«بصل عيار 24» والأمن الغذائي

11 فبراير 2024
11 فبراير 2024

لا شك أن العالم يمر بمرحلة غليان وعدم استقرار على كثير من الصعد سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا وإنسانيا، كما أنه لا شك أن هذه الصعد آخذ بعضها بأسباب بعضها الآخر فأي توتر أو اشتعال في أحدها مؤثر لا محالة في البقية، خصوصا مع إذكاء فتيلها شعبيا عبر مواقد الإعلام غير التقليدي من وسائل التواصل الاجتماعي.

ولا يمكن للإنسان النجاة من الوقوع في دائرة التأثر بالأحداث الكبرى الدائرة حوله، مهما اتسعت أو ضاقت درجة التأثر سلبا أو إيجابا، فالتأثر السلبي معاناة البشر مباشرة من آلة القتل والتجويع والتشريد، وغير المباشرة مع مغالبة الحياة اليومية الآخذة بمبرر الأحداث الكبرى من ضيق حقيقي يعكس معاناة، أو مصطنع من تبعات الأوضاع العامة وتداعياتها؛ بمعنى وصول تأثير الصراعات الدولية إلى حركة التبادل التجاري بين الدول مما يعيق أو يقلص فرص وصول الكثير من المؤن الرئيسية والمواد الغذائية اليومية، وليس هذا بغريب مع معايشة الكثير من ذلك في الماضي من صراعات دولية وحروب إقليمية، وليس ببعيد من ذلك أزمة القمح قبل أعوام قليلة مع بداية شرارة الحرب بين روسيا وأوكرانيا، أما المصطنع فهو استغلال التجار والموردين للظرف العام والتوتر الحاصل لممارسة الاحتكار ورفع الأسعار أو مجرد رفع الأسعار تحت مبرر الأوضاع السياسية العامة، حيث لا يملك المرء إلا الوقوع تحت طائلة ثنائية الجشع والاحتكار إذا ما رافقها ضعف أدوات حماية المستهلك رقابيًا وعقابيًا، خصوصًا حين يتعلق الأمر بأبسط متطلباته اليومية بعيدا عن ترف الكماليات.

التأكيد على ضرورة العناية بالقطاع الزراعي في كل دولة تملك ممكنات الزراعة من نافلة القول لارتباط هذا القطاع مباشرة بالأمن الغذائي، فضلا عن إمكانية المساهمة في الدخل القومي حال تجاوز الاكتفاء الذاتي المحلي إلى التصدير الخارجي، وحديث مقالة اليوم عن أزمة البصل العالمية التي بدأت تصاعديًا منذ فبراير الماضي حيث تأثرت خطوط التصدير في كل من الهند والصين بأزمة الصراع الروسي الأوكراني إضافة إلى الفيضانات وتأثيرها على كل من الهند وباكستان.

إن كانت أزمة البصل وارتفاع أسعاره قد بلغت ذروتها ليصل تأثيرها إلى مصر التي تعيش اكتفاء ذاتيا من إنتاج محاصيل البصل، بل وتعتبر أكبر مصدري البصل عربيا، لدرجة سخرية الشعب المصري من ارتفاع أسعار البصل ليطلقوا تعبير «بصل عيار 24» مقارنين بينه وبين أسعار الذهب؛ حيث تضاعف سعر البصل من 6 جنيهات مصرية إلى 50 جنيها مصريا، وإن كان الأمر كذلك في مصر ذاتها فلا عجب من تأثيره على كثير من الدول المستوردة وأصداء شكاوى شعبية فيها انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومن بينها السعودية التي يغطي إنتاجها المحلي ما يزيد عن 50 % من حاجة أسواقها ليصل التضخم إلى أسعار غير مسبوقة بلغت 300% في سعر البصل خلال أقل من عام، مما جعل أحد مواطنيها يغير مكانة كيس البصل الذي اشتراه بثمن مضاعف ليضعه في الصدارة بالمقعد الأمامي من سيارته مدللا مكرّما، حتى مع رائحته التي كانت تنأى به إلى مكان قصي بعد ارتفاع سعره الذي استحق معه الصدارة!

السخرية إحدى وسائل التعبير الشعبي عن صراعات المواطن اليومية وتحديات الواقع المعاش، وهي مرآة تعكس درجات المعاناة اليومية التي تتطلب رصدا يوميا وتحليلا عميقا لمدلولاتها بعيدا عن التجريم والعقاب، خصوصًا حين تُطبق تحديات الواقع على قدرة الإنسان على التحمل فيتلمّس السخرية (الكوميديا السوداء) سبيلا للتنفيس، ووسيلة للتعبير عن الرأي.

ختامًا؛ لا بد من استيعاب دروس الأزمات العالمية، ودراسة تأثيرها على حركتي الإنتاج والتصدير خصوصا في الغذاء الذي لا يمكن اعتباره مكملا يمكن تجاهله أو تهميشه، ومع كل التحديات الكبرى فيما يتعلق بأزمة الغذاء - لا سيما الدرس الأكبر مع أزمة كورونا غير البعيدة أثرًا زمانيًا أو مكانيًا- إلا أن كثيرا من الدول تكتفي بدور المتلقي الذي لا حول له ولا قوة، إذ لا يمكنه إلا تقبل تقلبات الواقع ودفع فاتورة غفلته أوان التخطيط طويل المدى تجنبا لأزمات المستقبل ونكبات الواقع محليًا أو إقليميًا أو حتى دوليًا، كلنا أمل أن نعي أهمية التخطيط وأولوية الأمن الغذائي حتى لا نكون من أولئك الباكين على ضياع اللبن صيفا.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية