1387888
1387888
إشراقات

العمل التطوعي يقوي أواصر التراحم والتآلف ويعزز بنيان التعاون والتكاتف ويبث روح المحبة والوئام

05 ديسمبر 2019
05 ديسمبر 2019

الإخلاص والأخلاق.. أمران لا بد من توافرهما فيه -

يناقش موضوع خطبة الجمعة اليوم (العمل الإنساني والسعي التطوعي) ويؤكد على انهما يحتاجان إلى توفر أمرين (الإخلاص والأخلاق)؛ حتى تكون للعمل ثمرته، ولا بد لكل فرد من ملازمتهما؛ حتى يكون له في مجـتمعه أثر معروف وبصمة خير.

وتؤكد على أن مما يجعل للمرء الأثر الطيب في مجـتمعه، والأجر العظيم عند ربه، السعي لخدمة الآخرين، والتطوع في الأنشطة والفعاليات الاجتماعية، فيساعد الضعيف، ويعين المحـتاج، ويضحي من وقته وماله لصلاح مجـتمعه، وراحة أهـله وأبناء وطنه، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ((خير الناس أنفعهم للناس)).

فالعمل التطوعي يقوي أواصر التراحم والتآلف، ويعزز بنيان التعاون والتكاتف، ويبث روح المحبة والوئام، فيكون المجـتمع لحمة واحدة، يصدق فيه وصـف المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)). كما أن في العمل التطوعي استغلالا للطاقات، وتوظيفا للموارد، وصونا للمال العام.

إن الاختراعات التي تتنعم البشرية اليوم بمنافعها ما كانت لتوجد لولا روح الإبداع الدافعة لأصحابها، ومناهج التجديد والإصلاح التي جنى الناس حسن ثمارها ما كانت لتوجد لولا حب المبادرة عند روادها. بادر بعض علماء المسـلمين بوضع النقاط على الحروف، وتأسيس علم العروض، وتقعيد قواعد النحو والصرف في العربية، فذهب من بادر وبقي الأثر عظيما، وما زالت بصمات علماء المسـلمين الأوائل في الطب والرياضيات والفيزياء وغيرها إلى اليوم، تدخل في التجارب والتطـبيقات، وتدرس في المدارس والجامعات، ففتش في ذاتك عن قدراتك، ولا تسـتهن بإبداعاتك، وبادر دائما بأفكارك الخلاقة، وإسهاماتك الناجحة، ولتعـلم أن الإبداع والمبادرة والتطوير ليست بحاجة إلى الذكاء والفطنة بقدر ما هي بحاجة إلى الشجاعة والإقدام، والشغف والحماسة والهمة. ومما يجعل للفرد منا الأثر الطيب في مجـتمعه كذلك، الحرص على إتقان العمل، والتفاني في تحـقيقه وإنجازه، فالإخلاص والأمانة يقودان إلى ذلك، ومراقبة الله والطمع في ثوابه يحتمان ذلك.

وتشير إلى انه مما يعمق الأثر الطيب للمرء في مجـتمعه أن يكون ذا تخصص، فالجميع يسـتطيع ولوج مجالات الثقافة والمعرفة العامة، والجميع يسير في ميادين الأعمال العادية، والمعاملات الاعتيادية، لكن المجالات التخصصية لا يحـسنها ويتـقنها إلا القلة من الناس، وهؤلاء هم الأوسع تأثيرا فيمن حولهم، والأعـظم أثرا في مجـتمعاتهم، والأكـثر نفعا لأوطانهم. المـتخصصون هم ممن يذكرهم التاريخ ولا ينساهم؛ لعظيم نفعهم وعميق أثرهم، فإذا ذكر مجال معين كان اسم الشخص الذي برع في ذلك المجال حاضرا معه، وهذا لا يقتصر على مجال دون آخر، فقد يكون المتخصص بارعا في علم من العلوم، أو مبدعا في مهـنة من المهن، أو متميزا في صناعة من الصنائع.. فلا يمـكن أن يكون جميع الناس علماء، كما لا يمكن أن يكون جميعهم أولي تخصص في تجارة أو زراعة أو صناعة، فلكل تخصصه، وذو التخصص مقدم في مجاله وميدانه. إن المرء الذي لا تخصص له لا يكون له أثر بارز، ولا إبداع متحقق، كما أن المرء الذي يخوض في غير تخصصه يكون ضرره أكـثر من نفعه، وخطؤه أكـثر من صوابه، وقد قيل: ((من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب))، وقيل: ((إن من خاض فيما ليس من شأنه، فأقل ما يصيبه افتضاحه عند أهـله)). فليكن لكل منا تخصصه الذي فيه يبدع، وفي ميدانه يصول، وفي سمائه يتألق.

ودعت إلى أن يدرك الناس أن التطوع مجالاته واسعة، ولتكن لكل فرد منكم بصمته الخاصة في مجـتمعه، وأثره الطيب فيمن حوله، ليصـنع بصـمته بقضاء حوائج الناس، وبالإصلاح بيـنهم، وليضع بصـمته في الأعـمال التطوعية، والمشاريع الأهـلية، ليضع بصـمته في الحفاظ على البيئة، والممـتلكات العامة، وليصـنع بصـمته ولو بإسداء نصيحة، أو التصدق بالقليل، أو بإماطة الأذى عن الطريق.

مشيرة إلى أن هناك أمرين لا بد من توافرهما في كل عمل إنساني، وسعي تطوعي؛ حتى تكون للعمل ثمرته، ولا بد لكل فرد من ملازمتهما؛ حتى يكون له في مجـتمعه أثر معروف وبصمة خير، إنهما الإخلاص والأخلاق. فلا بد للمرء من أن يجعل نصب عيـنيه مرضاة ربه، ويكون مقصده طاعة خالقه، في أي عمل خير يأتي به، وفي كل هدف نبيل يسعى إلى تحـقيقه، عندها يجد أن الإخلاص يفـتح المغاليق، ويسهـل السبل، ويعين على تحمل الصعاب واجتياز العوائق، أما الأخلاق - أيها الأحبة - فإنها تفـتح قلوب الناس، ويكـتب لصاحبها القبول، ويكون لسعيه الأثر، ولكم خير مثال في رسولكم صلى الله عليه وسلم.

وحثت الناس على أن يجـعلوا لهم أثرا طيـبا بحسن خلقك حيـثما حلوا وأيـنما كانوا، فالكلمة الطيـبة صدقة، وتبسمك في وجه أخيك صدقة. وليكن الإخلاص منهم لله دائما في سعـيهم وأعمالهم، وان يطلبوا منه سبحانه دائما التسديد والتوفيق، وليكن شعارهم (وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب).