No Image
الاقتصادية

تحسين الوضع المالي .. ركيزة للنمو والاستدامة

30 مارس 2023
نسبة الدين للناتج المحلي نحو 40%
30 مارس 2023

من المهم النظر للتقدم الكبير في الوضع المالي في السياق الأوسع لجملة السياسات والمستهدفات الاستراتيجية للخطة العاشرة والرؤية المستقبلية

ربط وثيق ما بين التوجهات والمبادرات التي تتم على الصعيدين المالي والاقتصادي لضمان الاستدامة والنمو والاستقرار

مراعاة التوازن بين إنجاز الأهداف قصيرة المدى وتلك المبتغاة على المدى الطويل

تسريع سداد الديون وتعزيز النمو والتنويع يمهد لخفض متواصل لمعدل الدين

بلغ الدين العام أعلى مستوياته خلال 2019 و2020 وكان في طريقه لتجاوز حجم الناتج المحلي منذرا بمخاطر على المركز المالي للدولة

من المهم النظر للتقدم الكبير الذي أحرزته سلطنة عمان في تحسين وضعها المالي وخفض الدين العام في السياق الأوسع لجملة السياسات والمستهدفات الاستراتيجية للخطة العاشرة والرؤية المستقبلية «عمان 2040»، التي تربط بشكل وثيق ما بين التوجهات والمبادرات التي تتم على الصعيدين المالي والاقتصادي لضمان الاستدامة والنمو والاستقرار مع مراعاة التوازن بين إنجاز الأهداف قصيرة المدى وتلك المبتغاة على المدى الطويل.

بدأت سلطنة عمان توجها جادا نحو الإصلاح المالي في عام 2020، وسط تحديات ضخمة تعددت ما بين تفشي الجائحة وتردي الوضع المالي بسبب ارتفاع مستويات الدين وتذبذب الإيرادات بسبب متغيرات سوق النفط، وسجل الدين العام ارتفاعا متواليا منذ التراجع الحاد للنفط في عام 2015، وبلغ الدين أعلى مستوياته خلال عامي 2019 و2020، وكان في طريقه لتجاوز حجم الناتج المحلي الإجمالي بالكامل منذرا بمخاطر وضغوطات ضخمة على الاستقرار والمركز المالي للدولة.

وفي عام 2020 بدأ تطبيق الخطة المالية متوسطة المدى بهدف خفض معدل الدين العام للناتج المحلي الإجمالي من 80 بالمائة في 2020 إلى 60 بالمائة بحلول 2024، وبفضل زيادة أسعار النفط وخطط الضبط المالي أمكن تجاوز هذا الهدف بعد مرور ثلاث سنوات على تبني الخطة المالية متوسطة المدى ونحو عامين من تنفيذ الخطة الخمسية العاشرة والرؤية المستقبلية، وما يصاحبهم من سياسات لضبط المالية ورفع كفاءة الإنفاق العام وإدارة ملف الدين وتوجيهه نحو التراجع مع توسع في نطاق التنويع الاقتصادي وتشجيع وتحفيز الاستثمارات ورفع مستويات الثقة والتنافسية في بيئة الأعمال، وتم تبني العديد من الإجراءات المالية والمبادرات من شأنها تقليل العجز المالي السنوي وخفض الدين العام وتنويع مصادر الدخل وخفض الإنفاق العام ورفع كفاءته، والعمل على استمرار تحسن النظرة المستقبلية للتصنيف الائتماني وزيادة ثقة المستثمرين، ونجحت سلطنة عمان في تحقيق نتائج تفوق التوقعات حيث تخطى اقتصاد سلطنة عمان تبعات أزمتي النفط والجائحة وواصل مسار التعافي، وحقق نموا جيدا خلال عام2021 بعد تراجع في عام الجائحة، وتبع ذلك مزيدا من ارتفاع معدل النمو خلال العام الماضي بدعم من صعود أسعار النفط والغاز ونمو الأنشطة غير النفطية، وأنهى اقتصاد سلطنة عمان عام 2022 عند معدل قياسي غير مسبوق مع بلوغ حجم الناتج المحلي الإجمالي ما يزيد عن 44 مليار ريال عماني، وبمعدل نمو 4.3 بالمائة مع نمو الأنشطة غير النفطية بنسبة 1.6 بالمائة.

ومع مسار مزدوج الاتجاه لجهود تسريع سداد الديون وتعزيز النمو والتنويع الاقتصادي من المتوقع أن تصل سلطنة عمان خلال الأشهر المقبلة إلى خفض معدل الدين العام إلى ما يقارب ثلث الناتج المحلي الإجمالي للدولة ليكون ذلك من أهم الإنجازات التي يحققها الإصلاح المالي، وفي الوقت الحالي ومع حجم الناتج المحلي الإجمالي يتخطى 44 مليار ريال عماني، تراجع معدل الدين العام للناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 40 بالمائة بنهاية العام الماضي، ومع توقع استمرار نمو الاقتصاد خلال الربع الأول والأرباع التالية من العام الجاري، سيواصل معدل الدين التراجع خاصة بعد إعلان وزارة المالية عن سداد جانب جديد من القروض وانخفاض حجم الدين العام بنهاية الربع الأول من هذا العام.

وبدأت سلطنة عمان عامها المالي الحالي في ظل وضع هو الأفضل منذ سنوات بدعم من تسجيل فائض في العام المالي السابق 2022، وكان أول فائض في الميزانية منذ 2014 نظرا لارتفاع متوسط أسعار النفط بما يتجاوز سعر النفط المقدر مبدئيا في الميزانية، وتخفيف أعباء الميزانية عبر نقل مصروفات النفط والغاز إلى خارج الميزانية، وكان أحد الثمار الرئيسية لارتفاع النفط هو عائدات إضافية تم توجيهها لتحسين مستويات معيشة المواطنين وإضافة مشروعات استراتيجية للخطة الخمسية، وجانب كبير منها لدعم النمو وتوليد فرص العمل في مختلف المحافظات.

ومع الاهتمام الكبير بملف الدين العام كان جانبا كبيرا من هذه العائدات الإضافية مخصصا لخفض الدين والسداد الاستباقي لبعض القروض ذات الكلفة المرتفعة، كما وسعت سلطنة عمان خلال العام الماضي من حيز الاستفادة من التمويل المحلي والاحتياطي العام ووجهت نحو 1.3 مليار ريال عماني من الاحتياطي لتمويل الميزانية العامة، وأسفر ذلك كله عن تراجع ملموس في حجم الدين العام وتقلص أعبائه وخفض الاحتياج للتمويل الخارجي الذي أصبح حاليا مصحوبا بأعباء وكلفة كبيرة في توقيت يشهد العالم ارتفاعا كبيرا في أسعار الفائدة المصرفية وكلفة التمويل خاصة، وأن التوقعات تشير إلى أن أسعار الفائدة قد تظل مرتفعة لوقت أطول مما كان العالم يعتقد.

وفي إضافة جديدة ومهمة للتطورات الإيجابية في الوضع المالي، أعلنت سلطنة عُمان أمس أنها وجهت الفوائض المالية المتحققة لتخفيض الدين العام بنحو 1.1 مليار ريال عُماني بنهاية الربع الأول من هذا العام، وسددت جزءا من القروض الحكومية قبل موعد استحقاقها، كما خفضت في الوقت ذاته معدل الفائدة لبعض القروض من خلال التفاوض مع المقرضين، ونتج عن ذلك الحصول على كلفة تمويل أقل من أسعار التمويل السائدة حاليا، وأشارت وزارة المالية إلى أن الحكومة تمكنت بنهاية الربع الأول من العام الجاري من سداد عدد من الالتزامات تتخطى مليار ريال عُماني، دون اللجوء إلى إعادة الاقتراض من أجل تمويلها، لينخفض حجم الدين العام إلى نحو 16.6 مليار ريال عُماني بنهاية مارس 2023م.

وبعد أن بلغت مستوياته معدلات تهدد الاستقرار المالي وتؤثر على التصنيف الائتماني بشكل سلبي ومتوالي، كان وضع الدين العام على طريق التراجع وخفض أعبائه المستقبلية من أهم المستهدفات الاستراتيجية لسلطنة عمان، ومثل العام الماضي نقلة مهمة في ملف الدين العام الذي انخفض إلى 17.7 مليار ريال عُماني بنهاية عام 2022 أي ما يمثل نحو 40 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، وخلال العام الماضي، وفي إطار استراتيجيتها لإدارة الدين العام، بدأت سلطنة عمان تنفيذ خطة لإعادة شراء بعض القروض ذات الكلفة المرتفعة واستبدالها بقروض جديدة أقل كلفة بهدف خفض الأعباء المستقبلية للقروض، كما نجحت سلطنة عمان في سداد بعض القروض قبل حلول موعد استحقاقها، وخلال عام 2022 أدت خطط الضبط المالي وحسن إدارة المحفظة الإقراضية إلى خفض نحو 127 مليون ريال من كلفة خدمة الدين المستقبلية فضلا عن تراجع حجم الدين العام، وبدءا من عام 2021 تضمنت جهود الضبط المالي إضافة بند في الميزانية العامة لسداد القروض المستقبلية وحتى نهاية أكتوبر الماضي تم رفد هذا البند بنحو 167 مليون ريال عماني، ومن المستهدف رفعه تدريجيا ليصل سنويا إلى حوالي 200 مليون ريال، فيما يمثل إضافة نوعية جيدة لهوامش الأمان وتقوية المركز المالي، ووفق بيانات رسمية مبدئية صادرة عن وزارة المالية ووردت في النشرة الإحصائية الشهرية الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، بلغت خدمة الدين العام 861 مليون ريال عماني بنهاية أكتوبر 2022، وتجاوز هذا البند في الميزانية مليار ريال عماني خلال 2021.

وفي ظل تحسن الآفاق المستقبلية المالية والاقتصادية، قامت جميع وكالات التصنيف العالمي برفع الجدارة الائتمانية لسلطنة عمان بدءا من نهاية 2021، كما تم تحسين النظرة المستقبلية من سلبية إلى مستقرة ثم إيجابية، نتيجة المبادرات والإجراءات المالية والاقتصادية التي تسعى جميعا للوصول للاستدامة المالية كأحد الممكنات الأساسية لإنجاح مستهدفات الرؤية المستقبلية «عمان 2040»، ومع توقعات بمستويات جيدة لأسعار النفط خلال العام الجاري يمهد ذلك لتحقيق فائض مجددا في الميزانية العامة لعام 2023، واستمرار توجيهه نحو خفض الدين العام للاستفادة من الموارد المالية في تحقيق مستهدفات النمو المستدام.