1553883
1553883
الثقافة

الجـائـحـة والتكـنـولـوجـيـا التعـليمـيـة.. تـجـربة الـهـنـد

11 ديسمبر 2020
11 ديسمبر 2020

الإيكونومست -

ترجمة: قاسم مكي -

لَمْ تَفِ تكنولوجيا التعليم أبدا بوعدها لإشاعة الحيوية في أنظمة المدارس الضعيفة الأداء. كثيرا ما تفشل الاستثمارات السابقة في التكنولوجيا التعليمية لسوء تحديد العتاد التّقني المطلوب ورداءة البرمجيات. وهذا ما أفقدها المستخدمين المحتملين لها. لكن كما هي الحال مع كل شيء آخر، أجبرت الإغلاقاتُ التي فرضتها على العالمِ جائحةُ كوفيد- 19 المدارسَ والآباء والتلاميذَ على قبولِ الابتكار. فهل حانت لحظته؟

4000 شركة تكنولوجيا تعليمية

الصورة حتما بَينَ بين. لقد فاقمت أزمة كوفيد-19 الانقسام (التفاوت) الرقمي. فالطلاب الأكثر فقرا في الأماكن التي توجد بها البنية الأساسية الرقمية الأسوأ كانوا الأقل قدرة على الاستفادة من ميزة الدراسة الافتراضية (عبر الإنترنت). رغم ذلك، ما تم إنجازه في بلدان عديدة كان لافتا. ولم يتحقق في أي بلد آخر بأفضل مما تحقق في الهند التي ظهرت بها في الأعوام الخمسة الأخيرة أكثر من 4000 شركة تكنولوجيا تعليمية ناشئة حصلت على تمويل رأسمال مغامر بأكثر من بليوني دولار.

« الحاجة أُم الاختراع»، هذا ما قاله معلم في مدرسة ببلدة شانديغار في البنجاب تبنَّت التكنولوجيا التعليمية. يستطرد هذا المعلم قائلا:» حلّت (تكنولوجيا التعليم) بركة ونعمة في وضع كئيب وأحدثت فرقا كبيرا.»

عَقَبتان كبيرتان

واجهت التكنولوجيا التعليمية في الماضي عقبتين كبيرتين هما تَبَنِّيها وإمكانية الحصول عليها. الإغلاق الشديد الوطأة في الهند حفز على التغلب على عقبة التبني. فقد جعل حوالي 1.5 مليون مدرسة و250 مليون تلميذ (من الروضة إلى الصف الثاني عشر أو سن الثامنة عشرة) في حاجة ماسة إلى بعض التعلم على الأقل. أما المشكلة الثانية فقد ساهمت في حلها إلى حد بعيد الهواتفُ والحواسيبُ اللوحية الرخيصة التي اقترنت ببعض أسعار البيانات الأرخص في العالم (التكنولوجيا التعليمية تعني العتاد والبرمجيات المجهزة لتعزيز التعلُّم تحت إشراف المعلم - المترجم) .

في بداية العام وقبل انتشار كوفيد-19 كان يوجد بالهند 500 مليون مستخدم للهاتف الذكي. وهذا كان يعني أن 77% من الهنود يمكنهم استخدام الإنترنت. ومنذ ذلك الوقت ارتفع ذلك العدد كثيرا. فالعائلات المنخفضة الدخل التي كانت تعتبر الهواتف الذكية أداة ترف للترويح اكتشفت فجأة ضرورتها للتعليم بعد انتشار كوفيد - 19، حسبما يقول شانكار ماروادا، الرئيس التنفيذي لمجموعة «إيك ستيب» غير الربحية التي أنشأت منصة (ديكشا) الوطنية الرقمية للتدريس والتعلم .

ثورة الهاتف الذكي الهندية صارت ممكنة جزئيا بفضل تدشين شبكة اتصالات «جيو» الرخيصة. لكن ينبغي التنبيه إلى أن أفراد العائلات الأكثر فقرا يتشاطرون استخدام الهواتف. وقد تتوافر للأطفال ساعة واحدة أو نحو ذلك في اليوم لمتابعة دروسهم على الإنترنت وإعادة واجباتهم المدرسية إلى مدرسيهم لتقييمها. بل لايزال هنالك أطفال لايمكنهم استخدام الإنترنت على الإطلاق، خصوصا في المناطق الريفية.

التلميذ والمعلم وولي الأمر

تنقسم التكنولوجيا التعليمية إلى ثلاث فئات رئيسية. فهناك أولا البرمجيات الخاصة بالمدرسين مثل تطبيق المدرس (تيتشا آب) والذي انضم إليه ما يقرب من مليون معلم ويوجد في المتوسط حوالى 10 آلاف مستخدم له يوميا. وهنالك ثانيا تكنولوجيا لأولياء أمور الطلاب أيضا مثل تطبيق (توب بيرانت) والذي يساعد على التعليم المنزلي وتم تنزيله أكثر من 135 ألف مرة في الأشهر الستة الماضية. وهنالك ثالثا، وهي الفئة الأهم، تكنولوجيا التلاميذ وتتراوح من برنامج يساعد على إعدادهم للاختبارات إلى برامج تستخدم الذكاء الاصطناعي لمعاونة الأطفال على اكتساب المهارات حسب سرعتهم في التعلم (يعرف باسم «بال» أو التعلم المتوائم مع كل تلميذ على حدة).

حجرات الدرس الرقمية

سبق تطوير أحد هذه الأنظمة الخاصة بالتلاميذ وهو (مايند سبارك) قبل ما يزيد عن عشرة أعوام ولديه الآن قاعدة بيانات تزيد عن 45 ألف سؤال اختبار. يقدم هذا البرنامجُ التفاعلي إلى جانب إمكانية التقييمِ المستمر لتقدُّم لكل تلميذ ألعابا وأشرطة فيديو تعليمية وأنشطة صفية. ويتعلم الطلاب من خلال عملية شرح وتغذية راجعة متواصلة. يتواءم هذا البرنامج مع مستوى الطالب. لقد صمم لتمكين المعلمين الذين يقع عليهم عبء ثقيل وليس لديهم في الغالب تدريب كاف على تجنب التلقين المعهود في حجرات الدرس الهندية والتحول بدلا عن ذلك إلى التدريس بحسب المستوى الصحيح للتلميذ.»

منصة شركة التكنولوجيا التعليمية « بايجو» نوع مختلف من منصات التعلم على الإنترنت. تقدر قيمة بيجو الآن بما يقرب من 11 بليون دولار مما يجعلها ثاني أغلى شركة ناشئة في الهند. وهي تقدم برمجيات تدريس مُواءمَة بحسب مستويات التلاميذ تقول إنها يتم إعدادها بواسطة أفضل المعلمين في الهند. يحصل أولياء الأمور على تحديثات شهرية عن تحصيل أبنائهم. ولدى المنصة حوالى 65 مليون مستخدم. معظم هؤلاء يستخدمون خدمة محدودة مجانية. لكن حوالى 4 ملايين منهم يدفعون في المتوسط 135 دولارا مقابل الإرشاد الفردي ( لكل تلميذ ) عن منصة بايجو يقول كريتي، وهو طالب في الصف الحادي عشر(16 إلى 17 سنة) من شانديغار استخدم المنصة لعدة سنوات، أنها « ممتعة جدا والفيديوهات جذابة بصريا ويولي المرشدون اهتماما إضافيا للجوانب التي أجد فيها صعوبة. وهم يجتهدون كثيرا في شرح المواد». ويقول أيضا « في أثناء فترة الإغلاق بدأ العديد من أصدقائي في استخدام هذه البرامج أنهم لم يكن في مقدورهم الذهاب إلى مدرسين خصوصيين. أعتقد أن معظم الطلاب بعد انتهاء الجائحة سيواصلون استخدام منصة بياجو بدلا عن العودة إلى تلقي دروسهم في المدرسة.

وفي حين ركزت منصة بايجو بقدرٍ أكبر على الطلاب الأثرياء في المدن الكبيرةـ تقدم «كونفي جينياس للحلول التعليمية»، وهي مؤسسة اعمال ذات أهداف اجتماعية، منصةً تعلُّمٍ قابلٍ للمواءمة بحسب مستوى التلميذ للمدارس الحكومية والخاصة الزهيدة التكلفة.

تهدف شركة كونفي جينياس إلى مساعدة 90% من الأطفال الهنود الذين لايتناسب مستوى تحصيلهم مع أعمارهم بسبب ضعف التدريس وتكدس حجرات الدرس بتلاميذ مختلفي القدرات. مكن تشغيل برنامج (الشات بوت) الخاص بالشركة على آندرويد أو واتسآب أو الشبكة. وتشير جهات محايدة إلى أن كونفي جينياس خفضت أعداد التلاميذ الذين يواجهون صعوبة في تعلم المهارات التأسيسية من أكثر من 50% إلى 23% في حين زاد عدد الذين تقدموا في تعلمهم بأكثر من الضعف. ويشير آخرون إلى أن الطلاب يمكنهم تحصيل تعليمٍ يستغرق سنتين في سنة واحدة. قبل الإغلاق، كانت أعداد الملتحقين بمنصة كونفَي جِينياس تتزايد باطراد حيث بلغت حوالي نصف مليون تلميذ في 4500 مدرسة بموجب اتفاقية مع حكومات الولايات الهندية. وعندما أغلقت المدارس أبوابها اتجه رئيسها التنفيذي جيراج باتاشاريا مباشرة إلى أولياء الأمور والتلاميذ.

دشنت الشركة مُنتَجها الاستهلاكي في أبريل باستخدام تطبيق واتساب وعلى أساس المنهج التعليمي للولاية المعنية. ولديه الآن 4.5 مليون مستخدم. يقول باتاشاريا أن الاتفاقية مع الحكومات الولائية مثل ولاية ماديا براديش تنص على تقديم شركته خدمتها مجانا لكنها تملك كل بيانات «الزبون». ومع قدرة المنصة الرقمية للشركة على التعامل مع 100 مليون مستخدم، يزعم باتاشاريا أن هنالك فرصة واسعة للاستثمار في المنصة وتحويل إمكانياتها إلى «نقود».

تجمَع بعض شركات التكنولوجيا التعليمية مثل «كلاس كلاب» بين البرمجيات المخصصة للتلاميذ والمعلمين وأولياء الأمور. وحزمة برمجياتها (إيماكس) التي بيعت إلى أكثر من 12 مدرسة خاصة زهيدة التكلفة. وهي لديها تطبيقات تزود بها الأطفال للتعلم في البيت والمدرسين لتطوير مهاراتهم ووضع خطة الدرس ومدراء المدارس لإدارة أعمالهم.

الجائحة تعجِّل باستخدامها

مع فتح معظم المدارس في الهند عيد ديوالي في منتصف نوفمبر يلزم أن يكون قد ساد شعور قوي بالارتياح لعودة الأبناء والمعلمين إلى حجرة الدرس مرة أخرى. لكن استخدام تكنولوجيا التعليم لمساعدة المعلمين في التدريس والأطفال على التعلم والإداريين على فهم ما يحدث في مدارسهم تقدَّم عن موعده بحوالي خمسة أعوام، حسب فارون كومار، الرئيس التنفيذي لشركة كلاس كلاب. ويقول سريدار راجاغوبالات،كبير ضباط التعلم بشركة مبادرات التعليم التي أنشأت منصة مايندسبارك إن المعلمين الآن يعتبرون تكنولوجيا التعليم أداة تتزايد فائدتها باطراد في تيسير حياتهم وليست مهددا لمكانتهم ومعيشتهم.

ماهو أكثر من ذلك، صارت الحكومة المركزية في دلهي وإدارات الولايات من الأنصار المتحمسين لتبني التكنولوجيا الرقمية كي تعينها في الإشراف على أنظمة التعليم وتحسين المستويات. ففي ولاية قوجارات مثلا مع اندلاع الجائحة مُنِح كل كتاب في المنهج المدرسي «رمز إستجابة سريعة» على منصة «ديكشا». ويمكن للمعلمين والتلاميذ مسح الشفرة ضوئيا والحصول علي الكتاب من خلال هواتفهم الذكية. كما كانت أوراق الاختبار ترسل أسبوعيا إلى 4.3 مليون تلميذ للإجابة على أسئلتها وتصحيحها بواسطة المعلمين وتسجيل العلامات وكل ذلك عن طريق المسح الضوئي.

يقول فينود راو، وزير التعليم بولاية قوجرات، إن النظام يسمح لوزارته برؤية وتحليل الأداء بتفصيل دقيق في أرجاء الولاية. فالبيانات تمكن من التقييم الفردي لأغلبية كبيرة من الطلاب (حوالي 20% منهم لايمكنهم الحصول على هاتف، بحسب راو.) وسيستخدم هذا التقييم لإعداد دروس مراجعة لمن هم في أشد حاجة لها.

مدارس هجين

يعتقد جيرين بيهاري، مدير التعليم الدولي بمؤسسة بيل وجليندا جيتس وهي منظمة غير حكومية، أن مستقبل المدارس سيكون هجينا. فالتدريس في حجرات الدرس ستُدمَج به أدوات رقمية، خصوصا التطبيقات التي تتسق معه وذلك لجعل التعلم أكثر تفاعلا والنظام أكثر مرونة. يحب بيهاري مقاربة تطبقها شبكة أكاديميات بريدج انترناشونال في ولايتي إيدو ولاجوس بدولة نيجيريا وتحقق نتائج مثيرة للإعجاب. شبكة بريدج التي تدير مدارس في إفريقيا ودارت حولها أسئلة في وقتٍ ما تعاقدت مع تلك الحكومات لإدارة وإصلاح أنظمة المدارس بكاملها من خلال تطبيق تقنيتها ومنهجيتها التعليمية لدعم معلمي القطاع العام. وتأمل الشبكة في إثارة اهتمام الولايات الهندية بإبرام اتفاقيات مماثلة.

الاختبار القادم

رغم كل ما فعلته تقنيات التعليم لإنقاذ العملية التعليمية خلال أزمة كوفيد تظل الأسئلة قائمة حول أثرها الحقيقي. فعند مقارنتها بالتدخلات التقليدية بواسطة المعلمين والتي تركز على التلاميذ الضعاف (الأسوأ أداء) نجد أن التكنولوجيا التعليمية ترتقي بمستويات الفصل بأكمله. لكن النوعية تتفاوت. فأنظمة المواءمة الفردية (الحلول التعليمية الفردية) مثل منصة مايند سبارك ومنصة كوفي جينياس أفضل أداء بكثير من أشكال تكنولوجيا التعليم الأخرى. ويمكن لشركة مثل بايجو أن تشير إلى مشتركيها الأثرياء الذين يصوتون لصالح أدائها ب»محافظهم».

لايمكن القطع بشأن قدرة التكنولوجيا التعليمية على تحقيق ثورة على نطاق النظام التعليمي إلى أن يتم اختبارها فعليا على مستوى الولايات في الهند. وستكون هنالك حاجة لإجراء عدة تعديلات لكي يحدث ذلك. فمعايير الجودة يلزم تأسيسها. ويجب إنشاء البنية الأساسية الرقمية وتوافر ثقة المعلمين في تحسين حظوظ تلاميذهم .

يُشَبِّه ماروادا الرئيس التنفيذي لمجموعة «إيك ستيب» أثرَ الجائحة في الحفز على الابتكار بالأثر المماثل للحرب العالمية الثانية. يقول « كوفيد -19 هو الزناد الذي أطلق نشاطا دفاقا. وستشكل آثاره تحولا تاما في الأجل الطويل.