الاتحاد الأوروبي وإفريقيا: إعادة ضبط العلاقات الأساسية أم تجديد المقاربات؟
لندن "د. ب. ا": يرى المحللان السياسيان جريجوار روس وتيجيستي أماري أنه عندما يجتمع قادة الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي في العاصمة الأنجولية لواندا في قمتهم السابعة غدًا وبعد غدا الثلاثاء ، فإنهم سوف يجتمعون في وقت يتلاشى فيه اليقين الجيوسياسي ويواجه فيه التكنلان ضغوطا متزايدة في الداخل.
وقال روس، مدير برامج أوروبا وروسيا وأوراسيا واماري مديرة برامج أفريقيا في معهد تشاتام هاوس المعروف رسميا باسم المعهد الملكي البريطاني في تقرير نشره المعهد)، إن الاتحاد الأفريقي أصبح يحتل موقعا أكثر مركزية في الحسابات الاقتصادية والجيوسياسية بالنسبة لأوروبا، ليس على الأقل بسبب الطلب المتزايد على المعادن الأفريقية الحيوية والانعدام المتزايد للأمن في دول الاتحاد الأوروبي والمخاوف بشأن الهجرة.
واضاف روس واماري إن أوروبا تظل شريكا حيويا لأفريقيا، حيث تعد السوق الأكبر للصادرات الأفريقية، ومصدرا رئيسيا للاستثمار وتمويل التنمية والتكنولوجيا. ويعتبر الاتحاد الأوروبي أيضا حليفا دبلوماسيا رئيسيا في المنتديات العالمية حيثما تسعى الحكومات الأفريقية إلى إصلاحات بشأن الديون، وتمويل المناخ، والحوكمة العالمية.
وأسفرت القمة السادسة للاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي التي عقدت في فبراير عام 2022 في بروكسل عن "رؤية مشتركة بعيدة الأثر لعام 2030"، وعدت بإعادة ضبط التعاون السياسي والاقتصادي والأمني. لكن في غضون أيام، أعادت حرب روسيا في أوكرانيا تشكيل الأسواق الدولية، وتسببت في تحول الاهتمام السياسي، وكشفت عن توقعات متباينة بشأن تحالف متعدد الأطراف. وأدى ذلك إلى إجهاض الخطط الطموحة للقمة السادسة تماما.
ومع ذلك، فإن استمرار مناخ عدم اليقين العالمي يطرح الآن قضية أقوى من أي وقت مضى لإحياء الشعور بالطموح وإعادة ضبط العلاقات بين الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي. وتواجه الدول الأفريقية تحديات منذ فترة طويلة تشمل ضعف التصنيع، وفجوات البنية التحتية، وارتفاع تكاليف الاقتراض، بالإضافة إلى استمرار مشاكل الحوكمة والأمن.
وأكدت النزاعات الطويلة في السودان وشرق جمهورية الكونغو الديمقراطية وأجزاء من منطقة الساحل، هشاشة مؤسسات الدولة، والعراقيل أمام تحقيق التنسيق الإقليمي، ومحدوديات نفوذ الاتحاد الأفريقي.
وفي الوقت نفسه، تشير موجة الاحتجاجات التي يقودها الشباب من "الجيل زد" - من كينيا ومدغشقر - إلى الإحباط المتزايد إزاء الركود السياسي والإقصاء الاقتصادي.
انخراط الصين يزداد عمقا في افريقيا
ويصل مندوبو الاتحاد الأوروبي إلى لواندا وهم يواجهون تحدياتهم الخاصة، حيث يثقل كاهلهم النمو البطيء، وضغوطات الماليات العامة، والعبء الاستراتيجي لحرب أوكرانيا ــ وهي ضغوط أدت إلى تآكل الثقة وتقليص مساحة المناورة في الخارج. ولم يعد للثقل الجيوسياسي للاتحاد الأوروبي نفس النفوذ الذي كان يتمتع به في السابق.
وفي أوروبا، أدى التحول نحو اليمين في السياسة الداخلية إلى تفاقم النقاشات حول الهجرة والشراكات الخارجية، مما قلص المساحة المتاحة للاستراتيجية طويلة المدى.
وأصبحت الدول الأفريقية أقل استعدادا للموافقة على أطر تعاون تجعلها تعتمد على تصدير السلع الأساسية، لكي يحولها آخرون إلى منتجات عالية القيمة. ويجب أن تظهر الشراكات الآن أنها يمكن أن تساعد الدول الأفريقية على أن تجني الفوائد الاقتصادية الكاملة لمواردها الطبيعية، وتوفر ملايين الوظائف الضرورية لمواطنيها الشباب الذين يرتفع عددهم بسرعة.
ولا يعد الاتحاد الأوروبي الشريك الوحيد المحتمل للاتحاد الأفريقي. فانخراط الصين يزداد عمقا. وتوسع دول الخليج والهند ودول أخرى نطاق حضورها، بينما يتذبذب انخراط الولايات المتحدة. وفيما يتعلق بالهجرة، تركز الدول الأوروبية أكثر على المشاكل السياسية الفورية،التي سببتها تدفقات غير منتظمة من المهاجرين، وليس على السعي للتوصل إلى حلول طويلة الأمد مع الشركاء الأفارقة.
الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى تغيير جذري
وهناك طريقة واضحة للبدء وذلك من خلال دعم تطبيق منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية. ومن خلال توسيع نطاق التجارة والتنقل بين البلدان الأفريقية، وتسريع وتيرة التصنيع لتوفير الملايين من فرص العمل الجديدة، يمكن لمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية أن تعزز المرونة الاقتصادية، وبمرور الوقت، تساعد في تقليص الدوافع للهجرة الاقتصادية إلى أوروبا. وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها الكتلتان، فإن فرصة التجديد حقيقية.
وتشكل إمكانات السوق الرقمية والحضرية الأخذة في الزيادة في الاتحاد الأفريقي، والديناميكية الديموجرافية، والمعادن الأساسية، فرصا جديدة كبرى. ويحتاج الاتحاد الأوروبي، الذي يواجه نقصا في العمالة وتحولا في قطاع الطاقة، إلى الاتحاد الأفريقي ليس فقط في مجال الإمدادات ولكن أيضا بوصفه مشاركا في سلاسل القيمة الخضراء والرقمية. ولكي تكون لواندا بمثابة انطلاق لعملية إعادة ضبط حقيقية، يتعين على القادة تجاوز التصريحات واتخاذ خطوات أولى ملموسة. ويجب أن تضمن هذه الخطوات إنشاء منصة بين الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي خاصة بالمعادن الحيوية والتصنيع الأخضر، لا تكون منتدى للمشتري والمورد، ولكن تكون آلية لدعم القيمة المضافة، وربط استثمارات الاتحاد الأوروبي باستثمارات شركائه في آسيا والخليج. وينبغي أن تعزز هذه المنصة أيضا شفافية سلسلة التوريد (تحسين فهم منشأ السلع وإنتاجها) ومواءمة المعايير التنظيمية.
ويحتاج الاتحاد الأوروبي أيضا إلى تغيير جذري فيما يتعلق بالطموح. ولايمكن لقارة تعاني من شيخوخة سكانية أن تدعم اقتصادها أو تحافظ على استمرار أنظمتها الخاصة بالمعاشات السخية دون وجود عمالة ماهرة جديدة.
وسوف يعالج إطار عمل منظم للهجرة، ومتوافق مع احتياجات سوق العمل، تلك الاحتياجات ويعزز العلاقات مع شركاء الاتحاد الأفريقي. لقد أهملت أوروبا أيضا إحدى نقاط قوتها التقليدية وهى الدبلوماسية الثقافية. وسوف يسهم إحياء التبادلات الثقافية والتعليمية في تصحيح المفاهيم البالية، وتنمية علاقات طويلة الأمد، واستعادة أحد أكثر أشكال النفوذ الأوروبي مصداقية. ولكن لأفريقيا دورا يتعين أن تقوم به أيضا حيث سوف يضمن الاستثمار في مؤسساتها الثقافية وشبكاتها الأكاديمية ودبلوماسيتها العامة أن يكون التبادل مشتركا بشكل حقيقي، ويوسع نطاق السرديات الأفريقية دوليا، ويعزز أسس شراكة أكثر توازنا.
وفي حين لن تحل أي مبادرة واحدة كل التوترات، فإن مثل هذه الخطوات سوف تضع الشراكة بين الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي على أساس أكثر براجماتية، بمعنى شراكة تقوم على المصلحة المتبادلة والمسؤولية المشتركة والتفكير الاستراتيجي الطويل الأجل.
واختتم المحللان تقريرهما بالقول إنه إذا اغتنم القادة هذه اللحظة يمكن أن تطلق لواندا مرحلة أكثر واقعية وتطلعا إلى المستقبل في العلاقات. وإذا لم يفعلوا ذلك، فإن القارتين تواجهان خطر الانجراف إلى شراكة تحددها الفرص الضائعة بدلا من التحرك صوب صياغة استراتيجية مشتركة.
