يبلل
يبلل
الثقافة

محمود سالم.. فنان مصري يقدم فنون أجداده برؤية تشكيلية معاصرة

22 أبريل 2021
22 أبريل 2021

[gallery type="columns" size="full" ids="854230,854231,854232"]

الأقصر- "د.ب.أ": على مشارف أسوار معابد هابو الأثرية الشهيرة، في البر الغربي لمدينة الأقصر التاريخية، الغنية بمئات المقابر وعشرات المعابد التي شيدها ملوك وملكات ونبلاء ونبيلات مصر القديمة، يقيم الفنان التشكيلي المصري، محمود سالم، وقد أقام في مدخل منزل عائلته ورشة فنية لممارسة فنون النحت، وتطل الورشة على التلال والمعالم الأثرية لجبانة طيبة القديمة التي تمتد بطول عدة كيلو مترات في عمق المنطقة التي كانت قبيل آلاف السنين مركزا لسكن الفنانين من قدماء المصريين الذين نحتوا ونقشوا ورسموا تلك التماثيل والجداريات واللوحات التي تُزين المعابد والمقابر المنحوتة في صخور جبل القرنة الذي يحتضن بدوره مجموعة المعابد والمقابر والمعابد الجنائزية التي تُعد أحد مقاصد السياحة الثقافية المصرية.

عشرات المنحوتات..

الفنان محمود سالم، ينتمي لمنطقة غنية بعشرات من الفنانين الفطريين، الذين يمتهنون صنع لوحات وتماثيل علي غرار ما كان يصنعه أجدادهم من سكان المنطقة قديما، لكن "سالم" استطاع أن يشق طريقاً آخر تمثل في دراسته للفنون التشكيلية المعاصرة، والانضمام لعضوية نقابة الفنون التشكيلية المصرية، والمشاركة في معارض وورش نحتية محلية ودولية، اكتسب خلالها خبراته من امتلاك أدوات الفنان التشكيلي المحترف.

عشرات المنحوتات من كل أنواع وألوان حجر الجرانيت، ومن أخشاب متعددة، تُزين ورشته الفنية، التي تتقدمها كميات ضخمة من الأخشاب بكل أنواعها، فقد خبر "محمود سالم" تفاصيلها واطلع علي تكويناتها، عرف صلابة بعضها وعرف مرونة الأخرى، وصار يمتلك خبرة واسعة في اختيار قطع منحوتاته.

لكن الحجر لا يغيب عن المكان، ولا عن المعروضات التشكيلية، التي تضم عشرات من القطع الفنية مختلفة الأشكال والأحجام.

المكان... بالورشة الفنية والمعرض التشكيلي الدائم، والأجواء المحيطة به من تلال ومعالم أثرية وقربه من بوابات وأسوار معابد هابو التاريخية الشهيرة، ومعبد الربة إيزيس الذي يحمل اسم " دير شلويط " وما يُعرف بمنطقة الملقطة الأثرية وتلالها، بجانب مجموعة المباني العتيقة التي تتفرد بها المنطقة، والتي باتت تشكل مجموعة بانورامية لافتة مع بقية معالم المنطقة، صارت اليوم مزارا مألوفا لعشرات من الفنانين التشكيليين من داخل مصر وخارجها، بجانب تردد العشرات من الأكاديميين ودارسي الفنون، في أقسام كلية الفنون الجميلة بجامعة الأقصر... حيث صار المكان يجمع معالم الماضي الفني الذي تتفرد به جبانة طيبة ومنطقة البر الغربي لمدينة الأقصر، بجانب ورشة ومنحوتات فنية يستحضر بعضها ذلك الماضي التليد من تاريخ الفنون القديمة، التي عرفها سكان المنطقة على مدار آلاف السنين، ويقدمه برؤية فنية وتشكيلية معاصرة، تجمع ما بين ثنائية الأصالة والمعاصرة.

بداية مبكرة..

وقد انطلق الفنان المصري محمود سالم، في مسيرته من الفنون التشكيلية في سن مبكرة، مثله مثل كثيرين من أبناء جيله الذين ولدوا على مشاهدة أجدادهم ومن سبقوهم من سكان طيبة نجوع جبانة طيبة القديمة - غربي الأقصر الآن – وهم يقومون بنحت ورسم وتقليد قطع فنية على غرار تلك الموجودة داخل المقابر والمعابد القديمة التي تعج بها المنطقة.

ومنذ طفولته المبكرة راح يمارس شغفه بالفن، بتشكيل أشكال وقطع فنية فرعونية، كان ينحتها ويشكل ملامحها من مادة الطين المنتشرة بكثرة في المنطقة، مثل نحته لتوابيت ومومياوات، وقطط ومسلات فرعونية، ثم يقوم ببيعها للسياح من الأجانب والمصريين الذين يترددون حتى اليوم على زيارة معابد ومقابر قدماء المصريين في البر الغربي لمدينة الأقصر، وهي المنطقة التي تشتهر بمقابر للملك توت عنخ آمون، والملكة نفرتاري، والمعبد الشهير للملكة حتشبسوت، وغير ذلك من مقابر ومعابد لكبار ملوك وملكات ونبلاء ومشاهير مصر القديمة.

وكان " سالم " في تلك البدايات الفنية المبكرة، يقوم باستلهام أفكار منحوتاته من ذاكرته الخاصة، وما يراه من جولاته وسط المعابد والمقابر القديمة، وتلك الورش المنتشرة حتى اليوم، والتي تقوم بنحت قطع أثرية مقلدة، وبيعها للسياح.

ومع بدايات دراسته للفنون التشكيلية، واطلاعه على المدارس الفنية، ومشاركته في الورش والمعارض والملتقيات التي تنظمها كلية الفنون في مدينته الأقصر، والمؤسسات الثقافية والفنية المصرية، في كل من الأقصر وأسوان والمنيا والقاهرة، راح محمود سالم يقدم منحوتاته لجمهوره بأفكار جديدة، وبدأ يتخذ من الطبيعة الريفية في البر الغربي للأقصر، وما تضمه من صور ومشاهد ومفردات تشكيلية، مصدرا لاستلهام أعمال فنية تقدم للعالم تجسد بيئة ثرية ومتفردة... وراح يجسد ويوثق صورا ربما قاربت على الاندثار مثلا في البيئات القريبة الأخرى، مثل تجسيده للفلاحين وعمليات البذر والحصاد، وأدواتهم الزراعية التراثية العتيقة، مثل المحراث الذي تجره رؤوس الماشية، والنورج الذي يستخدم في موسم حصاد القمح وغيره من الزراعات، وعربة "الكارو" التي تجرها الحمير، ويستعين بها الفلاح في نقل المحصول والأسمدة وغيرها... وحتى بعض ما تشتهر به البيئة الريفية من حيوانات، حرص أيضا على تجسيدها بشكل فني.

مقتنيات تطوف العالم..

وبجانب مشاركته في قرابة 20 معرضا وملتقى فينا محليا ودوليا، فإن مقتنياته الفنية تنتشر لدى عشاق منحوتاته في بلدان عربية وأجنبية عدة، مثل المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا بجانب وطنه مصر.

ويواصل الفنان محمود سالم ما يصفه بمشروعه الفني الخاص، في إحياء فنون أجداده من قدماء المصريين، وما قدموه من أعمال فنية خالدة باتت تمثل اليوم تراثا للإنسانية جمعاء، وتتمثل في تلك التماثيل والمنحوتات والجداريات، التي تنتشر وسط مقابرهم ومعابدهم، وصارت مادة فينة خصبة، يدرسها المهتمون بالفنون والباحثون والآثاريون وعلماء المصريات، في مصر والعالم، مع ربط ذلك التراث الفني لأجداده بالمدارس التشكيلية المعاصرة، في محاولة لمد روابط الوصل والاتصال بين الفنون القديمة والمعاصرة.