هل تصمد الأسواق الشعبية أمام زحف المراكز التجارية؟
لا تزال الأسواق الشعبية في سلطنة عمان تمثل ركنًا أساسيًا في المنظومة الاقتصادية، إذ تعد منصة للتبادل التجاري، ومصدر دخل للعديد من الحرفيين وأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فضلًا عن كونها وجهات سياحية تعكس ملامح الهوية العُمانية الأصيلة. ومع اتساع رقعة المراكز التجارية الحديثة وانتشارها في المدن، هل تستطيع هذه الأسواق الشعبية الصمود والمنافسة في ظل التحولات العمرانية وأنماط الاستهلاك الجديدة؟
في هذا الاستطلاع الصحفي، ترصد "عُمان" آراء عدد من التجار المحليين والخبراء في القطاع العقاري حول مستقبل الأسواق الشعبية، ودورها في دعم التنوع الاقتصادي وتعزيز الجذب السياحي في سلطنة عمان.
قال عبدالعزيز بن بدر اليحمدي متخصص في القطاع العقاري والتجزئة: إن المنافسة بين الأسواق الشعبية والمراكز التجارية في الوقت الحاضر غير متكافئة لسبب بسيط جدًا، وهو غياب الإدارة المركزية الفعالة لإدارة الأسواق الشعبية، بينما تُدار المراكز التجارية بفرق مهنية احترافية تلبي احتياجات المستهلكين بشكل سريع ومستمر، فواقع الأسواق الشعبية اليوم في عشوائية مستمرة وبدون أهداف واضحة لها.
ويرى اليحمدي أن مقومات الصمود التي يمكن أن تعتمد عليها الأسواق الشعبية للحفاظ على مكانتها وجذب المتسوقين في عصر التسوق الحديث هو التفريق بين المراكز التجارية والأسواق الشعبية، فالمراكز التجارية تستهدف البيع المباشر وأسلوب الحياة العصرية، بينما الأسواق الشعبية تخلق تجربة تاريخية ثقافية محلية ومثرية سياحيًا، لذلك يجب فهم هذه المقومات والتركيز على تنميتها بشكل مناسب وعملي يخدم الزوار ويلبي تطلعاتهم، وهذا لن يحصل ما لم تكن هناك إدارة مختصة تدير هذا الملف.
وفي سؤاله حول تطور أنماط الاستهلاك والعروض التسويقية في المراكز التجارية ومدى تأثيرها في تغيير سلوك المتسوقين، وكيف يمكن للأسواق الشعبية التكيّف مع هذا التحول، أوضح اليحمدي أنه من وجهة نظره لا يرى تعارضًا في أنماط الاستهلاك والعروض بين المراكز التجارية والأسواق الشعبية، لأن الزائر يحتاج إلى وجود التجربتين أمامه، تجربة التسوق الحديث المليء بفرحة الجديد، وتجربة التسوق التقليدي الذي يرتبط بتاريخ وثقافة المكان، ولكن مع توفر مقومات الأسواق الأساسية لتكون التجربة متكاملة.
وحول الدور الذي يمكن أن تؤديه البلديات أو الجهات المعنية في تطوير الأسواق الشعبية لتصبح منافسًا حقيقيًا للمراكز التجارية الحديثة، بيّن اليحمدي أن البلديات أو الجهات المعنية تقوم اليوم بدور كبير في المحافظة على ما تبقى من الأسواق الشعبية، واستطرد بقوله: "لكن هذا لا يكفي، أتمنى أن يكون التوجه في قادم الوقت لإنشاء إدارات مستقلة لهذه الأسواق التقليدية يكون مقرها السوق نفسه، لتقف وتشرف على احتياجات السوق وتسعى لتطويره بشكل مباشر ومستمر، سواء أكان ذلك من خلال البلدية المعنية أم بإسناد مناقصات لشركات متخصصة في إدارة الأسواق".
وفي السياق ذاته، أوضح علي بن سعيد البطراني أحد تجار المواد الغذائية والأعشاب والمكسرات في سوق نزوى الشرقي "الصنصرة"، وهو من الأسواق الشعبية الشهيرة بالولاية، أن انتشار المراكز التجارية أثّر على المحلات الصغيرة والشعبية بالأخص، وذلك لتنافسها الشديد في الأسعار، واحتوائها على كل ما يطلبه المستهلك في مكان واحد وبسعر أقل.
ويضيف: إن هذا التأثير لا يقتصر على المبيعات فقط، وإنما يمتد إلى تغيّر سلوك المستهلك نفسه، إذ أصبح يفضّل التسوق في بيئة مكيفة ومنظمة، حتى لو كانت البضاعة متقاربة في النوع والجودة. ويرى أن ذلك يشكّل تحديًا حقيقيًا لتجار الأسواق الشعبية الذين يعتمدون على حركة الزبائن المحليين والسياح الباحثين عن الأصالة والبساطة.
ورغم المنافسة القوية، يرى التجار أن للأسواق الشعبية ميزات لا يمكن تجاهلها، أبرزها السمعة والخصوصية التاريخية التي اكتسبتها على مدى عقود، حيث يقول البطراني: "ما يميز الأسواق الشعبية هو سمعتها وبساطتها، وبعض الناس تحب التسوق فيها بعيدًا عن الزحمة وصخب المراكز التجارية، كما أنها تضم نوادر من البضائع وبأسعار مناسبة، والكثير من الزبائن يزورون السوق بحثا عن المنتجات المحلية والأعشاب الطبيعية والطبية التي يصعب العثور عليها في المراكز الحديثة، إضافة إلى الأجواء الاجتماعية التي تربط البائع بالمشتري بعلاقة مباشرة مبنية على الثقة والتجربة الطويلة".
ويقترح البطراني تشجيع الأسواق الشعبية والشباب العاملين فيها، والترويج لهم ودعمهم بالشراء منهم والوقوف معهم.
وأنهى البطراني حديثه بقوله: "أنصح أبناء المجتمع بالشراء من التجار العمانيين، لأن الأموال تبقى داخل البلد ولأهل البلد، مما يعزز الاقتصاد المحلي ويعود بالنفع على الجميع، حيث إن هذا الدعم لا يعني الحماية من المنافسة، وإنما خلق بيئة متوازنة تسمح للتاجر الشعبي بالاستمرار وتطوير عمله في ظل وجود المراكز التجارية الحديثة".
من جانبه، أشار أحمد بن عبدالله العامري وهو تاجر مواد غذائية وأعشاب طبية ومستلزمات الحراثة والسعفيات في سوق نزوى، إلى أن المراكز التجارية تمتلك قوة تنافسية وتسويقية كبيرة تجعل من الصعب على الأسواق الشعبية مجاراتها، خاصة في ظل ضعف القوة الشرائية وتغيّر أولويات المستهلكين، لافتًا إلى أن التجار في الأسواق الشعبية يبذلون جهدًا للحفاظ على زبائنهم الدائمين، لكن الحاجة إلى دعم مجتمعي ومؤسسي أصبحت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
ولفت العامري إلى ضرورة تحسين البنية الأساسية والخدمات في الأسواق الشعبية، مثل الممرات والمواقف والإضاءة وتنظيم الفعاليات الموسمية، مما يسهم في جذب الزبائن من جديد ويمنح السوق روحًا متجددة دون أن يفقد أصالته.
وشدد التجار على ضرورة دعم الأسواق الشعبية والترويج لها بشكل أكبر، سواء عبر الحملات الإعلامية أو المبادرات المجتمعية، مشيرين إلى أهمية المحافظة على تنظيم الأسواق التقليدية، ودعمها لتحسين بنيتها الأساسية وتوسعتها، والاهتمام بمواكبة التغيرات في التوجهات الاستهلاكية، وذلك لتوفير الظروف المناسبة للباعة والمستهلكين.
تبقى الأسواق الشعبية رمزًا للهوية الاقتصادية والاجتماعية، إذ تعزز الاستدامة الاقتصادية، وتعد منصة للتجار والحرفيين لعرض منتجاتهم وبيعها بشكل مباشر، وتتيح للزائر خيارات عديدة من المنتجات والسلع بما يتناسب مع رغباته واحتياجاته، وهي مصدر دخل للعديد من الأفراد.
