كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل سوق العمل ومتطلباته؟
أحدثت ثورةُ الذكاء الاصطناعي اليوم تطورًا هائلًا في مختلف القطاعات، مع تزايد غير مسبوق في تطبيقاته التي باتت تعيد تشكيل أساليب العمل والإنتاج.
وأشار تقريرٌ حديث صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن الذكاء الاصطناعي هو المحرّك الأبرز للتحولات المقبلة في سوق العمل حتى عام 2030، حيث يؤدي إلى نموٍّ سريع في وظائف جديدة، وتراجعٍ ملحوظ في أخرى.
وكشف التقرير أن 22% من الوظائف الحالية ستتغير خلال السنوات الخمس المقبلة، مع خلق نحو 170 مليون وظيفة، مقابل فقدان 92 مليون وظيفة، مما يجعل امتلاك المهارات المتقدمة في البيانات، والأمن السيبراني، والوعي التكنولوجي، شرطًا أساسيًا للبقاء في سوق العمل المتسارع.
وفي الحوار الصحفي التالي مع سعيد الكلباني، باحث في الذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة، نستعرض أبعاد هذا التحول وتأثيراته في مستقبل الوظائف والمهارات.
- كيف ترون تأثير الذكاء الاصطناعي في منظومة التعليم العالي؟ وهل تتوقعون أن يُحدث تحوّلًا جذريًا في أساليب التدريس ومخرجات الجامعات؟
أحدث الذكاء الاصطناعي التوليدي تحوّلًا متسارعًا في منظومة التعليم العالي، وسط مخاوف متزايدة من تأثيره في أساليب التعلّم وجودة المخرجات، فالواقع يشير إلى أن هذه التقنية باتت تعيد تشكيل التعليم من الداخل، بفضل قدرتها على دعم التعلّم المخصّص والتكيفي، وتحسين كفاءة الإدارة الأكاديمية عبر تحليل البيانات، ورصد أنماط الأداء، واتجاهات الطلبة.
ويُتوقع أن يكون التحوّل جذريًا، مدفوعًا بمسارين رئيسيين: الأول يتمثل في رفع جودة التعلّم من خلال محتوى وتقويمات تتكيف مع مستوى الطالب وقدراته، بما ينعكس على أساليب التدريس ومخرجاتها. وأما المسار الثاني فيرتبط بتوفير أدوات سريعة وسهلة لإنجاز الواجبات والبحوث، وحتى الإجابة عن الاختبارات، ما يفرض على الجامعات إعادة النظر في طرق التدريس التقليدية، والانتقال نحو نماذج تفاعلية ومتكيفة.
كما يمتد هذا التحوّل إلى دور عضو هيئة التدريس، ليكون مصممًا للتعلّم، ومرشدًا، وناقدًا لمخرجات الطلبة المدعومة بالذكاء الاصطناعي. وعلى مستوى التقويم، تتجه المؤسسات التعليمية إلى تقليل الاعتماد على الاختبارات الورقية، واستبدالها بالتقويم المستمر، والمشاريع، والعروض، والتقييم الشفهي؛ لضمان امتلاك الطلبة معرفة تطبيقية قابلة للتوظيف في الواقع العملي.
- مع تسارع التطور التقني، ما أبرز الوظائف التي تتوقعون أن يتولاها الذكاء الاصطناعي مستقبلًا، وما الوظائف التي ستبقى بحاجة إلى العنصر البشري؟
مع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي، تشير التقديرات إلى أن تأثيره في سوق العمل سيكون تدريجيًا ومتفاوتًا بحسب الجغرافيا ونوع المؤسسات، مع تركّزه حاليًا في القطاع الخاص أكثر من الحكومي. ومن المتوقع أن يتولى الذكاء الاصطناعي، بالدرجة الأولى، الوظائف والمهام ذات الطابع الروتيني والتكراري عبر الأتمتة الذكية، إضافة إلى التحليل الأولي للبيانات، وإعداد التقارير النمطية، والدعم الفني وخدمة العملاء، وصياغة المسودات الأولية للمحتوى.
في المقابل، ستبقى الوظائف التي تتطلب الإبداع، وحل المشكلات، والحكم الأخلاقي القائم على القيم، إلى جانب المهام المرتبطة بالتفاعل الإنساني العميق، مثل الإرشاد النفسي والتربوي، والقيادة، والتفاوض، بيد العنصر البشري، نظرًا لما تنطوي عليه من مسؤولية مجتمعية وقانونية لا يستطيع الذكاء الاصطناعي تحمّلها.
الوظائف لن تختفي بشكل مفاجئ، وإنما ستخضع لإعادة صياغة تدريجية لمهامها، فالمحاسب سيتحول إلى محلل مالي مدعوم بالأدوات الذكية، والمعلم إلى ميسّر، وموجّه، ومقيّم، وبانٍ لشخصية المتعلم، لا مجرد ناقلٍ للمعرفة.
وتبقى سرعة تأثير الذكاء الاصطناعي مرهونة بعوامل أساسية، من بينها امتلاك ذكاء اصطناعي سيادي، وتوافر البنية المادية والبشرية، والبيئة التشريعية، إضافة إلى القيمة الاقتصادية والاجتماعية المتحققة من تبنّيه. وهذه العوامل تحدد الجغرافيا والقطاعات التي سيؤثر فيها الذكاء الاصطناعي، مقابل أخرى سيظل فيها أداة مساندة، دون إزاحة البشر من وظائفهم.
-من وجهة نظركم، إلى أي مدى يسير قطاع التعليم العالي العربي بخطى متسارعة لمواكبة التحولات التي يفرضها الذكاء الاصطناعي مقارنة بالجامعات العالمية؟
يشير التقييم العام إلى أن مسار التعليم العالي العربي في مواكبة تحولات الذكاء الاصطناعي يتسم بتفاوتٍ واضح بين جامعةٍ وأخرى، ودولةٍ وأخرى، ويتأرجح بين سياسات الحظر والمنع والتقنين. فعلى الرغم من إطلاق بعض الجامعات الكبرى، لا سيما في دول الخليج، مبادراتٍ طموحة لإدماج الذكاء الاصطناعي في المناهج، وإنشاء برامج أكاديمية، ومراكز أبحاث متخصصة، إلا أن المقارنة مع الجامعات العالمية تكشف عن فجوةٍ قائمة.
ويبرز هذا التأخر في بطء تطوير السياسات والتشريعات، وضعف إنتاج المحتوى العلمي عالي الجودة باللغة العربية، إلى جانب محدودية الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، وعدم كفاية إعداد ودعم أعضاء هيئة التدريس للتعامل التربوي الفعّال مع تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وبدأت بعض الجامعات العربية في تسريع خطواتها، متجاوزة مرحلة الحذر إلى تبنّي مبادرات قائمة على التحفيز، والضبط، والابتكار. ومن أبرز هذه الخطوات إطلاق المؤشر العربي للذكاء الاصطناعي في الجامعات (AIU) منتصف العام الماضي، وهو الأول من نوعه عالميًا، ويهدف إلى قياس دمج الذكاء الاصطناعي والميتافيرس في العلوم الإنسانية والنظرية. ويستند المؤشر، الذي أطلقته جامعة دبي ومؤسسة صحافة الذكاء الاصطناعي للبحث والاستشراف، إلى 18 مؤشرًا فرعيًا موزعة على ستة محاور رئيسية تشمل أعضاء هيئة التدريس، والمناهج، والمختبرات الذكية، ومهارات الطلبة، والبحث العلمي، ما يعكس بداية تحوّل أكثر تنظيمًا في المشهد العربي.
-هل ما زالت التخصصات التقليدية قادرة على البقاء في سوقٍ يتجه نحو الرقمنة والبيانات، أم أننا مقبلون على مرحلة إعادة تعريف لمفهوم التخصص الجامعي؟
التخصصات الجامعية التقليدية لن تختفي، لكنها مقبلة على تحوّلٍ جذري يفرض إعادة تعريف مفهوم التخصص ذاته. فمع تسارع الرقمنة واقتصاد البيانات، لم يعد التخصص الجامعي كيانًا مغلقًا، وإنما يتجه ليصبح إطارًا مرنًا يجمع بين المعرفة الأساسية، ومهارات البيانات، والذكاء الاصطناعي، والعمل، والابتكار، ما يفضي إلى شهادات «هجينة» متعددة المهارات. وعلى سبيل المثال، سيُطلب من خريجي التخصصات الإنسانية امتلاك مهارات تحليل البيانات، والوسائط الرقمية، وأخلاقيات التقنية، فيما يصبح من الضروري لدارسي القانون الإلمام بأساسيات الذكاء الاصطناعي وتأثيره في التشريعات والأدلة الرقمية، إلى جانب تخصصهم الأصلي.
ويرجّح أن التخصصات الجامدة، المنغلقة على مناهجها التقليدية، لن تصمد، حتى وإن غيّرت مسميات مقرراتها، في حين ستكون فرص البقاء والتطور من نصيب التخصصات التي تعيد بناء هياكلها، وأساليب تدريسها، وأهدافها التعليمية، بما ينسجم مع متطلبات العصر الرقمي.
-ما التحديات التي تواجه الجامعات التي لا تزال تعتمد مناهج تقليدية؟ وكيف ينعكس ذلك على مواءمة مخرجاتها مع متطلبات سوق العمل الجديد؟
تواجه الجامعات التي ما زالت تعتمد المناهج التقليدية تحدياتٍ متزايدة في ظل التحولات المتسارعة التي تشمل الثقافة التعليمية، ونمط التفكير، والمهارات التي يطلبها سوق العمل الجديد. فالتمسّك بالمناهج التقليدية يخلق فجوةً متنامية بين الجامعة وبيئتها، ويدفعها تدريجيًا إلى العزلة عن واقع الاقتصاد القائم على البيانات والابتكار.
وينعكس ذلك مباشرة على مخرجات التعليم، إذ يتخرج الطلبة وهم يفتقرون إلى المهارات الرقمية والتحليلية الحديثة، ما يجعلهم أقل جاهزية لسوق العمل، ويضطرهم إلى إعادة تأهيلٍ مكلفة بعد التخرج. كما أن تجاهل الذكاء الاصطناعي في المناهج، وعدم تنظيم استخدامه، يدفع الطلبة إلى اللجوء إليه بشكل غير معلن، بدل توظيفه بصورة منهجية وأخلاقية تخدم التعلّم.
وعلى مستوى التقييم، فإن الاعتماد على اختباراتٍ تقليدية لقياس معرفة قائمة على مناهج تقليدية يفشل في عكس القدرات الحقيقية للطلبة، ولا يقيس مهارات التفكير النقدي والتطبيقي المطلوبة في سوق العمل المعاصر، ما يعمّق فجوة المواءمة بين التعليم العالي ومتطلبات المستقبل.
-ما المهارات المستقبلية التي يجب أن يركز عليها التعليم الجامعي لضمان تخريج كوادر قادرة على التفاعل مع بيئة عمل تعتمد بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي؟
يفرض التحوّل المتسارع للذكاء الاصطناعي، من أداةٍ فردية إلى مكوّنٍ أساسي في أنظمة المؤسسات، على التعليم الجامعي إعادة توجيه بوصلته نحو بناء مهاراتٍ هجينة، تتجاوز حفظ المحتوى إلى التفاعل الواعي مع بيئات عمل قائمة على التقنيات الناشئة.
وفي مقدمة هذه المهارات يأتي الوعي بالذكاء الاصطناعي، من حيث إمكاناته وحدوده، وكيفية توظيفه كأداةٍ مساندة للتفكير لا بديلًا عنه، إلى جانب مهارات التفكير الناقد، وحل المشكلات، والإبداع، والابتكار. كما تبرز أهمية مهارات التعامل مع البيانات، من قراءةٍ وتحليلٍ وتفسير، واتخاذ قراراتٍ مبنية على الأدلة.
ويُعدّ الاتصال الفعّال والعمل الجماعي متعدد التخصصات من المتطلبات الأساسية لتمكين الخريجين من الاندماج في فرق عمل معقّدة، قائمة على التعاون وتبادل المعرفة. ومع تسارع تطور الأدوات والمعارف التقنية، تصبح مهارات التعلّم الذاتي والمستمر ضرورةً للحفاظ على الجاهزية المهنية، إلى جانب الالتزام بالمسؤولية والأخلاقيات الرقمية بوصفها إطارًا حاكمًا لاستخدام التقنيات المتقدمة.
-كيف يمكن للجامعات توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في تطوير جودة التعليم والتقويم الأكاديمي، وتقديم تجربة تعلّم أكثر مرونة وتخصيصًا للطلبة؟
تمتلك الجامعات فرصًا واسعة لتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في تطوير جودة التعليم، وتعزيز مرونة تجربة التعلّم المخصّص للطلبة. فعلى مستوى التدريس والتعلّم، يمكن اعتماد منصات تعلّم تكيفية تضبط مستوى المحتوى وسرعته وفق أداء الطالب واحتياجاته، إلى جانب الاستعانة بمساعدين افتراضيين للإجابة عن الاستفسارات خارج أوقات المحاضرات، بما يدعم التعلّم الذاتي والمستمر.
وفي مجال التقويم الأكاديمي، يسهم الذكاء الاصطناعي في تقديم تغذية راجعة فورية أثناء تنفيذ المهام التعليمية، إلا أن محدودية دقته في كشف المحتوى المولّد آليًا تفرض على الجامعات إعادة النظر في أدوات التقييم، عبر التركيز على المشاريع، والمناقشات، والتطبيق العملي للمعرفة، والابتعاد عن الاختبارات الورقية والتقارير المطوّلة التي يسهل توليدها تقنيًا.
وأما على صعيد إدارة العملية التعليمية، فيتيح الذكاء الاصطناعي تحليل بيانات التعلّم لرصد الطلبة المعرّضين للتعثّر مبكرًا، واكتشاف أنماط الأداء والاتجاهات، بما يمكّن صُنّاع القرار من تحسين التخطيط الأكاديمي، وتوزيع المقررات وفق القدرات والاحتياجات الفعلية.
ورغم هذه الإمكانات، يجب إقرار سياسات ولوائح واضحة تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي من قبل الطلبة، وأعضاء هيئة التدريس، والإداريين، لضمان العدالة والشفافية، وحماية الخصوصية، وتحقيق الاستخدام الآمن والمسؤول للتقنيات الحديثة.
-إلى أي مدى تسهم الشراكات بين الجامعات وقطاع الأعمال في صياغة برامج تعليمية تتماشى مع احتياجات الاقتصاد القائم على الذكاء الاصطناعي؟
تؤدي الشراكات بين الجامعات وقطاع الأعمال دورًا محوريًا في مواءمة البرامج التعليمية مع متطلبات الاقتصاد القائم على الذكاء الاصطناعي، إذ تُعدّ هذه الشراكات ضرورةً تكاملية تفرضها طبيعة التقنية وتعقيداتها، فالذكاء الاصطناعي يحتاج إلى بنى تقنية متقدمة، ودعمٍ مادي ومعرفي وتطبيقي، يصعب على الجامعات توفيره منفردة.
وتسهم هذه الشراكات في إشراك خبراء الصناعة في تصميم المناهج، بما يضمن ارتباطها المباشر باحتياجات سوق العمل، وإتاحة فرص تدريب ومشاريع واقعية داخل الشركات تمكّن الطلبة من اكتساب خبرة عملية حقيقية، كما تعزز الشراكات سرعة نقل التكنولوجيا والمعرفة بين الطرفين.
وعلى مستوى البحث العلمي، تشكّل مساهمة الشركات في تمويل الأبحاث الجامعية أداةً أساسية للابتكار، من خلال توجيه الدراسات نحو حل مشكلات واقعية، وتحويل مخرجات البحث إلى منتجات وخدمات قابلة للتسويق، بما يدعم إنشاء شركات ناشئة جديدة، ويعزز دور الجامعات في الاقتصاد المعرفي.
-هل يمثل الذكاء الاصطناعي تهديدًا لفرص العمل المستقبلية، أم أنه يفتح آفاقًا جديدة لابتكار وظائف أكثر إبداعًا وقيمة مضافة؟
يمثل الذكاء الاصطناعي، في آنٍ واحد، تحديًا وفرصة لسوق العمل المستقبلي، في مشهد يتكرر مع كل ثورة صناعية شهدها التاريخ، حيث تُلغى بعض الوظائف أو يُعاد تشكيلها، مقابل ظهور وظائف جديدة أكثر إبداعًا وقيمة مضافة. فالذكاء الاصطناعي مرشّح لتجاوز المهام الروتينية، ما يتيح للعاملين التركيز على الأدوار الاستراتيجية، والابتكارية، والتفاعلات الإنسانية عالية القيمة.
ورغم ذلك، ما زال المستقبل الوظيفي في مرحلة غير واضحة، إذ تشير تقارير متخصصة إلى أن العديد من وظائف المستقبل لم تُخترع بعد.
والخطر الحقيقي ليس في التقنية ذاتها، وإنما في عدم جاهزية الإنسان للتكيّف معها، ومن هنا تبرز أهمية إعادة توجيه دور التعليم العالي، من إعداد الخريجين لوظائف ثابتة، إلى بناء قدراتهم على التعلّم المستمر وإعادة التأهيل، بما يضمن الحفاظ على تنافسيتهم في سوق عمل سريع التغيّر.
-ما الرسالة التي توجهونها لصنّاع القرار في التعليم العالي حول أهمية الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة لتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني؟
الجامعات، بصفتها بيوت خبرة ومصدرًا للأفكار، مطالبة بالانتقال من مرحلة الانتظار إلى الفعل الاستباقي، عبر دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم الجامعي بما يلبي احتياجات سوق العمل الحالية والمستقبلية.
وتشمل الأولويات تحديث المناهج لتصبح مرنة وتطبيقية، وتسريع مسارات الدراسة بما يحقق الكفاءة دون حشو معرفي، واستثمار الموارد في البنية التحتية التقنية، وتدريب الكوادر الأكاديمية وفق منهجية قائمة على القيمة والفائدة. ويتطلب التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي تحديث التشريعات والسياسات لضمان إطار أخلاقي وقانوني يشجّع الابتكار ويضمن الجودة والأصالة.
وتبرز الشراكات مع القطاع الخاص كآلية حيوية لتعزيز التعليم، والبحث، والابتكار، وتوطيد منظومة متكاملة تدعم التحول الرقمي والاقتصاد المعرفي. وخلاصة الرسالة أن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة تاريخية لبناء اقتصاد معرفي مستدام وتنافسي، ومهما تأخرت المؤسسات في تبنّيه، فإن الفجوة مع العالم ستتسع، وستخرج الأجيال القادمة غير مؤهلة للتعامل مع واقع سوق العمل المتغيّر.
من خلال هذا الحوار، يتضح أن مستقبل التعليم العالي في العالم العربي يقف عند مفترق طرق حاسم في ظل التحولات المتسارعة التي يفرضها الذكاء الاصطناعي واقتصاد البيانات؛ فإما أن يتحول إلى محرّك فاعل لإعداد كوادر قادرة على قيادة سوق العمل الجديد، أو أن يبقى أسير نماذج تقليدية تعمّق الفجوة بين مخرجاته واحتياجات الاقتصاد المعاصر. إن سوق العمل العربي، بما يواجهه من تحديات تنموية وارتفاع معدلات البطالة بين الخريجين، لم يعد يحتمل مزيدًا من التأجيل في إعادة تعريف دور الجامعات، والانتقال من منطق التعليم القائم على الشهادات إلى التعليم القائم على المهارات والقيمة المضافة. ومع احتدام التنافس الإقليمي والدولي على استقطاب الكفاءات، يغدو الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، والتعليم المرن، والشراكات الفاعلة مع قطاع الأعمال خيارًا استراتيجيًا لا ترفًا فكريًا، لضمان جاهزية الأجيال القادمة، وبناء اقتصادات عربية قادرة على المنافسة والاستدامة في عالم يتغير بوتيرة غير مسبوقة.
