إشراقات

كيف لعبت التقنية دورا في تشكيله؟

26 أكتوبر 2023
تلمس الوعي لدى الجيل الجديد تجاه القضايا الكبرى للأمة الإسلامية
26 أكتوبر 2023

تمر الأمة الإسلامية في هذه المرحلة بتغيرات كبيرة محورها الصراع الدائر الآن في غزة مع الكيان الصهيوني الغاصب، بالإضافة إلى تشكيل تحالفات عالمية، وعلى الرغم من وجود معركة دائرة على الأرض، إلا أن المعركة الكبرى هي معركة الوعي التي تكون ساحتها أذهان الشعوب، وعصب تلك الشعوب هي الأجيال الشابة، ولأجل تلمس الوعي لدى الجيل الجديد تجاه القضايا الكبرى للأمة الإسلامية ومنها الدفاع عن المقدسات، وما الأدوار التي ينبغي أن يقوم بها المربون لأجل غرس هذا الوعي وتوجيهه؟ وكيف لعبت التقنية دورا في تشكيله؟ وكيف نستعرض للناشئة فكرة التضحية في سبيل المقدسات والوطن في ظل الأحداث الدائرة في غزة؟ كل هذه المحاور وغيرها تم استعراضها من خلال مجموعة من الباحثين أثروا من خلال أطروحاتهم هذا الاستطلاع.

قضية عقدية

بين خالد بن أحمد الطوقي في بداية حديثه أن شريعة الإسلام الغراء تشتمل على شعائر تعبدية تهدف مما تهدف إليه إلى بناء أمة واحدة مستسلمة للحي القيوم سبحانه وتعالى مذعنة لأوامره منتهية عن نواهيه، وحقيق إن هي التزمت بالتوجيهات الربانية وانضبطت بالتعاليم الحقة أن يورثها الله تعالى الاجتماع والتآلف والتواد الذي هو سبيل موصل إلى العزة والقوة والتمكين، ولذا فإن القضايا الكبرى التي تشغل بال المسلم هي تلك التي غرسها الإسلام الحنيف في أعماق وجدانه وصميم فكره، وإن من أبرزها الغيرة على مقدسات الإسلام والذب عن حرماته ونصرة المسلمين، والمسجد الأقصى المبارك هو أحد مقدسات الإسلام، فهو أولى القبلتين ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يستشعر واجبه المتعين تجاه هذا المكان المقدس، وإن من أولويات مسؤولياتنا المحتمة علينا توجيه الأجيال الناشئة إلى نصرة هذه القضية المصيرية الكبرى، ولن يتحقق لنا ذلك إلا بصحة المنطلق وقوة المعتقد وحسن النية قبل القيام بأي عمل، فلابد أن ننطلق في هذه القضية الخطيرة من منطلق ديني عقدي، فنغرس في أعماق وجدان الناشئة أن المسجد الأقصى المبارك مرتبط بصميم العقيدة الإسلامية، وتحريره دَين في رقابنا جميعا، إذ إننا لو حصرنا القضية بأنها قضية شعب فلسطين بمفرده أو صورناها بأنها قضية قومية تخص العرب دون غيرهم فإننا بذلك فرطنا في فرض من أوجب الفروض، وسمحنا للرهانات السياسية أن تتخطى هذه القضية بمكرها المعروف وحيلها التي لا تنتهي لإنهاء هذه القضية ونسيانها.

بناء الوعي

وأكد الطوقي أنه: «لابد أن نبني الوعي الصحيح في نفوس الناشئة للتعاطي مع هذه القضية بوضع لبنات ثابتة محكمة أرساها الوحي الإلهي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فهي ليست نظريات بشرية تقبل الشك أو الخطأ، ومن هذه المحددات الثابتة واللبنات الراسية عدم المراهنة بتحقق أمور أخبرنا ربنا سبحانه وتعالى بأنها لم ولن تتحقق على أرض الواقع، فأين من يرفع عقيرته بالسلام العادل مع اليهود والنصارى عن قول الله تعالى: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) ومن قوله تعالى: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا)، ولذا لابد علينا أن نرد الناشئة حتى يكون وعيها صحيحا وفهمها واضحا لهذه القضية المفصلية إلى وحي ربها لتعرف مع من تتعامل، فلا يغرها الابتسامات الصفراء ولا الكلمات الرنانة ولا المغازلات السياسية من عدوها المتربص بها الذي لا يرى لها أية مكانة ولا قدر بين الأمم، والذي يحيك لها المؤامرات المتواصلة في الغرف السرية ليضعفها ويقضي عليها.

ودعا خالد الطوقي إلى استعراض الطريقة التي أوضحها القرآن الكريم والسنة النبوية في التعامل مع اليهود فقال: «فهلا بصرناهم أن رب العزة والجلال قال في محكم تنزيله: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)، وفي آيات القرآن الكريم الكثير من المحددات الدقيقة والتوصيفات اللطيفة التي ينبغي لنا أن نوقف عليها الناشئة حتى يدركوا أصل القضية، وهكذا نوقفهم على أحداث السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام خاصة فيما يتعلق بتعامل الدولة الإسلامية مع اليهود في المدينة، كيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع يهود بني قينقاع ويهود بني النضير ويهود بني قريظة؟ وكيف تعامل معهم في خيبر؟ ونوقفهم أيضا على تعامل الدول الإسلامية المتعاقبة مع هذه القضية، فنعرفهم كيف فتح الخليفة العادل عمر بن الخطاب القدس؟ وكيف حررها القائد العظيم صلاح الدين من أيدي الصليبيين؟ وكيف وقف السلطان العثماني عبدالحميد الثاني دون مخططات اليهود في أرض فلسطين؟

وقال: «علينا أن نعزز في مناهجنا التعليمية السيرة النبوية العطرة وأحداث التاريخ الإسلامي خاصة فيما يتعلق بمقاومة اليهود الغاصبين والصليبيين المعتدين على الأرض المقدسة، وبالمختصر فإن الطريقة التربوية الثانية هو رجع الناشئة إلى الوحي الرباني والسيرة النبوية وأحداث التاريخ الإسلامي فيما يخص قضية المسجد الأقصى.

وبين أن: «الطريقة التربوية الثالثة هي حثهم على متابعة الأحداث الساخنة التي لا تكاد تتوقف في أرض فلسطين، فاليهود الغاصبون لا يملون من التقتيل والتنكيل وإنزال صنوف العذاب والهوان بإخواننا الفلسطينيين، فمن خلال هذه المتابعة في وسائل الإعلام المتنوعة يستشعر الجيل الجديد المسؤولية الملقاة على عاتقه اتجاه هذه القضية الكبرى، وتنقشع عنه الكثير من التفاهات والشبهات التي تحول دون إدراكه الحقيقي وفهمه السليم للأحداث الجارية في العالم، وينبغي لنا أن نكون قريبين جدا من الناشئة، فلا تضيق أنفسنا من أسئلتهم، ولا نترفع عن الدخول في حواراتهم، ولا نحتقر آمالهم وأحلامهم لإيجاد حل جذري لهذه القضية بتطهيرها من رجس الصهاينة المتغطرسين، وردها إلى حوزة المسلمين الموفين بالعهود».

الجانب الفكري

في حين ركز محمود بن علي الندابي على الجانب الفكري معتبرا إياه أنه: «من أهم العوامل المؤثرة في بناء الشخصية وتحديد سلوكها وإدارتها، ولذلك عني الإسلام ببناء الشخصية المسلمة المستقلة فكريا وعقديا وسلوكيا ومعرفيا بما يتناسب ودورها المنوط بها في عمارة الدنيا، ولذلك كان الوعي بالقضايا الكبرى للأمة الإسلامية يتطلب غرسا مستمرا ومتواصلا منذ الولادة وإلى الممات بشتى الوسائل والسبل».

وقال: «إن الأساس في تربية الأجيال وبناء الشخصية المسلمة القوية المستمسكة بأخلاقها ومبادئها وقيمها يكون بتعمير القلوب بالإيمان كون المحرك الأساس للفرد، والقلوب هي المحركة للأبدان، ولا صلاح للحال إلا بصلاحها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهى القلب».

ولذلك كانت القلوب العامرة بالإيمان هي المحرك لأصحابها في الدفاع عما تؤمن به من معتقدات وقضايا وتبذل كل ما في وسعها وطاقتها للدفاع عنها ومستعدة للتضحية بمالها ونفسها وكل مواردها ومقدراتها لأجلها، وقد امتن الله على عباده المؤمنين بهذا الإيمان المتعمق في قلوبهم وبين أن هو سبيل الرشاد (وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)، وبين الله تعالى أن الإيمان هو الرابط المتين فيما بين المؤمنين وجعلهم إخوة ووجب عليهم تجاه تلك الأخوة المحافظة عليها والقضاء على كل ما يسبب في التأثير عليها أو قطعها يقول الله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ). وذكر أنه: «لأجل ذلك كله كان من الواجب على المربين والمعلمين غرس هذا الإيمان الصادق في نفوس الناشئة لتكون مؤمنة به حق الإيمان مستوعبة أركانه ومبادئه وقيمه وقضاياه بطريقة صحيحة.

وأوضح الندابي على أنه: «من أهم الطرائق التربوية المعينة في تشكيل هذا الوعي الإيماني بالقضايا الإسلامية ربطها بشكل مباشر وواضح بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فالقرآن الكريم وسنة الحبيب المصطفى تهذب شخصية المسلم وتربيها على المحبة الصادقة والوحدة والتآلف والتراحم والتعاون والنصرة ولذلك يجب على كل المؤسسات التربوية العناية بتدريس كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والتركيز على القضايا الإيمانية الكبرى الموضحة فيهما ومن أهمها: كيفية بناء شخصية المسلم وأركانها وصفاتها، واستقلال شخصية المسلم وعلاقتها مع غيرها من المسلمين، وكيفية عمارة الأرض وارتباط ذلك بواجبات الأمة تجاه بعضها البعض، وحقوق المسلمين وواجباتهم مع بعض البعض، كيفية تعامل المسلم مع غيره من حيث الحقوق والواجبات، وكيفية تعامل المسلم مع الأحداث والقضايا المستجدة».

مؤكدا: على أن تتضمن المناهج الدراسية على مختلف مستوياتها هذه المواضيع المهمة، وكذلك أن تكون خطب الجمعة وكلمات ودروس المناسبات والاحتفالات تغرس هذا الوعي.

ويجب أن تشمل البرامج الوعظية والدروس والمحاضرات هذه القضايا الكبرى إضافة إلى الاستفادة من وسائل الإعلام المختلفة المرئية والسمعية والمكتوبة والرقمية في غرس هذا الوعي المتجذر. وينبغي أن تخاطب وسائل الإعلام بشتى الطرق والوسائل مختلف فئات المجتمع سواء بالبرامج الوثائقية أو التحليلية أو برامج الأطفال أو غيرها من البرامج بما تتناسب مع الفئة المستهدفة. وللأسرة دور كبير وأثر مهم في غرس هذا الوعي الإيماني لدى الناشئة من خلال جلسات النقاش والبرامج العلمية والقصص وغيرها من الوسائل».

التأثير الديني والعاطفي

أما د. سعيد البرواني فأشار إلى أنه: «لا بد من أن يسلك المربون طرقا مناسبة في توجيه الوعي للجيل الجديد، ولا يتأتى ذلك إلا بعد استقراء توجهاتهم الحالية ورصدها من أجل التوجيه السليم فيما بعد، ولذلك لا يمكن العلاج دون التشخيص ولا يمكن التوجيه دون معرفة الوجهة في البداية.

وبعد معرفة هذه التوجهات يمكن للمربين أن يتخذوا الحوار والمناقشة لتفنيد الوجهة الخاطئة مع الجيل الجديد وذلك بعرض الأدلة والبراهين من الطرفين حتى يصل هذان الطرفان إلى أرضية مشتركة وقاعدة متقاربة يمكن الوقوف عليها، ومنها يبدأ المربي في توجيه الوعي الكامن لدى هذا الجيل بالتأثير الديني ومن ثم التأثير العاطفي.

وأضاف: «نعم يمكن أن يكون التوجيه باستعادة المفقود من الوعي الديني ومحاولة إعادة غرسه وسقيه ليتوافق مع المعتقدات الدينية الكبرى، وذلك من خلال المنطلقات القرآنية والمنطلقات النبوية وإعادة هيكلتها لدى الجيل الجديد ومحاولة اقتلاع المنطلقات الزائفة لأن التربة الصالحة لا تصلح للنباتات السامة أبدا.

يمكن أيضا أن يكون هذا التأثير عاطفيا وذلك باستهداف العاطفة لدى الشباب ومحاولة إيقادها بالكلمة المؤثرة والبيان الجذاب، حتى يحدث الإقبال والتغيير، فللكلمة دورها ولإيصال الكلمة دور أيضا، فكم من كلمة حسنة خانها الأسلوب الفظ، وكم من معنى راقٍ شانه التشدد والتعصب».

التحليل والنقد

وذهب د.الأزهر بن زهران البراشدي إلى أن: «القضايا الكبرى للأمة الإسلامية هي نابعة من عقيدتها، وبتوجيه من شريعتها، بل هي مرتبطة أساسا بمقاصد الشريعة الإسلامية من حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال؛ لذا لا بد لأي طريقة تربوية أن تكون مستمدة من ذلك».

وأضاف: «أول الطرق الالتزام بكتاب الله وسنة نبيه، وغرس قيم التقوى في نفوس النشء، وتربيته على الأخلاق الفاضلة، وقيم المواطنة الشاملة، التي يستشعر الفرد من خلال ذلك كله صلته بنفسه وبغيره من المسلمين، فيفرح لفرحهم، ويتألم لألمهم، ويعلم أن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وإذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.

ونحن في عصر أصبح العالم مجموعا في تطبيق أو منصة، ويندر ألا يكون الإنسان على اطلاع بما يصير حوله، وما يثار في عالمه... غير أنه يجب أن تعنى طرق التربية بتمحيص الحق من الباطل، والغث من السمين، وربط قضايا الأمة بحاجات الفرد وتطلعاته، وبحاضره ومستقبله، وتمكين الناشئة من أدوات التحليل والنقد، فيكون الفرد قادرا على التمييز والمقارنة والموازنة، متسلحا لخوض المناقشات والمناظرات، وصناعة المحتوى الهادف الذي يسهم في بث الوعي وترسيخ القناعات، وتوجيه الاهتمام إلى قضايا الأمة الإسلامية.

ولا بد أيضا أن تعنى التربية بدمج الجيل الجديد في المجتمع، بحيث يكون فاعلا في أنشطته، مساهما في بنائه، من خلال الأنشطة والفعاليات المختلفة، الوطنية والعالمية وغيرها، وربطها بقضايا الأمة ومصيرها».

وقال: «من جهة أخرى يجب أولا أن يكون الموجه والمربي على دراية وفهم واطلاع على حاجات الجيل الجديد وتطلعاته، وميوله ورغباته، واهتماماته المختلفة، والوسائل التي تشكل وعيه، والمشكلات التي يعيشها، والتحديات التي يتعرض لها، حتى يكون التدخل التربوي نابعا من ذلك كله، ويكون تبعا لذلك أنجع وأكثر فائدة وأعظم أثرا».

التقنية وتشكيل الوعي

كما أوضح خالد الطوقي أن: «التقنية هي الرئة التي يتنفس بها العالم اليوم، فلا ينبغي أن نزهد في الاستفادة منها، ولا أن نغض من أثرها في تشكيل الوعي، وخاصة مع الجيل الجديد الذي فتح عينيه عليها، وبات يعتمد عليها اعتمادا كبيرا في شتى مناحي حياته، ولذا فإن كفة التفوق والتمكين ترجح اليوم لمن أحسن التعامل مع هذه التقنية بطريقة ذكية لنشر الوعي، ولننظر إلى الأحداث الجارية في غزة هذه الأيام، وكيف أن التقنية التي تمكن من التعامل معها المجاهدون الأحرار بطريقة موفقة أهلتهم لمباغتة عدوهم المتمترس كما هو معلوم عالميا بترسانة تقنية فائقة التطور، فلم تعد الأسلحة اليوم كما كانت في العهد السابق، بل إن الإعلام في العالم الافتراضي المفتوح هو الآخر يعادل قوته قوة الصواريخ والمدفعية في أرض المعركة، ورأينا كيف أن التغطيات الإعلامية والتقارير المباشرة والتسريبات الخطيرة والصور المعبرة والمقاطع الجريئة تفعل فعلها في النفوس، ولذا فهي فرصة مواتية بين أيدينا أصحاب هذه القضية المقدسة أن ننزل بثقلنا في هذا الفضاء الرحب المفتوح على مصراعيه لنبث الوعي في أجيالنا المتعاقبة وفي العالم أجمع بالخلفية التاريخية والفكرية لقضية فلسطين، وبالمآسي والآلام التي تجرعها الشعب الفلسطيني الأبي لنيل حريته واستعادة أرضه السليبة، والحق يقال إن معركة طوفان الأقصى أثبتت تفوقا تقنيا وإعلاميا منقطع النظير يشهد له هذا التعاطف الكبير والاصطفاف الشعبي من أقصى الأرض إلى أقصاها، وإن من حسن حظ هذا الجيل أن أصبح قريبا جدا من هذه القضية بحكم قدرته على الوصول إلى المعرفة من خلال هذه التقنيات التي بين يديه، والأمل يحدونا أن يكون لنا نتاجنا التقني ومنصاتنا العالمية التي تستمد أصالتها وقوتها من قيمنا الإسلامية الرفيعة».

التقنية وتوجيه الأفكار

وأكد محمود الندابي أن: «التقنية تلعب في العصر الحالي الدور الأكبر في تشكيل الوعي وتغيير المفاهيم والمبادئ والقيم وغرس الأفكار والمعتقدات وبناء المعرفة، خصوصا مع توجه الجيل الحالي إلى التقنية بمختلف وسائلها واعتمادها في الحصول على المعرفة أو المعلومة، إضافة إلى الوقت الكبير التي تقضيه في تطبيقات هذه التقنية. ولذلك سارعت الدول الكبرى للاعتناء الكبير بهذه التقنية وضخ الموازنات المالية الضخمة للاستيلاء على هذه التقنية وتوجيهها بما يتوافق مع أهدافها ورسالتها وغايتها.

تستخدم الدول والأنظمة السياسية التقنية وتطبيقاتها مع وسائل الإعلام في السيطرة على عقول المجتمعات وتوجيه أفكارها والتأثير عليها تجاه القضايا والموضوعات التي تطرحها سواء بطرحها بطريقة معينة أو تركيز الضوء عليها وتكرارها وتحشيد كل الوسائل لترسيخها في عقول المتابعين والمستهدفين، وكم من أفكار ومعتقدات ترسخت في الشعوب بسبب تأثير وسائل الإعلام والتقنية».

وأوضح أنه: «في الأحداث الجارية مثلا على غزة وحرب الكيان الصهيوني عليها فقد ذكرت بعض المواقع الإخبارية أن الكيان الصهيوني أنفق 7 ملايين دولار في الأيام الخمسة عشر على إعلانات تدعم روايته في نقل الأخبار على منصة يوتيوب مستهدفة الشعوب الأوروبية، التي صدقت في الأيام الأولى الرواية الصهيونية في نقل الأخبار وجعلت الرأي العام يقف معها مساندا، إلا أنه سرعان ما ظهر لهم كذب الرواية الصهيونية للحرب والهجمات الوحشية بسبب تأثير وسائل التقنية التي استخدمها أصحاب الحق والضمائر الحية التي رفضت هذا الإجرام في حق الشعب الفلسطيني المظلوم. إن وسائل التقنية والقنوات الإعلامية التي تعتمد على التقنية أصحبت هي المصدر الأول والأكثر انتشار في نشر المعلومة وإيصالها لكافة الشعوب العالمية، وهي المؤثر الأسرع والأكبر في تشكيل الرأي العام أو الوعي حسب أي قضية وذلك حسب الوسائل والطرائق التي تبدع فيها هذه المواقع في طرحها لتلك القضايا، ولذلك اضطرت كل الحكومات والأنظمة والمؤسسات والأحزاب والمنظمات إلى أن يكون يد في هذه التقنيات لكي تستطيع أن تحافظ على كيانها وتحقق رسالتها وغاليتها وتحافظ على مكانتها وصورتها وسمعتها».

التقنية وانتهاك الحرية

وبين د. سعيد البرواني على أنه: «لا يخفى ما للتقنية من الأثر البالغ في التوجيه الكامن لدى العقل البشري، فالكل يطلع على هذه البرامج التقنية التي تنتشر سريعا في الفضاء الرقمي، وهذا في حد ذاته يستهدف جمهورا كبيرا ما كان للناشر أن يستهدفه لولا هذه التقنية المفتوحة.

كلمة واحدة تأييدا أو رفضا تنتشر في الفضاء الرقمي انتشار النار في الهشيم، وأغلب هذه المنشورات من مشاهير، فلماذا لا يكون للاهتمام بالقضايا الكبرى للأمة الإسلامية وعي جماعي يصل إلى مختلف اللغات وإلى كل الطبقات، عن طريق تفعيل المنصات والمواقع المؤثرة وترجمة كلماتها كتابة وصوتا ودمجها مع المشاهد والصور الداعمة وتعزيزها بالصوت الإيماني الهادف، ولماذا لا يكون هذا المحتوى هو الرائج بكثرة طرقه واستعماله؟

ألا يمكن أيضا أن تكون للمسلمين برامجهم التقنية العالمية التي يمكن من خلالها توجيه الوعي العام لدى الأجيال الحديثة؟ فكثيرا ما نسمع عن انتهاك البرامج العالمية للحرية الإسلامية مع ترك الفضاء مفتوحا للأديان الأخرى، فتجد التحكم بالمحتوى هو الموجه، وهنا يغيب الوعي الديني لدى الكثير من شبابنا ويحل معه وعي مخالف تماما لما ينبغي أن يكونوا عليه».

تكوين القناعات

وقال د.الأزهر البراشدي: «تكاد تكون التقنية - دون خلاف - أبرز مشكّلات الوعي لدى الإنسان في العصر الحديث، فأغلب اطلاع الفرد على القضايا المختلفة يكون من خلال الوسائل التقنية المختلفة، وشبكات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى أن التقنية أسرع وسيلة لعرض مستجدات العصر وقضايا الإنسان، وهي موطن المنظمات والهيئات المختلفة التي تعمل على تشكيل الهُوية، وتكوين القناعات، وتغيير المجتمعات، سلبا كان أو إيجابا، والتقنية من جهة أخرى متوفرة في كل شبر من المعمورة، وقلما تجد طفلا لا يستعملها، أو لا تسهم في تشكيل وعيه. وإن نظرة سريعة لمحتوى يشاهده طفل في سنوات عمره الأولى تظهر جليا أثر التقنية ودورها في تربية الجيل الجديد وتشكيل وعيه».