555
555
العرب والعالم

الألعاب التراثية الفلسطينية وسيلة الأطفال للترفيه عن أنفسهم بين خيام النازحين

28 أبريل 2024
28 أبريل 2024

تحت سماء مليئة بطائرات الاستطلاع يصطف مجموعة من أطفال مخيم النزوح في منطقة تل السلطان برفح جنوب قطاع غزة، يركزون نظرهم للسماء، ويحملون بأيديهم لفة من الخيوط الرقيقة بينما تعانق السماء مجموعة كبيرة من الطائرات الورقية التي ترفرف عاليًا بأشكال هندسية جميلة.

يتم تجهيز الطائرات من قبل الأطفال بعد ساعات طويلة من العمل الجماعي من خلال شراء بعض المواد اللازمة من ورق ملون رقيق وخيوط وأعواد خشبية ولاصق.

يعملون كخلية نحل فبعضهم يقص الورق والبعض الآخر يبدأ بتجهيز قصاقات لصنع ذيل الطائرة الورقية أما أكثرهم خبرة فهو من يسعى لعمل ميزان الطائرة التي يُعتمد عليها في الطيران وما أن ينجزوا عملهم حتى ينطلقوا مسرعين لإطلاق الطائرة في الهواء الطلق بين خيام النازحين.

يقول الأستاذ نبيل وهو مدرس في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا: "يُفترض أن يكون هؤلاء الأطفال على مقاعد الدراسة يقدمون الامتحانات النهائية للعام الدراسي الحالي، لكن الحرب حرمتهم من ممارسة حياتهم التعليمية فكانت حياة النزوح أصعب ما يمكن أن يتعرض له الطفل، حياة قاسية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لا أمان ولا طعام وشراب ولا مأوى مناسب، أمراض كثيرة منتشرة، بيئة غير صحية، ورغم كل ذلك أشعر بالفرحة عندما أرى الأطفال يحاولون ممارسة طفولتهم فهذا أقل شيء ممكن أن يخرجهم من حياتهم المأساوية التي فرضتها عليهم الحرب".

نظر إلى السماء لبرهة بينما كان يُلقي بعض عبارات التشجيع بلغة الإشارة لطفل يعاني من إعاقة سمعية بسبب الحرب كان قد تمكن من إطلاق طائرته الورقية التي صمدت بالعلم الفلسطيني عاليًا في السماء.

في مكان آخر يتواجد العديد من الأطفال من كلا الجنسين يلعبون الجلول أو البنانير (البنور عبارة عن كرة صغيرة من الزجاج الملون) هذه اللعبة من الألعاب الشعبية الفلسطينية القديمة المتوارثة التي يبدأ موسمها في ذات الوقت أي مع بداية الإجازة الصيفية، ويتم اللعب بعدة طرق مختلفة لكن أشهر الطرق هي من خلال رسم مثلث على الأرض، يتم وضع البنانير فيه حسب العدد الذي يتم الاتفاق عليه من قبل اللاعبين المشاركين فيه لاعبين اثنين كحد أدنى، وقد يصل عدد اللاعبين إلى خمسة أشخاص في بعض الأحيان، حيث يحضر كل لاعب ما يملكه من "البنانير"، أو الجلول، ويرسمون مثلثًا على الأرض، يطلق عليه اسم "المور"، ويضع كل لاعب فيه، عددًا متساويًا من البنانير.

ثم يقف اللاعبون بعيدًا عن "المور"، مسافة مترين أو ثلاثة، ويضعون بنورة واحدة فقط، في مركز التصويب تسمى "الرأس"، ليبدأ التصويب تباعًا على مجموعة البنانير الموجودة داخل المور، وفي حال تمكن أي لاعب من إصابة وإخراج البنانير خارج إطار المثلث (المور)، تصبح البنانير التي خرجت، ملكًا لهذا اللاعب، وهو ما يعني إحرازه نقاطًا، قد تجعله هو الفائز في هذه اللعبة.

المتخصصة التربوية الدكتورة ليلى سمير علقت على محاولة الأطفال التكيف مع الأوضاع الحياتية والمعيشية الصعبة واللعب في ظل استمرار الحرب على غزة فقالت: "رغم التطورات التي طرأت على المجتمع الفلسطيني من انتشار للتلفزيون والهواتف الذكية والحاسوب والآيباد والالعاب الإلكترونية بشتى أنواعها إلا أن هذه اللعبة ما زالت موجودة عبر تتابع الأجيال، يلعبها الصغار باستمرار جيلاً بعد جيل"

ثم استطردت وقالت: "تعتبر هذه اللعبة من الألعاب التربوية والتعليمية التي تُعلم من يمارسها المنافسة والكسب والخسارة ومهارات الرياضيات الجمع والطرح، واستراتيجية المحاولة والخطأ خصوصًا للأطفال الصغار وهي أفضل بكثير من قضاء الوقت في تتبع الأخبار التي تسبب العديد من المشكلات السلوكية والاضطرابات النفسية تحديدًا مع تعرض العديد من الأطفال للقصف والاستهداف من قبل جيش الاحتلال".

بالأمس بينما كنت أحاول كتابة هذه المادة أخبرني والدي أطال الله في عمره أنه كان يلعب الجلول منذ أكثر من سبعين عامًا، حيث لم يطرأ أي تغيير على شكل البنور بل ما زال يحتفظ بشكله الحالي، وكانت اللعبة بالطريقة نفسها أي أنها استمرت وانتشرت من جيل لجيل بنفس النمط والطريقة وبنفس مصطلحاتها أي أنها شاهد على التراث الفلسطيني المتعاقب بين الأجيال.

لعبة الحجلة هي لعبة الفتيات في مخيم النزوح تقف الطفلة لميس ذات السبع سنوات مع مجموعة من الفتيات تحمل في يدها حجر متوسط الحجم تم اختياره بعناية للعب.

هذه اللعبة تلعبها لميس برفقة أخريات من خلال رسم من خمس إلى سبعة مستطيلات على الأرض بالطباشير أو بالفحم وتمسك قطعة من الزلط (نوع من الصخر) يتم حذف الزلط في المربعات واحدا تلو الآخر، ثم تقوم الفتاة بالقفز برجل واحدة لتتخلل جميع المربعات وتلتقط الزلط في كل مرة ذهابًا وإيابًا... أما إذا اختل التوازن، ولامست الرجل الأخرى الأرض فتتوقف اللعبة، وتبدأ المنافسة الأخرى في اللعب وتقضي الفتيات ساعات طويلة في هذه اللعبة في المخيم لكن بمجرد أن تسمع الفتيات قصفًا قريبًا من المكان يتركن اللعبة، وينطلقن مسرعات في اتجاه الخيم للاحتماء من خطر الطائرات الحربية الإسرائيلية.

يحاول الأطفال ممارسة حياتهم رغم ما يحيط بهم من مخاطر كثيرة، هناك انتشار كبير للحشرات والأوبئة في خيام النازحين

مع بداية ارتفاع درجات الحرارة، أيضًا تتفاقم معاناة أكثر من مليون نازح في رفح في ظل انتشار الكثير من الأمراض الجلدية المعدية والتهاب الكبد الوبائي تحديدًا بين الأطفال.

وفي هذا السياق فقد صرح برنامج الغذاء العالمي: إن "الأطفال في غزة يموتون من الجوع والعطش ومن بين كل ثلاثة أطفال يعاني طفل واحد من سوء التغذية الحاد".

بينما المتحدثة باسم اليونيسف قالت: "الظروف الإنسانية في القطاع تتدهور وهناك عدد كبير من الجرحى والجياع، فقطاع غزة من أكثر المناطق خطورة على الأطفال ومقتل 14.500 طفل منذ بدء الحرب، والأطفال يموتون يوميًا في قطاع غزة بسبب حرمانهم من الرعاية الصحية".

لقد حصدت حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في غزة مع استمرارها في اليوم الـ205 من العدوان الكثير من الشهداء الأطفال، حيث بلغ عدد الشهداء من الأطفال حسبما ورد عن وزارة الصحة الفلسطينية أكثر من 14.600 ألف شهيد، فيما هناك حوالي 17.000 طفل فقدوا والديهم أو أحد الوالدين بينما ارتفع عدد ضحايا القصف الإسرائيلي على غزة إلى 34.356 ألف شهيد و 77.368 ألف مصاب منذ 7 أكتوبر.

يأتي ذلك في ظل إصرار حكومة الاحتلال القمعية المتطرفة على ممارسة سياسة التهجير القسري لما تبقى من أبناء الشعب الفلسطيني النازحين في مخيمات اللجوء الجديدة في قطاع غزة.

د. حكمت المصري كاتبة فلسطينية من غزة