القصيدة العمودية والنثرية كفتان في ميزان سيمياء المكان
في جلسة أقامها صالون فاطمة العليانية -
تغطية - بشاير السليمية -
أقام صالون فاطمة العليانية جلسة افتراضية تناولت (سيمياء المكان بين القصيدة العمودية وقصيدة النثر في الشعر العماني: عبدالله الخليلي وسماء عيسى أنموذجًا)، وكان هذا عنوان الدراسة التي قدمها الباحث يوسف بن سليمان المعمري للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة عين شمس، وحل الشاعر سماء عيسى ضيفًا برفقة المعمري في هذه الجلسة التي أدارتها الدكتورة فوزية الفهدية.
وسلط الدكتور يوسف المعمري الضوء على أهداف دراسته، وأشار إلى أن هدف الرسالة في مرحلته الأولى البحث في علامات المكان ودلالاته في قصيدة النثر للشاعر العُماني سماء عيسى، ولكنه أثناء المراجعة والاطلاع على بعض المراجع العربية والمترجمة خطرت له فكرة الجمع والمقارنة ما بين قصيدتي العمود والنثر.
ومن أهداف الدراسة الرئيسية البحث في تشكّل علامات المكان الشعري ودلالاته في كلا القصيدتين العمودية والنثرية، وقد اختار المعمري شاعرين عُمانيين لكل نوع شعري، وهما عبدالله الخليلي نموذجا للقصيدة العمودية، وسماء عيسى نموذجا لقصيدة النثر. وكذلك المقارنة ما بين سيمياء المكان في القصيدتين العمودية والنثرية على المستوى الشكلي، والمستويين الدلالي والتداولي، والمستوى اللغوي، والطباعي، معتمدًا المنهج السيميائي التأويلي الذي يعتمد على قراءة العلامات وفقًا لنسقها الإحالي، وتحليل أبعادها الاجتماعية والتاريخية وسياقاتها الثقافية.
وتكونت الدراسة من خمسة فصول عنونها المعمري كالآتي: الفصل الأول: المداخل النظرية للدراسة، والفصل الثاني: تمظهرات جغرافيا الشعر، والفصل الثالث: ثنائية العلامة المكانية، والفصل الرابع: دلالات الفضاء الشعري. وأشار المعمري قبل أن يعدد نتائج دراسته أنه حاول جاهدًا أن يقف وسطًا بين القصيدتين وبين الشاعرين.
ومن نتائج الدراسة التي توصل إليها المعمري خلال بحثه، أن المكان في قصائد الخليلي العمودية كان عنصرًا لتوظيف قضايا وطنه وأمته العربية والإسلامية، أما في قصائد سماء عيسى النثرية فلم يجد المعمري أعلامًا مكانيةً صريحةً، وأرجع ذلك لسببين وقال: «السبب الأول يعود لطبيعة بُنية القصيدة النثرية، والثاني يعود لطبيعة البُنية الشعرية عند سماء عيسى المُوغِل في الرمزية والتصوّف والتشذر». وأضاف: إن المكان في القصيدة العمودية الخليلية أكثر تأثيرًا وتشويقًا وجذبًا للقارئ، وأن المكان فيها يميل إلى الواقع المُباشر، بينما يميل في القصيدة النثرية لسماء عيسى إلى الصورة والرمزية. وأن أبعاد المكان تتحقق في علامات النص العمودي عند عبدالله الخليلي، في علامات الطبيعة كالصحراء والسماء والبحر، وفي المقابل وجد الباحثُ سيمات المكان في القصيدة النثرية عند سماء عيسى متشظّية دلاليًا وتأويليًا لا تعرف الحقيقة في ألفاظ الطبيعة وألفاظ الهندسة والمكان فيها ليس مكانًا ولكنّه رمزٌ أو بالأحرى فضاء متعدد الدّلالات.
وكشفت دراسة المعمري عن جدلية العلاقة ما بين قصيدة النثر والقصيدة العموديّة، وعزى المعمري ذلك بقوله: «كل تشابه بين الشاعِرين يُمكن ردّه غالبًا إلى التشابه الفكري والفلسفي بينهما؛ وإذا ما تمّت المقاربة ما بين الشكليين الشعريين لغةً وبناءً وتركيبًا ودلالةً وتأويلاً؛ يجد القارئ تباينًا ملحوظًا في صورة المكان ما بين القصيدة العمودية وقصيدة النثر».
وأشار المعمري إلى أن القصيدة العمودية عند عبدالله الخليلي تتشكل وفق أشكال بصرية محددة، بينما يرسم سماء عيسى سطوره الشعرية قصيرة وطويلة وأحيانًا على شكل فقرات سردية. وما توصل إليه المعمري فيما يخص حركة العنوان الشعري قال المعمري: إن حركة العنوان الشعري عند الخليلي تسير بصورة ثابتة بينما لا تعرف الكتابة عند سماء عيسى صورة ثابتة لعنوانات نصوصه. وفي حديثه عن المطلع الشعري أشار المعمري إلى أن الخليلي اهتم بهذا العنصر كونه علامة مهمة لجذب القارئ موسيقيًا ولغويًا، فكانت أغلب مطالع قصائده حسب المعمري مقفاة ومصرّعة، أما في قصيدة النثر فأشار إلى أنها لم تلتزم بالأوزان الشعرية عامة، فهي قصيدة قامت لنقض كل أركان القصيدة التقليدية. وحول خواتيم القصائد أشار المعمري إلى أن الشاعر العمودي التزم صورة ثابتة في نهايات الكثير من قصائده وتميزت بعلامات لغوية محددة بينما في قصيدة النثر عند سماء عيسى تميزت خواتيم النصوص بحركة مكانية استثنائية غير ثابتة بصورة محددة، لكنها متنوعة الحركة.
وفي الشهادة التي قدمها الشاعر سماء عيسى «المكان شاعر أيضًا.. أرض الشعر» خط فيها انطباعات سريعة عن الدراسة التي أنجزها الدكتور يوسف المعمري، تحدث فيها عن الشاعر الراحل عبدالله بن علي الخليلي واصفًا إياه: «شعره امتداد وثيق بعرى تجربة أسلافه الشعراء العمانيين»، وواصل موجها الحديث للباحث: «وكأنك عندما تقدمه للدراسة والبحث تقدم التجربة بأكملها تقدم تاريخ الشعر العماني عبر العصور في صعوده وانحداراته مع ارتفاع صوته وانخفاضه الشعر الذي عرفه وحفظه أبناؤه وجهل ثراء عطائه الغير ممن رأى في العمانيين ظلًا وسرابًا وأفولًا يترقب صداه الجبال، وتبعثره الصحراء وأمواج البحر».
وعن علاقة الشاعر العماني بالمكان أشار سماء عيسى إلى أن الشاعر «استمدها من ارتباطه العميق بتراب وطنه وباستيعاب تراثه الأدبي والتاريخي بل والفقهي أيضًا لدى عدد كبير من الشعراء العمانيين، ثم الارتفاع بكل هذا الموروث الخصب إلى ذرى الشعر الذي قدم لنا عبر حقب متتالية زمنيًا أسماء شعرية لا حصر لنبوغها والقدرات الخلاقة لعطائها».
وعن المكان بوصفه متنين لـ«الحنين والمأساة» قال سماء عيسى: «المكان الجذر لهذه التجارب قدمت شعراء ربما رحلوا عن منابت طفولتهم، دون عودة إليها مشكلة تلك التجارب صوت الحنين الدافئ في الشعر العماني، وأصواتًا أخرى ارتبط وجودها بالبقاء به، رافدة التجربة بما يكنه المكان من خصوصية العطاء الروحي المتدفق من أقدم العصور».
وأضاف: «المكان أيضًا نصفه بالمكان المأساوي صوت الرثاء المتواصل على فقدان الأحبة، وما فرضته الحروب الأهلية، واستباحات الغزاة من الآلام والفقدان، والفجيعة، فضلًا عن ضحايا الأوبئة والوحل والقحط». مشيرًا إلى أن هذين المتنين يشكلان حيزًا واسعًا في تجربة الشعر العماني وأنهما ينسحبان أيضًا على عطاء الشعر الشعبي وتعويبات الخطابات ومواويل البحارة وأهازيج الصحراء.
