1621921
1621921
الثقافة

كتابات عُمانية مُبَكرة (19): صوتُ الشعر العُماني المبكر في صحيفتي"الفلق" و "النهضة" صدحَ بأجمل العبارات وأسمى المعاني

14 أبريل 2021
14 أبريل 2021

إعداد الدكتور: محسن بن حمود الكندي -

" تحيط ُهذه المقالات -المتوالي نشرها في هذه الصحيفة الغراء - بالكتابة العُمانية المُبكرة في مشروعٍ توثيقيٍّ شاملٍ يُعْنى برصدِ ما يتيسَّر الحصول عليه من إنتاجات معرفية في مجالات التاريخ والأدب والفقه والسياسة والدّين والمجتمع والثقافة قاطبة،وهي إذ تحاولُ تقديمَ هذا الحصرِ المُجمَل تعتمدُ في أغلب نقولاتها المصدر الأول، وستتخذه أساساً للتوثيق مع وعي كاتبها بأن هناك كتاباتٍ أخرى، وجهوداً سابقة لا يسع الدراسة إلا احترامها وتقديرها والإشادة بها كجهود سابقة، خاصة أن بعضها تناولت الموضوع نفسه، ولكن بمناهج مختلفة تختلفُ عما تناولته هذه الحلقات؛ لهذا وجبت الإشارة إلى ذلك ،وإلى أننا لم نعقد لها (في هذه الحلقات الصحفية) قائمة مستقلة للمصادر والمراجع على سنن البحث الأكاديمي المتخصص؛ نظرا لطبيعة نشرها الصحفي الذي قد لا يحتمل التكثيف التوثيقي، ولن نلجأ إلى المكتوب السابق كوسيلة للنقل إلا للضرورة القصوى، وقصارى جهدنا التوثيق المباشر داخل السياق النَّصي في موضعه، وسوف نقدّم تلك القائمة لحظة نشرها في مؤلَف ( كتاب مستقل) يُعنى بهذا العنصر المنهجي المهم، لاسيمّا توثيق الصور، وتثبيت قوائم الهوامش والإحالات المرجعية وثبت المصادر والمراجع بصورة مستقلة وواضحة. نقدمُ هذه الإضاءة مؤكدين حرصنا على الأمانة العلمية، وحتى لا يلتبس على القارئ فهم التأثر والتأثير بالمكتوب السَّابق دون توثيق أو دون وعي أو مراعة للمقتضيات المنهجية، فالدراسة تخضعُ بالضرورة لشروط النشر الصحفي، ونحن لا ندّعي فيها الريادة في التأليف ولا أسبقية التناول، ولكن ندعّي الكشف والإحاطة والتأصيل والحصر الكامل،وتقديم صورة عُمان بكتاباتها وكتابها وثقافتها المبكرة، وكيف نظرَ إليها الآخرُ العربي في مفرداتِ بثِّه الثقافي؛ لهذا آلينا وسم هذه الحلقات بسمة الإعداد دون غيره، وبالله التوفيق.

*********

ظلت زنجبارُ وسائر مُدُن الشرق الإفريقي مَهْوَى أفئدة الشعراء العُمانيين، ومحط شغفِ قلوبهم، ففيها أبدعوا أبدع قصائدهم وتحت ظلال أشجار " نارجيلها " الوارفة نظموا حللَ أبياتهم، وبدائع قريضهم ..كانت هي البيئة المثال لهم خضرةً ومياها وجمال منظر، ومن ربوعها ولد الإبداع .. احتضنتهم كالأم الرؤوم عندما قسا عليهم وطنهم، اتخذوها موئلا يلوذون به، وملجئاً يؤولون إليه، وعلى هذا الأساس صارت وطنهم البديل التاريخي بلا منازع ، لهذا قلمَّا نجدُ شاعراً عُمانيا عاش في القرن العشرين أو حتى قبله إلا وصارت زنجبار معشوقته الأولى، فكثر نظمهم فيها وصفاً وغزلا، مدحاً وثناء، رثاءً وتأبيناً ،ترحاً وفرحاً ،فعمّت نفحاتها جسد قصائدهم، وفاح عبيرها في كلِّ موضع من مواضع نصوصهم المعتقة بالبخور والقرنفل والزنجبيل، فصارت تعرف لدى مؤرخي الشعر بالقصائد " الزنجباريات " اسماً وعنواناً وحقلا شعريًّا أثيرياً مستقلاً في مدونة الشعر العُماني الحديث والمعاصر.

ولقد استندت هذه الزنجباريات - كما صنَّفَها أولئك المؤرخون - على قوائم من الشعراء المعاصرين يبرز فيها من يتربع عليها ويتخذها تاجا فخرياً : أنه سيد شعراء عُمان في القرن العشرين على الاطلاق أبي مسلم البهلاني، وتدخل فيها أسماء من مثل: عبدالرحمن الريامي، وصالح بن علي الخلاسي، عبدالله بن صالح الفارسي ،وخالد بن هلال الرحبي ، وعيسى بن سعيد الكندي، وأسماء أخرى ُظلت مجهولة وقدّر لنا أن نكشف عنها لأول مرة في هذه المدونة عبر تقصي الصحف والمجلات وبالذات " الفلق" و"النهضة " . رغم أن صوت الشعر ظلَّ باهتاً لا ينسجم مع الأسماء اللامعة التي أفرزتها زنجبار كحاصنة للعمانيين في بداياتها؛ ويعود ذلك إلى طبيعة خطاب الصحف الذي يغلب عليه الطابع السياسي والتوجه الاجتماعي، ويحضر الشعر فيه لماماً.

ومع ذلك رفدَتْ صحيفة "الفلق " الغراء وزميلتها " النهضة" عبر صفحاتهما المختلفة مدونة الشعر العُماني في القرن العشرين بسلسلة من الشعراء مثلّت قصائدهم مكانة الريادة والتميز، والطرافة، وأحياناً الندرة، وتكاد صفحاتها هي مكان إصدارهم الأول، لهذا تمثل هذه القصائد إضافة نوعية رغم محدودية عددها، فقد عثرنا على نماذج منها تطرق مضمونها مناسباتها واقعية متجاوزين بعض القصائد مجهولة المؤلف أو تلك التي لم تتوفر لنا نصوصها كاملة وتوفر لنا منها مطالعها كقصيدة " التهنئة " المُقدَّمة للشيخ عبدالله بن أحمد بن سيف والمنشورة بتاريخ 10 فبراير 1932م، وقصائد صالح بن علي الخلاسي في تهنئة السيد حماد بن أحمد بمناسبة زفافه والمنشورة في عدد " الفلق" لشهر مايو 1932 م، ومرثيته للشيخ علي بن ناصر البوعلي المنشورة في 28 أكتوبر 1931م،وجوابه الشعري المنشور بتاريخ 16 ديسمبر 1931، وكذلك مرثية صريع الغواني مسعود بن راشد الغيثي لصاحب الفضيلة فقيد الأمة محمد بن خميس( البرواني ) المتوفى بتاريخ 26 شوال 1348هـ، ومرثية خلفان بن عامر الفرعي في الزعيم إبراهيم دُهَلْ المنشورة بتاريخ 13 أبريل 1932م، ومناظرة وتخميس اشترك فيها خالد بن هلال الرحبي والشيخ قسور بن محمد الراشدي المنشورة في " الفلق " يوم 28 أكتوبر 1931 ، وقصيدة للشيخ عيسى بن سعيد الكندي منشورة يوم 13 أكتوبر 1934م، وغير ذلك .

أمّا القصائد التي توفَّر لنا نصوصها المكتملة ، فإننا تقدّمها - رغم ما اعترى بعضها من هنات الوزن والقافية وفقدان المعنى لعدم وضوح الطباعة وتلف الأوراق التي بين أيدينا - على النحو الآتي :-

أولا : المدائح التي قيلت في مقام جلالة السلطان خليفة بن حارب، وهي كثيرة وقد غلب عليها التمجيد والإطراء وإضفاء الصفات الملكية الباذخة عليه وتأكيد الولاء والطاعة له على سنن الشعر القديم، وقد وجدناها في أغلبية الأعداد، ونقتطف منها لطرافتها وندرتها وقيمتها التاريخية ما يلي :-

1- قصيدة ناصر بن هلال بن سالم الرحبي في " عظمة السلطان خليفة بن حارب وأبنائه " تهنئة له بشفائه " ونُشرت في "الفلق" بتاريخ 18 صفر 1378هـ الموافق للثالث من سبتمبر 1958م وعدد أبياتها ستة عشر بيتاً منها:

نسيمٌ سَرى سَحْراً يبشرُ مُعْلناً

بأنَّ سرورَ الدَّهرِ حقُ له الهنا

جلالةُ مولانا العظيم مليكنا

لقد زالَ عنه الدَّاء ساعدنا المُنى

2 – قصيدة أحمد بن محمد الرمضاني بمناسبة شفاء عظمة السلطان خليفة بن حارب من مرض ألمَّ به نشرت في "الفلق" بتاريخ 18 صفر 1378هـ الموافق لـلثالث من سبتمبر 1958م، وعدد أبياتها ستة عشر بيتاً منها:

لواقحُ أبناء السُّرى أنجبتْ خيرا

ببرءِ مليكِ صَيَّر البرَ والبَحرا

خليفة أجيالِ الملوك التي مضتْ

عباهلة الشُهمِ الأولى أنجمَ الدَّهرا

3- قصيدة مطوّلة لخلفان بن سعيد بن خلفان الهنائي، نشرتها " الفلق" في الصفحة الثانية من عددها الصادر بتاريخ 12 سبتمبر 1951م، الموافق لـ 15 ذي الحجة 1370هـ ، وتبلغ أبياتها قرابة ست وعشرين بيتاً منها :

لقد مَنَّ مَنْ أعطاكَ ملكاَ مُتمما

وأنتَ له أهلٌ فلا زلت مُنعِما

وقد قسَّم الأرزاقَ منه بحكمةٍ

وكلٌّ له حَظٌّ يُصيبُ ويسلما

أيا ملكاً قد زانه الحلمُ والتُّقى

هنيئاً لك الملك العظيم متمما

4- قصيدة الشيخ عبدالله بن صالح الفارسي " في مديح السلطان خليفة بن حارب " نشرتها " النهضة " بتاريخ الرابع من المحرم 1374هـ، الموافق للثاني سبتمبر 1954م، مع توطئة كتبتها النهضة، ومن أبياتها :

يومٌ أغرُ على الزَّمانِ مخلَّدُ

يومٌ جليلُ القدر يومٌ سيّدُ

يومٌ تبلجَ بَهَى وجهُ مليكنا

فلنعم ميلاداً أتى ذا المولدُ

يفتر ثغر الدهر فيه ببشره

يوم لنا فيه السرور يجددُ

5- قصيدة مجهولة القائل " في مديح السلطان خليفة بن حارب " نشرتها " النهضة " بتاريخ 11 المحرم 1374هـ، الموافق 9 سبتمبر 1954م، مع خطبة تضمنت أسدى آيات الولاء والعرفان ،ومن أبيات القصيدة :

اليومُ ذا من أسعدِ الأيامِ

هو غرةٌ في وجه هذا العامِ

اليومُ ذا يومُ المسرة والهنا

يومُ العُلا والمجد والإعظامِ

يومٌ أغرُّ من الزمان به انجلى

عن افقنا المربد كلّ ظلامِ

خفقت به الأعلام وانتشرت هنا

وهناك يا اللهُ من أعلامِ

ثانياَ - المدائح التي قيلت في الحزب الوطني، ورئيسه الشيخ علي بن محسن البرواني قبل تسنّمه سدةَ السلطة الحاكمة، وهي على النحو الاتي:

1- قصيدة مديح في "الزعيم" علي بن محسن البرواني عنوانها: " الأعمال تكرِّم المرء وتهينه " للشيخ الأديب أحمد بن محمد الرمضاني " نشرت في الفلق بتاريخ الخامس من محرم 1378هـ الموافق لـ 13 يوليو 1958 م، وعدد أبياتها أربعة عشر بيتاً منها:

سَمَيتَ عليٌّ حتى نلتَ المَكارمَا

وجئتَ بعزٍ باذخً لن يُقاوما

وغبتَ علينا بالجلالة والعُلى

وعدّت إلينا ناشطَ الهَمِّ سالما

وجاءَ إليكَ الشعبُ من كلِّ وِجْهَةٍ

يلاقيكَ بالأفراحِ حتى تزاحما

عرفناكَ حقاً إنكَ الحرُّ مؤمناً

بشعبكَ لن ترضى له الذل له الذل مغنما

2- قصيدة لمحمد بن ماجد لبطاشي من مقاطعة ( بآمبي )عنوانها : " الرجل بأعماله " نُشِرت في "الفلق" بتاريخ 19 محرم 1378هـ الموافق للسادس من أغسطس 1958م وعدد أبياتها تسعة عشر بيتاً منها:

طالعْ سُعُودَكَ أولاً فيما بَدَى

واتبعْ طريقةَ من تراهُ على الهُدى

اتبعْ طريقَ الحِزبِ إنكَ بالغٌ

فيما تريدُ وقد وقيتَ من الرَّدَى

3 – قصيدة للمعلم سعيد بن عبدالله بن غابش الحبشي عنوانها : " لذكر الله أكبر" نشرت في الفلق بتاريخ 4 صفر 1378هـ الموافق لـ 20 أغسطس 1958م وعدد أبياتها ثلاثة وثلاثون بيتاً منها:

يا من سَمَا كرماً والحظّ ينجده

وكوكبُ السَّعد يوقيه ويرشده

وطالع النصر قد أهدى له علما

ولائح البشر بالخيرات يورده

4– قصيدة مجهولة القائل عنوانها " في حزب الوطن " نُشرت في " الفلق" بتاريخ 18 صفر 1378هـ الموافق لـ 3 سبتمبر 1958م وعدد أبياتها اثنان وعشرون بيتاً منها:

سعيدُ الحزب من شغفِ القناني

وأصبح َراقيًّا فوق الأمَاني

فحزبُ الله ليس له نظيرٌ

وحزبُ الشرك مغلولُ اليَداني

وحزبُ الشرك عارٌ على شفيرٍ

وحزبُ الحقِ يطلعُ فجرَ ثاني

رايعاً - قصائد الحس السياسي :وفيها شعرٌ ينتمي إلى دائرة المواقف الفكرية واتخاذ الرؤى المؤتلفة والمختلفة من مختلف مجريات الحراك السياسي ، وقد حفلت به صفحات الصحف المهاجرة، وتصدرتها قصيدة السيد هلال بن بدر المنشورة في " الفلق " بتاريخ يوم السبت 12 صفر 1363 هـ، الموافق 12 أكتوبر 1953م، وردُّ القاضي الشيخ سعيد بن أحمد الكندي عليها، وقد أرسل ردّه من ظفار في شهر ذي الحجة 1372هـ ، عبر قصيدة بلغت أبياتها خمسة وثلاثين بيتاً تعدُّ إضافة لمدونة الشعر العُماني في باب الشعر الوطني الاستنهاضي والسجال السياسي، ففي الوقت الذي يندب فيه السيد هلال قومه وينتقد تخاذلهم واستسلامهم للقوى النجدية نجد الشيخ سعيد يشاطره اللوم مستنطقاً التاريخ وداعياً للاستنهاض ، وفيه مدحٌ للسلطان سعيد بغية تقويض هممه مما تداعى في وطنه من ولاءات للنجدين ، ولا يخفى الشاعر طلب ردعهم والتصدي لهم، وكأن قصيدته مشاطرة وإضافة لقصيدة هلال بن بدر، وقد قال في ردّه عليه:

وقفتْ دون حدّكَ الشعراء

وانثنى عن مرامك النظراءُ

أهلالُ أديتها واجباتٍ

في عُمان لحق قومي وفاءُ

ليت يصغيان من تناديه إذناً

لهف نفسي ، وهل يفيد النداءُ؟

كم أضلَّ الهوى عقولاً صِحاحاً

وعيوناً وأهلها بصراءُ

يا لقومي وأين مجدٌ بناه

سَلَفٌ صالحٌ وأين الإباءُ؟

يا لقومي هدمتموهُ بنَجْدً

ألنجدٍ أقيمَ ذاكَ البناءُ؟

ويلتف مخاطباً السيد هلال بن بدر:-

هو ذا مِصْركمْ وما ورثتكم

سادةُ المَجدِ قادة نجباءُ

ولكمْ ثمَّ كمْ له من مقام

وقفت دون جده أمراءُ

أين أنتمْ وما شيَّدوه ؟!

هدمته الزعامةُ الخرقاءُ

أتبيعون عزة بنضار ؟!

يعقب الذل بيعه والشراءُ

خامساً - قصائد المراثي والتأبينات :وهي تندرجُ في غرض العلاقات الإنسانية، إذ كان الرثاء مبحثاً قاراً وباباً رئيساً في صفحات "الفلق " كما تم استيضاحه من قبل ؛ لهذا كثر النظم فيه اتساقاً مع طبيعة النشر وبما يتناسبُ وتوثيق الأحداث الفاجعة ؛إذ كان شعر الرثاء أداةَ ذلك التوثيق في وقت ندرة فيها الأدوات الأخرى فكثرت على إثره قصائد الرثاء في الصحف المهاجرة وشملت مختلف أطياف المجتمع، ومما وجدناه فيها قصائد الشاعرعبدالله بن صالح الفارسي نختار منها ما يلي :

1 – قصيدته في رثاء السيدة معتوقة ، نشرتها " الفلق " يوم السبت 29 جمادى الأولى 1359 هـ الموافق 6 يونيو 1940 م، وتبلغ أبياتها قرابة خمسين بيتاً منها:

خطبٌ عظيمٌ قد جرى

في زنجبار فحيرا

كلُّ الذي فيه درى

عظم المصاب فكبرا

خطبٌ عظيم لم يقع

مثلٌ له في ذي الذرى

ما قط شوهدَ مثله

حتى طرا ما قد طرا

فانهدَّ ايوانُ السرور

(و ما فيه قد سوى)

أخت السلاطين الأما

جدِ من رقوا أوجَ الذُّرَى

بل عمَّةٌ لجميع من

يُدْعَى الأميرُ بلا مِرَاء

2 – قصيدته في رثاء سالم عبدالله ودعان، نشرتها " الفلق" يوم السبت 22 رجب 1360هـ، الموافق للسادس عشر من أغسطس 1941م:

وقائلةٌ لما رأتْ حينَ أوبتي

إلى منزلي : إن الفؤادَ كئيبُ

وإن المُحيا البشَّ دوماً عَرى له

بذا الوقت همٌّ فاعتلاه كُرُوبُ

وإن دموع العين فيه ترعرعت

فأضحتْ على الخدّين بعد تصوبُ

قضى نحبه ذا اليوم ودعانَ طيباً

زكياً طهُوراً ما عليه ندوبُ

قضى نحبَهُ من بعد أن وفّى لنا

حقوقُ إخاءٍ والوفاءُ غريبُ

فوا أسفاً ودعانَ لا العيشُ طيبٌ

وكيف وقد أفردّتَ عنك يطيبُ ؟ !.

3 – قصيدته في رثاء أحمد البدوي، نشرتها "الفلق" يوم السبت 23 صفر 1358هـ ، الموافق الخامس عشر من أبريل 1939م، ومن أبياتها:

وصبراً بني البدوي أنجال أحمد

فما أحد في ذي الدنا نال ما يهوى

تقبل عزائي يا علي وكن لنا

مثالا لمن أورثتهم فلك الباري

وكن كعليٍّ يا محمدُ ولتقمْ

مقامَ ذوي الإرشادِ والعلمِ والتقوى.

سادساً - قصائد الوصف: والوصف في الشعر كما يعرفه النقاد بأنه تجسيم الأشياء ووضعها في قالب تراتبي يؤطر الأشياء ويحدد معالمها، وهو نزعة فنية عرفت في الشعر العربي بكثرة، وهو غرض قار رئيس في منظومة النزعات الفنية ، وفرقٌ بين الوصف في الشعر وشعر الوصف، إذ الأول شامل عام، فالشعر كله وصف، أمَّا الثاني فهو غرض محدد مستقل ،وهذا ما عنيناه ونمثل له في مقالنا بقصيدة فريدة نادرة في وصف غوطة الشام ونشرتها الفلق في عددها الصادر في شهر نوفمبر من عام 1932 مقدمة لها بالقول :" إن هذه القصيدة كتبها صالح بن سعيد بن ناصر الكندي متشوقاً إلى دمشق الشام ، ومتذكرا المشايخ الأعلام سالم بن علي وراشد بن محمد البروانيين " وهي في ثلاثين بيتاً منها :

قلبي يحنُّ إلى دمشق الشام

بلدٌ أنستُ بها وطابَ مُقام

ولقد أتاحَ لي القضاءُ بزورةٍ

لم أنس لذتها مدى الأزمان

يا غوطةَ الشام احفظي قلبي الذي

أضحى أسيراً واحفظي لذمامي

كم في فؤاد ضاع في جنباتها

وشوارع مدَّت بحسن نظام

سابعاً : - المنظومات التعليمية وقصائد السؤال والجواب، وهي كثيرةٌ متعددة، وقد جاء بعضُها كنزعة فنية غايتها التثقيف، والتعليم، وبث المعرفة في سائر العلوم على عادة هذا النمط في المدونة الشعرية العربية، ومنها بالطبع العمانية ؛ إذ غدت عندهم المناظيم خطاب حياة وأداة تواصل، وقامت عليها أركان المدرسة التعليمية التقليدية حين كان المعلم يسأل طلابه بالشعر فيجيبونه بالشعر ذاته وزناً وقافية ، لهذا لدينا منه في المدونة العُمانية أسفار كثيرة فقلما تجد شاعر من شعراء أوائل القرن العشرين وأواسطه وحتى قبل ذلك إلا وله قصائد بالمناظيم دبجت فيها دواوين، أمّا هنا في الشرق الافريقي فالوضع لا يختلف عنه في الوطن عمان وأغلب من قرأنا لهم وجدنا في شعرهم هذا النمط الشعري فهم لا يكتفون بتدويره في محيطهم الافريقي وإنما يصدرون أسئلتهم النظمية إلى أقرانهم وعلمائهم في عمان ، وبعضه ينشرونه في الصحف على نحو ما وجدنا في النماذج الآتية ما يلي :-

1- منظومة خميس بن سيف البوسعيدي، وقد تصدَّرت الصفحة الثانية من الفلق الصادرة يوم 26 يونيو 1957م، وفيها يقول :

عندي سؤالٌ أيُّها الطلابُ

هل عندكم بعد السؤالِ جوابُ؟

يا أيُّها العربُ الكرام لسانكمْ

اسمٌ وقد قالوا لسانَ كتابُ

يا صاحبَ القاموسِ ما معنى الرَّشا

والراءُ تكسرها ولا ترتابُ؟

يا صاحبَ المختارِ ما معنى النُّهى؟

يا صاحب المختار ما الجلبابُ؟

هذا سؤالي والجوابَ أريده

أهلُ المعارفِ هذه الآدابُ

2- منظومة سؤال تعليمي للشيخ سعيد بن مسعود السيباني نشرتها "الفلق" في عددها الصادر يوم الأربعاء 22 شعبان 1370 الموافق 30 مايو 1951، وبلغ عدد أبياتها عشرة منها:

سلي النفوس وسائل الإخوانا

ودع الغرورَ وخالف الشيطانا

واقنع بمقناع الرجا نفس الهوى

واعلم بأن المرء فيه معانا

واسأل إذا ما شئت أرباب الهوى

فعساك ترقى في العلو مكانا

يا قارئ الفلق افتنا فيما أتى

فعساك تصبح للضعيف لسانا

3- منظومة تحوي جواباً للشيخ القاضي سعيد بن محمد الكندي ، نشرتها "الفلق" في عددها الصادر يوم الأربعاء 29 شعبان 1370 الموافق 6 مايو 1951، وبلغ عدد أبياتها أربعين بيتاً منها:

حمداً لحق الهاشمي هدانا

وبذكره الحق المُبين حبانا

(واعلم بأن العبد) ليس يعجز

ربّ السَّما فاحذر العُصيانا

واطلبْ هداكَ اللهُ علماً نافعاً

فبذلك نعبدُ ربّنا الدَّيانا

4- منظومة الشيخ هاشم بن عيسى الطيواني نشرتها الفلق بتاريخ يوم الأربعاء 8 شعبان 1370 الموافق 16 مايو 1951م،وهي جواب على قصيدة الشيخ سعيد بن محمد الكندي، وفيها مديح لصحيفة الفلق ، وبلغ عدد أبياتها تسعة عشر بيتاً منها:

إليكَ بحمد الله يا خيرَ سائلٍ

جواباته ينجابُ غيم المشاكلِ

شهادة هذين الرفيقين قد أتى بها

الخلفان عدلين كانا فسائلِ

فبعض يرى هذي الشهادة منهما

تصحّ وتقوى الله ذخر لآمل

وذاك ابنه يحوي التراثَ جميعَه ُ

ولا شيء للأخ الكريم المناضِلِ

ثامناً : قصائد الأحاجي والإلغاز، وهو ضربٌ من ضروب القول المنظوم المنتمي إلى النزعات الفنية وشكلا من أشكال هندسة النَّص، ويكتب لإثارة التفكي، وتحفيز النظم والتباري المعرفي، والقدرة على كشف المبهم المراد إيضاحه، ولنا منه في شعرنا العُماني كبير العدد، وما وجدناه في صحيفة "الفلق" يعدُّ مبكراً نسوقُ للدلالة عليه منظومة فريدة نشرتها "الفلق " في 29 سبتمبر 1934 للشاعر الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن أحمد الكندي :

هاكُمو يا ذوي المفهومِ

راجياً أن تبيّنُوه كَمَالا

انظروا تروه يحوي عجيباً

من أمورٍ قد اشكَلتْ إشكالا

ميتٌ يجرُّ صراً وأمّا

بين الرأس منه يبدي مقالا

قدماه لسانه فإذا يخـ

طو تراهُ يُجَرُر الأذيَالا

هو أعمى أصمُّ أبكمُ إن حـــــــ

ــــــكمَ أمضى قضاءً واسالا

ملأ الأرضَ منه جُوراً وعدلا

وعلوماً وحكمةً وضلالا

تظل هذه القصائد – رغم ما جانب بعضها من هنات وضرورات وخطاب نظمي مباشر - رافداً للمدونة الشعرية العُمانية التي تناولناها بالتفصيل في كتابنا الشعر العُماني في القرن العشرين، وكانت حقلاً أثيريًّا مفيداً يؤكد حضور القصائد التي نظمها العُمانيون في تلك المهاجر ،أو أرسلها إخوانهم المقيمون منهم لنشرها في الصحافة الصادرة هناك ، ولو قدر لنا الحصول على كامل تلك الصحف لوجدنا فيها فيضاَ متدفقاً من الشعر العُماني فما هذا إلا نزرٌ يسيرٌ من فيضٍ عميم ، فالشعراء العُمانيون ما فتئوا يحرثون أرضَ بقائهم بالشعر حتى غدا مثلهم نبراساً يدلّ عليهم ،وكما يقال " إن وراءَ كلُّ صخرةٍ في عُمان شاعر".