عائشة الفارسية تؤسس أول مجموعة نسائية للدراجات في عُمان عام 2020
حاورها - عامر الأنصاري
تنظم الجمعية العُمانية للسيارات فعاليات عديدة لا تقتصر على رياضة السيارات فحسب، بل تحتل الدراجات النارية مساحة مهمة من أنشطة الجمعية، حيث تجتمع فيها الفرق العُمانية والخليجية في أحايين كثيرة، وتصبح هذه الفعاليات أكثر نشاطًا في المناسبات الوطنية، وخاصة مناسبة اليوم الوطني لسلطنة عُمان، إذ يجد الدراجون من مختلف دول الخليج أفضل طريقة للتعبير عن مشاعرهم الطيبة ومشاركتهم لأفراحنا عبر القيام برحلات جماعية بالدراجات، يعبرون خلالها الحدود وصولًا إلى مسقط أو وجهة عُمانية أخرى.
وفي واحدة من تلك الفعاليات التي سعيتُ للمشاركة فيها بالحضور، إذ يشارك فيها قريبي من دولة الإمارات وليد الجسمي، كانت الفرصة سانحة للتعرّف على تجربة فريدة، أشار إليها وليد قائلًا "هل تعرف أم الدرّاجين؟" في إشارة إلى أول امرأة عُمانية تؤسس فريقًا نسائيًّا للدراجات.
إنها عائشة الفارسية، المعروفة بلقب "أم الدرّاجين"، عشقت رياضة الدراجات النارية مؤمنةً بأنها وسيلة ممتعة إذا ما روعيت شروط السلامة واحترام القانون وحقوق الطريق، لم يقف شغفها عندها فحسب، بل كانت مصدر إلهام لأبنائها الخمسة الذين أصبحوا اليوم درّاجين محترفين، وقد قبلت التحدي وأسّست أول فريق نسائي للدراجات رغم الصعوبات المتواصلة. التقينا بـعائشة الفارسية للحديث عن تلك التجربة وعن سر تعلقها بالدراجات، فكانت ضيفة "عمان" في هذا الحوار.
كيف بدأتِ علاقتكِ بعالم الدراجات النارية؟ وما اللحظة التي جعلتكِ تشعرين بأن هذا الشغف يمكن أن يتحول إلى أسلوب حياة؟
بصراحة، لم يكن الموضوع مجرد هواية في البداية، بل كان دافعه الأول الفضول، في أول مرة سمعت بها صوت دراجة مرت بجانبي شعرت بشيء غريب، خليط بين الحماس والرهبة، وبعد أول تجربة ركوب دراجة، وكانت لفترة قصيرة، اكتشفت أن الحرية لها صوت، ولها طريق، ولها نبض لا يشبه أي شيء آخر.
واللحظة التي حسّستني أن الشغف هذا هو شغفي الحقيقي، حين خرجت أول رحلة طويلة بالدراجة، كانت إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، الهواء يضرب وجهي، والطريق يمتد أمامي بلا حدود، عرفت حينها أنّي لا أركب دراجة نارية فحسب، بل أعيش لحظة حقيقية، لحظة لا يجدها إلا الذين يعشقون المغامرة، وقتها فهمت أن عالم الدراجات النارية شغف وأسلوب حياة بالنسبة لي، وإحساس قوة، واستقلال، وروح تعشق المغامرة.
كونكِ أول من أسس مجموعة نسائية للدراجات في عُمان عام 2020، ما الدافع وراء هذه الخطوة، وكيف كانت ردود الفعل الأولى من المجتمع والوسط الرياضي؟
كوني أوّل من أسّس مجموعة نسائية لركوب الدراجات في عُمان عام 2020، لم يكن الدافع وراء هذه الخطوة رغبة في لفت الأنظار، بقدر ما كان إيمانًا بضرورة فتح باب ظلّ مغلقًا لسنوات أمام المرأة العُمانية، فقد كنت أرى الكثير من الفتيات يمتلكن الشغف والفضول، لكنهن يفتقرن إلى مساحة آمنة وداعمة ينطلقن منها، فقلت لنفسي لماذا ننتظر أن يبادر أحد؟ ولماذا لا نكون نحن بداية الطريق؟
ومن هنا وُلدت الفكرة... مجموعة تجمعنا، تعلّمنا، وتدعمنا، وتؤكّد أن قوة المرأة العُمانية لا حدود لها، حتى على متن الدراجة، أما ردود الفعل الأولى من المجتمع والوسط الرياضي، فكانت مزيجًا جميلًا من الاستغراب والإعجاب، فهناك من لم يتوقع أن تُقدِم امرأة على خطوة كهذه في وقت مبكر، وهناك من شجّع بقوة وعدّها نقطة تحوّل في المشهد الرياضي النسائي في سلطنة عُمان، ومع مرور الوقت، ازداد الاحترام، وتغيّرت النظرة، وأصبحت المجموعة ثمرة شغف وإصرار وتحدٍ.
ما التحديات التي واجهتِها في بداياتك؟ وهل ما زالت بعض هذه التحديات مستمرة حتى اليوم؟
في الحقيقة، لم يكن الطريق مفروشًا بالتصفيق، فقد واجهت تحديات متنوّعة شكّلت مساري منذ البداية، أولها النظرة المجتمعية؛ إذ كان كثيرون يرون أن ركوب الدراجة مغامرة لا تناسب النساء، وكان عليّ أن أثبت، بالفعل لا بالكلام، أن الشغف لا يميّز بين رجل وامرأة، وأن القدرة والحلم حق للجميع.
أما التحدي الثاني فكان قلّة الدعم وغياب التجهيزات اللازمة للنساء. لم تكن هناك بيئة جاهزة أو مساحات تدريب كافية، وكل خطوة كنت أقطعها اعتمدت فيها على التجربة والبحث والابتكار، كان عليّ أن أمهد الطريق بيدي، حتى يصبح أكثر سلاسة لمن تأتي بعدي، ثم كان هناك تحدي التوازن بين الشغف والحياة الشخصية، فكل تجربة جديدة تحتاج وقتًا وطاقة وثباتًا، حاولت أن أثبت لنفسي قبل الآخرين أنني قادرة على تحقيق هذا التوازن من دون أن أتخلى عن واجباتي أو عن شغفي.
اليوم، تغيّر الكثير، بعضها اختفى وبعضها اكتسب شكلًا جديدًا، المجتمع بات أكثر تقبّلًا، والدعم أصبح أكبر، لكن التحدي الحقيقي الذي لا ينتهي هو أن أثبت كل يوم أنني أستحق المكان الذي وصلت إليه، وأن النجاح لم يكن صدفة ولا موجة عابرة، بل نتيجة استمرارية وتطوير ومسؤولية تجاه الفتيات اللواتي ينظرن إليّ بوصفهن قدوة وطريقًا مفتوحًا لهن.
تلقبين بـ"أم الدرّاجين" ولديكِ خمسة أبناء يمارسون نفس الهواية، كيف أثّر ذلك على حياتكِ الأسرية؟ وكيف استطعتِ خلق توازن بين الشغف والمسؤوليات؟
لُقبت بـ "أم الدراجين"، ومع وجود خمسة أبناء يشاركونني الهواية نفسها، تغيّرت حياتي الأسرية بطريقة جميلة ومليئة بالحيوية، أصبحنا فريقًا واحدًا داخل البيت وخارجه، نتقاسم الشغف ونتعلّم من بعضنا، مما جعل أجواء الأسرة أكثر دعمًا وثقة وتقديرًا لطموحات كل فرد.
أما التوازن بين الشغف والمسؤوليات، فلم يكن سهلًا، لكنه كان ممكنًا من خلال تنظيم الوقت ووضع حدود واضحة تمنح كل جانب حقه، وقت للبيت، ووقت للعمل، ووقت للطريق، أدركت أن التوازن الحقيقي لا يعني التخلي عن الشغف، بل حسن ترتيب الأولويات، والمحافظة على البيت بقلب ممتلئ بالحب والاهتمام.
واليوم، لم يعد لقب "أم الدرّاجين" مجرد مسمّى، بل مصدر فخر كبير، فهؤلاء الأبناء الذين يرافقونني في دربي هم سندي الحقيقي، وسبب استمرار هذا الشغف ونموّه عامًا بعد عام.
السلامة جانب أساسي في هذه الرياضة، ما أهم إجراءات ومعايير السلامة التي تلتزمين بها أنتِ وفريقك أثناء القيادة والتنقل والمشاركات؟
الحديث عن الدراجات جميل دائمًا، لكنه لا يكتمل إلا عندما يبدأ من أهم نقطة، نقطة السلامة. بالنسبة لي وللفريق، كان واضحًا منذ اليوم الأول أن الشغف من دون انضباط يمكن أن يتحوّل إلى خطر، لذلك وضعنا معايير صارمة نلتزم بها في كل رحلة، وفي كل تدريب، وفي أي مشاركة رسمية.
أولى المعايير هي الالتزام الكامل بالمعدات الواقية، فخوذة الرأس ليست خيارًا، بل قاعدة ثابتة، إضافة إلى الجاكيت المزوّد بالحمايات، والقفازات، والأحذية المناسبة، وذلك في كل مرة نخرج فيها، مهما كانت المسافة، كما نلتزم بفحص الدراجة قبل الانطلاق، من ضغط الإطارات، إلى الفرامل، والإشارات، وقياس سوائل المحرك؛ لضمان أن تكون جاهزة للطريق.
ويُعدّ التدريب المستمر جزءًا أساسيًّا من منهج السلامة لدينا، إلى جانب نظام القيادة الجماعية الذي نلتزم به، فلكل رحلة قائد ومُغلِق، وتشكيلة محددة، ومسافات آمنة بين الدرّاجين، كما نتّبع قواعد واضحة أثناء التنقل؛ عدم التجاوز العشوائي، الالتزام بالسرعات المسموح بها، احترام مستخدمي الطريق، والتوقف الفوري عند أي ملاحظة تتعلق بالسلامة.
أما المبدأ الأهم فهو أن يكون الوعي سابقًا للشغف، فلا نسمح لأحد بالقيادة تحت الإرهاق والتشتت الذهني؛ لأن الطريق يحتاج إلى ذهن حاضر ويقظة تامة، وهذا مبدأ لا نتنازل عنه مع أي عضوة جديدة. بصراحة، السلامة بالنسبة لي ليست بروتوكولًا، بل ثقافة أحرص على غرسها في كل فتاة تنضم إلى الفريق، فالشغف جميل، لكن الأجمل أن نعود جميعًا إلى بيوتنا سالمين.
الفريق النسائي الذي أنشأته في 2020 ما اسمه وأي جهة يتبع وما نوع المشاركات أو الفعاليات التي تحرصون على التواجد فيها داخل مسقط وخارجها؟
الفريق النسائي الذي أنشأته عام 2020 هو فريق مُتحدّو عُمان النسائي للدراجات النارية، وهو فريق مستقل يعمل تحت مظلة نادي سمائل. وقد كان هدفنا -ولا يزال- تمكين المرأة العُمانية في مجال الدراجات النارية، وصناعة حضور نسائي محترف وآمن داخل هذا المشهد الرياضي. كما نحرص على المشاركة في مختلف الفعاليات الرسمية داخل سلطنة عمان وخارجها، ومن بينها فعاليات العروض الخاصة للمحركات، والأنشطة التطوعية كحملات التبرع بالدم، والرحلات الرسمية داخل عُمان وخارجها، إضافة إلى مشاركتنا في المهرجانات والفعاليات الوطنية، وكذلك حضورنا في مختلف الفعاليات المحلية. ولا يقتصر حضورنا على كوننا فريقًا للدرّاجات فحسب، بل نحن فريق نسائي يمثّل المرأة العُمانية بصورة قوية ومحترفة في كل المحافل التي نشارك فيها، سواء داخل السلطنة أو خارجها.
ما الرسالة التي تحاولين تقديمها من خلال قيادتكِ لدراجة نارية في مجتمعٍ لا تزال فيه الفكرة جديدة على النساء؟
رسالتي من خلال قيادتي للدراجة النارية بسيطة في ظاهرها، عميقة في مضمونها، وتتمحور حول المرأة العُمانية تحديدًا، فالمرأة العُمانية اليوم لم تعد مجرّد جزء من المشهد، بل أصبحت صانعة له، تختار صورتها، وترسم مسارها، وتعبّر عن شغفها دون أن تفقد احترامها لنفسها أو لمجتمعها، ولم تكن قيادتي للدراجة يومًا محاولة لتحدّي المجتمع أو كسر العادات، بل كانت رسالة هادئة مفادها أن الشغف لا يتعلق بالرجال أو النساء، بل هو تجربة إنسانية أولًا وأخيرًا، وقد أثبتت المرأة العُمانية في مختلف المجالات قدرتها على خوض التجارب الجديدة بثبات ومسؤولية، مع الحفاظ على قيمها وهويتها، فالجرأة لا تعني التمرّد، والقوة لا تنتقص من الأنوثة، ودخول أي رياضة جديدة لا يلغي أصالتنا، بل يضيف إليها بُعدًا معاصرًا يليق بالمرأة العُمانية اليوم. وأقول لكل فتاة عُمانية إن كان لديك شغف، فلا تترددي، استعدّي، وتعلّمي، وامضي بخطوات واثقة، فمجتمعنا لا يتوانى عن احتضان كل تجربة تُقدَّم بوعي واحترام وتشريف للوطن.
كيف ترين مستقبل رياضة الدراجات النارية النسائية في عُمان؟ وما الطموحات التي تسعين لتحقيقها على مستوى الفريق أو على المستوى الشخصي؟
أعتقد أن عدد الفتيات اللاتي يرغبن في ركوب الدراجات سيزداد خلال السنوات القادمة؛ لأن الصورة بدأت تتغير، المرأة العُمانية تشعر بقوة هذا الشغف، والمجتمع بدأ يلاحظ أن هذا المجال ليس "غريبًا" بل هو جزء من ثقافة الشباب والرياضة، مع نمو الاهتمام، أتوقع أن نرى المزيد من مراكز التدريب، مضامير آمنة للدراجات، وفعاليات نسائية مخصصة للدراجات النارية وهذا من شأنه أن يسهل دخول الفتيات ويمنحهن فرصًا أفضل للتعلم والتطور.
وأطمح إلى رؤية حضور أوسع للرياضة النسائية في المجتمع، من خلال دمج "الرايدات النسائية" في الفعاليات الوطنية، وبناء شراكات تدعم السلامة المرورية وتوعية السائقات، كما يمكننا الإسهام في حملات توعوية مخصصة للنساء لضمان قيادة أكثر أمانًا. وعلى مستوى الفريق، أسعى لتوسيعه ليضم مزيدًا من الدراجات العُمانيات، والمشاركة في فعاليات دولية لبناء شبكة خبرات أوسع، إلى جانب تنفيذ مبادرات تعليمية في المدارس والجامعات لتعريف الفتيات بثقافة القيادة الآمنة. أما على المستوى الشخصي، فأطمح إلى أن أكون قدوة في القيادة النسائية، وأن أترك أثرًا يمتد إلى صناعة ثقافة احترافية وآمنة للدراجات النسائية، تُثبت أن شغف المرأة قادر على صنع التغيير.
ما أكثر موقف أو رحلة دراجات تركت فيكِ أثرًا لا يُنسى؟ وما الدروس التي خرجتِ بها منها؟
كانت هناك رحلة خريف ظفار لعام 2025، فبعد هذه الرحلة تغيّرت نظرتي للطريق بالكامل، لأنها كانت أول "رايد" طويل أخرج فيه مع الفريق، مسافته تقارب 1200 كم، والطقس لم يكن كما توقعنا، ومن تلك التجربة أدركت أن القيادة مسؤولية تتجاوز التقدّم في الطريق، وأن الخوف جزء طبيعي من الرحلة لكنه يتحول إلى قوة حين نواجهه بثقة، وأن العمل الجماعي هو ما يمنحنا القدرة على تجاوز أصعب اللحظات، وأن الطرق الصعبة هي التي تصنع الذكريات الأجمل والدوافع الأعمق للاستمرار.
على المستوى الشخصي، ماذا تعني لك الدراجة؟ وهل تعتبرينها وسيلة تحرر، أو مغامرة، أو مساحة للتعبير عن الذات؟
الدراجة بالنسبة لي لا تتوقف عند كونها آلة أو رياضة، بل هي رفيقة درب تمنحني هدوءًا داخليًّا في كل رحلة، هي مزيج من المغامرة والمسؤولية، وكل طريق جديد يجعلني أكثر قوة وصبرًا وثقة، ومن خلالها وجدت مساحتي لأقول "هذه أنا... وهذا شغفي" فالدراجة ليست هروبًا من الحياة، بل اقترابًا أعمق منها، وتذكيرًا بأن الشغف حين يُمارس بوعي يصبح قوة حقيقية، وهي في أصلها وسيلة تنقّل عرفها الناس منذ زمن طويل.
