إشراقات

حــــقوق الجـــــوار

25 يناير 2018
25 يناير 2018

إعداد – نادر أبو الفتوح -

أشار الشيخ عاصم قبيصى من علماء وزارة الأوقاف المصرية في لقائه معنا، إلى أن الشريعة الإسلامية حملت الكثير من الضوابط، التي تحفظ الحقوق، وتحمي المجتمع من الأزمات والمحن، التي من الممكن أن تؤدي لحدوث خلافات بين الناس، وجاءت تعاليم الشريعة واضحة، في حماية حقوق الجيران، لأن المجتمع المسلم يقوم على العلاقات المتينة القوية، بين الجيران سواء كانوا مسلمين أو غير المسلمين وذلك حتى يكون المجتمع نسيج واحد، وجسد واحد يشد بعضه بعضا، وحقوق الجيران تعد من القواعد الأساسية، التي تقوم عليها المواطنة في الإسلام، وقد كفل الإسلام هذه الحقوق لكل الجيران، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وذلك يعد من أعلى صور المواطنة، والتي تجعل للجار حقوق يجب أن تُؤدى، كما أن المواطنة في الإسلام، أوجبت حقوق للجار غير المسلم، لأن الروابط الإنسانية والوطنية تجمع بين المسلم وجاره غير المسلم.

ويؤكد أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، قد حذر من ظلم الجيران أو الانتقاص من حقوقهم، لدرجة أنه صلى الله عليه وسلم، قال في الحديث الشريف: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِ جَارَهُ)، فالحديث الشريف يحمل تحذير لكل من يؤذي جاره، سواء كان هذا الجار مسلم أو غير مسلم، وتعاليم الشريعة الإسلامية، جاءت واضحة أيضا في ضرورة التواصل مع الجيران، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، يقول في الحديث الشريف: (يَا أَبَا ذَرٍّ إِذا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَها وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ)، وهذا الحديث الشريف يحمل معنى المشاركة بين الجيران، لتسود قيم المواطنة الحقيقية، لأنه بهذا السلوك تنتشر المودة بين أبناء الوطن الواحد، ليعيش الجميع في وطن، تسوده قيم ومبادئ المواطنة الحقيقية، التي جسدتها مبادئ الشريعة الإسلامية، ولذلك يجب أن نستفيد من هذه التوجيهات النبوية الكريمة، لتحقيق علاقة قوية بين الجيران، لأن كثير من الأزمات، التي تحدث بين الناس في الوقت الحالي، تكون نتيجة عدم المعرفة بهذه الضوابط، التي حملتها الشريعة الإسلامية.

ويشير الشيخ قبيصي إلى أن الإسلام هو دين المعاملات والأخلاق، وهذه المبادئ هي التي حفظت العلاقات بين المسلمين وغيرهم، طوال القرون الماضية، وقد نظم الإسلام علاقة الجيران، وجعل التعامل معهم بالحسنى والفضل، لأن هذا من شأنه أن يزيد من تماسك وترابط المجتمع، فالجار هو أخ للإنسان في الدين أو الوطن، وهذه العلاقة تستمد قوتها من خلال الحفاظ على الحقوق، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الشريف: (مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ)، وهذا الحديث الشريف يؤكد على منهج الإسلام، في وضع الجار في مكانة عالية، تتطلب البر والإحسان والعدل.

ويضيف أن الله عز وجل قد أمر بالإحسان إلى الحيران، وقد حملت نصوص القرآن الكريم هذه المعاني، في قول الله سبحانه وتعالي: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [الآية 36 سورة النساء]، وهذه الآية الكريمة تحمل دعوة صريحة لحسن معاملة الجيران، وعدم التعدي علي حقوقهم، وضرورة الإحسان لهم، كما تدل هذه الآية علي مكانة الجيران في الإسلام، وكيف أن الشريعة الإسلامية، أوجبت هذه الحقوق، وسبقت كل النظم الحديثة في هذا الأمر، لأن المواطنة في الإسلام تقوم على ترابط كل أبناء المجتمع، وهذه العلاقة القوية تتحقق، عندما يكون هناك توافق وانسجام بين الجيران، فيصبح المجتمع وحدة واحدة، ولذلك فقد اهتم الإسلام بهذه العلاقة، وأوجب حسن المعاملة، وذلك كي يعيش الناس في أمن واطمئنان على أموالهم وأعراضهم.

ويؤكد أن نصوص الشريعة الإسلامية، واضحة في حفظ العلاقات بين الجيران، وقد جعلت الشريعة هذه الحقوق من أسس المواطنة، كما جعلت هذه الحقوق لكل الجيران، مسلمين وغير مسلمين، وقد شمل حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، هذه الحقوق، فقال في الحديث الشريف عن حقوق الجار (إِنِ اسْتَقْرَضَكَ أَقْرَضْتَهُ، وَإِنِ اسْتَعَانَكَ أَعَنْتَهُ، وَإِنِ احْتَاجَ أَعْطَيْتَهُ، وَإِنْ مَرِضَ عُدْتَهُ، وَإِنْ مَاتَ تَبِعْتَ جِنَازَتَهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ سَرَّكَ وَهَنَّأْتَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ سَاءَتْكَ وَعَزَّيْتَهُ، ولا تُؤْذِهِ بِقَتَارِ قِدْرٍك، إِلا أَنْ تَغْرِفَ لَهُمْ مِنْهَا، وَلا تَسْتَطِلْ عَلَيْهِ بِالْبِنَاءِ لِتُشْرِفَ عَلَيْهِ، وَتَسُدَّ عَلَيْهِ الرِّيحَ إِلا بِإِذْنِهِ، وَإِنِ اشْتَرَيْتَ فَاكِهَةً فَاهْدِ لَهُ مِنْهَا، وَإِلا فَأَدْخِلْهُا سِرًّا، ولا يَخْرُجُ وَلَدُكَ بِشَيْءٍ مِنْها يَغِيظُونَ بِهِا وَلَدَهُ).

والمؤكد أن هذا الحديث الشريف، يشمل كل حقوق الجيران، ولو طبق كل إنسان هذه الحقوق، سوف يعيش المجتمع في ود واستقرار، لأن الحديث الشريف يحث على إهداء الجار من الطعام، ومساعدته في السراء والضراء، وغيرها من الحقوق الشاملة، التي تهدف للحفاظ علي نسيج المجتمع، فحقوق الجيران من أسس وقواعد المواطنة في الإسلام، ولذلك فقد نظمت الشريعة الإسلامية هذه العلاقة، وطالبت المسلم بأن يُحسن إلى جاره، وأن يقدم له العون والمساعدة، ويقف معه في كل الأزمات والمحن التي يواجهها.