ارتفاع أسعار الغذاء يؤذي الاقتصادات الفقيرة
كان الاقتصاد السريلانكي في وضعٍ خطِر قبل فترة طويلة من دخول الدبابات الروسية أراضي أوكرانيا. لكن حكومة سريلانكا التي أثقل كاهلَها عبء الديون الأجنبية وعانت من آثار الجائحة على إيرادات قطاعها السياحي ترددت في التماس يد العون من صندوق النقد الدولي مع بداية هذا العام. والآن خفضُ قيمة عملتها وأثرُ الحرب على أسواق السلع يدفعان بالأسعار الاستهلاكية إلى عنان السماء.
نشرت الحكومة الجيش لتهدئة الزحام في صفوف الوقود. وربما لن يكون بمقدورها تجنب التخلف عن سداد ديونها. ومع تصاعد أسعار كل شيء من النفط والغاز إلى الذرة الشامية والقمح قد تواجه بلدان أخرى مصيرا شبيها.
يشكل الغذاء حصة متواضعة من نفقات الوحدات العائلية في العالم الغني. لكنه يعادل ما يزيد عن 20% من الإنفاق الاستهلاكي في معظم بلدان العالم الصاعد وحوالي 40% في إفريقيا جنوب الصحراء.
سبق أن ارتفعت الأسعار وبقدر كبير خلال العامين الأخيرين. ويعود ذلك إلى معوقات الإنتاج وتطرف المناخ. وفي فبراير الماضي اقتربت أسعار الغذاء العالمية بقيمتها الحقيقية إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق، بحسب مؤشر تشرف عليه منظمة الزراعة والأغذية (الفاو) التابعة للأمم المتحدة. ولم تتراجع بل استمرت في ارتفاعها بعد ذلك.
مركز التنمية الدولية
إحدى النتائج التي ترتبت عن ذلك تزايد الفقر. فحسب تقديرات مركز التنمية الدولية، وهو مركز دراسات وأبحاث، سيترتب عن غزو روسيا لأوكرانيا سقوط 40 مليون نسمة حول العالم في جُبِّ الفقر المدقع. بالمقارنة، قدر البنك الدولي في عام 2021 أن حوالي 100 مليون شخص تقريبا ربما تحولوا إلى فقراء بسبب جائحة كوفيد-19. كما سيضيف ارتفاع أسعار السلع أيضا إلى الضغوطات التي يتعرض لها الاقتصاد الكُلِّي في بلدان عديدة.
بلغ إجمالي الديون في بلدان الاقتصادات الصاعدة والنامية حول العالم أعلى مستوى له على مدار خمسين عاما في العام الماضي وذلك بالقياس إلى الناتج المحلي الإجمالي. وترتفع تكلفة خدمة هذه الأموال المقترضة مع شروع البنوك المركزية على نطاق العالم في رفع أسعار الفائدة من أجل كبح التضخم.
هذا وتضغط الأوضاع الاقتصادية القاسية على عملات بلدان الأسواق الصاعدة مما يرفع من تكلفة الديون المقوَّمة بالعملات الأجنبية ويجبر الحكومات على استنزاف احتياطي العملات الصعبة لدعم أسعار صرف عملاتها الوطنية.
أيضا يمكن أن تؤدي أسعار السلع المرتفعة إلى المزيد من التعقيد في مشهد السياسات المالية لحكومات البلدان الصاعدة بالنظر إلى أن العديد منها يقدم دعومات سخية في مجالي الغذاء والطاقة للوحدات العائلية.
حالة سيريلانكا توضح ذلك في جلاء. فاحتياطياتها من النقد الأجنبي تقلصت من أكثر من 8 بلايين دولار في عام 2019 إلى حوالي مليوني دولار في وقت مبكر من هذا العام. وعلى الرغم من أن الحكومة سعت إلى الحصول على عون من كل من الهند والصين لكن من المؤكد تقريبا أنها ستحتاج إلى مساعدة من صندوق النقد الدولي والذي من المتوقع أن تبدأ معه مفاوضات هذا الشهر. (قد يطلب الصندوق من سيريلانكا خفض مخصصات الدعم وذلك كجزء من أية حزمة إنقاذ مالي محتملة.)
القمح
عانت مصر بدورها أيضا. فهي تستورد ما يقرب من ثلثي القمح الذي تستهلكه. وتأتي أغلبيته الغالبة من روسيا وأوكرانيا. وعند مستوى الاستهلاك في فترة ما قبل الجائحة تصل قيمة الفاتورة السنوية لواردات مصر من الغذاء والطاقة إلى حوالي 40% من احتياطياتها من النقد الأجنبي. شرع المستثمرون الأجانب، استشعارا منهم بمتاعب (قادمة)، في سحب أموالهم مما دفع الحكومة إلى خفض قيمة العملة المحلية بنسبة 14%. وفي 23 مارس طلبت رسميا مساعدة صندوق النقد الدولي.
حسب تقديرات أعدها البنك الدولي قد يعجز أكثر من عشرة بلدان على الأقل عن خدمة الدين (سداد الأقساط والفوائد) خلال فترة الإثني عشر شهرا القادمة مع انحسار احتياطيات هذه البلدان من النقد الأجنبي.
بعض اقتصادات جنوب آسيا وشمال إفريقيا تكتنفها الأخطار. وتبدو باكستان وتونس في وضع ضعيف على نحو خاص. بل حتى بلدان الاقتصادات الصاعدة التي تتمتع بمواقف مالية أكثر عافية يمكن أن تتوقع تباطؤا في النمو وارتفاعا في التضخم وتزايد تذمُّر مواطنيها. كل ذلك بسبب حرب أوكرانيا.
ليست كل الأخبار كئيبة. فالاقتصادات التي تتخصص في السلع الأكثر تأثرا بالحرب في وضع يتيح لها جني بعض الأرباح من تصاعد الأسعار.
وستحصل بلدان الخليج المصدرة للنفط على أرباح إضافية غير متوقعة. ولن تتأثر هذه المكاسب إلا جزئيا فقط بارتفاع أسعار وارداتها من المواد الغذائية. وارتفعت قيمة بعض عملات بلدان أمريكا اللاتينية منذ نشوب الحرب مع توقع حصولها على إيرادات أعلى من صادراتها من النفط والحبوب. في عام 2021 بدا أن البرازيل تتجه نحو أزمة بسبب ارتفاع معدل التضخم والإسراف الحكومي في الإنفاق المالي. أتاحت الحرب الأوكرانية للبرازيل وهي إحدى البلدان الكبيرة المصدرة للسلع فسحةً من الوقت. لكنها لم تفعل ذلك لمعظم باقي بلدان العالم.
