46456464
46456464
الثقافة

كتابات عُمانية مُبكرة (20): مجلات الطلبة العمانيين بالخارج وكتاباتهم .. أصواتٌ ثقافية شَدَت باسم عُمان ونهضتها مبكرًا

20 أبريل 2021
20 أبريل 2021

إعداد: الدكتور محسن بن حمود الكندي -

ارتبطت مجلات الطلبة العُمانيين بالخارج بتأسيس حركة الابتعاث إلى الدول العربية والأجنبية وبتأسيس الأندية الطلابية في العواصم التي وُجِد فيها الطلبة العُمانيون بكثافة، وقد أثمرت عن حراكٍ ثقافيِّ وأدبي تجلَّى فيما أبدعه كتابُها ومحرروها في مجالات متنوعة من الإبداع لعل أشهرها الشعر والقصة القصيرة والمسرحية والمقالة والدراسات ذات الصلة بتخصصات الطلبة ومواهبهم، خاصة في مجال التاريخ وعلم الاجتماع، واللغات والنقد الأدبي، والفنون الشعبية والرسم، وغير ذلك.

ومن جانب آخر لم تكن هذه المجلات إلا لبنة أولى لأيدٍ طريَّة قُدِّر لبعضها - في تلك المرحلة - أن تلامسَ القلم لأول مرة، فكانت هذه المجلات الحاضن الأول لما جادت به قرائح أولئك الطلبة المفعمين بالأمل والتوق إلى العلم رغبة في خدمة الوطن والكشف عن تراثه وحضارته وأكثر من ذلك السُّمو بهما أعالي الذُّرى، فكانت المعرفة والعلم مناط ثريا أملهم، ومهوى أفئدتهم وقلوبهم وعقولهم الواعدة في ذلك الزمن الفارق، لهذا يجب النظر إلى تلك الكتابات أو قل الجهود على أنها رائدة بما تحمله الريادة أحيانًا من ألق المغامرة والتوق الجامح إلى الاكتشاف واكتساب الخبرة مع ما يكتنفها الهنات والضعف في أساليب الكتابة وأداة التوصيل، ولكن بعضها كانت تحمل جودة وإجادة فوصل أصحابها إلى سماء التميّز والشهرة والتألق، وكان هدفها الآخر التوق إلى التواصل مع الآخر مما بوأها مكانة تدعيم العلاقات الثقافية مع البلدان التي صدرت فيها كتاباتهم، ومما يحضرني في هذا المقال قصائد الشعر والقصص القصيرة، وتلك القراءات المستفيضة للفكر العُماني بغية تقديمه في أرقى صوره بعدما كان مغمورًا لا يُعْرَفُ في تلك الأوطان -عنه كثيرًا، كما لا تفوتني الإشارة إلى تلك الحوارات التي عقدها بعض الطلبة العُمانيين مع أساطين الفكر العربي ومبدعي الكلمة الشعرية، ورموز الكتابة السردية والنثرية قاطبة من أمثال الروائي العالمي نجيب محفوظ الذي استطاع صادق بن محمد عبدالخالق - إبان كان طالبًا - أن يجري معه حوارًا استثنائيًّا انفردت به الصحافة العمانية آنذاك كما لا ننسى حوارنا التاريخي مع الناقد الشعري المعروف الدكتور علوي الهاشمي الذي نحسبه مهمًا، وقد نشرناه في مجلة «مزون» الطلابية، ومما جاء فيه تصريحاته جريئة وتنظيرات نقدية للشعر الحديث وأبرز أنماط الكتابة الجديدة، وهو حوار مفعم بالحيوية والتنظير نابع من أحد أبرز الأكاديميين والنقاد العرب وأكثرهم عطاء في مجال النقد الأدبي والحساسية الشعرية.

لقد اضطلعت تلك المجلات والنشرات بالدور الثقافي تدعمها بالطبع الملحقيات الثقافية العُمانية ومن فوقها السفارات والبعثات الدبلوماسية بالخارج التي كانت تشرف عليها، وكانت ثمرتها عدد من المجلات يمكن تناول ما توفّر لنا من أعدادها سعي منا إلى التماس خطابها والكشف عن مضامينها بغية الوصول إلى الجذور الأولى المشكلة للكتابة الأولى في الفكر العُماني المعاصر الذي أصبح كشفة ضرورة في ظل حالة الانتشال والتبعثر والخط الذي ساد هذا الخطاب، وليكون مرجعية للدارسين بعدنا نحو تقديم دراسات معمقة تتناول هذا الجانب.

لقد أفرزت المجلات في سماء الفكر العُماني المعاصر أسماء متحققة مارست الفعل الثقافي تأليفًا وإبداعًا، وأصدرت فيما بعد كمًا كبيرًا من المؤلفات والدواوين والمجموعات القصصية والروايات، وارتقت بعضها إلى مراكز صناعة الخطاب والمشاركة الاعتبارية في إدارة المؤسسات الثقافية وتحظى اليوم بمكانة معتبرة.

وكان من نتائجها - رغم بساطتها - تكوين صوتٍ عماني في الخارج له أهميته في تقديم صورة عُمان وإظهار نهضتها وما تعيشه من تطور وتنمية مطَّردين بعد عقود من العزلة والبعد عن الآخر، ولم تكن تلك الخطابات مجرد أنشطة طلابية محدودة فقد تناقلت بعضها أخبار صدورها بعض وكالات الأنباء واستضافت محرريها، بل كانت لسان حال عُمان الصادح بها في الآفاق، ويمكن تناول ما وقع بأيدينا منها فيما يلي:

أولًا: مجلة الطالب

صدرت -في بادئ الأمر- كنشرة بإخراج بسيط مسحُوبة على ورق (استنسل)، وسُميت باسم الطالب لتكون عاكسة لحياته وأنشطه، وكانت الغاية منها مدّ جسور التواصل والتلاحم بين الطلبة بعضهم ببعض، ثم بزملائهم الطلبة العرب التي كانت تضمهم القاهرة في تلك الفترة، وقد احتوى العدد الأول الصادر تقريبًا عام 1979م والذي صممه الطالبان موسى صديق ومحمد نظام على موضوعات من بينها «نبذة عن جغرافية عُمان» و«وتاريخ عُمان»، و«الديمقراطية» وقصة قصيرة كتبها حسن باقر بالإضافة إلى إحصائيات للطلبة تقدر أعدادهم خلال العام الدراسي 79/ 1980 بنحو 317 طالبًا وطالبة ولقاءات مع بعضهم.

أمَّا الأعداد الأخرى، فقد حوت مقالاتٍ ودراساتٍ وقصائد شعر وحوارات وقصصًا ومتابعات ثقافية وأخبارًا متنوعة، ففي العدد التاسع وجدنا قصيدة جميلة للشاعر عبدالله بن راشد المخيني عنوانها «زهور الأقحوان» وأخرى لصالح العامري بعنوان «أغنية عمانية» وكذلك لعبدالله الحارثي، وقصة لأحمد بن علوي الكاف بعنوان «يدي هنا ويدي هناك»، وقصيدة وطنية لغصن الجعفري بعنوان «عُمان العُرْب» يقول فيها:

«عُمان العُرْب يا وطنَ الرجالِ

بعيدكِ ترتقي رتب المعالي

مقامكِ في العُلا يحميه شهمٌ

كريمٌ الأصل محمودُ الخصال

فتىً فخر الزمان إذا تسامى

على مرِّ الحوادثِ والليالي

بلادُ العُربِ أشرقَ في رُباها

مقاييس الحياةِ على التوالي

عُمان باركَ الرَّحمانُ فيها

روابيها عظيماتِ النَّوالي»

كما وجدنا قصيدة للشاعر عبدالله السنيدي بعنوان «إليك»، وقد قال فيها:

إليك.. وما عُدّتُ أحترفُ الشعر مذ أن تغرب شعري عن ناظريك.

إليك، وما عُدّتُ أقدر كي.. أرسم الحزن والألم المر.. أنفثه بحروف عليلة..

ما عُدّتُ أملكُ من طاقتي غير بضع أماني أحسها شذرات قليلة..

وبالإضافة إلى ذلك نشرت الطالب حوارًا استثنائيًّا أجراه صادق محمد عبدالخالق مع الأستاذ محمد رشاد عزمي وهو إحدى الشخصيات المصرية التي أسهمت في رعاية الطلبة العمانيين بالقاهرة لعمله الطويل بالملحقية الثقافية، وفيه بيانٌ لتاريخ البعثات العمانية وتوافد الطلبة على القاهرة بدءًا من خمسينيات القرن العشرين حيث يتناول الأستاذ عزمي في حديثه على الرعيل الأول من الطلبة والطالبات العُمانيين الذين بدأت خطواتهم الأولى مبكرة نحو القاهرة من ثلاثينيات القرن العشرين قدومًا من زنجبار في بعثات ومنح دراسية مكثفة رعتها حكومات ومؤسسات سياسية مختلفة، فيذكر أسماء من مثل: الشيخ أحمد بن ناصر اللمكي، والشيخ سيف المعمري وابنتيه الدكتورة فاطمة والدكتورة زكية، والأولى عملت في جامعة فؤاد أستاذة أكاديمية وترقَّت فيها إلى أن وصلت إلى درجة الأستاذية، كما يذكر أسماء أخرى وفدت إلى القاهرة في خمسينيات القرن العشرين لتلقي العلم في مدارسها ومعاهدها وجامعاتها من أمثال صاحب السمو السيد فهد بن محمود، وأحمد مكي، والدكتور علي موسى، وماهر العلوي والشيح اليقظان بن طالب وغيرهم، وينتهي إلى سرد ذكرياته مع الطلبة بشفافية مطلقة وحب عميقين باعتباره أبًا روحيًّا ومرشدًا أبويًا محبوبًا وبالذات في مراحل أواخر الخمسينيات والستينيات والسبعينيات إبان قدومهم المبكر للدراسة في المدارس والمعاهد المصرية، وكذلك في الثمانينيات عندما كثر قدومهم إلى الجامعات، ويستعرضُ في ذلك أبرز أنشطتهم عبر النادي الذي تم تأسيسه لهم واحتوى أنشطتهم وحراكهم وألقهم المعرفي.

وفي لفتة موازية لم ينس الأستاذ رشاد عزمي في حواره التاريخي هذا سرد أسماء السُّفراء ورجالات السلك الدبلوماسي الذين عهدهم في سفارة سلطنة عُمان بالقاهرة ويخصّ بالذكر الشيخ سعود بن علي الخليلي.. الذي كانت له لفتات رد الجميل كما يقول.

وفي الشأن الثقافي وبخاصة المقالات التي حفظتها مجلة (الطالب نجد مقالًا أدبيًّا كتبه الأستاذ أحمد الفلاحي بعنوان «الأديب سيف الرحبي» حيث قال: إن «حداثة سيف الرحبي ليست حداثة افتعال وأنها انفجار الوعي والحساسية الجديدة في تعبيرهما عن شقاء الإنسان في غربته ومنفاه»، واستشهد الفلاحي بمقولة الشاعر الكبير يوسف الخال الذي يوصف بأنه الأب الروحي لقصيدة النثر وأحد منظريها وروادها الأوائل وصاحب مجلة «شعر»، ويرى أن الرحبي يعد من أعلام الحداثة الشعرية في الوطن العربي الذي، وأنه «لا يحبذ الطواف حول الحداثة كصنم من المفاهيم الباردة»، وأن قصيدة النثر العربي لها جذور في النثر العربي القديم فهي ليست وليدة الآداب الأوروبية التي اقتحمت دنيا العرب وإنما هي نبت أصيل نشأ في بيت الأدب العربي).

كما يستعرض الكاتبُ ملامح من سيرة الرحبي وتكوينه و(أنه تلَقّى قبل خروجه من وطنه ثقافة كلاسيكية عالية ومركزة كانت زادًا قويًا له بعد ذلك في مغتربات شملت أقطار كالقاهرة ودمشق وبيروت والجزائر وبلغاريا وبريطانيا وفرنسا والمغرب العربي، وكلّ هذه المغتربات «زادت من إمكاناته وأرهفت حساسيته ووسعت من مداركه وآفاقه، ففي بعض محطاتها التقى بأدونيس ويوسف الخال والماغوط وغيرهم، وفي بعضها التقى بالصحافة العربية ودور النشر ونشر فيهما قصائده وبعض دواوينه المبكرة مثل «نورسة الجنون» و«أجراس القطيعة» و«رأس المسافر» و«ذاكرة الشباب العربية» الذي لم نجده حتى الآن).

ويظهر سيف الرحبي في مقال الفلاحي مغتربًا وهو كما يقول: «ظلت الغربة تطارده من عاصمة إلى أخرى ولا تزل هواجسها تملأ نفسه وكيانه وتؤرقه في هذا العالم المضطرب المليء بالخشونة..»، ويجزم الفلاحي في نهاية مقاله بأن الرحبي أشهر شاعر أو أديب عُماني في وقت كتابة المقال خارج وطنه على الإطلاق.

ثانيًا: مجلة الصَّحوة

وهي مجلة أصدرها طلبة سلطنة عُمان الدارسون بالمملكة المتحدة «بريطانيا»، وقد عثرنا على عددها الأول الصادر في نوفمبر من عام 1985 المواكب للعيد الوطني الخامس عشر، وفي هذه المجلة كما هو موجود في غيرها من موضوعات متنوعة تتصل بالشأن الثقافي والأدبي وإبراز نشاط الطلبة والتعريف بثقافة عُمان، غير ما يميزها تغطيتها لحدثين مهمين من أحداث ذلك النشاط هما:

1- الاحتفال التاريخي الذي أقامه الطلبة الدارسون في قاعة «البرت هول» وإحياء الأمسية الغنائية الشهيرة التي شدا فيها المطربون العُمانيون والعرب أمثال أبوبكر سالم وسالم علي سعيد الذي غنَّى قصيدة الشاعر عبدالله بن صخر العامري المنظومة بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني الخامس عشر 1985 بمناسبة افتتاح «برج الصحوة»:

عانقي المجدَ يا سَمَاء المعالي

وتهادي وكابري بالفِعاَلِ

إن تكنْ زرقة السَّماءِ دليلاً

لصَفاءِ النفوسِ والآمالِ

أو تكنْ هامةَ النفوسِ مناراً

فبلوغِ الآمالِ سهل المنالِ

فعُمان أسمى صروح المعالي

وعُمان لأكرم الأعمالِ

وعُمان زهتْ بكلِّ جميلٍ

فهي في العصر مجمعُ الأمثالِ

2- الحوار التاريخي الذي عقدته المجلة مع الكاتب الكبير أنيس منصور وكان أحد الحاضرين لتلك الأمسية الجميلة، حيث تطرق إلى مسارات الأدب العربي واستشرف أفق النهضة العُمانية الجديدة بحس وجداني عميق.

ثالثًا: مجلة الرائد

وهي مجلة ثقافية - اجتماعية صدر العدد الأول منها في أبريل 1985 عن نادي طلبة سلطنة عُمان بالإسكندرية، ولم تخرج موضوعاتها عن السياقات الإخبارية لأنشطة الطلبة الثقافية غير أن الذي ميزها احتواؤها على جملة من الموضوعات الثقافية المتنوعة وعقْدِها حوارات مع مسؤولين ومثقفين ينتمون إلى تلك المرحلة.

وهدفت المجلة التعريف الثقافي وتلبية احتياجات الطلبة المعرفية بعد تزايد أعدادهم في جامعة الإسكندرية، ومن أبرز موضوعاتها موضوع عنوانه «نحو استراتيجية ثقافية» كتبه عوض باقوير، وحوار أجراه الأستاذ عبداالله الرحبي مع الدكتور حماد الغافري الذي كان يشغل وقتها وكيل وزارة التربية والتعليم لشؤون الشباب، وكذلك مقال تاريخي للدكتور سعيد الهاشمي حول اليعاربة والبرتغاليين في القرن السابع عشر الميلادي، كما كان في هذا العدد تحقيق وتغطية ليوم عُمان في جامعة الإسكندرية، وموضوع ثقافيًّا عام للأستاذ سيف بن سعود المحروقي وغيرهم.

رابعًا: مجلة الشبيبة

وهي مجلة ثقافية اجتماعية أصدرها الطلبة الدارسون بجامعة قطر عام 1403/ 1983 وجاء في مقدمة أهدافها: لتكون نبراسًا ثقافيًا يضيء درب الطلبة التعليمي ويجسّد روح عمان حضارة وتاريخًا، ولم تحمل هذه المجلة جديدًا عن سابقاتها من حيث الأهداف، فقد سعت إلى التعريف بالجوانب الأدبية العُمانية وخاصة في مجالات الشعر والمقالات، والقصة القصيرة، ورسمت أفق تنمية مواهب الطلبة بالكتابة في هذه الأنماط دفعًا لمواهبهم وتنمية لطاقاتهم الواعدة، وقد وقع في أيدينا من هذه المجلة عددان هما الأول والثاني، ولم تتوفر بقيتها لدينا، ويبدو أنها واصلت الصدور في أعداد أخرى كثيرة واستمرت حتى أواسط التسعينيات من القرن العشرين، وقد حمل العددان الأول والثاني عناوين اجتماعية وأدبية منها: «سطور من تاريخ عُمان» و«تطور التعليم في عُمان» و«جامعة السلطان قابوس» وقد كتب أغلبها الشاعر محمد الحارثي الذي يمكن القول إنه الشعلة الطلابية المضيئة في تلك الفترة، كما نجد فيها كذلك نصوصًا أخرى من مثل: قصة «الضحية» ومقال «مع التراث العماني» وغير ذلك.

غير أن أهم ما يميز هذه المجلة احتفاظها ببعض قصائد الشاعر محمد الحارثي المبكرة وقد كان وقتها كان يدرس «الجيولوجيا» في جامعة قطر، ومن بينها قصيدته «غرناطة وما بعدها» وأبيات أخرى نقشتها المجلة في غلافها الخارجي بوشي نخلة باسقة وقعه الحارثي بقوله:

تظللني النخلةُ الباسقةُ

وتنكشني جثةٌ من كفنْ

وتسقي فؤادي رحيقُ الوطن

وتزرعني قوةً خارقهْ

وتخرجني من زوايا الزمن

تزيل الضَّباب.. وتمحو المحنْ

خامسًا: جبرين

وهي مجلة وهي ثقافية /اجتماعية متنوعة صدرت عن نادي طلبة سلطنة عُمان في المملكة الأردنية الهاشمية المتأسس سنة 1399/ 1979، وكان صدور هذه المجلة الأول نصف سنوية ثم تطور إلى شهرية، ويبدو أنها استمرت في الصدور لسنوات عديدة ربما إلى ما بعد عام 2000 وهو العام الذي شهد تزايد كثافة الابتعاث إلى الجامعات الأردنية، وقد شدّني في عددها الثالث الصادر سنة 1984 الموضوعات الفكرية المهمة التي كتبها الدكتور عصام الروّاس وقد كان يدرس وقتها العلوم السياسية من بينها موضوع عنوانه «علاقة عُمان بالدول العثمانية»، كما شدتني فيها قصائد الشعر ومن بينها قصيدة للدكتور علي بن هلال العبري، ومقالات للأستاذ علي بن عبدالله الحارثي، والدكتور زايد الجهضمي ومحاولات أولى في كتابة القصة القصيرة لخالد بن محمد الحارثي وغيرهم.

تعد هذه المجلة الصوت الطلابي العُماني الصادح بالفكر والإبداع، ولم تكن مجرد مجلة طلابية بالمفهوم المبسط هدفها الإخبار والإعلان والإشهار، وإنما اقترنت بخطاب علمي تخصصي أبدعه الكتاب من بُناة أفكارهم، وتبلور أكثر في الدراسات الأكاديمية المعمقة كالتي قدّمها الطلبة في مستوى درجتي الماجستير والدكتوراه والدبلوم العالي، وتوجد أعداد هذه المجلة -كما أخبرت- في وحدة الدراسات العُمانية التابع لجامعة آل البيت، والأمل تقديم دراسة موسعة عنها ريثما تتوفر لنا كمية من أعداها.

سادسًا: مجلة «المزون»

تعتبر مجلة «المزون» الطلابية واحدة من أنشطة الطلبة العُمانيين في البحرين، وهي مجلة ثقافية اجتماعية تربوية طلابية عامة صدر عددها الأول في فبراير 1986، واتخذت من اسم عُمان التاريخي والحضاري العريق «مزون» اسمًا لها، وضمّت مقالات لعدد من الطلبة من مثل «المزون» للأستاذ أحمد الفلاحي و«مدينة صحار..» لعبدالرحيم اليماني، و«الرزحة» لمحسن الكندي و«الخناجر العمانية» لمحمد بن صالح الهاشمي، كما ضمَّت قصائد شعرية لشعراء عٌمانيين تصدرتها قصيدة «على لسان فدائيين» لشيخ شعراء عُمان عبدالله بن على الخليلي، وقصائد أخرى مختلفة من أمثال: قصيدة «نقش بعشق الوردة على وردة العشق» للشاعر محمد الحارثي، وقصيدة «طلاب الجامعة» لصالح العامري، وقصيدة شعبية «ريم سمحان» للشاعر حميد الحجري، كما ضمَّت أيضًا نصوصًا قصصية واعدة من مثل: «نظرة» لعبدالرحيم اليماني، وقد افتتح العدد الأول الأستاذ أحمد الفلاحي الملحق الثقافي في سفارة سلطنة عُمان في البحرين ورئيس هيئة تحرير المجلة بكلمة عنوانها «كلمة بين الكلمات» جاء فيها: «المزون هي مجلة طلبة عُمان بالبحرين، وهي ثقافية عامة عُمانية عربية تنطلق في رسالتها من عروبة عُمان وانتمائها العربي وعقيدتها الإسلامية، فهي كلمةٌ عربيةٌ من لسان عماني...».

ومن الجدير بالذكر أن هيئة تحرير المزون تكونت من الطلبة الدارسين بالبحرين آنذاك من مثل: محمد المخيني، ومحمد الحوسني، ومحسن الكندي، وسالم البحري وصدر منها ثلاثة أعداد فقط هي أعداد فبراير 1986، وديسمبر 1986، وعدد مايو 1988، وكان الطموح أن تصدر في السنة مرتين أي في كل فصل دراسي، وأن تستمر في صدورها تباعا، ولكنها احتجبت لظروف مادية وتخرج عدد كبير من الطلبة.

لقد استقطبت المجلة أقلامًا بحرينية واعدة وقتها، من بينهم الأستاذ محمد البنكي، رحمه الله، الذي خص المجلة بقصيدة من قصائده النثرية هي «هامة البرماء تمضي المستقر»، كما حظيت في عددها الثالث الصادر في مايو 1988، بحوار أدبي مبكر مع الدكتور علوي الهاشمي، أستاذ الأدب والنقد بقسم اللغة العربية بجامعة البحرين.

ومن ثمار هذه المجلة ميلاد انبثاق عدد من الشعراء والمبدعين والباحثين، ففيها نشر الشاعر الطبيب الدكتور محمد المخيني، أولى قصائده الماثلة في قصيدة «دمعة»، وقصيدة «احتضار فاطمة»، وقصيدة «نغم الحزن» التي أهداها إلى الأستاذ أحمد الفلاحي إبان عودته للعمل في وزارة التربية والتعليم، وفيها يقول:

أحضرْ لي العُودَ واعزفْ فيضَ ألحاني

يا سيّدَ الحُسْنِ إن الوجدَ أضناني

اعزفْ وغَرِّدْ من الألحانِ أعذبها

كيما يفيقُ الفؤادُ الضامئ الحاني

كمْ بُتُّ ليلي أقاسي الهّمَ يقتلني

وأبعثُ اللحنَ فيَّاضاً بأشجاني

كانت مجلة «المزون» مشروعًا ثقافيًا وميلادًا صحفيًا لم يكتب له الاستمرارية، وقد هدفت إلى تقديم ثقافة عُمان وحضارتها، وقد تناغمت مع مثيلاتها المجلات الطلابية التي أصدرتها أندية الطلبة العمانيين بالخارج. فقد تناغمت مع مجلات «جبرين» و«الطالب» و«الشبيبة» و«الغبيراء» في الأردن وقطر والسعودية ومصر التي كان الطلبة العمانيون المبتعثون يصدرونها من وكانت تعضّد توجهات الطلبة وتستوعب مواهبهم في الكتابة والتفكير، فنشر فيها الطلبة والطالبات مجموعة من المقالة نقتطف منها للتمثيل ما يلي، ففي العدد الثاني نجد موضوعات بلغ عددها ستة وثلاثين موضوعا من بينها: «من عُمان وفي سبيلها لرئيس التحرير»، والحنين في شعر عبدالله الطائي لمحسن الكندي، ومع رائد الشعر الحديث لمحمد المخيني، و«اللبان شجرة ظفار المميزة» لعابد آل كليب،و«الأفلاج في عُمان» لعلي المقبالي، وقصيدة «أغنية عمانية» لصالح العامري، والصحافة العمانية «لمحمد المطوع وقصة «اللحظة الحرجة» لعبدالرحيم اليماني.

ومن العدد الثالث نقتطف العناوين التالية: قصيدة «قنابل الحجارة» للشاعر سعيد الشعيلي، وقصيدة «لحن لهواك»، ومقال «في أجواء الشعر الفلسفي» لمحمد المخيني، ومقال «رحلة في أحضان التاريخ العماني» لمحسن الكندي، و«السياحة في عمان» لجمعة البلوشي، ومقال حول «عسل النحل» لهدى أنور خميس، وقصة «عقارب الساعة» لمحسن الكندي.

والملاحظ في هذه الموضوعات التنوّع في الطرح، والأصالة في المضمون، فبين قصص قصيرة، إلى قصائد شعرية، إلى مقالات في العلوم التطبيقية، إلى صور فوتوغرافية رسمتها العين الفوتوغرافية للمصّور المبدع الدكتور محمد الحوسني، وكلها متفرقات ظريفة في الفن والأدب والثقافة علقت في ذهنية الطالب، وخدمت مساحة التفكير لديه بشيء من التحفيز والإدراك.

ومن أندر ما فيها أنها حرَّكَتْ الساكن الطلابي، وأوجدت قُراءً ومتابعين لها ليس في البحرين وحدها، وإنما في عُمان. وكان من ثمرة ذلك أبيات فريدة كتبها الإعلامي المعروف سعادة علي الجابري، الذي جاء زائرًا إلى البحرين وقتها، فشدّته لوحة فنية لأحد الطلبة في غلاف «المزون» فكتب معلقًا عليها بما نصّه:

هذا التراثُ علتْ هاماته فبَدَى

في صفحةِ الماءِ مزهّوا يُحَاكيها

يقولُ للفلج الصَّافي مداعبةً

هذي عُمانُ فقمْ للدهر نرويها

وقد بدت نخلة في الأفق باسقة

تحكي العتاق لقاصيها ودانيها

ومن أبواب «المزون» الثابتة باب قوائم الطلاب الخريجين كلَّ عام، حيث تسعى المجلة إلى تأريخ تخرجهم وتثبيت تخصصاتهم، في لفتة احتفائية توثيقية أصبحت اليوم ذات أهمية لما لها من قيمة في تاريخ التعليم ب في ُمان.

بقي أن نشير إلى أن «المزون» كانت تطبع وتخرج في مطابع الفجر بإشراف فني متخصص من لدن الصحفي والكاتب الأستاذ إبراهيم بشمي، وقد صدر منها ثلاثة أعداد كل عددٍ يتكون من حوالي 50 إلى 60 صفحة.

هذه أهم ما استطعنا الوصول إليه من مضامين هذه المجلات الطلابية التي كانت مشعل معرفة وتعريف بعُمان نقلها الطلبة العُمانيون إلى مختلف دول العالم مما كان له الأثر الكبير في العملية التعليمية، وربط هذه الكوادر الناشئة بثقافة وطنها ولم يكن لها أن تصدّر لولا أن لقيت أيادي بيضاء امتدت إليها ومؤسسات رسمية أسهمت معها بسخاء في السماح لها بصدورها وسط مناخات معرفية متنوعة المشارب والاتجاهات.