1623870
1623870
الثقافة

أجراس: محمد الفطيسي وأغنية الترحال الماتعة

18 أبريل 2021
18 أبريل 2021

حسن المطروشي

في عالم الغناء نعرف العديد من التقسيمات والمجالات الغنائية المختلفة مثل: الأغاني العاطفية والوطنية والدينية والسياسية. وكان للناس قديمًا في الخليج أهازيجهم ومواويلهم التي يرددونها في الأسفار سواء في مواسم الغوص وركوب البحار أو سيرًا على ظهور الإبل في الصحراء، بهدف الترويح عن النفس وتخفيف مشقة الطريق. ولكن قلّما نسمع عن أغاني الرحلة أو الترحال خارج هذا السياق. إذ أن أغلب الأغاني الحديثة إما أن تكون عاطفية أو وطنية أو دينية، ونادرًا ما تخرج عن هذه الأطر الثلاثة؛ لأسباب كثيرة ليس هنا موضع تفصيلها.

الفنان العماني محمد بن راشد الفطيسي استطاع أن يخرج من هذا الإطار، ويقدم لونًا خاصًا من الغناء يختص بالسفر والترحال. وللفنان محمد راشد عدة أغنيات في هذا المجال، ولعل أشهرها أغنيتان هما (وقَّفْ وبنْصلّي العصِرْ) و(يا الله تعال أرحلْ معكْ)، وهما أغنيتان يجسد فيهما الفطيسي قيم السفر والترحال بمعناها السياحي الماتع، إذ تصبح الأغنية حكاية موجزة عن تفاصيل الرحلة التي يقطعها الإنسان مع الصديق أو الحبيب، مليئة بالحب والبهجة والدهشة.

(وقَّفْ وبنْصلي العصِرْ)

في أغنيته (وقَّفْ وبنْصلي العصِرْ) يرسم الفنان محمد الفطيسي مسار رحلته إلى ولاية صلالة في محافظة ظفار خلال موسم الخريف. وعبر هذه الأغنية الجميلة يجعل الفنان محمد الفطيسي المستمع يتابعه خلال محطاته وانعطافاته المتتالية، مرورًا بالعديد من الولايات والقرى والأمكنة، حتى يصل إلى صلالة.

تبدأ الأغنية بتوقف قصير لصلاة العصر، يكمل بعدها الرحلة مع صاحبه، فيمر بالدقم والظهر ومحوت والجازر. ثم يتوقف في مدركة ليتفق مع صاحبه إذا ما كان سيسلك الطريق عبر ولاية "هيماء" أو منطقة ريما التابعة لولاية الجازر بالمنطقة الوسطى.

وقَّفْ وبنْصلي العصِرْ

بنْكَمِّلْ الرحلة وِياكْ

بِنْمرْ "ع" "الدقم" و"ظَهَر"ْ

و"مْحوتْ" و"الجازرْ" حِذاك

في "مدركةْ" نعيد النظرْ

نتبادل الفكرةْ مَعاك

نِطْلَع على "هيما" ونِمُرْ

ولا على "ريما" وِيَاك

العديد من الأمكنة يسجلها الفطيسي في أغنيته التي يمكن أن نصنفها سياحية بامتياز، فبعد أن يغادر "ريما" يواصل طريقه حتى يصل إلى "الشويمية" بمحافظة ظفار، التي يصفها بأن حصونها تطاول السماء، ثم يواصل طريقه الطويل عبر "مرمول" في ولاية شليم وجزر الحلانيات التي يصلها في الفجر الباكر، فيأتيه هبوب ولاية ثمريت العليل.. وهكذا أصبح يقترب من ولاية صلالة.

بِتْيا "الشويميِّة" حَدِرْ

حصونَها تحاذي سِماك

تابعْ مسيرك واختصرْ

الدربْ طايلْ في خَلاكْ

مرمول صَبِّحْها الفجر

ثمريتْ ذعذاعَهْ حِذاكْ

ويختتم الفطيسي رحلته وصولا إلى صلالة، حيث الجو البديع وأجناس البشر التي تأتي إلى الولاية في موسم الخريف للسياحة. كما يصف مشهد الطبيعة التي تكتسي بألوانها الزاهية في موسم الخريف، ويتحدث عن سكان المنطقة من الحضر والبدو ويمتدحهم بأنهم أناس يسمو المرء مكانة من خلال التعامل معهم. ويصف شعور السعادة التي ينالها الزائر فور وصوله إلى تلك البيئة التي تنفض عن الإنسان الهموم والكدر وتبعث في النفس مشاعر السرور والبهجة.

نِبْغى صلالةْ ننْحدرْ

بنْعيشْ في جوٍّ مَلاكْ

بتشوفْ أنواع البشرْ

وزْهورْ منْ هذا وذاكْ

بتشوفْ بدوان وحضَرْ

ناسٍ يعَلَّو مستواكْ

ينزاحْ همّكْ والكدرْ

وتْعيشْ في راحةْ هناكْ

(يا الله تعال أرحلْ معكْ)

أما في أغنية (يا الله تعال أرحلْ معكْ) فيتحث الفنان محمد الفطيسي عن رحلة برفقة الحبيب إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو البلد الذي يرتاده الفطيسي كثيرا، ويحظى فيه بشهرة واسعة، ويحيي فيه الحفلات ويشارك في المناسبات الاجتماعية، ويستضاف في القنوات الفضائية.

في هذه الأغنية يدعو الفنان حبيبه أو رفيقه ليرحل معه إلى الإمارات في يوم العيد، سواء كان العيد حقيقيًا أم مجازًا بلغة الشعر، ولكن الأهم أنه لا أحد يستطيع أن يمنع الرفيق من متعة السفر معه.

يا الله تعال أرحلْ معكْ

اليومْ هذا يوم عيدْ

ما حَدْ يقدرْ يمنَعَكْ

لا من قريب ولا بعيدْ

نرحلْ سوى يا صويحبي

نقصدْ العين وأبوظبي

دار المهايا والظبي

فيها من اللون الفريدْ

تبدأ الرحلة بمنطقة العين المحاذية لمحافظة البريمي في السلطنة، ثم أبو ظبي عاصمة دولة الإمارات، مرورًا بدبي والشارقة وعجمان ورأس الخيمة وأم القيوين وصولا إلى الفجيرة المحاذية لولاية شناص في السلطنة. وعندما يصل الفجيرة يتوقف الفنان محمد الفطيسي ليؤكد شغفه وحنينه إلى وطنه عمان، لاسيما ولاية شناص التي يصفها بأنها منبت حبه وهي التي يقضي فيها حياته بسعادة إلى جوار من يحب.

نمر "ع" فجيرةْ ونطوفْ

أنا ومنقوش الكفوفْ

والقلب "ع" الديرةْ شغوفْ

عمان ديرتْنا الأكيدْ

شناصْ مَنْبَتْ حبّنا

ليها الحنين يشِلِّنا

فيها نقَضِّي عُمْرنا

والكل بالثاني سعيدْ

الرحيل المبكر

وللرحيل حكاية عميقة مبكرة في حياة الفنان محمد بن راشد الفطيسي الذي ولد في ولاية شناص عام 1958م. لقد نشأ الفطيسي محبًا للفن منذ نعومة أظفاره، وبدأ يعبر عن هذا العشق عبر العزف على (الجالون) الذي كان يشد عليه الأوتار ويردد الأغنيات المعروفة آنذاك للعديد من الفنانين الشعبيين البارزين مثل الفنان العماني سالم بن راشد الصوري والبحريني محمد زويد والإماراتي علي بن روغه، إلى جانب حمدان الوطني وحارب حسن ومحمد بن سلطان المقيمي وغيرهم.

وتقديرا لمسيرته الفنية وإسهاماته الكبيرة وجهوده البارزة فقد كرمته وزارة التراث والثقافة (سابقا) في مهرجان الأغنية الثامن كأحد روّاد الأغنية في السلطنة.

حصل الفنان محمد الفطيسي على أول آلة عود في تسجيلات زينل فون عندما كان يشارك كعازف إيقاع في تسجيل بعض الأغاني للفنان الإماراتي علي بن روغة، أهداها له زينل فون، فكانت فرحته بها غامرة ووظفها لتعلم أساليب العزف الصحيح.

أهم الرحلات القديمة التي قام بها محمد راشد هي رحلته إلى البحرين بدعوة من الفنان الراحل محمد زويد، رحمه الله. وتلبية لهذه الدعوة سافر الفطيسي من شناص إلى دبي على الناقة، ومن هناك سافر بحرًا إلى ميناء المحرق، واستغرقت الرحلة من دبي إلى البحرين قرابة يومين. وقد استقر في البحرين مع الفنان محمد زويد قرابة شهر يتعلم منه فنون الغناء والعزف ويشاركه في جلساته عازفا للإيقاع. إلى جانب ذلك تعاون الفنان محمد الفطيسي مع الفنان الكويتي القدير عبدالكريم عبدالقادر كعازف على بعض الآلات أو مشاركا في الكورال.

ومن الرحلات التي قام بها الفنان محمد الفطيسي رحلته الفنية إلى ولاية صور في أواخر ستينات القرن الماضي للقاء الفنان سالم بن راشد الصوري الذي تعلم على يديه وأخذ عنه الكثير في مجال الغناء. وقد سجل الفنان محمد بن راشد الفطيسي قرابة ثلاثمائة شريط، ضاع الكثير منها، وبقي بعضها الذي يردده محبوه وعشاقه في عمان وعدد من دول الخليج العربية. ومن أبرز أغانيه (انته فْوين وشوف أنا وين) و(أثّرْ عَلَيّ غيابك) و(حسّيت أهلي ما يبوني) و(عمان المجد) و(ون قلبي) و(وش لك عليّه) و(ليلة تبا تروح) و(يا طارشي قم سير لعمان) و(أهلا بهبوبٍ جا من عمان) و(سدرة البيت) و(قلبي يا بو راشد) و(يوم الخميس الطايف) والكثير الكثير غيرها.

ونختتم هذا التطواف القصير مع الفنان محمد بن راشد الفطيسي بهذه الأبيات من مطلع إحدى أغانيه المعبرة عن هموم الإنسان البسيط والفقير الذي يقيم وحيدًا في أطراف البلدة ولا يعبأ أحد بالسؤال عن أحواله:

يارب عايشْ ما معي حَدْ

ساكنْ وحيد طْروفْ لبلادْ

لأني فقير ولي زمنْ ضدْ

ما عاد عنّي حد نشَّادْ