47,390 وحدة استيطانية جديدة قيد التخطيط أو التنفيذ، بزيادة حادة مقارنة بعام 2024. وحدات لا تعني مساكن فحسب، بل طرقًا التفافية، وبنى تحتية، ونقاط سيطرة جديدة، تُقطّع أوصال الضفة الغربية وتُحاصر القرى والمدن الفلسطينية داخل جزر معزولة.
على الجانب الآخر من هذه الأرقام، يعيش الفلسطينيون في الضفة واقعًا يوميًا من الاعتداءات والقيود. مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا» وثّق مئات الحوادث المرتبطة بعنف المستوطنين خلال عام 2025، إلى جانب استمرار هدم المنازل، ومصادرة الأراضي، وفرض عشرات الحواجز العسكرية التي تعيق حركة السكان وتقطع سبل عيشهم. في القرى والتجمعات البدوية، يتحول الخوف إلى جزء من الروتين اليومي، فيما تصبح المواسم الزراعية، مثل قطف الزيتون، محطات إضافية للاحتكاك والعنف والخسارة.
وتشير تقديرات مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ومنظمات حقوقية إسرائيلية ودولية إلى أن عدد المستوطنين في الضفة الغربية والقدس الشرقية بلغ نحو 737 ألف مستوطن، أكثر من 500 ألف منهم داخل مستوطنات الضفة وحدها. بالنسبة للفلسطينيين، لا تُختصر هذه الأرقام في جداول إحصائية، بل تُترجم إلى تضييق على حياتهم، وتفتيت لأرضهم، وتآكل متواصل لإمكانية قيام دولة فلسطينية متصلة وقابلة للحياة، وهي واحدة من القضايا الجوهرية التي تتقاطع مع آمالهم للعام الجديد 2026.
مواطن الضفة: يومٌ مريرٌ وآمالٌ متجدّدة
مروان جابر (45 عامًا)، من نابلس، يرى أن «العام الجديد قد يحمل بعض الفرص إذا ما انطلقت دعوات السلام إلى أفعالٍ واقعية». يضيف: «نحن هنا في نابلس نعيش الواقع يومياً، بين الاستيطان الذي يبتلع أراضينا، وبين الاعتقالات والاعتداءات اليومية التي لا تُحصى».
يتابع: «آمالي في عام 2026 أن يرى العالم حجم المعاناة الحقيقية التي نعيشها، أن يتحقق الاعتراف بحقوقنا السياسية وأن تُعطى الأرض حقّها من العدالة الدولية».
ويشير الأب لخمسة أطفال إلى أن «الأطفال هم ضحايا هذا الصراع، فهم يشاهدون بيوتهم تُهدّم، وأحلامهم في المستقبل تتبدد أمام أعينهم، لذا نحن بحاجةٍ إلى نهايةٍ واضحةٍ لهذا الواقع المرير».
أما ليلى يوسف (32 عامًا)، التي تعمل مع منظمة مجتمع مدني تهتم بحقوق النساء والأطفال، فتقول: «آمالي للعام الجديد تعلو على وقع الحواجز والاعتقالات المتكررة التي تُعيق حرية الحركة».
وتتابع: «نحن نعمل مع عائلاتٍ تعاني من فقدان الأرواح، وتهديداتٍ يومية تُصيب أيّ فردٍ من المجتمع. إن العام الجديد يجب أن يكون عاماً للضمير الدولي، عاماً تُعطى فيه حقوق الفلسطينيين الأساسية نصيبها من الاعتراف والعمل».
تشدّد ليلى على أن «المجتمع الفلسطيني في الضفة بحاجةٍ إلى دعمٍ سياسيٍّ وميدانيٍّ يُخرجنا من دائرة الخوف والقلق المستمر، نحو مستقبلٍ أكثر أماناً واستقرارًا».
فلسطين.. بين الاحتلال والحل السياسي
في السياق، يرى المؤرخ الفلسطيني نواف الزرو أن فلسطين في مطلع عام 2026 تواجه مفترق طرقٍ حقيقي، فلا يزال الاحتلال يُمارس سياساتٍ تهدف إلى ابتلاع الأرض الفلسطينية، مما يصعّب تطبيق حل الدولتين على الأرض. ويركّز الزرو على أن توسع المستوطنات ومنح رموز بلدية لبعض المستوطنات يعكس سياسةً إسرائيليةً واضحة لإضفاء طابعٍ دائم على وجودها في الضفة الغربية، ما يهدّد الشرعية الدولية ويُعقّد إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة.
يقول الزرو: «إذا ما أردنا أن نفهم ما يجري في فلسطين في العام الجديد، فعلينا أن ندرك أن الاحتلال لا يزال يُعزز سيطرته على الأرض، بأنشطةٍ استيطانية مُمنهجة، وهدمٍ للمنازل، واعتقالاتٍ تُقوّض أيّ أملٍ في السلام الشامل».
ويضيف: «آمال الفلسطينيين في 2026 لا يمكن أن تتحقّق في فراغٍ سياسي، بل تحتاج إلى دعمٍ دوليٍّ واسع، وقراراتٍ صارمة تُلزم إسرائيل بوقف الاستيطان، وتهيئة الظروف لإطلاق مفاوضاتٍ حقيقية تُفضي إلى حلٍّ سياسيٍّ عادل».
ويشدّد الزرو على أن «القضية الفلسطينية في هذا العام لا تتعلق فقط بوقفٍ لإطلاق النار في غزة أو بتقليص الاستيطان في الضفة، بل تتعلق باستعادة المشروع الوطني الفلسطيني، الذي يجب أن يكون مصاغاً ضمن رؤيةٍ موحدة ومطالبٍ واضحة تُقرّها إرادة الشعب الفلسطيني بنفسه».
