No Image
الاقتصادية

الأسبوع الذي قد يفكِّك سوق النفط العالمية

02 ديسمبر 2022
02 ديسمبر 2022

عندما كان الانهيار الكبير في سوق النفط يهدد اقتصاد العالم الذي اجتاحته الجائحة بالمزيد من الخراب في أبريل 2020 اجتمعت الولايات المتحدة والسعودية وروسيا وبلدان مجموعة العشرين الأخرى لإيجاد حل. ساعد التعاون على إنهاء حرب أسعار من جانب أوبك بلس وأعاد الاستقرار إلى السوق. وتعافت الأسعار.

بعد عامين ونصف العام لاحقا وبعد 9 أشهر من حرب روسيا في أوكرانيا صار مثل ذلك التعاضد ذكرى ماض بعيد.

فموسكو حوَّلت على مدى شهور إمداداتها من الغاز الطبيعي لأوروبا إلى سلاح. وهي الآن تحاول في همة تعطيل شبكة كهرباء أوكرانيا. وتحولت البلدان المستهلكة إلى التنافس فيما بينها لتأمين إمدادات الطاقة النادرة.

لحظة حاسمة

الانهيار المحتمل للنظام القديم في سوق النفط العالمية سيصل إلى لحظة حاسمة خلال هذا الأسبوع عندما تشرع أوروبا في قفل الطريق أمام النفط الروسي المنقول بحرا من القارة في واحد من أقوى الردود حتى الآن على غزو روسيا لأوكرانيا. ستمنع العقوبات الجديدة أيضا الشركات الأوروبية من تأمين السفن التي تنقل النفط الروسي إلى البلدان غير الأوروبية ما لم تقبل البلدان سعرا للنفط تمليه عليها القوى الغربية. بكلمات أخرى ستحاول البلدان الغربية فرض سقف لسعر النفط الذي يباع بواسطة روسيا.

لا يمكن لأحد أن يقول إلى أي حد ستعرقل هذه الإجراءات أداء سوق النفط. والجدير بالذكر أن العقوبات التي فرضت على روسيا منذ عبور قواتها حدود أوكرانيا يوم 24 فبراير بالكاد أثرت على صادراتها أو على دخلها من النفط. لكن مبدأ أن الأعداء الجيوسياسيين لموسكو سيقررون الأسعار التي تبيع بها موسكو نفطها هو في حد ذاته مهين لدولة بترولية تنتج أكثر من 10% من نفط العالم وتقود مع السعودية تكتل أوبك بلس. فمن يحدد سعر السلعة سيتحول في نهاية المطاف إلى من يجب أن يقبل به.

ستتاح للإكسندر نوفاك نائب رئيس وزراء روسيا فرصة مناقشة رد موسكو عندما يلتقي وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان في اجتماع آخر لمجموعة أوبك بلس بمدينة فِيَنَّا يوم الأحد القادم وقبل يوم من سريان مقاطعة أوروبا وخطة سقفها السعري. بالنسبة لمخضرمي صناعة الطاقة تمثل الأيام القادمة لحظة بالغة الخطورة لسوق النفط واقتصاد العالم الذي لا يزال يعتمد بشدة على هذه السلعة. يقول هؤلاء الخبراء أن المعايير الجيوسياسية الراسخة تم تجريفها في العام الماضي وسلاسل التوريد التي ظلت قائمة لعقود يجري الآن قلبها رأسا على عقب. استعداد روسيا لحرق قاعدة زبائن صادراتها من الغاز في أوروبا وقرار السعودية الشهر الماضي بخفض إمدادات النفط رغم المعارضة العنيفة من البيت الأبيض كانا مثالين اثنين فقط لذلك. لكن البلدان المستهلكة تحركت أيضًا بدءًا باستعداد الولايات المتحدة لتجفيف مخزونها النفطي الخاص بالطوارئ من أجل خفض أسعار النفط وليس انتهاء بمحاولات البلدان الغربية "تطهير" اقتصاداتها من نفط روسيا. يقول روجر ديوان محلل النفط المخضرم بشركة: "ستاندارد آند بورز جلوبال كومودوتي انسايتس" في واشنطن "هذه تحولات كبرى. الأسواق العالمية أنشئت على أساس قنوات النقل هذه، قنوات نقل إمدادات الغاز الطبيعي بين روسيا وأوروبا وإمدادات النفط والغاز كليهما بين الشرق الأوسط وآسيا. نحن لا نعلم كيف يمكن أن تؤدي هذه السوق وظيفتها بعد تاريخ محدد. سيكون ضبط وضعها مثيرا... سيكون صداميا وسيكون متقلبا."

سياسة سقف السعر

إذا كان ثمة انتهاك تاريخي وشيك في نظام الطاقة العالمي حقا فالمؤشرات الظاهرة التي تدل على ذلك كانت قليلة في سوق النفط. لقد هبط سعر برنت القياسي العالمي إلى 85 دولارا للبرميل اليوم من 120 دولارا في يونيو مع تركيز متداولي النفط على مؤشرات الانكماش الاقتصادي. أيضا قلص التزامُ الصين بسياسة "صفر كوفيد" الطلبَ وأتاح "صمام تنفيس" للضغوطات الأوسع نطاقا في سوق الطاقة. لكن تظل هنالك توترات واضحة في هذه السوق. فأسعار النفط لا تزال أعلى من أي وقت مضى في الفترة بين 2015 و2021 فيما لا يزال سعر وقود الديزل الذي تصدِّر روسيا كميات كبيرة منه مرتفعا بشدة. قد تتراجع الأسعار الأوروبية للغاز الطبيعي من ذُرَاهَا التي قاربت ما يكافئ 500 دولار لبرميل النفط في هذا الصيف. لكن تداول الغاز لايزال عند سعر يساوي خمسة أضعاف السعر المعتاد تاريخيا وهو بذلك عاث خرابا في الاقتصادات وأذكى (نار) التضخم عالميا. إذا خففت الصين من قيود كوفيد-19 في العام القادم قد يرتفع طلبها على النفط والغاز الطبيعي المستورد الذي تعتمد أوروبا عليه الآن بشدة. يقول دوج كنج الرئيس التنفيذي لشركة آر سي إم أيه كابيتال أل إل بي التي تدير صندوق الاستثمار ميرشانت كومودتي فَنْد "نحن حقا لا نزال في سوق بالغة الهشاشة. العلاقات بين القوى الكبرى في صناعة النفط صارت متشظية جدا. كل أحد في هذه الصناعة يشعر بالأذى بعض الشيء مع تلقي النفط ضرباتِ من كل حدب وصوب هذا العام." سعى البيت الأبيض على مدى شهور لكبح ارتفاع الأسعار بضخَّ كميات غير مسبوقة من مخزونه الإستراتيجي وممارسة ضغط مستمر (لم يثمر حتى الآن) على المنتجين للاستمرار في زيادة الإمدادات.

فكرة سقف السعر التي روجت لها في البداية وزارة الخزانة الأمريكية هي المبادرة الأكثر أهمية وإشكالا. إنها بالنسبة لإدارة بايدن وسيلة للحد من إيرادات الكرملين وفي ذات الوقت الحفاظ على تدفق النفط الروسي إلى السوق لمنع المزيد من التضخم في سعره. في الحقيقة أعِدّت الخطة جزئيا لموازنة القيود الأكثر تشددا التي طبقت بموجب العقوبات الأمريكية على روسيا.

نظرا إلى هيمنة الاتحاد الأوروبي وبريطانيا على سوق تأمين ناقلات النفط فقد خشيت الولايات المتحدة من أن تقود العقوبات إلى انهيار الإمدادات الروسية مع امتناع السفن عن نقلها إلى البلدان المستوردة. وبموجب خطة السقف السعري سيتاح للسفن الحصول على التأمين الأوروبي والبريطاني شريطة أن يتم شراء النفط الروسي الذي تنقله بسعر يتحدد في العواصم الغربية. وافقت مجموعة السبع على خطة وزارة الخزانة الأمريكية وضمَّنها الاتحاد الأوروبي في مجموعة جديدة من العقوبات أعلنت في شهر أكتوبر بعد ضم روسيا للمزيد من الأراضي الأوكرانية. لكن تلك العقوبات شملت بندا آخر مزعجا يوسع من الحظر على تأمين السفن ليشمل أية سفينة سبق لها أن نقلت نفطا روسيا "لم يخضع للسقف السعري". وضغطت الولايات المتحدة الاتحاد الأوروبي ليخفف من صرامة هذا البند أيضا حسبما يقول أشخاص ملمِّين بهذا المسعى الأمريكي. يقول بوب مكانلي المستشار السابق للرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش ورئيس مجموعة رابيدان انيرجي أن التوسع في "حظر التأمين والخدمات ليشمل كل ناقلات النفط سواء الأوروبية أو غير الأوروبية التي تنقل النفط الروسي غير الخاضع لسقف السعر أفزع المسؤولين الأمريكيين لأن من شأنه عرقلة الإمدادات بقدر أكبر." ويتوقع عليمون بالمناقشات الجارية أن يفرض الاتحاد الأوروبي حدًّا لفترة لسريان أي حظر. يقول مكانلي: "إقناع الأوروبيين بالتخلي عن حظر غير محدد المدة على السفن استغرق الكثير من الوقت لكن كان لابد من ذلك من منظور واشنطن لأنه هدد بجعل المشكلة السيئة أصلا أكثر سوءًا." لايزال السقف الفعلي (المقترح) لسعر نفط روسيا موضوعا للنقاش. بعض البلدان الأوروبية تريد سعرا عقابيا حقا قريبا من 20 دولارا للبرميل فيما تنادي بلدان أخرى باعتماد سعر يتراوح بين 60 دولارا إلى 65 دولارا، بحسب مصادر قريبة من المحادثات. وهذا السعر الأخير شبيه بما تحصل عليه روسيا سلفا من نفطها. تقول حليمة كروفت رئيسة استراتيجية السلع العالمية بشركة آر بي سي كابيتال ماركيتس: "مع مناقشة التسعير الحالي (لنفط روسيا) يبدو هذا المسعى أقرب كثيرا إلى أن يكون مسعى لخفض التضخم من أن يكون مسعى لخفض الإيرادات الروسية."

هل ترتفع الأسعار؟

كيف سيكون رد فعل السوق لمحاولات الساسة التلاعب بإمداد وسعر النفط؟ في حين توجد مؤشرات قليلة على ارتفاع في الأسعار يعتقد بعض المحللين أن السوق صارت متصالحة مع مخاطر الإمدادات التي يمكن أن تنشأ عن عقوبات الاتحاد الأوروبي الجديدة وسقفه السعري. تقول آمريتا سين رئيسة الأبحاث بالشركة الاستشارية آسبيكْتس ليمتِد " الالتباس والخلط بشأن سقف السعر جعل السوق تعتقد أن الاتحاد الأوروبي يمكنه شراء النفط الروسي. هذا خاطئ تماما. فالمقاطعة تحل محل سقف السعر." وتقول أيضا أسواق النفط قد تضيق "بقدر مؤثر" في الربيع. يشير بعض المتعاملين في تجارة النفط إلى تحذيرات قوية في السابق من نقصٍ في الإمدادات وهو ما لم يحدث أبدا مثل المخاوف في عام 2019 من أن تقود الأحكام المتعلقة بوقود السفن والتي يبدأ سريانها مع بداية عام 2020 إلى اضطراب في إمدادات الديزل. في الربيع الماضي ذكرت الوكالة الدولية للطاقة أن العقوبات على نفط روسيا يمكنها خفض الإنتاج بحوالي الثلث خلال أشهر. وكان ذلك توقعا مخيفا أسهم في رفع الأسعار العالمية وفي قرار البلدان الغربية بضخ مخزونات نفط الطوارئ. يعتقد مارتين راتس كبير مسؤولي استراتيجية السلع ببنك مرجان ستانلي أن تحفُّظ تجار النفط تجاه تصديق أحدث التوقعات قد يعرضهم للمخاطر. ويقول: "لقد تمكنت روسيا من تصدير نفطها عند سعر ثابت. وإذا اتضح أن المقاطعة لها أسنان وتوجب تغيير وجهة الكثير من النفط (وسيفقد بعضه في الأثناء) سيكون أثرها إيجابيا لأسعار النفط."

120 دولارا للبرميل؟ يرى آخرون أن سقف السعر نفسه يمكن أن يقود إلى ارتفاعات في الأسعار. ويقول محللون في شركة برنستين أن الصدامات التي تتشكل حول تجارة نفط روسيا ستكون كبيرة وسيترتب عنها " أثر مهم" على أسواق النفط في العام القادم. فحوالي 2.4 مليون برميل في اليوم من النفط الروسي سيلزم أن يجد مقصدا جديدا خارج بلدان الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع. ومن المتوقع أن تسهم الهند والصين في ذلك. لكنها أشارت إلى أنها لن تشارك في خطة السقف السعري خشية من تهديد علاقاتها مع موسكو أو اعتبارها خاضعة لإملاءات للغرب.

تقدر برنستين أن روسيا قد تحتاج إلى مائة سفينة إضافية راغبة في الإبحار دون تأمين غربي للحفاظ على تدفق نفطها خارج سقف السعر. وهذا عدد تعتقد الشركة أن روسيا ستعاني للحصول عليه حتى إذا أمكنها استخدام ما يسمّى "الأسطول الشبحي" للناقلات التي لا تظهر في أنظمة مراقبة السفن والذي تستخدمه البلدان المعاقبة مثل إيران. نتيجة لذلك تعتقد برنستين أن الإمدادات ستهبط مما سيدفع بأسعار النفط إلى مستوى 120 دولارا للبرميل في العام القادم حتى مع وجود انكماش اقتصادي. تقدِّر فيتول أكبر شركة مستقلة لتجارة النفط في العالم احتمال هبوط الصادرات الروسية بمعدل مليون برميل في اليوم إلى حوالي 20% من النفط الذي تصدره عن طريق البحر. بل يمكن أن يكون الأثر أكثر إثارة. فالكرملين ذكر من قبل أنه سيوقف الإمدادات إلى البلدان التي تتعامل بسقف السعر. من جانبها، تحاجج وزارة الخزانة الأمريكية بأن موسكو لن تذهب بعيدا وستسعى إلى بيع نفطها إلى البلدان الأخرى، حيث إن خفض الإنتاج يخاطر بإحداث ضرر طويل الأجل لآبارها النفطية. يقول مسؤول كبير في وزارة الخزانة "ليس لدينا سبب يدفعنا إلى الاعتقاد بأنهم (الروس) سيفعلون ذلك. ففي النهاية هذا ليس في صالحهم. أي إجراء يتخذونه لرفع الأسعار سيؤثر على زبائنهم الجدد." لكن الوقائع السابقة جعلت الآخرين أقل تفاؤلا. فالمصلحة الذاتية في الأجل الطويل لم تشكل حافزا لموسكو إذ أنها قضت على سمعتها كمورد موثوق للغاز الطبيعي إلى أوروبا. يقول مارتين راتس " ذكر الروس أنهم سيوقفون إمدادات الغاز لأي أحد لا يسدد الثمن بالروبل وحدث ذلك. عليكم أن تأخذوا في حسبانكم أن (خفض روسيا لصادراتها النفطية) يمكن أن يحدث فعلا." يشير آخرون في صناعة الطاقة أيضا إلى قدرة روسيا على إحداث المتاعب في غير أوروبا. فخط الأنابيب الذي تبلغ سعته مليون برميل في اليوم وينقل النفط الكازاخي عبر روسيا إلى البحر الأسود وأغلق لفترة قصيرة في الشهور الأخيرة لأسباب تتعلق بظروف طقس غير عادي يمكن أن يكون هدفا للإغلاق. وهنالك وجود لوكلاء روسيا في القطاع النفطي لبلد آخر في القارة الإفريقية أيضا.

تقول حليمة كروفت: "أعتقد أن الروس ينوون تماما جعل هذا الشتاء أقسى ما يكون للغرب حتى يراجعوا تأييدهم لأوكرانيا." هنالك الكثير الذي يمكن مناقشته عندما ينضم مسؤولو موسكو إلى أعضاء أوبك في عاصمة النمسا فينًّا يوم الأحد. سينعقد الاجتماع بعد شهرين فقط من خفض الإمدادات الذي أثار الغضب في الولايات المتحدة وقبل ساعات فقط من قيام البلدان الغربية بمحاولتها الجريئة لإعادة تأكيد سيطرتها على الأسعار. من جانبها تؤكد بلدان الخليج في أوبك أنها لا تقف إلى جانب روسيا بل تحاول فقط إدارة سوق مضطربة لا تزال تمثل شريان حياة اقتصاد العالم. لكنها سرا منزعجة من سقف السعر وتعتقد أنه يمكن في يوم ما أن يُستخدم ضدها. كما تشير هذه البلدان إلى ما تعتبره نفاقا من الغرب. فهو يطالب بزيادة الإنتاج فيما يسعى إلى خفض الأسعار الذي ترى صناعة النفط أنه عرقل الاستثمار، ويجعل السوق سيئة الاستعداد لهذه الأزمة ولما قد يأتي بعدها. رغبة البلدان الغربية في تسريع التحول بعيدا عن النفط والغاز أيضا يمثل فتيل اشتعال يحترق منذ فترة طويلة تحت العلاقة ويشكل تهديدا وجوديا لبلدان أوبك. من الممكن أن يكون اجتماع أوبك يوم الأحد حدثا مهما آخر مع تفكك نظام عالمي للطاقة ارتكز على عقود من الروابط الوطيدة بين المنتجين والمستهلكين في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية.