الخبير الجنائي يوسف الرنتيسي لـ«عُمان»اسرائيل استخدمت «قنابل نسف جبال أفغانستان» في غزة الاحتلال يستهدف المختبرات الجنائية والباحثين لطمس الحقائق
غزة- «عُمان»- بهاء طباسي:
أكد يوسف الرنتيسي، الخبير الجنائي الفلسطيني والمتخصص في توثيق جرائم الحرب، أن جيش الاحتلال استخدم قنابل أمريكية الصنع هائلة التدمير، كانت مخصصة لنسف التحصينات تحت الأرض وفي جبال أفغانستان، في استهداف المدنيين الآمنين في قطاع غزة، والتي حرقت جثث الشهداء وحولتها إلى أشلاء صغيرة جدًا، حجم الشلو منها لا يتجاوز كف اليد.
ووصف الخبير في المعمل الجنائي الفلسطيني، خلال حواره مع «عُمان»، عملية التعرف على الجثث المحروقة والمتناثرة أشلاء بـ«المتعبة جدًا»، في ظل استهداف الاحتلال للمختبرات الجنائية، حتى قبل حرب السابع من أكتوبر، بالإضافة إلى منعه إدخال أجهزة تحليل البصمة الوراثية «DNA» إلى القطاع المحاصر.
بدايةً، كيف يمكنك وصف حجم الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة؟
أقل ما يقال عن الجرائم المرتكبة حاليًا في قطاع غزة هي جرائم إبادة جماعية، يعني أن يتم قصف المنازل والمستشفيات والمساجد وخيام النازحين، وحتى أماكن توزيع الإنترنت، بعض طوابير المياه، المخابز.
هذا شيء أقل ما يوصف بأنه نحن الآن في حرب إبادة جماعية دون وضع أدنى معايير في خلال الاستهداف أو القصف، لوجود أطفال، أو وجود مدنيين أو آمنين، فالوصف الحقيقي هي إبادة جماعية.
ما هي أكثر أشكال الجرائم شيوعًا التي شهدها القطاع إبان حرب السابع من أكتوبر؟
أكثر أشكال الجرائم شيوعًا، هي استخدام القصف الجوي، واستهداف بيوت الآمنين، مراكز الإيواء، استهداف المدارس، استهداف أماكن التجمع، يوجد هناك تعمد واضح لقتل أكبر عددٍ ممكن من الفلسطينيين كعقاب جماعي وإبادة جماعية لكل ما هو حي، كعقوبة على الصمود، كعقوبة على بقائهم في قطاع غزة، لرفضهم للتهجير.
فهي عمليات القصف الجوي، وأيضًا عمليات التجويع الممنهج لأهل قطاع غزة، وأيضًا عمليات الحصار والتضييق عليهم، ونقلهم من مكان إلى آخر، وتهديد أماكن وعمليات النزوح، هذه كلها جرائم مخالفة للقانون الدولي، وأيضًا انتهك فيها الاحتلال أبسط قوانين الشرعية الدولية، وأيضًا أبسط قوانين الإنسانية، باستهدافه للنساء والأطفال.
ما تفسيرك لاستهداف الاحتلال فئات معينة من السكان مثل النساء والأطفال؟
لاحظنا أن نسبة كبيرة من الضحايا هم من النساء والأطفال، وهناك تعمد لقتل النساء والأطفال، وإبادة مستوى معين من النساء والأطفال، كعملية تطهير عرقي، حتى النساء المتزوجات، اللاتي من الممكن أن تنجبن وتزيدن من عدد سكان قطاع غزة، هناك تعمد لقتل لهؤلاء النساء، وعدم الأخذ في الحسبان إطلاقًا، عند استهداف مدرسة أو مكان أو شارع أو طريق، وجود مدنيين، بل على العكس، هناك تعمد لاستهداف أماكن يوجد بها النازحون والأطفال والنساء.
هناك استهداف ممنهج، هناك نية مبيتة من أجل إيقاع أكبر قدر ممكن الضحايا في النساء والأطفال.
لماذا من المهم توثيق هذه الجرائم؟ وكيف يمكن أن يساهم التوثيق في تحقيق العدالة؟
من المهم جدًا توثيق هذه الجرائم، لماذا؟ لأنها جرائم حرب، لا تسقط بالتقادم، لابد ولا يمكن إلا أن يأتي اليوم، الذي يحُاسب فيه كل جندي وكل ضابط وكل وزير إسرائيلي، وكل طيار إسرائيلي، لابد أن يُحاسبوا على الجرائم التي ارتكبوها.
هذا قانون إلهي قبل أن يكون قانونًا وضعيًا، الجرائم هذه لا تسقط بالتقادم، سُيعاقبون على كل هذه الجرائم في يوم من الأيام، نعتقد جازمين أن هذا اليوم سيكون قريبًا، سيُحاسب كل من ارتكب جرائم بحق الإنسانية، وحق البشر، وحق النساء والأطفال، وبالتالي توثيق هذه الجرائم مهم جدًا، لأنه لا يمكن أن تطالب بحقك وأنت لم توثقك جريمتك.
تم ارتكاب جرائم بحقك، نعم هي الآن مذاعة على الشاشات والقنوات الفضائية، ولكن أيضًا التوثيق مهم جدًا، كالاحتفاظ بالأدلة وتوثيق الشهود، وأيضًا توثيق عدد الضحايا، وما شابه من هذه الإجراءات.
ما هي الأدوات والأساليب المستخدمة من قبل المعمل الجنائي الفلسطيني لتوثيق جرائم الحرب على غزة؟
هي عبارة عن بروتوكول وفق إجراءات المحكمة الجنائية الدولية، حيث يتم توثيق أولًا، أسماء الضحايا، وأعمارهم، والبيانات الشخصية لهم كاملة، ومن ثم توثيق مكان الاستهداف، وطبيعة الاستهداف، وأخذ عينات من مكان الاستهداف، ومن الأسلحة الإسرائيلية المستخدمة في قتل هؤلاء الضحايا أو إصابتهم، ويتم نقل هذه الأدلة من مكان الحادث إلى مخازن حكومية خاصة بجمع هذه الأدلة.
ويتم أيضًا الحصول على التقارير الطبية وتقارير الطب الشرعي كاملة للضحايا من الشهداء والمصابين، بالإضافة إلى عملية التوثيق بالتصوير، حيث يتم تصوير جثث الضحايا، وأيضًا أماكن الاستهداف، وأماكن المجازر، بطريقة التصوير الصحيحة الخاصة بتوثيق جرائم الحرب.
كيف يتم التعامل مع الأدلة الجنائية التي تفضح انتهاكات الاحتلال في غزة؟
الأدلة التي نجمعها، نقوم بتوثيقها وفق بروتوكول المحكمة الجنائية الدولية، وفق المعايير الدولية المسماة «سلسلة حضانة الدليل»، وأيضًا يتم جمعها بالطرق العلمية الصحيحة، وإخضاعها لاختبارات فيزيائية واختبارات لونية، وأيضًا عمليات وصف كاملة لهذه الأدلة.
في انتظار نقلها إلى المحاكم أو الجهات الدولية التي تقوم بإجراءات التقاضي، وأيضًا إجراء اختبارات علمية دقيقة عليها في الجهات التي تقوم بطلب هذه الأدلة عند فتح تحقيق في هذه الجرائم.
ما هي أبرز التحديات التي تواجه عملية توثيق جرائم الحرب في غزة؟
هناك الكثير من المعيقات مثل انقطاع التيار الكهربي، وأيضًا عدم توفر الإنترنت، وجميعها نستطيع التغلب عليها، ولكن المعيق الرئيسي، وهو الخطر المحدق بسلامة الفريق العامل في توثيق جرائم الحرب، حيث وجدنا خلال عملنا، على مدار السنوات الماضية، تعمد جيش الاحتلال استهداف كل من يعمل في توثيق جرائم الحرب، عن طريق قتل الخبراء والعاملين في مجال التوثيق، لطمس هذه الفئة من المختصين وإيقاف عملها في هذا المجال.
المعيق الأكبر هو تعمد استهداف وتدمير مخازن الأدلة، وأيضًا قتل الأفراد والأشخاص العاملين في مجال توثيق جرائم الحرب.
ما هو دور المنظمات الدولية في توثيق هذه الجرائم؟
المنظمات الدولية الإغاثية العاملة في المجال الإنساني ليس من عملها هو إجراء عمليات توثيق جرائم الحرب أو التعاون في هذا المجال، هناك منظمات حقوق الإنسان، تقوم بهذا الدور، بعض المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، تقوم بهذه الإجراءات، وهناك تعاون متبادل بين العديد من المؤسسات والجهات القائمة على عمليات التوثيق.
صف لنا شكل التعاون بينكم وبين المنظمات الدولية التي تعمل على توثيق جرائم حرب السابع من أكتوبر؟
في هذا العدوان هناك قصور في عمليات التعاون وأيضًا هناك خشية كبيرة من العاملين في مجال توثيق جرائم الحرب، من تعرضهم للأذى الجسدي المباشر، وبالتالي عمليات التعاون بهذا الصدد ليست على المستوى المطلوب حتى الآن في هذا العدوان الشامل، وهذه الإبادة الحاصلة على قطاع غزة.
هل تعتقد أن توثيق هذه الجرائم يمكن أن يؤدي إلى محاكمات دولية للمسؤولين عنها؟
نحن نقول في هذا المجال، قيامنا بالتوثيق ليس فقط يعني من أجل المحاسبة الحالية، هذا التوثيق يجب أن يكون سياسة متبعة عند كثير من منظمات حقوق الإنسان الدولية، لأنه كما قلت سابقًا هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم..
نحن نثق ثقة كاملة بعدالة السماء قبل عدالة الأرض، أن هؤلاء المجرمين لن يفلتوا من العقاب،كما يجب أن تكون عمليات التوثيق ذات نفس طويل، بأننا يجب ألا نمل ونيأس من عمليات التوثيق بحجة أن هناك ضغط دولي على المحاكم الدولية، هناك محاولات لثني المحاكم الدولية عن القيام بإجراءاتها.
لا يمكن أن يبقى المجرم مجرمًا قويًا مسيطرًا إلى الأبد، لابد أن يأتي اليوم الذي سيضعف فيه، والذي ستتجرأ فيه العديد من المنظمات أو المحاكم الدولية على قول كلمتها بأنه لا يضيع حق وراءه مطالب.
كيف تؤثر هذه الجرائم على النسيج الاجتماعي في غزة؟
هذا الشعب الذي صبر أكثر من 70 عامًا على الظلم والقهر، لا يمكن أن تثنيه هذه الجرائم، وعمليات الإبادة، والقتل الممنهج للناس.
وبالتالي هذه الجرائم تزيد المواطنين إصرارًا على البقاء على هذه الأرض، والتشبث بأرضهم وبحقوقهم وتزيدهم إصرارًا وثقة أن الله لن يضيع صبرهم وتعبهم، وسيأتي اليوم الذي ينعمون فيه بالحرية، وأيضًا سيحاسب كل مجرم على ما ارتكب بحق هؤلاء الضعاف.
ما هي الرسالة التي تود توجيهها للمجتمع الدولي حول ما يحدث في غزة؟
باختصار المجتمع الدولي وكل القوانين الدولية وميثاق حقوق الإنسان وبروتوكولات المحاكم الدولية، كلها الآن على المحك، نحن أمام مشهد تتساقط فيه كل هذه الدُمى من حقوق الإنسان إلى الحريات، التي يتشدق بها الغرب، وحقوق البشر، وحقوق الحيوان.
ثبت لدينا أن الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، التي صدعت رؤوسنا بهذه العبارات، الآن هذه المعركة كشفت زيف كل هذه الشعارات، والقانون الدولي والمجتمع الدولي الآن في نقطة فارقة، في موقف حرجٍ جدًا، أمام إثبات صدق ما كانوا يتغنون به خلال مائة سنة من الآن، بمعنى إثبات حقيقة مثل هذه القوانين والأنظمة الدولية، وأيضًا المعايير الأخلاقية في القتال وغيره، أمام حقيقة ما يحصل في قطاع غزة.
وبالتالي ثبت للجميع أن كثير مما كان يتم التغني بها أوروبيًا وغربيًا هو محض افتراء وكذب، الاحتلال الإسرائيلي فوق الجميع، الاحتلال فوق القوانين، هذا للأسف بسبب ضعف المجتمع الدولي، الآن المجتمع الدولي يخسر كثيرًا.
أطفال العالم يشاهدون هذه الإبادة، وهم على ثقة بأنهم لا يسمحوا لأحد بأن يكذب عليهم فيما يتعلق بحقوق الإنسان، ها هو الإنسان يُقتل ويُباد، ويُطحن ويُحرق ويدفن في غزة، والمجتمع الدولي متفرج.
كيف تقيم دور وسائل الإعلام في فضح انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي؟
الكثير من وسائل الإعلام لم تُقصر في هذا الجانب بصدق، ولكن الإشكالية الأكبر، أن هناك استهدافًا ممنهجًا للصحفيين، تم قتل عددٍ كبيرٍ من الصحفيين، في محاولة لطمس الحقيقة، وإغلاق هذه الكاميرات وهذه الشاشات، ومنع نقل هذه الحقيقة إلى العالم.
العديد من وسائل الإعلام كان لها دور ممتاز في نقل الحقيقة وإظهار هذه الجرائم للعالم، مع تحيز كبير من بعض وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية، التي ما زالت تسرد السردية الإسرائيلية المنافقة الكاذبة، وتحاول أن تشوه الحقيقة.
ولكن منصات التواصل الاجتماعي والمجموعات المناصرة في الغرب وفي الكثير من الدول، كان لها دور أيضًا بارز في إظهار حقيقة ما يتعرض له قطاع غزة.
ماذا عن الأسلحة التي يستخدمها الاحتلال في حربه على غزة؟
أنواع الأسلحة التي تُستخدم في استهداف المدنيين هي أسلحة تُستخدم عادة لقصف التحصينات في الجبال، وفي الأماكن العميقة تحت الأرض، استُخدمت في أماكن عالمية مثل الجبال في أفغانستان وما شابه، تُستخدم الآن هذه القنابل، التي يُحرّم دوليًا استخدامها في أماكن يوجد فيها مدنيون، على مسافة كيلومتر، تُستخدم الآن فوق رؤوس المدنيين على خيام من القماش والنايلون.
يتم ضرب هذه القنابل الهائلة التدمير وتُضرب بها الشقق السكنية، يعني هناك استخدام قوة نارية وقوة انفجارية لا تتناسب إطلاقًا مع الأجساد الغضة للضحايا من النساء والأطفال، هناك تعمد وتوحش في عملية القتل، كرسالة خوف أو تخويف أو كرسالة انتقام يوجهها هذا الجيش النازي إلى الشعب الفلسطيني، بما تحمله من وحشية دون أي رادع أو أي خوف من مجتمع دولية أو من محاكم دولية.
ما تأثير استخدام هذه الأسلحة على الضحايا من المدنيين؟
كثير من حالات الجثث الضحايا التي تصل إلى المستشفيات استُخدمت مع أصحابها قنابل شديدة الانفجار، وينتج عنها كمية هائلة من الشظايا، التي تقوم بتقطيع أجساد الضحايا، بشكل لا يمكن تصوره.
الكثير من الضحايا نُقلوا إلى المستشفيات عبارة عن قطع متناثرة، حجمها لا يتجاوز كف اليد، حجم هذه القطعة، فكان هذا أمر مهولًا في عملية تحليل هذه الجثث ومعرفة لمن تعود، عملية التشوه الكبيرة، الحرق الهائل الذي تتعرض له جثث الضحايا.
