No Image
إشراقات

هل تعوُّد النعمة يؤدي إلى عدم الشعور بها؟

16 سبتمبر 2022
السفر لمعرفة أحوال البلدان يعيننا على شكر النعم
16 سبتمبر 2022

  • خالد المويتي: شكر النعمة بتحسس أحوال المعسرين والسعي إلى إحياء مبدأ التكافل الاجتماعي
  • مبارك العامري: السفر للبلدان الفقيرة ومشاهدة أحوال الناس خير باعث لاستشعار نِعم الله علينا

يذهب مبارك بن مسلم العامري إلى أن الله عز وجل أنعم علينا بنعم كثيرة لا نُحصيها ولكننا دون أن نشعر نفكر فيما ينقصنا، وننسى ما تملكه أيدينا من نِعَم كالزوجة الصالحة، والسمعة الطيبة، والصحة والعافية، والحواس الخمس، والأمن في بلادنا وغيرها الكثير من النعم ألِفناها وكأنها ليست نِعَما، وفقدنا الإحساس بها وكأنها حقٌ مكتسبٌ.

وأشار إلى أن «النعم إذا أُلِفت نُسِيت، ومن الواجب علينا أن نستشعر النعم التي أُلِفت ونبحث عنها ونتفكر فيها لنؤدي شكر النعم الذي أمرنا الله عز وجل به في كتابه الكريم في سورة النحل: (وَاشۡكُرُوا۟ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ إِیَّاهُ تَعۡبُدُونَ)، وإن الشكر الدائم على كل صغيرة وكبيرة مما أنعم الله به علينا دليلٌ على يقظة القلب وإيمانه بفضل الله عز وجل عليه، ولو استمر الإنسان في شكر نعمة واحدة فقط كنعمة البصر لا يمكن أبدا أن يوفي الله حقها».

في حين أورد خالد بن خميس المويتي للإجابة عن هذا الموضوع قصة لمقطع انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي يتمثل في وجود شخص يحمل طبقًا من الأرز، وقد تجمّعت حوله مجموعة من الصبية وبمجرد أن وضع طبق الأرز على الأرض هجم عليه جميع الصبية مهرولين وفي لحظات قضوا على ذلك الطبق وكل منهم لم يحظَ إلا بلقمة واحدة خاطفة، وقد تباينت ردة فعل المتابعين في مواقع التواصل الاجتماعي بين ساخر وشامت وفي ذلك دلالة واضحة أن هؤلاء لم يتوقعوا ولو للحظة واحدة وجود شخص لا يجد الطعام وفي هذا دلالة بينة أن هؤلاء ألفوا النعمة فنسوا قدرها وأن لو استشعروا عظم هذه النعم التي يتقلبون فيها لما بدر منهم ما بدر.

أما إبراهيم الجابري فبين أن الشكر هو عبادة عظيمة ومن أوجب الواجبات على الإنسان تجاه النعم التي يتقلب فيها والتي أنعم الله بها عليه من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ومركب وعلوم وآلات، نعم الله كثيرة لا تعد ولا تحصى «وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار» فهو ظالم لنفسه وكافر بهذه النعم وذلك بعدم شكرها وعدم حسن التصرف فيما سخّرها الله له، وإنّ تعوّد النعم وألفها والاشتغال طوال اليوم بما ينسي الإنسان قيمة هذه النعمة ولربما يصل به إلى نسيان مُسديها وعدم الشعور بها وعدم الإحساس بالآخرين الذين فقدوا شيئا من هذه النعم. ويؤكد ماجد التوبي على هذا الأمر ذاكرًا أن نسيان النعمة عائد إلى الطبيعة البشرية «فما سُمّي الإنسان إلا لنسيه».

ولا تجد أكثرهم شاكرين

وحول وعد إبليس لرب العالمين بعدم شكران العباد للنعمة والذي أصبح ظاهرا في هذا العصر، والتداعيات التي عززت هذا الأمر يقول مبارك العامري: «إن إبليس قد أوهم الناس أن هذه الدنيا دار بقاء وليست دار فناء، وزيّن لهم دنياهم وخصوصا في هذا العصر حيث جعلهم يتنافسون عليها كأنهم خالدون فيها وخُلقوا لها، فتراهم يتقلبون في نعم الله دون أن يشعروا، وأصبحوا يمتلكون أمورا لم يمتلكها الملوك في أزمنة سابقة كالسيارة وغيرها من أمور الرفاهية، وجعلهم ينسون شكر الله».

ويضيف: «العاقل الفطن يعلم أن دوام الحال من المُحال، فكم من آمن أصبح خائفا، وكم من صحيح أصبح مريضا، وكم من غني أصبح محتاجا، وكم من مبصرٍ أصبح أعمى، وكم من متحركٍ أصبح عاجزا، وكم من شاب وشابة باغتهم الموت وهم مفتونون بهذه الدنيا التي زيّنها لهم الشيطان، فلنحمد الله على ما أعطى وأبقى، فلنحمد الله ولنكن من القليل الذين امتدحهم الله في سورة سبأ بقوله (وقليل من عبادي الشكور)».

في حين عزا إبراهيم الجابري التداعيات التي عززت عدم شكر النعمة هو الانشغال بالأعمال والانغماس في ملذات الدنيا والانبهار بالماديات، بما أنتجه العصر من التكنولوجيا واستخدام التقنيات والوسائل الحديثة، ونقص الجوانب الروحية، كل ذلك أشغل الناس عن شكر النعم كما أشغلتهم عن العبادات التي تُذكّرهم بقيمة النعمة وتذكُرها وشكرها.

ويذهب ماجد التوبي إلى أن «شيوع النعم بين الناس وعدم استحضار أنها من الله يؤدي بالإنسان إلى نسيان الله وشكره، فعدم استحضار المنعم يؤدي إلى الغفلة عن النعمة، كأن يربط ما به من نعم إلى وظيفته أو أي عمل يقوم به، وكذلك الإسراف في المأكل والملبس والتباهي بذلك».

السفر ومعرفة أحوال البلدان

يقول خالد المويتي: «لا شك أن الضرب في الأرض يعلّم الإنسان الكثير من الفوائد ومن بينها الاطلاع على أحوال البلدان المختلفة فما يعتقده البعض عن بلده من ضيق يكتشف أنه رفاهية عند آخرين حال ملامسته للعوز والفاقة التي يشعرون بها، ونكاد نتفق أن أهل الخليج خاصة قد حباهم الله من النعم ما يعد معدوما عن آخرين مع اعترافنا بوجود المعسرين ولكن لا يمكن مقارنتهم بأولئك الذين لا يجدون ما يستر أبدانهم ولا ما يسكت جوعهم وأيم الله هالني ما رأيت من أحوال المشردين في بعض الدول الشرق آسيوية ومدى افتقارهم لأقل مقومات الحياة».

في حين يبين مبارك العامري أن «السفر في العصر الحديث بحد ذاته نعمة عظيمة تستوجب شكر المُنعم سبحانه، فقد كان أسلافنا يستغرق سفرهم للحج مثلا شهرا فأكثر، ونحن نقطع المسافة نفسها في ساعاتٍ قليلة بالطائرة المزودة بأجهزة التكييف وغيرها من وسائل الراحة».

وأضاف: «إن السفر للبلدان الفقيرة بشكل خاص ومشاهدة أحوال الناس فيها لهو خير باعثٍ لنا لاستشعار نِعم الله علينا، وقد ذكر أحد الفضلاء ممن سافر لتلك البلدان أنه في بعض الدول الفقيرة لا يجد أحدهم أمورا نعدّها من أبجديات حياتنا المدنية المتحضرة، فهناك من لا يجد حماما -أعزكم الله- لكي يغتسل، فيغتسل بثيابه أمام باب بيته، وهناك من لا يجد سقفا لبيته، وهناك من يأكل أوراق الشجر لِيَسُدَّ جوعه. إن تلك المشاهد تجعلنا أكثر استشعارا لنعم الله علينا، فلا يعرف قدر النعمة إلا من فقدها أو أوشك على فقدانها».

وبين إبراهيم الجابري أنه من خلال فكرة السفر تتبين الفوارق بقوله: «مما يزيد معرفة قيمة شكر النعمة السفر والإطلاع على أحوال الناس في كثير من البلدان فتجد من النعم ما لم تكن موجودة في بلدك وتجد في المقابل من النعم في بلدان أخرى مفقودة.

ماجد التوبي يقول: «السفر فيه تذكير عظيم لشكر النعمة عندما تجد من لا يجد لقمة يسد بها جوعه وعندما تجد من لا يجد مأوى يؤويه فتراه يفترش الرصيف، هنا ينطلق لسانك بالذكر والشكر على ما أنعم الله به عليك».

زوال النعم بعدم شكرانها

يستدل مبارك العامري على هذا الأمر من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فنجده أورد قوله تعالى في سورة النحل: «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرۡیَةࣰ كَانَتۡ ءَامِنَةࣰ مُّطۡمَئنَّةࣰ یَأۡتِیهَا رِزۡقُهَا رَغَدࣰا مِّن كُلِّ مَكَانࣲ فَكَفَرَتۡ بِأَنۡعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَ ٰ⁠قَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ وَٱلۡخَوۡفِ بِمَا كَانُوا۟ یَصۡنَعُونَ» انقلبت أحوال هذه القرية في طرفة عين، كانوا يعيشون في رغد من العيش فأصبحوا في فقر مُدقع، وأبدلهم الله بأمنهم خوفا، فماذا فعلوا حتى يغضب الله عليهم؟ لقد جحد أهلها نِعَم الله عليهم وأشركوا به ولم يشكروا له فعاقبهم بسبب كفرهم وصنيعهم الباطل.

وأورد العامري أيضا: قصة قارون التي نجد فيها هذا الأمر جليا، حيث آتاه الله من كنوز الأموال شيئا عظيما، حتى إن مفاتيح خزائنه لَيثقل حِمْلها على العدد الكثير من الأقوياء، فما ظنك بالخزائن؟ لكنه قابل نِعَم الله عليه بقوله كما جاء في محكم التنزيل في سورة القصص: «قَالَ إِنَّمَا أُوتِیتُهُ عَلَى عِلمٍ عِندِي» فكانت النتيجة «فَخَسَفنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرضَ»، وغير قارون كثيرون قديما وحديثا.

وأضاف: «لو زالت نعمة واحدة أنعمها الله علينا فسبب زوالها هو عدم قيامنا بحمد الله وشُكره عليها، وقد ذكر أهل العلم أن شكر النعمة يكون بثلاثة أمور: نسبة النعمة إلى المُنعم، قال تعالى في سورة النحل: «وَمَا بِكُم مِّن نِّعمَة فَمِنَ اللَّهِ»، والثناء على الله بما أنعم، فنحمده سبحانه ونشكره، فإن شكر النعمة قيدُها، وسببٌ لزيادتها قال تعالى في سورة إبراهيم: «وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَىِٕن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِیدَنَّكُمۡۖ وَلَىِٕن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِیدࣱ»، وأن نستعمل ما أنعم الله به علينا فيما يُرضيه ويُقربنا منه، فإن استعملناها في معصيته فقد أوشك زوالها.

ويأخذنا خالد المويتي إلى فكرة التباين في أحوال الناس ومعايشهم في المجتمع وحكمة ذلك فقال: «من المعلوم أن كل النعم هي من المنعم العظيم جل جلاله سبحانه وتعالى وقد قضت حكمته إلى تباين أحوال خلقه وما ذلك إلا ليقوم الجميع بخدمة بعضهم البعض فالغني يحنو على الفقير والقوي يساعد الضعيف وهذا هو الأصل في المجتمعات المسلمة، ومتى تعطل هذا التكافل والتساند فإن المنعم الحليم سيرفع عطاءه عن المعرضين عن أداء شكر النعم الجليلة التي بين أيديهم، وقد ضرب الله لنا مثلا بيّنا في سورة سبأ حيث قال جل جلاله: (لَقَدۡ كَانَ لِسَبَإࣲ فِی مَسۡكَنِهِمۡ ءَایَةࣱۖ جَنَّتَانِ عَن یَمِینࣲ وَشِمَالࣲۖ كُلُوا۟ مِن رِّزۡقِ رَبِّكُمۡ وَٱشۡكُرُوا۟ لَهُۥۚ بَلۡدَةࣱ طَیِّبَةࣱ وَرَبٌّ غَفُورࣱ، فَأَعۡرَضُوا۟ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِمۡ سَیۡلَ ٱلۡعَرِمِ وَبَدَّلۡنَـٰهُم بِجَنَّتَیۡهِمۡ جَنَّتَیۡنِ ذَوَاتَیۡ أُكُلٍ خَمۡطࣲ وَأَثۡلࣲ وَشَیۡءࣲ مِّن سِدۡرࣲ قَلِیلࣲ) ويظهر من خلال الآية الكريمة كيف أن الله رفع نعمه وفضله عن قوم سبأ بعد أن أعرضوا عن شكر نعمه جل شأنه.

ويبين لنا إبراهيم الجابري أن «أعظم الطرق التي تجعل الإنسان يشعر بقيمة النعمة وشكرها هو نسبة هذه النعمة إلى مسديها وهو الله عز وجل، وأنه قادر على أن يسلبها كما فعل بقارون عندما نسب ما عنده من نعم إلى نفسه فكانت النتيجة أن خسف الله به وبداره الأرض».

طرق استشعار النعم وشكرها

وأوضح العامري أن الله عز وجل جعل الناس متفاوتين فيما أنعم به عليهم، فهم متفاوتون في المال وفي العقل وفي القوة وفي كل شيء، قال تعالى في سورة الإسراء: «ٱنظُرۡ كَیۡفَ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲۚ»، ولكي نستشعر عظمة ما أنعم الله به علينا هناك توجيه نبوي ينبغي علينا أن نتأمله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم) متفقٌ عليه، والمقصود إلى من هو أسفل منا بنعمة الله عليه.

فلو استشعرنا عظمة ما أنعم الله به علينا لزِمنا الشكر الذي هو صفة الأنبياء كما قال تعالى في سورة النحل: «إِنَّ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ كَانَ أُمَّةࣰ قَانِتࣰا لِّلَّهِ حَنِیفࣰا وَلَمۡ یَكُ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ * شَاكِرࣰا لِّأَنۡعُمِهِۚ ٱجۡتَبَىٰهُ وَهَدَىٰهُ إِلَىٰ صِرَ ٰ⁠طࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ» وأيضا قوله تعالى في سورة الإسراء: «ذُرِّیَّةَ مَنۡ حَمَلۡنَا مَعَ نُوحٍۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَبۡدࣰا شَكُورࣰا»، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تتورم قدماه، وهو الذي قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ويقول: (أفلا أكون عبدا شكورا).

وبين العامري أن سلوك طريق الشاكرين يكون بأمور منها أن نتذكر قوله تعالى في سورة النمل: «هَـذَا مِن فَضلِ رَبِّي» عند كل نعمة، والتحدث بفضل الله علينا تأكيدًا لقوله تعالى في سورة الضحى: «وَأَمَّا بِنِعمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث»، وإنفاق ما زاد عن حاجتنا في سبيل الله، وإعانة الفقراء والمساكين بالتصدق عليهم.

وأورد العامري حديث شداد بن أوس حين قال له النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (يا شدَّادُ بنُ أوسٍ إذا رأيتَ النَّاسَ قد اكتنزوا الذَّهبَ والفضَّةَ؛ فاكنِز هؤلاء الكلماتِ: اللَّهمَّ إنِّي أسألُك الثَّباتَ في الأمرِ، والعزيمةَ على الرُّشدِ، وأسألُك موجِباتِ رحمتِك، وعزائمَ مغفرتِك، (وأسألُك شُكرَ نعمتِك)، وحُسنَ عبادتِك، وأسألُك قلبًا سليمًا، ولسانًا صادقًا، وأسألُك من خيرِ ما تعلَمُ، وأعوذُ بك من شرِّ ما تعلَمُ، وأستغفرُك لما تعلَمُ؛ إنَّك أنت علَّامُ الغيوبِ). وأشار المويتي إلى أن «الشكر لا يكون شقشقة باللسان وإنما لا بد من الشكر العملي والذي يتمثل في تقدير النعمة، والحفاظ عليها يكون في عدم الإسراف فيها هذا أولا، ثانيا، يتحقق الشكر على النعمة بتحسس أحوال المعدمين والمعسرين والسعي إلى إحياء مبدأ التكافل الاجتماعي ليسود في المجتمع التآخي والتآلف، ونحقق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتآلفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)؛ ولنا في رسولنا الكريم أسوة حسنة في ذلك فقد جعل للمعوزين من أهل الصفة حائطا ويهدي إليهم ما يكفيهم من الطعام والملابس».

ويرى الجابري أنّ المحافظة على الطاعات خير معين لتذكر النعم وشكرها وكذلك التقرب إلى الله بهذه النعم وخاصة نعمة المال، وكذلك المقارنة بما عندك من النعم مع من يفقدها؛ فهناك من يبحث عن الصحة ومن يبحث عن المسكن والملبس ولقمة العيش ومن يبحث عن العمل، فتجد لديك من النعم ما لا توجد لدى الآخرين.

يتقلب الإنسان في النعم التي وهبها الله له، وأول تلك النعم هي أن أوجده وخلقه في هذه الحياة من العدم، وجعل له السمع والبصر والجوارح، وسخّر له ما في السماوات والأرض، ولو أفنى الإنسان عمره في تعداد نعم الله عليه لما أحصاها؛ لأن من تلك النعم ما هو غائب عن الإدراك البشري كتصريف مقادير الأمور التي يدبرها الله لعباده، وأمر الله عباده بالتفكر في عظيم خلقه، وما سخّره من النعم لهذا الإنسان، بل وأمره بأن يتفكر في نفسه وخلقه، فقال تعالى: «وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ»، ولكن على الرغم من ذلك نجد غالبية البشر لا يشعرون بتلك النعم إلا إذا أمعنوا النظر فيها بالتفكر والتأمل، أو إذا فقدوها، فهل تعوُّد النعمة يؤدي إلى عدم الشعور بها؟ وهل هنالك تداعيات حديثة، جعلت الإنسان أكثر غفلة عن شكر تلك النعم؟ وهل معرفة أحوال البلاد والعباد يجعلنا أكثر استشعارا لما ننعم به من هبات وعطاءات من الله عز وجل؟ وكيف يكون شكران النعم؟ كل هذا نحاول مناقشته مع باحثين ودعاة لنصل إلى وعي يجلي لنا الأمور.