1457129
1457129
إشراقات

الإسلام يدعو أتباعه للتعلم.. والدول التي تمتلك المعرفة تتصدر العالم اقتصاديا وسياسيا وعلميا

12 مارس 2020
12 مارس 2020

الأمة المتعلمة لها نصيب وافر من الحضارة والتقدم والريادة -

الحوسني: الكتاب صانع الحضارات وقائد المجتمع نحو الرقي ودرجات المجد والحضارة -

«البيئة البعيدة عن المعرفة بيئة يكثر فيها الإجرام وتكثر فيها المشكلات بمختلف أنواعها، والمجتمع المهتم بالعلم يكون بعيدا عن هذه الإشكالات الاجتماعية، وأي أمة أخذت بجانب من العلم كان لها نصيب وافر من الحضارة والتقدم والريادة والعلو، وقد كان اهتمام العلماء بالكتاب اهتماما بالغا فكانوا يقضون سحابة ليلهم ونهارهم مع الكتاب تأليفا وكتابة وتحريرا، وأنفقوا في ذلك النفقات الكثيرة جدا.. ذلك ما أكده الدكتور صالح بن سعيد الحوسني في محاضرته حول موضوع القراءة.

وأشار إلى أن الإسلام يشجع على العلم ويدعو اتباعه للتعلم.. مشيرا إلى أن هذا العصر الغلبة فيه للمعرفة وأن الدول التي تمتلك المعرفة هي التي تتصدر العالم اقتصاديا وسياسيا وعلميا.. مبينا أن الكتاب صانع الحضارات وصانع الشعوب وصانع الأفراد وهو دلالة على رقي المجتمع وعلى وصوله إلى درجة المجد والحضارة، وأن أي أمة يكون بينها وبين الكتاب العداء والجفوة هي أمة متخلفة لا قيمة لها ولا مكانة لها في المجتمعات.. المزيد من ذلك في محاضرته التالية:

وقد استهل الدكتور صالح الحوسني محاضرته حول هذا الموضوع بقوله: من المعلوم أن أمة الإسلام هي أمة حضارة وأمة علم وأن أول ما كان من قطرات الوحي على قلب النبي صلى الله عليه وسلم هي كلمة (اقرأ) فإذن هذه الدعوة هي دعوة علم وتعلم، وما يلاحظ في هذا العصر أن الغلبة للمعرفة وأن الدول التي تمتلك المعرفة هي التي تتصدر العالم اقتصاديا وسياسيا وعلميا، فنحن اليوم أمام ثورة علمية نشاهدها ونلاحظها بين الحين والآخر، مبينا أن الشعائر والعبادات تعتمد اعتمادا كبيرا على المعرفة، فكلما كان الإنسان متقنا لها كان أقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وكلما كان جاهلا بها ابتعد عن الوجه الصحيح، ولذلك فإن عبادة الله سبحانه وتعالى إنما تقوم على العلم.. كما قال ذلك شيخنا السالمي: «عبادة ليس بها تفقه.. لا خير فيها إنها لبله».. وكثيرا ما تقع الأخطاء بسبب الجهل، ومثالا على ذلك: دولة ماليزيا قبل سنوات قلائل كانت عندهم ظاهرة الطلاق، فقد ارتفعت نسبتها ارتفاعا كبيرا، وصلت إلى نسبت 38% وبعد أن وقفوا مع هذا الموضوع وجدوا أن الجهل هو سبب هذه المشكلة، فماذا فعلوا لعلاج هذه المشكلة؟ لقد أوجدوا بما يسمى «رخصة الزواج» كل من أراد أن يتقدم للزواج عليه أن يجتاز مجموعة من الاختبارات، بعدها يعطى رخصة تؤهله للزواج، ومن لم يستطع الحصول على تلك الرخصة معنى ذلك انه يحتاج إلى معرفة ويحتاج إلى علم، ويحتاج إلى أن يكتسب مجموعة من المهارات تؤهله بعد ذلك لتحمل متطلبات الحياة الزوجية، ولما شرعوا لتطبيق تلك الخطة انخفضت نسبة الطلاق عندهم إلى نسبة 8% والسبب في ذلك تسلحهم بالعلم والمعرفة.

بيئة معرفية

وأضاف قائلا: السبب الذي يدعونا لطرح هذا الموضوع أن البيئة التي تكون بعيدة عن المعرفة هي بيئة يكثر فيها الإجرام وتكثر فيها المشكلات بمختلف أنواعها، فالمجتمع المهتم بالعلم وبالقراءة والذي عنده من الثقافة عادة يكون بعيدا عن هذه الإشكالات الاجتماعية، مبينا انه ما يدفعنا لطرح موضوع الكتاب هو تلك الجفوة الحاصلة بين الإنسان وبين الكتاب إن المعارف في تزايد وفي حركة دؤوبة، في كل يوم المطابع تقذف الكثير من المطبوعات من الصحف والمجلات والدوريات المتخصصة التي تحتاج من طلاب العلم أن يقوموا بقراءاتها والاطلاع عليها، وحتى ننمي عادة القراءة ينبغي أن نعلم عدة أشياء أولها: إن الإسلام يشجع على العلم ويدعو اتباعه للتعلم، فالحق سبحانه وتعالى يقول: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)، وقوله تعالى: (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)، وقوله سبحانه: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) فالآيات في هذا الجانب كثيرة، وكذلك أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم كقوله: «طلب العلم فريضة على كل مسلم»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهل الله له طريقا إلى الجنة»، وكثيرا ما تغنى العلماء بالعلم وذكروه في موضع الإشادة والتقدير والاحترام، فهنالك يفتتح كثير من العلماء مصنفاتهم بباب العلم، ويذكر إشادة وإطراء كبيرا للعلم وأهله، وكثيرا ما تغنى العلماء بالكتاب وذكروه بموقع التقدير:

أعز مكان في الدنا سرج سابح

وخير جليس في الزمان كتاب

وأكد الحوسني قائلا: ينبغي علينا أن ندرك قيمة القراءة وبدون ذلك لا يمكننا أن نقرأ، فمعرفتنا بقيمة القراءة يدفعنا إليها، وإذا اردنا أن نحصي فوائد القراءة فيحتاج منا إلى وقت طويل، مبينا أن من بعض فوائدها أنها سبب للشفاء من بعض الأمراض، فقد أثبتت دراسة أنها سبب لشفاء ما يقارب من 250 نوعا من الأمراض، خاصة الأمراض النفسية التي انتشرت كثيرا، ولذلك وعت بعض المجتمعات ذلك وسنت بعض القوانين منها: أن السجين القارئ تخفف له العقوبة، فمن كانت محكوميته على سبيل المثال عشر سنوات وقرأ مجموعة من الكتب تخفف عنه العقوبة إلى مقدار معين، والسبب في ذلك انهم يعرفون أن القراءة سوف تصنع منه عنصرا نافعا لنفسه ووطنه وأمته، كما أن الإنسان يدفع عنه الجهل بالقراءة والاطلاع، وفي مقدمة ذلك قراءة القرآن الكريم قراءته عبادة وأجر عظيم. مؤكدا انه كلما كثرت القراءة لدى الأفراد ينتج عن ذلك مثقفين، الأمر الذي يجنب المجتمعات الكثير من المشاكل وفي مقدمتها الجرائم وتقل فيها نسبة المنازعات والخصومات والشكاوى حيث إن الفراغ دائما ما يخلق المشاكل والشخص القارئ ليس لديه فراغ لتوافه الأمور فهو يسبح في بحر من الفوائد يجنيه باستمرار من القراءة ولذلك فعلى أولياء الأمور أن لا يغرسوا في نفوس أبنائهم انهم يتعلمون من أجل الحصول على الوظيفة وإنما يغرسون فيهم أن العلم من اجل الارتقاء بشخصيتهم وليعرفوا مكارم الأخلاق. مشيرا إلى أن هناك ما يسمى بالساعة الذهبية للقراءة وهي الفترة التي يكون فيها الإنسان في أقصى درجات استيعابه وهي تختلف من إنسان إلى آخر، فعادة ما تكون وقت الصباح الباكر، مبينا انه لا يعني ذلك أن نحصر القراءة خلال تلك الفترة، بل الإنسان لو استطاع أن يقرأ كل يوم ساعة واحدة ويواظب عليها لاستطاع بإذن الله بعد فترة من الزمن أن يقرأ كتبا كثيرة وان ينتفع بما فيها من أشياء، وله أن يستغل التقنية الحديثة في إعانته على ذلك كأن يتصفح من خلال هاتفه الكتاب الإلكتروني عندما يجد سانحة من الوقت.

تقدم وريادة

ويقول أحد العلماء: إذا أردت أن تعرف قليلا فعليك أن تقرأ كثيرا، فأي أمة أخذت بجانب من العلم كان لها نصيب وافر من الحضارة والتقدم والريادة والعلو، وقد كان اهتمام العلماء بالكتاب اهتماما بالغا فكانوا يقضون سحابة ليلهم ونهارهم مع الكتاب تأليفا وكتابة وتحريرا، وأنفقوا في ذلك النفقات الكثيرة جدا، وكانوا حريصين على الكتاب خوفا عليه من الضياع، وكان حرصهم على الكتاب حرصا كبيرا جدا، ويروى أن احدهم من شدة حرصه على الكتاب انه إذا سمع كتابا جديدا لا يهدأ له بال حتى يقتني ذلك الكتاب، ومن المعلوم أن أهل عمان كان لهم اهتمام خاص بالكتب فهنالك مكتبات نقلها لنا التاريخ ضمت الكثير من الكتب ومن تلك المكتبات: مكتبة الشيخ محمد بن مسعود البوسعيدي في منح، ومكتبة الشيخ خلف بن سنان الغافري، مشيرا إلى أن كثيرا من الناس يود معرفة أفضل الكتب التي يمكن أن يقتنيها فهنالك جملة من النصائح يمكن أن نضعها عند الإقدام على شراء الكتب، ومن تلك النصائح أن الإنسان عليه أولا أن لا يغتر بالعناوين البراقة، فهناك من الكتاب الذي يستعجل أصحابها أمر إصدارها وهم غير مؤهلين لذلك، فيأتي الإنسان ربما قد يغتر بذلك العنوان الذي يبحث عنه فيتعجل في اقتناء ذلك الكتاب ثم بعد ذلك يتفاجأ بأن مضمونه هزيل ومعارفه متواضعة، والمعلومات فيه هزيلة ونحو ذلك مما قد يندم بعد ذلك على شرائه، فمن المهم أن تعرف الكاتب وان تقرأ له فيما مضى، وان تعرف أهمية الكتاب، ففي بعض الأحيان تعمد دور النشر إلى تغليف الكتاب بغلاف لا تستطيع فتحه، فمن حقك كقارئ أن تتطلع على مضمونه، وتتصفحه بطريقة سريعة قبل أن تشتريه، وأيضا عليك أن تطلع على المراجع التي اعتمد عليها المؤلف، ونحو ذلك مما يمكنك بعد ذلك معرفة قيمة الكتاب، فإذا ظهر لك أن الكتاب قيم ومفيد وانك بحاجة إليه عندئذ يمكنك أن تقتنيه، وإياك أن تشتري كتابا انت لست بحاجة إليه، فبعض الناس مولع بجمع الكتب، وكأن الكتب خصصت للعرض يضعها في مكتبته وفي مجلسه دون أن ينتفع بها، ولا شك أن من يقع في ذلك قد خسر خسارة كبيرة، ولا يبعد عنه أيضا أن يناله شيء من الإثم في شرائه ما يقصد الانتفاع بها.

خماسية القراءة

وأوضح الحوسني قائلا: علينا أن نعلم بأن فائدة الكتاب إنما تكون بقراءته وان تلك الدعاوى وتلك الشعارات التي يحتج بها بعض الناس في إهمالهم للقراءة وفي هجرهم للكتاب هي دعاوى فارغة (ولو ألقى معاذيره)، فعلى الإنسان أن لا يلقي الأعذار بل عليه أن يشرع في القراءة وتكون له خطة، مشيرا إلى أن هنالك ما يسمى بخماسية القراءة والتي ذكرها بعض المهتمين بالقراءة وهي: ماذا أقرأ؟ ولماذا أقرأ؟ وأين أقرأ؟ وكيف أقرأ؟ ومتى أقرأ؟، فعلى الإنسان أن يستحضر هذه الخماسية وان يستعين بالمختصين في معالجة الكثير من القضايا المتعلقة بالأعذار وبتلك المسوغات التي يحتج بها بعض الناس في تركهم للقراءة فعلى الإنسان أن يكون شأنه ودأبه القراءة باستمرار وان يحدد له وقتا محددا للقراءة، وعليه أن لا يهمل ذلك الجانب، بجانب ذلك لا ننسى أن أبناءنا لهم حق علينا، وأن لهم نصيب من شراء الكتب، حتى ننمي فيهم عادة القراءة، ومما ذكر في ذلك الجانب ينبغي أن تكون هناك مكتبة في كل بيت، وينبغي أن نعين الأطفال على اقتناء الكتب النافعة وأن نعرض لهم بعض المقترحات في ذلك وعادة يحب الأطفال وتستهويهم الكتب التي تحتوي على القصص وتحتوي على الصور، فيمكن أن نحضر لهم شيئا منها ففي ذلك خير كثير، وأيضا لا ننسى أن هنالك أمرا قد يكون سببا في عدم الاهتمام بموضوع القراءة وهو موضوع اللغة فبعض الناس يريدون القراءة ولكن اللغة معهم ضعيفة، فينبغي أن يكون هناك اهتمام بأدوات القراءة ومن ضمنها اللغة، فموضوع اللغة ومعالجة الكلمات والأخطاء النحوية والإملائية الشائعة عند الكثير هو مما يعين على موضوع القراءة فينبغي على دور العلم ومؤسسات التعليم الاهتمام بهذا الجانب، وهناك الكثير من الأفكار التي يمكن أن يستعان بها في تنمية مهارة القراءة عند الناس كعمل حلقات يومية يتم فيها قراءة كتاب معين وتدارسه ومناقشته وطرح بعض الأفكار والرؤى حول ذلك.

مجتمع راق

وأشار إلى أن من الأفكار المطروحة على تنمية ملكات القراءة هناك عادة في بعض المجتمعات الغربية وهي «اترك كتابا في مقهى» فعندما ينهي الإنسان الكتاب وعادة لا يعود إليه، فمن المناسب أن يأخذ هذا الكتاب ويضعه في مكان عام لينتفع به الجميع، ويا حبذا أن يستأذن قبل وضعه في ذلك المكان، وان يكون ذلك الكتاب من الكتب العامة التي يسهل قراءتها والانتفاع بها والتي لا تثير شيئا من حفائظ الآخرين، كما ينبغي للإنسان ألا يعير كتبه للآخرين خوفا عليها من الضياع إلا إذا كان يثق في ذلك الإنسان انه سيعيد إليه كتابه.. مختتما حديثه بذكر أهمية الكتاب الذي وصفه بأنه صانع الحضارات وهو صانع الشعوب وهو صانع الأفراد وهو دلالة على رقي المجتمع وعلى وصوله إلى درجة المجد والحضارة، وأن أي أمة يكون بينها وبين الكتاب العداء والجفوة فلا شك أنها أمة متخلفة لا قيمة لها ولا مكانة لها في المجتمعات، فعلى كل فرد من أفراد المجتمع أن يحرص على القراءة، وعلى المؤسسات المجتمعية عامة ووسائل الإعلام خاصة أن تحرص على هذا الجانب حرصا متواصلا تنمي عادة القراءة وتذلل الصعاب وتهيئ الظروف لطلاب العلم للقراءة والاطلاع، فالعلم يرفع بيوتا لا عماد لها.. والجهل يهدم بيوت العز والشرف.