إشراقات

النظافة :الحقيقة الغائبة

30 يناير 2020
30 يناير 2020

علي بن سعيد العلياني -

النظافة جزء لا يتجزأ من حياتنا، وهي ترافقنا في كل خطوة نخطوها أو عمل نعمله، فالحياة لا تعطى على طبق من ذهب، بل هي مكابدة وكفاح من أجل الأفضل والأجمل والأحسن والنظافة تتطلب إدراكا ووعيا يكونان الدافع الأساسي للاستمرار في النفس النهج بكل حماس وعزيمة، وعطاؤنا في هذا الجانب لا بد أن يتواكب معه نتيجة بقدر العطاء فكلما كان كبيرا كانت النتيجة أكبر، وكلما تضاءل العطاء كانت النتيجة تبعا لذلك صغيرة وغير فعّالة وفوق هذا وذاك ينقلب الصعود نزولا والتقدم تأخرا والبهجة والفرحة ضيقا وكآبة لكن ما السبب في إهمال البعض للنظافة أو عدم التعاطي مع هذا الجانب المهم كما يجب.

سنقف على هذه التساؤلات من خلال الوقفات القادمة:

الحقيقة الغائبة عن أذهان البعض بالنسبة للنظافة أننا نتعامل مع الحياة من خلال أطر محددة لا بد من التعاطي معها على أنها مهمة ولا يحب التفريط فيها مهما كان الأمر والتمادي في جعل النظافة ركنا غير مهم يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.

الحقيقة الغائبة عن ساحتنا أن النظافة مصدر التقدم والرقي والازدهار وبالتالي حتى نصل إلى هذه القناعة المهمة يجب أن نعمل لها ليلا نهارا؛ لأننا نستحق أن نكون في مقدمة الركب بدل أن نعيش على الهامش.

الحقيقة الغائبة أن نكون أمة مستهلكة وفوق ذلك لا نستطيع أن نتخلص من آثار هذا الاستهلاك في صورة عجزنا عن التخلص من النفايات والفضلات الناتجة وهذه حقيقة مرة لا بد أن نعترف بها فإذا كنا نقول إن الدول المتقدمة تنتج كثيرا من المخلفات والأدخنة بسبب وجود كم كبير من المصانع التي تزودنا بحاجاتنا الأساسية، فهؤلاء ممكن أن نجد لهم عذرا مع أنهم حاليا يتبعون سياسات صارمة في الحد من التلوث، فما عذرنا نحن؟

الحقيقة الغائبة أننا نستطيع أن نشتري كل شيء بالمال إلا النظافة فهي ممارسة يومية ترافق كل منا داخل بيته وخارجه وفي كل مكان وبالتالي فالنظافة هي وعي وإدراك وثقافة وذوق قبل أن تكون عملا أو مهمة ممكن نقضيها.

الحقيقة الغائبة أن النظافة تخلق الحب والتقدير والاحترام بل أنها تؤدي إلى رفع قيمة الإنسان في نظر غيره، فالإنسان الأنيق الذي يحافظ على بيئته نظيفة هو شخص له كل المحبة والثناء العاطر وبالتالي كل ما نعمله في مجال النظافة في أن يجد الإنسان نفسه له مكانة رفيعة بين أبناء جلدته لأن هذا يولد التقارب والتآلف والتجانس الذي ينتج عنه العمل لأجل رفعة الجميع وتقدم المجتمع.

الحقيقة الغائبة أننا نعيش مع النظافة سعداء مبتهجين وفوق ذلك نحس بالرضا عن أنفسنا وما قدمناه في هذا الجانب ولكننا بالمقابل نعيش تعساء مكتئبين إذا أهملنا هذا الجانب وهذه النقطة تدفعنا لعمل المزيد ولبذل الغالي والنفيس ففي سبيل السعادة تهون كل التضحيات.

الحقيقة الغائبة أن الفرق بين النظافة وعدم النظافة هو القناعة بالدرجة الأولى وهنا وجود المال من عدمه لا يمثل عائقا أو فارقا فكم من فقراء اهتمامهم بالنظافة أكثر من أغنياء في ناحية أخرى.

الحقيقة الغائبة أن البذل والعطاء والنزول إلى الواقع لا يعني أنك أو أنه إنسان بسيط بل هذا دليل العظمة وحب الرقي والتقدم فكل إنسان يعطي في هذا الجانب مع أنه لا ينتظر مقابلا دليل على علو شأنه ورفعة قدره عكس النظرة السائدة التي توحي أن الاهتمام بالنظافة الخاصة أو العامة أمر عادي لا يثير الاهتمام لكن عامل النظافة في اليابان يسمى طبيب الصحة العامة وقد نجحوا في ذلك لأنهم يملكون أنظف بقاع الأرض ومستمرون على هذا النهج الذي أنتج لهم رقيا وحضارة بزت كل الحضارات.

الحقيقة الغائبة أن النظافة تستحق أن يكون لها دليل إرشادي في كل مكان يستعين به من أراد أن يسير في الاتجاه الصحيح كما أننا يجب أن ننشر ثقافة النظافة قدر المستطاع وبكل الوسائل الممكنة حتى نكون أدينا شيئا نعذر به أنفسنا.

الحقيقة الغائبة عن أذهان البعض أن الشوارع والمساحات الخالية ليست مكانا لرمي النفايات بل هي أماكن نظيفة في الأصل يجب أن نحافظ على نظافتها بدل أن نحولها إلى مكان مليء بالنفايات تظهر وجها غير حضاري.

الحقيقة الغائبة التي تعاني منها هو استخدامنا سلال مهملات مفتوحة داخل بيوتنا تكون مرتعا للذباب والبعوض ومصدرا مهما للميكروبات الضارة وهذا جلب للضرر من حيث أننا نتصور أنه جلب المنفعة.

الحقيقة الغائبة أننا نعتذر أحيانا بوجود مسببات لعدم نظافة بيوتنا والحقيقة لا مجال للأعذار فكما أن النظافة هي واحدة كذلك القذارة واحدة وكما أن النظافة مصدر للصحة كذلك القذارة مصدر للمرض فيجب أن لا نساوم على صحتنا بالأعذار الواهية والحجج غير المقنعة والكلام الذي لا يقدم ولا يؤخر.

الحقيقة الغائبة عن أذهاننا أن الوقت الذي نقضيه في المحافظة على نظافة البيئة التي نعيش فيها هو وقت غير ضائع بل هو وقت له مردود عال على عكس أننا نبذل أوقاتا طويلة مع أشياء لا تسمن ولا تغني من جوع فكم من اليوم نقضي أوقاتا مع الهاتف لأجل التسلية وهناك مشاوير فقط للتنفيس وهم الترويح ونحن في الوقت نفسه نزيد من نسبة العادم في أجوائنا ونلوث الهواء الذي نتنفسه.

الحقيقة الغائبة هي أن النظافة أولوية تستحق أن تقدم على أشياء كثيرة نحن نوليها الاهتمام أكثر بكثير من النظافة فنحن مستعدون لمشاهدة مباراة مدتها ساعتان ولكننا غير مستعدين أن نأخذ نصف ساعة كل يوم لمراقبة بيوتنا هل هي نظيفة أو غير نظيفة مع أن المباراة على سبيل المثال لا نأخذ منها شيئا سوى أنها مصدر لتمضية الوقت والنظافة جزء لا يتجزأ من حياتنا إذا أردناها سعيدة هانئة.

الحقيقة الغائبة أننا نحسب الاتكال على الهيئات الحكومية المختصة بالنظافة العامة هو نهاية المطاف. أليس ما نعانيه من رمي المخلفات هنا وهناك هو نتيجة طبيعية للاتكالية الزائدة وعدم وجود مبادرات أو خطوات عملية من جانب المجتمع في هذا الشأن.

الحقيقة الغائبة هو أننا عندما نسكت عن التصرفات غير اللائقة من أولادنا تجاه البيئة فإن هذا نسيج بيئة غير سليمة بل وأحيانا خطرة تعرض الجميع للوقوع في نتائجها الوخيمة فالذي يتلذذ بتكسير الزجاج ونجد الطرقات والممرات والساحات تعج بالزجاج المكسور الخطر والذي يظل في البيئة أزمانا طويلة لأنه لا يتحلل، أليس من المفروض أن نأخذ بيده نحو الإقلاع عن هذه العادة السيئة.

الحقيقة الغائبة أن التعاون من قبل الجميع في سبيل إيجاد بيئة نظيفة يجعل من السيطرة على كل السلبيات في هذا الجانب سهلًا ميسورًا فيد الله مع الجماعة واليوم نجد أن هذا التعاون مطلوب أكثر من أي وقت مضى لأن الطفرة الاقتصادية والزيادة السكانية المتنامية يومًا بعد يوم يزيد من العبء ويفرض واقعا يحتم على الجميع الوقوف صفًا واحدًا في سبيل الوصول إلى حلول ترضي الجميع.

الحقيقة الغائبة أن تقسيم الناس إلى بدو وحضر لا يعني بالضرورة أن أهل البداوة ليس واجبا عليهم أن يعتنوا بالنظافة بل أن النظافة عامل مشترك بين الجميع لأن الصحة والسعادة والجمال مطلب الكل وبالتالي وضع أهل البداوة في خانة أن النظافة غير مهمة هو تقسيم خاطئ ويعتمد فقط على الكلام الذي ليس هناك طائل من ورائه وهي نظرة خاطئة من أساسها.