No Image
الاقتصادية

السياحة العلاجية في سلطنة عُمان.. مسار استثماري واعد ورؤية تنموية متكاملة

19 أغسطس 2025
19 أغسطس 2025

كتب - خليل بن أحمد الكلباني -

تمثّل السياحة العلاجية أحد القطاعات الواعدة في سلطنة عُمان، والتي يعول عليها لتحقيق مستهدفات "رؤية عُمان 2040" في مجال تنويع المنتجات السياحية وتعزيز الإيرادات غير النفطية.

وتستند سلطنة عُمان في هذا المجال إلى مزيج فريد من المقومات الطبيعية والصحية، بدءًا من الشواطئ النقية والجبال الخلابة والعيون المائية والصحاري الواسعة وغيرها من المقومات السياحية، وصولًا إلى البنية الأساسية الصحية المتطورة التي شهدت نموًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة. هذه المقومات، إلى جانب بيئة آمنة ومستقرة، تفتح آفاقًا واسعة للاستثمار في مشروعات متخصصة، وتؤهل سلطنة عُمان لتكون وجهة إقليمية متميزة للسياحة العلاجية والاستشفاء.

و يبرز دور تطوير القطاع الصحي الخاص كركيزة أساسية في تعزيز جاذبية سلطنة عُمان للسياحة العلاجية، من خلال الاستثمار في إنشاء مستشفيات ومراكز متخصصة بمواصفات عالمية، ورفع جودة الخدمات الطبية وتوفير الكوادر المؤهلة، وكذلك ابتكار باقات علاجية متكاملة تربط بين الخدمات الصحية والمرافق السياحية، بما يضمن تجربة علاجية واستشفائية متكاملة للزوار من داخل سلطنة عُمان وخارجها.

تطوير القطاع الصحي الخاص

وقالت إيمان بنت راشد الغافرية، رئيسة لجنة الصحة بغرفة تجارة وصناعة عُمان: إن تطوير القطاع الصحي الخاص في سلطنة عُمان ليواكب طموحات استقطاب الزوار للسياحة العلاجية يتطلب تضافر الجهود بين كل من الاستثمار في البنية الأساسية للقطاع ورفع جودة الخدمات والتسويق الدولي.

وبينت أن تطوير البنية الأساسية يتأتى من خلال إنشاء مستشفيات ومراكز علاجية متخصصة بمواصفات عالمية في مجالات واعدة، مثل إعادة التأهيل وجراحة التجميل وجراحة العظام وعلاج العيون، وكذلك تطوير منتجعات استشفائية متكاملة بالقرب من الشواطئ والجبال أو العيون المائية، وأيضًا تجهيز المرافق الطبية بأحدث الأجهزة والتقنيات بما يتماشى مع معايير الاعتماد الدولي.

وقالت الغافرية: من الضروري تشجيع المستشفيات والمراكز الخاصة على الحصول على الاعتمادات الدولية والالتزام بالبروتوكولات العالمية في الجودة وسلامة المرضى، وكذلك تنمية الكوادر البشرية من خلال استقطاب أطباء وخبراء دوليين في التخصصات التي تتميز بها السياحة العلاجية، وتوفير برامج تدريب مستمر للكوادر المحلية في المجالات الطبية وخدمات الضيافة الصحية، وتأهيل طواقم دعم مثل (مترجمين، وموظفي استقبال، ومرافقين صحيين) لتقديم تجربة سلسة للزوار.

وأوضحت أنه من المهم أيضًا التعاون مع شركات السفر والفنادق لتصميم باقات علاجية سياحية متكاملة تشمل العلاج والإقامة والتنقل، وتوفير خدمات خاصة للمرضى الدوليين مثل الاستقبال في المطار والمتابعة ما بعد العلاج عن بُعد.

وأضافت: كذلك لا بد أيضًا من إدخال خدمات الطب عن بُعد لمرحلة ما قبل السفر والمتابعة بعد العودة، عبر إنشاء منصة رقمية متعددة اللغات تعرض تفاصيل الخدمات والأسعار وتجارب المرضى السابقين، وأيضًا التسويق الدولي الفعّال من خلال المشاركة في المعارض الطبية والسياحية العالمية للترويج لسلطنة عُمان كوجهة علاجية.

وأكدت الغافرية أن لجنة الصحة بغرفة تجارة وصناعة عُمان تسهم في توحيد الرؤية بين الجهات الحكومية والخاصة لتعزيز السياحة العلاجية عبر عدة محاور عملية، تشمل تنسيق السياسات والخطط لوضع رؤية مشتركة لمتطلبات السياحة العلاجية، وإجراء دراسات مشتركة لتحديد المجالات الأكثر جذبًا للسياحة العلاجية مثل (العلاج الطبيعي، والطب البديل، والاستشفاء البيئي وغيرها).

وبينت أن اللجنة تدرس خلال اجتماعاتها التحديات والحلول، بما يضمن تكامل الأدوار وعدم ازدواجية الجهود، مع أهمية توجيه الاستثمارات نحو المشاريع ذات الجدوى الاقتصادية العالية والمتوافقة مع معايير الجودة الصحية، والعمل على التنسيق مع القطاع الحكومي لتسهيل الإجراءات والتراخيص اللازمة للمراكز العلاجية والمنتجعات الصحية، وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مرافق طبية حديثة ومنتجعات علاجية متكاملة.

وجهة السياحة العلاجية

من جانبه، قال مرتضى بن محمد جواد الجمالاني، مختص في القطاع الصحي الخاص: إن تطوير البنية الأساسية الصحية والتأمين وتعزيز موقع سلطنة عُمان كوجهة للسياحة العلاجية يتطلب استثمارات وإجراءات في البنية الأساسية الصحية والسياحية والتأمين والممارسات المهنية، إلى جانب حوافز قوية وتحسين البيئة التشريعية والشراكة الاستراتيجية بين القطاعين الخاص والعام. حيث يجب توجيه الاستثمارات إلى مجموعة من المشاريع المحورية وتوفير الحوافز المناسبة لجذب رؤوس الأموال الأجنبية والمحلية، مثل المراكز العلاجية كالمستشفيات الخاصة المتخصصة والمنتجعات الاستشفائية ومراكز إعادة التأهيل المجهزة ببنية أساسية عالمية، مع تصنيع مستلزمات وأدوية محلية ودعم مصانع للأجهزة الطبية والأدوية في المدن الصناعية والمناطق الاقتصادية، وكذلك توفير وسائل النقل والمواصلات مثل طائرات الإسعاف للنقل، والتأشيرات الخاصة، ومراجعة نظام التأمين الصحي ووثائق التأمين ونظام سداد المطالبات للوافدين السياح والمقيمين الوافدين والمواطنين، بما سيساعد على خفض تكلفة الاستيراد وتطوير سلسلة القيمة الطبية، وتعزيز البنية الأساسية الفندقية المدمجة بمنتجعات سبا ورفاهية تتكامل مع الخدمات العلاجية والبرامج التأهيلية لجذب السياح العلاجيين ، و مؤكدًا أن ذلك يتطلب حوافز ضريبية وجمركية وإجراءات تأسيس سلسة، وخاصة للشركات الصغيرة والمتوسطة، لتعزيز نشاط القطاع الصحي الخاص.

وأكد أن تعزيز السياحة العلاجية في سلطنة عُمان له دور في توليد المزيد من فرص العمل، خاصة في تخصصات منتقاة مثل العلاج الطبيعي وإعادة التأهيل، وكذلك إيجاد برامج تدريبية متكاملة باستخدام أحدث الأجهزة والعلاجات المائية والحرارية، ولتخصصات تقديم خدمات علاج الإصابات الرياضية وإعادة التأهيل للرياضيين والسياح النشطين. وأضاف: كما يمكن أن تشمل التخصصات الجراحة التجميلية وجراحات ترميم الحروق أو الإصابات، وهو مجال يجذب شريحة واسعة من السياح، وطب وجراحة العيون خاصة العمليات المتقدمة مثل تصحيح النظر وزراعة القرنية وجراحات المياه البيضاء، خاصة في مجالات العلاج بالليزر وزراعة الشعر وعلاج الأمراض الجلدية المزمنة، وأيضًا أمراض المفاصل والعظام وتطوير المنتجعات الاستشفائية.

ميزة نسبية

من جانب آخر، أوضحت الدكتورة مطلوبة بنت أيوب الزدجالية، المدير التنفيذي لمركز القلب والأوعية الدموية والمتخصصة في القطاع الصحي الخاص، أن سلطنة عُمان تتمتع بميزة نسبية في تنافسية أسعار السياحة العلاجية، حيث تُعد الأسعار حاليًا معتدلة على المستوى الإقليمي، وإن لم تكن الأكثر تنافسية مقارنة ببعض وجهات السياحة العلاجية في المنطقة؛ إذ إنها أعلى نسبيًا من بعض الوجهات الآسيوية. ومع ذلك، فإن سلطنة عُمان تتميز بعدة نقاط قوة، أبرزها قبولها لدى المرضى الذين يفضلون تلقي الخدمات في بيئة تتقارب معهم ثقافيًا ولغويًا، كما أن تكاليف الإقامة والمعيشة مثل الفنادق والمواصلات أقل من بعض الدول المنافسة، الأمر الذي يستدعي وجود باقات علاجية شاملة للعلاج والإقامة والنقل والترفيه.

وأشار إلى أن تحويل رحلة العلاج إلى تجربة شاملة تجمع بين الراحة النفسية والجسدية والاهتمام الطبي والانغماس في البيئة والثقافة العُمانية أمر له دور إيجابي في تعزيز جاذبية وتنافسية سلطنة عُمان كمركز متكامل للسياحة العلاجية. وقال: يتأتى ذلك من خلال الربط بين المستشفيات والمنتجعات والبرامج التأهيلية لتقديم باقات متكاملة للسياحة العلاجية في سلطنة عُمان، وإنشاء نظام تعاون منظم يدمج القطاعين الصحي والسياحي في خدمة واحدة موجهة للسائح العلاجي، وتوقيع اتفاقيات تعاون بين المستشفيات الخاصة والمنتجعات السياحية وشركات إدارة البرامج التأهيلية، وتأسيس مكاتب تنسيق مشتركة داخل المستشفيات لتسهيل حجز الإقامة والنقل وخدمات التأهيل، وتصميم الباقات العلاجية المتكاملة وتنسيق الخدمات اللوجستية عبر توفير خدمة استقبال في المطار ونقل مباشر إلى المستشفى أو المنتجع، وتوفير خدمات ترجمة ومرافقة للزوار من الخارج ومتابعة المريض بعد الخروج من المستشفى من خلال المنتجع أو مركز التأهيل، مع توفير التقارير الطبية المحدثة.

وأكد ضرورة ربط التسويق بين القطاعين السياحي والصحي من خلال إطلاق منصة رقمية موحدة تعرض الباقات العلاجية مع تفاصيل الأسعار والخدمات، وتسمح بالحجز المباشر، ومشاركة المستشفيات والمنتجعات في المعارض الطبية والسياحية للترويج المشترك، وإضافة رحلات قصيرة وزيارات ثقافية ضمن برنامج الاستشفاء لمن تسمح حالتهم الصحية بذلك، وتنظيم أنشطة مثل اليوجا والتأمل والمشي في الطبيعة.