1624029
1624029
الثقافة

على العالم أن يعامل الأوبئة معاملة الأسلحة الكيميائية

19 أبريل 2021
19 أبريل 2021

نينا شوالبي ـ سوزانا ليتيماكي

ترجمة : أحمد شافعي

في حين لم يزل العالم يصارع كوفيد 19، فإن الوقت قد حان بالفعل للشروع في التهيؤ للوباء التالي، ولكيفية تفاديه في المقام الأول. فلقد رأينا لسوء الحظ أن الحكومات التي ترتجل في الاستجابة للوباء لا تنعم بفرصة كبيرة في احتواء فيروس قوي. ورأينا أن العمل المفكك القائم على ما لا يكفي من المعلومات قد سمح بتفش محلي لعامل مجهول مسبب للمرض في ووهان بالصين بل وبتحوله إلى وباء كامل. ومن ثم فإن الدرس الواضح هو أن المجتمع الدولي يحتاج إلى نهج جديد لتفادي الأوبئة في المستقبل، على أن يحتوي هذا النهج طريقة للتحقق السريع من بيانات التفشي من خلال فرق تحقيقات مستقلة.

باختصار، نحن بحاجة إلى أن نتعامل مع احتواء الوباء بجدية تماثل التعامل مع أخطار الدمار الشامل الأخرى، مثل الانتشار النووي والأسلحة الكيميائية. والمعاهدات الدولية لتفادي انتشار هذه الأسلحة توفر أدوات يمكن استعمالها أو تعديلها بحيث تساعد في تفادي انتشار الفيروسات أيضا.

في يناير، دعت منظمة الصحة العالمية إلى معاهدة وبائية جديدة، لكن المرجح أنها تقصر كثيرا عن تحقيق هذه الأهداف. وسوف تقدَّم ـ في الشهر التالي ـ مسودة معاهدة أمام الجمعية العامة لمنظمة الصحة العالمية، أي في الاجتماع السنوي للدول الأعضاء. وبرغم النوايا الحسنة، سيكون قدر هذه المعاهدة هو الفشل في تغيير طريقة التعامل مع التفشيات في المستقبل. وذلك لأن المعاهدة عاجزة عن التعامل مع العقبة الأساسية التي تعرض طريق التأهب للوباء: وهي رفض بعض الدول ـ وبخاصة الصين ـ أن تخضع لمستوى كامل من الشفافية والوصول والتفتيش.

يتضح الافتقار إلى الطموح في حقيقة أن حضور الجمعية العامة لمنظمة الصحة العالمية يكون من وزراء الصحة لا رؤساء الحكومات. فضلا عن أن التفاوض على المعاهدة يتم برعاية منظمة الصحة العالمية، وهي لا تحظى بسلطة كبيرة تخصها بل تعكس مصالح الدول الأعضاء، ومن ثم فسوف تعجز على الأرجح عن إحداث التغييرات الكاسحة اللازمة على نحو عاجل.

لقد أوضح كوفيد 19 ما لا بد من تغييره، والأسباب التي تجعل احتمالات إحداث هذه التغييرات منخفضة لسوء الحظ.

حينما تم اكتشاف فيروس كورونا المستجد للمرة الأولى في ووهان بالصين في أواخر عام 2019، استند رد الفعل العالمي إلى القواعد الصحية العالمية (IHR)، وهي وثيقة عمرها أربعون عاما تم تحديثها في عام 2005 إثر تفشي سارس. وتشترط القواعد الصحية العالمية على أعضاء منظمة الصحة العالمية البالغ عددهم 194 دولة تقديم تقارير سنوية بتأهبها للتفشي، لكن أهم وظائفها أنها تعمل كآلية استجابة عالمية في حال وجود تفش. وهي تشترط على السلطات الصحية القومية إشعار منظمة الصحة العالمية بأسرع ما يمكن بوجود تفش يمكن أن يتجاوز حدودها. وفور أن تعلن منظمة الصحة العالمية تفشيا معينا "حالة طوارئ صحية عامة تستدعي قلقا دوليا"، تبدأ جهود منسقة عالميا للتخفيف منه.

لكن الاستجابة العالمية لكوفيد 19 انهارت قبل حتى أن تبدأ. فمنذ البداية الأولى، لم تتوافر وسيلة للضغط على الصين لإعلان ما لديها من نتائج متعلقة بالتفشي في وقتها، ناهيكم عن حسن النية. تعتمد منظمة الصحة العالمية على البيانات والمعلومات المقدمة طوعا من البلد الذي يحدث فيه التفشي، والزيارات الرسمية من علماء المنظمة بهدف جمع البيانات والتحقيق في التفشي تستلزم موافقة البلد. وفي هذه الحالة لم تبد الصين استعدادا. وكان مكتب منظمة الصحة العالمية في الصين هو الذي تلقى بيانا إعلاميا من السلطات الصحية في ووهان في 31 ديسمبر 2019. وبحلول ذلك الوقت، يبدو أن المرض كان قد أخذ ينتشر فعليا على نطاق واسع برغم أن منظمة الصحة العالمية قدمت طلبات عديدة للحصول على المعلومات، لكنها لم تتلق ردا من الجانب الصيني حتى الثالث من يناير. ومع تنامي الضغط على تعاملها مع الفيروس، تشددت بكين. وبدلا من تدفق المعلومات صعودا وخارجيا عمدت الصين إلى التعتيم. وتعثرت منظمة الصحة العالمية ـ المعتمدة على المعلومات الصينية والعازفة عن انتقاد بكين لرفضها التعاون ـ وبخاصة حين لم تعلن حالة طوارئ عامة مثيرة للقلق الدولي في اجتماعها في 22 و23 يناير. وبقية ما جرى باتت للأسف في ذمة التاريخ. فالثغرات الهائلة في التأهب والاستجابة الجمعية للوباء مطروحة أمام أعيننا جميعا.

تتمثل الطريقة الوحيدة لسد هذه الثغرات في منح المجتمع العالمي سلطة أكبر لإجراء مراجعات مستقلة لتأهب البلاد للأوبئة، وللتحقيق كلما ثار شك في عدم خضوع بلد لالتزاماته الوبائية، وتقديم بيانات فورية عن التفشي وهذا هو الأهم. والخطة الحالية المقرر تقديمها في الشهر التالي هي تصميم معاهدة وبائية جديدة بناء على اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ لعام 2003 والتي تمثل جهدا عالميا واسعا للحد من استهلاك التبغ لم تحقق أثرا ذا شأن. ومن سوء الحظ أن طرح الأفكار القديمة العقيمة في مجال الصحة العامة بعجز عن التعامل الجاد مع الوباء. وخطة منظمة الصحة العالمية لا تفتح مجالا للتعامل مع معارضي السلطات الجديدة لفرض قواعد وبائية جديدة، وبخاصة الصين.

كيف ينبغي أن يكون شكل معاهدة وبائية جديدة إن كان العالم راغبا في أن يكون أفضل استعدادا لضربات التفشي القادم؟ من حسن الحظ أنه لا داعي لإعادة اختراع العجلة. فثمة العديد من الآليات الناجحة المستعملة فعليا في أماكن أخرى من النظام الدولي ويمكن أن نتعلم منها ونطبقها على الأوبئة، ومنها الاتفاقيات التي تغطي حقوق الإنسان، والتبادل التجاري للسلع والخدمات، واحتواء الأسلحة الكيميائية والنووية.

فور أن يحدث تفش، يكون أهم عاملين لاحتوائه هما سرعة الاستجابة وإتاحة بيانات المرض. والتمكين من القيام بتدخلات سريعة قائمة على معلومات أمر محوري لأي معاهدة وبائية جديدة. وعليه فلا بد أن نوجد نظاما يشجع على الشفافية والعمل بحيث تكون التهديدات الناشئة معلومة قبل انتشارها.

خلال الوباء الحالي، لم تكن لدى منظمة الصحة العالمية ـ التي تفتقر إلى السلطة لتحفيز الدول أو معاقبتها ـ قوة للقيام بمفردها بعمل. لم تستطع أن ترغم الصين على إتاحة ما لديها من بيانات ولم تستطع أن تجري تحقيقا بمفردها. وعندما تباطأت الصين وضيقت على الوصول وعلى البيانات، كان رد منظمة الصحة العالمية بطيئا أو غائبا. فلم يحدث إلا بعد مرور شهر كامل على صدور أول تقرير رسمي من ووهان وزيارة شخصية من مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهنوم غبرييسوي لبيكن أن تم إعلان الوباء أخيرا حالة طوارئ صحية عامة تستدعي قلقًا دوليًا. ثم مضت ستة أسابيع أخرى، تواثب فيها الفيروس حول العالم، قبل أن تصنف منظمة الصحة العالمية التفشي كوباء. وبعد أكثر من عام ومليوني حالة وفاة، لم تكن الصين قد أفصحت بعد عن البيانات الأصلية للتفشي الأصلي في ووهان.

ليس لدى نظام الصحة العامة الراهن وسيلة لمعاقبة عدم الإذعان للاتفاقات الدولية والتزامات الإبلاغ إلا فضح الدول المخالفة. وينبغي أن يكون واضحا الآن أن هذا غير كاف. فضلا عن أن الدول القوية مثل الصين لديها من النفوذ داخل منظمة الصحة العالمية وغيرها من المؤسسات الدولية ما يجعلها تعرقل التحقيقات وتدفن التقارير. وقد تبين لتقرير حديث في وول ستريت جورنال أن الصين قاومت جميع جهود البحث عن أصول الوباء. كما أخَّرت الصين لشهور أي تحقيقات، مطالبة بحق الاعتراض [الفيتو] على من يجرون التحقيق وحق مراجعته قبل نشره. ورفضت الصين فكرة التحقيق من حيث المبدأ، مصرة على تسميته "درسة تعاونية" بدلا من تحقيق.

لذلك لا بد لفرض الامتثال للاستجابة الوبائية من قدرة على القيام بصورة مستقلة بزيارات تفقدية وتحقق من البيانات ـ دونما موافقة واضحة من الدول المعنية. هذه السلطة المستقلة موجودة فعليا في مجالات أخرى. فبوسع الهيئة الدولية للطاقة الذرية أن تزور المواقع النووية ومنظمة منع انتشار الأسلحة النوية يمكنها القيام بتحقيقات في البلاد هي الأخرى. وسوف يوفر تخويل الحق في إجراء زيارات مفاجئة آلية إنذار مبكر ويساعد ـ في حالة تفشي مرض ـ على تحديد أصله والانتشار المبكر للعامل المسبب له وتقييم ما إذا كانت الدولة قد فعلت ما يكفي لاحتوائه. وقد يستوجب هذا إدراج المعاهدة على مستوى الأمم المتحدة، لا على مستوى منظمة خاضعة لسيطرة أعضائها مثل منظمة الصحة العالمية.

وحتى لو أن أغلب أعمال تفتيش مواقع المنشآت النووية والأسلحة الكيميائية تتم بموافقة وتعاون من الدولة، فإن مجرد القدرة على القيام بزيارات دون موافقة يحفز على الامتثال للاتفاقيات. ومثل هذه المحفزات على الإبلاغ المبكر وعلى المزيد من الشفافية كان ليحدث تغييرًا خلال المراحل المبكرة لتفشي فيروس كورونا. وفي مثل أهمية ذلك أن تحتوي أي معاهدة وبائية على ما يضمن حق المحققين في التحرك بحرية والوصول إلى أي مكان أو شخص أو وثيقة. ومن شأن هذا أن يحدث فارقا عميقا في قدرتنا على الاستجابة للأوبئة.

إضافة إلى إجراءات التفتيش والتحقيق، فإن من المجالات المحورية التي يجب توافرها أيضًا في نظام صحي فاعل ما يتعلق بالتقييم المستقل لخطط التأهب الوبائي في كل بلد وإجراءات تبادل المعلومات. والأفكار الحالية تذهب إلى أن تحتوي المعاهدة الوبائية الجديدة عملية مراجعة الأقران. غير أن هذه المراجعة نادرا ما تكون مستقلة وكثيرًا ما تخضع للضغط السياسي، وبخاصة من الدول ذات النفوذ مثل الصين. لقد رأينا الصين بالفعل تمعن في استعمال نفوذها في كل مستوى من مستويات الأمم المتحدة للتحكم في الوصول والمعلومات. إن جعل المراجعة خارجية، باستخدام خبراء مستقلين بدلا من ذلك، في ظل معاهدة دولية، وليس فقط اتفاقية تفاوض عليها داخل منظمة الصحة العالمية، من شأنه أن يجعل العملية أكثر حيادية – وأن يزيد من احتمال خضوع الدول للقواعد.

ولضمان أن تمتلك أي معاهدة وبائية مستقبلية الأنياب اللازمة للقيام بوظيفتها، يجب أن يميل المجتمع الدولي إلى جانب المزيد من السلطة لا الأقل، والمزيد من الاستقلال لا الأقل، والمزيد من الجرأة لا الأقل. وبرفع المعاهدة الوبائية إلى مستوى الأمم المتحدة، وهو أعلى مستوى من السلطة، وأعلى بخطوة من مستوى منظمة الصحة العالمية، سوف يتيح لمنظمة الصحة العالمية أن تركز على دورها اللازم المتعلق بالدعم التقني، والمراقبة، والبحث. ويمكِّنها من التركيز على دورها المعياري، دور واضع المعايير، ودعم الدول على إنشاء أنظمة صحية عامة قوية للحيلولة دون أوبئة في المستقبل. وإن إعطاء الاستجابة الوبائية ثقل الأمم المتحدة السياسي، وليس مجرد ثقل الهيئات الأممية، من شأنه أن يلفت انتباه العالم ويوضح جدية الأمر.

لا بد من العمل الجريء لتحسين التأهب الوبائي والاستجابة الوبائية. ولئن عجزنا عن رفع التأهب الوبائي إلى أعلى مستوى من صنع القرار السياسي العالمي، سنكون قد عجزنا عن تعلم درس كوفيد 19، وسوف يكرر التاريخ نفسه.

نينا شوالبي مديرة Spark Street Advisors وأستاذ مساعد في جامعة كولمبيا و سوزانا ليتيماكي مستشارة أولى في Spark Street Advisors

نشر المقال في مجلة فورين بوليسي الأمريكية بتاريخ 14 أبريل 2021