الرئيس التونسي قيس سعيد
الرئيس التونسي قيس سعيد
العرب والعالم

الأزمة تتوسع داخل حركة النهضة في تونس .. ونزيف الاستقالات مستمر

25 سبتمبر 2021
منظمات حقوقية تدين "انفراد" الرئيس بالحكم
25 سبتمبر 2021

تونس - (د ب أ - أ ف ب)- توقع قياديون في حزب حركة النهضة الإسلامية، الحزب الأكبر في البرلمان المجمد بتونس، استقالات جديدة من صفوف الحزب في وقت لاحق بعد إعلان أكثر من مئة عضو في وقت سابق مغادرتهم للحركة.

ونشر في وقت سابق أمس 113 عضوا، بينهم نواب وقياديون في مجلس الشورى، الهيئة الأعلى للحزب، ووزراء سابقون وأعضاء في هياكل أخرى، استقالتهم عبر بيان للرأي العام حمل امضاءاتهم.

وقال قياديون إن استقالات أخرى سيعلن عنها لاحقا، في وقت تتوسع فيه الانقسامات داخل الحزب.

وبرر المستقيلون قرارهم بتعطل الإصلاحات الداخلية في الحركة وهيمنة رئيسها، راشد الغنوشي، على القرارات.

ويتزعم الغنوشي الحركة منذ تأسيسها باسم حركة الاتجاه الإسلامي في عام 1972 لتدخل بعدها في صدام مع نظامي الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، ومن بعده نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.

وهذه هي أبرز أزمة يواجهها الحزب منذ مباشرة نشاطه السياسي في العلن إبان ثورة 2011 وتصدره المشهد السياسي بعد عقود من العمل السري.

وقال النائب والقيادي المستقيل، سمير ديلو، الذي شغل منصب وزير حقوق الانسان في أول حكومة اعقبت انتخابات 2011 ، لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب.أ) إنه يجري تحيين لقائمة المستقيلين.

وأضاف ديلو :"القرار جاء بعد نقاشات طويلة، الحركة أصبحت في عزلة وعاجزة عن التنسيق مع باقي الأحزاب لخلل في الداخل لم نكن طرفا فيه".

وتابع ديلو :"ما يحصل الآن في حركة النهضة شأن داخلي وأنا لم أعد معنيا به".

وقالت القيادية المستقيلة، أمال عزوز، إن المزيد من القياديين سيعلنون استقالاتهم.

وفي 2020 نشر 100 قيادي في الحزب رسالتين تطالبان بإجراء إصلاحات ديمقراطية داخل الحركة، وعدم ترشيح الغنوشي لولاية جديدة على رأس الحزب.

وشهد الحزب موجة سابقة من الاستقالات شملت الأمين العام السابق زياد العذاري ،وعبد الحميد الجلاصي، فيما اعتزل الاسم الثاني في الحركة عبد الفتاح مورو، العمل السياسي بعد خوضه السباق الرئاسي في 2019، وسبقهم حمادي الجبالي رئيس أول حكومة بعد2011.

وليس واضحا ما إذا كانت الحركة ستلتزم بتنظيم مؤتمرها الحادي عشر نهاية العام الجاري في ظل الانقسامات الحالية والدعوات لتنحي الغنوشي من منصب الرئاسة والدفع بقيادات الجيل الثاني الى مراكز القرار.

وكتب القيادي البارز عبد اللطيف المكي الذي شغل منصب وزير صحة في حكومة الياس الفخفاخ المقالة في 2020 "أشعر بالحزن العميق لكن لم يبق لي خيار بعد طول المحاولة خاصة في الأشهر الأخيرة، أتحمل مسؤولية قراري الذي اتخذته من أجل بلدي".

وتلقت الحركة ضربة قوية بعد إعلان الرئيس قيس سعيد التدابير الاستثنائية يوم 25 يوليو الماضي وتجميده البرلمان ومن ثم تعليقه العمل بأغلب فصول الدستور واستحواذه على كل السلطات لحين إجراء تعديلات سياسية تشمل أساسا الدستور ونظام الحكم والقانون الانتخابي.

وبدت حركة النهضة الفائزة بانتخابات 2019 والمتواجدة في السلطة منذ 2011، عاجزة عن ممارسة ضغوط على الرئيس أو اثنائه عن قراراته.

وحمل المستقيلون في بيانهم اليوم رئيس الحركة مسؤولية الفشل في إدارة البرلمان والدخول في تحالفات برلمانية غير سليمة وتأخر وضع مؤسسات دستورية أبرزها المحكمة الدستورية، ما مهد برأيهم للرئيس سعيد الى احتكار كل السلط اليوم.

إدانات

دانت منظمات حقوقية تونسية ودولية أمس قرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد بتعزيز صلاحياته في الدستور على حساب الحكومة والبرلمان، واعتبرتها "انفرادا بالحكم" و"انحرافا غير مسبوق".

وقالت المنظمات "في مواجهة هذا الانحراف غير المسبوق الذي تشهده تونس اليوم، تدين منظمات المجتمع المدني بشدة القرارات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد بصفة أحادية".

وفي 25 يوليو الفائت أعلن سعيّد في خطوة مفاجئة تجميد أعمال البرلمان واقالة رئيس الجكومة هشام المشيشي وتولي السلطات في البلاد.

وأصدر الأربعاء الماضي تدابير "استثنائية" بأمر رئاسي أصبحت بمقتضاه الحكومة مسؤولة أمامه في حين يتولى بنفسه إصدار التشريعات عوضا عن البرلمان، ما اعتبره خبراء تمهيدا لتغيير النظام السياسي في البلاد بدلا من البرلماني الذي نص عليه دستور 2014.

ولسعيّد صلاحيات تعيين رئيس حكومة وعزله كما يترأس المجلس الوزاري، بحسب ما جاء في الأمر الرئاسي الذي لم يحدد سقفا زمنيا لهذه التدابير.

واعتبرت المنظمات ان سعيّد "عكس القاعدة العامة لعلوية الدستور بإعطائه المراسيم الرئاسية مرتبة قانونية أعلى من الدستور"، كما نددت بـ "الاستحواذ على السلطة في ظل غياب أي شكل من أشكال الضمانات" وبجميع الصلاحيات المنوطة برئاسة الجمهورية "بدون أي سقف زمني".

واصدرت 18 منظمة حقوقية البيان بينها "منظمة العفو الدولية" (فرع تونس) و"هيومن ريتس واتش" و"المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب" و"الجمعية التونسية للدفاع عن الحريّات الفردية".

واعتبرت أن ضم سعيّد لكل صلاحيات التشريع في القوانين الاساسية يشكل "أولى الخطوات نحو الاستبداد في تونس، لما ينطوي عليه هذا المنعطف من تهديدات تمس من حقوق الإنسان".

وتابعت "لا يمكن أن يقع إملاء هذه الإصلاحات بصفة أحادية من جانب السلطة الرئاسية بدون حوار تعددي ورقابة فعلية".

وخلصت المنظمات "يبدو أن تونس البلد الوحيد الذي حافظ حتى الآن على الأمل بإحداث تغيير حقيقي ها هو الآن بصدد طيّ صفحة الديموقراطية الناشئة".

وأقرت بضرورة "إعادة التفكير في النظام السياسي وإدخال تعديلات على دستور 2014".

دعوة لتشكيل حكومة

دعت الولايات المتحدة الأمريكية الرئيس التونسي قيس سعيد إلى تشكيل حكومة وتعيين رئيس وزراء ووضع جدول زمني للإصلاحات مع بقية الشركاء السياسيين والمجتمع المدني.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس في بيان نشرته السفارة الأمريكية في تونس أمس إن واشنطن تشعر بالقلق من أن الإجراءات الانتقالية مستمرة في تونس دون نهاية واضحة.

وبعد نحو شهرين من إعلانه التدابير الاستثنائية، أصدر الرئيس سعيد في 22 من الشهر الجاري أمرا رئاسيا ألغى بموجبه العمل بفصول الدستور المنظمة للسلطتين التشريعية والتنفيذية وضمنه أحكاما مؤقتة لتنظيم السلطة.

وسيتولى سعيد السلطة التنفيذية بشكل كامل بمساعدة حكومة جديدة مسؤولة أمامه دون أن يحدد موعدا لذلك كما سيتولى السلطة التشريعية عبر إصدار المراسيم.

وأضاف برايس: "نشارك الشعب التونسي هدفه المتمثل في تشكيل حكومة ديمقراطية تستجيب لاحتياجات البلاد وهي تجابه أزمات اقتصادية وصحية".

وتابع برايس قائلا "على الرئيس قيس سعيد أن يعين رئيسا للوزراء لتشكيل حكومة قادرة على تلبية تلك الاحتياجات الملحة".

وسيشرف الرئيس التونسي بنفسه على إعداد مشاريع التعديلات المتعلقة بالإصلاحات السياسية ومن بينها الدستور ونظام الحكم والقانون الانتخابي بعد تكليفه للجنة خاصة. ولكن لم يشر ما إذا كان سيتوخى مسارا تشاركيا في ذلك مع الأحزاب والمنظمات.

واستطرد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية قائلا: "ندعو ، كما يدعو عامة التونسيين ، الرئيس لصياغة خطة ذات جدول زمني واضح لعملية إصلاح شاملة للجميع تضم المجتمع المدني والأصوات السياسية المتنوعة".

واختتم برايس تصريحاته: "فيما يتعلق بالإجراءات التي أدت إلى ما هي عليه الأمور الآن، نرى أن العمل الأساسي المتمثل في دعم تقدم تونس على مسارها الديمقراطي هو أهم من التباحث في تسمية لهذه الأحداث، وهذا ما نركز عليه".

وعارضت أغلب الأحزاب واتحاد الشغل المنظمة النقابية الأكبر في تونس، خطوة الرئيس إلغاء العمل بمعظم الدستور ووصفوا قراراته بالخروج عن الشرعية.

وقال سعيد الذي استخدم المادة 80 من الدستور نفسه لإعلان التدابير الاستثنائية، إنه اتخذ هذه الخطوات لإنقاذ الدولة والتصدي إلى الفساد وتلبية إرادة الشعب.