No Image
إشراقات

فتاوى يجيب عنها فضيلة مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

26 مايو 2022
26 مايو 2022

السائل يقول:

ما حكم منح الطفل هاتفا ذكيا متصلا بالإنترنت وإهماله؟ وهل ينبغي على الجهات المعنية حظر بعض التطبيقات التي تروج للانحرافات الفكرية؟

الجواب:

لا ريب أن واقعنا المعاصر أنتج الكثير من الوسائل والأدوات وهذه الأدوات تحتاج إلى تفقه في كيفية استعمالها، أو ما يسمى باللغة المعاصرة ثقافة التعامل معها وأخذ خيرها واجتناب شرها، ومن المعلوم أن هذه الأدوات فيها كثير من الشر والباطل والفساد، كما أنها وسائل، فيها الكثير من الخير، والحق، والرشد، والهدى لكن المستعمل بحاجة إلى فقه، والفهم الصحيح لكيفية تعظيم منافعها، وأخذ خيراتها، واجتناب شرورها، ومضارها على نفسه وعلى أهل بيته، وإذا تعلق الأمر بالأجيال الناشئة فإن المسؤولية أعظم، والأمانة أكبر، وهذه الأمانة يشترك فيها المربون من الأولياء في البيوت، والمعلمون، وأصحاب القرار، ويشترك فيها المثقفون، والكتاب، والأدباء، خصوصًا الذين يوجهون إنتاجهم إلى الأطفال والناشئة، بحيث إن هذا الاشتراك في هذه الأمانة يمكن أن يحقق المطلوب، بأن يرث النشء وعيًا صحيحًا وثقافةً راشدةً في كيفية التعامل مع هذه الوسائل بما فيها من تطبيقات، وبرامج، ووسائل التسلية والترفيه، وبما فيها من منتجات ثقافية ومعرفية وعلمية، وأولى ما يُعتنى به ما يتعلق بجانب العقيدة سواء كان ذلك بحفظ هذه العقيدة، وصيانتها من الشبهات والأباطيل، أو كان بتعظيم كل ما يتعلق بأمر العقيدة، وبثها ونشرها ودعوة الآخرين إلى التعرف عليها، ثم ما يتعلق بتعظيم أحكام الدين، وعدم التهاون فيها وحفظ حدودها، ويلي ذلك الأخلاق والقيم، هذه الثوابت لا بد أن تلتقي عليها جهود الكل، وأن يولوها عنايتهم بالفرز والفحص والتدقيق، بل وبإنتاج ما يمكن أن يحقق مقاصدها بحيث لا نقتصر على أن نكون مستهلكين لما يرد إلينا من غيرنا بل الواجب أن ننتج، فإن لم يتأت لدولة واحدة، فما أجمل أن تجتمع الدول الإسلامية أو العربية لإنتاج تطبيقات وبرامج ووسائل، حتى فيما يتعلق بالألعاب المباحة ووسائل الترفيه المباحة أن تجتمع جهود المبدعين والتقنيين والفنيين والمصممين، ومن يكتبون المضامين أو يعدون هذه التطبيقات والوسائل ويخرجون للأجيال المسلمة بما يحفظ لهم هويتهم، ويعزز لهم عقيدتهم، ويصون لهم أخلاقهم، وبما يجعل منهم عناصر فاعلة بناءة في الالتزام في أنفسهم، وفي دعوة الآخرين بإعطاء النموذج للشباب الصالح الداعي إلى الهدى والرشد، النابذ لكل أنواع المجون والسفاسف من الأمور، والنابذ لكل أنواع الغلو والتطرف السائر على الهدي والاعتدال والتوسط والقصد في الأمور كلها، ومن أجل ذلك فإن ما هو متاح الآن في هذا العالم المفتوح، في هذه الوسائل والتقنيات لا يصلح كله لكي يكون متاحًا للناس جميعًا؛ لأن بعض هذه البرامج والتطبيقات يكاد ينعدم الخير فيها، هي مبنية أصلا على نشر الرذائل والمجون، وعلى الفسق وانحطاط الأخلاق، فمثل هذه على أصحاب القرار في البلاد الإسلامية أن تحجب وتمنع؛ إذ لا خير فيها أبدًا، ولا منفعة منها أصلًا، والشواهد على عظيم أضرارها على البلدان التي فُتحت فيها لا حصر لها، فلماذا تفتح مع أن البدائل الأخرى كثيرة، وهذه البدائل لا يعني أن تقبل على علاتها، بل لا بد أن يكون فيها من التقييد والضوابط كالتعرف على هُوية المستعمل مثلا، بحيث لا يستعمل برنامجًا أو تطبيقًا معينًا إلا بإدخال بياناته، وهذا ما يفعلونه في البلدان المتقدمة، بحيث لا يسمحون لكثير من البرامج والمواقع سواء تعلقت بما يمكن أن يكون فيه شيء من العنف أو من الجنس، أو شيء من الحرية المبالغ فيها فإنهم لا يسمحون إلا بإدخال البيانات الشخصية بحيث يكون هناك حاجز يمنع البعض من الولوج؛ لأن المراقب الحاضر أشد أثرا من الرقيب الغائب، فإن كانوا لا يخشون الله تبارك وتعالى، فلا أقل من وجود مثل هذه الحواجز، وتقدم أن بعض التطبيقات والبرامج، الواجب أن تمنع، وهناك بلدان ودول لا تمت إلى أي دين سماوي بصلة، ولا تحكمها المنظومة الأخلاقية التي تحكم بلاد المسلمين وهويتهم، ولكنهم مع ذلك منعوا الكثير من هذه البرامج لما رأوه من عظيم ضررها على الشباب، ومن إفسادها لهم ولطموحاتهم ولتحولهم إلى غثاء لا نفع من ورائه، وهم لا يريدون لشبابهم أن يكونوا كذلك فكيف نرضى نحن هذه الأمة ذات هذا الدين الحنيف السمح، وهذا التاريخ العريق، والحضارة الشامخة، نقبل مثل هذا الغثاء ونسمح به لأجيالنا، فالمسؤولية عظيمة ولا بد من تضافر الجهود.

وغير صحيح أن هذه الوسائل والتطبيقات هي بيد المستعمل، فقد رأينا أيضًا أن البرامج والمواقع هي التي تتحكم، وهي التي تبسط هيمنتها فيما يوافقها فتسمح به، وفي ما يخالفها، ولو كان حقًا ونصرًا لمظلومين وقضايا عادلة، إلا أنه إن كان مخالفا لتوجهاتهم فإنهم يحجبونه، ويضيقون على أصحابه، فكيف لا نتعامل نحن فيما نستعمله ونحتاج إليه بما يتناسب مع أخلاقنا وديننا وهويتنا.

السائل يقول:

ما صحة هذا الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلـم- قال: «تعرض الأعمال في كل اثنين وخميس، فيغفر الله لكل امرئ لا يشرك بالله شيئا، إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: «اتركوا هذين حتى يصطلحا».

الجواب:

هذا الحديث ورد عند الإمام مسلم، وإن كان اللفظ فيه شيء من الاختلاف عما ورد في السؤال، ففي رواية الإمام مسلم من طريق أبي هريرة مرفوعًا قال: «تعرض الأعمال كل يوم خميس واثنين فيغفر الله لكل من آمن به لا يشرك به شيئا إلا امرأ بينه وبين غيره شحناء فيقول، اتركوا هذين حتى يصطلحا». وتلقاه العلماء بالقبول؛ لأن الإمام مسلم بوبه في باب النهي عن الشحناء والتهاجر، ما الذي يدل عليه هذا الحديث، وما أشبهه من أحاديث، فهو يدل على أن كبائر الذنوب تمنع قبول المغفرة، وقد ذهب إلى هذا القول كثير من حذاق شارحي الحديث منهم الإمام النووي، والقرطبي، وطائفة من المحدثين، وعدد من شراح هذا الحديث ذهبوا إلى هذا الرأي؛ لأنهم قالوا لا خصوصية للشحناء والتهاجر رغم عظم أثرها إلا أنه لا دليل يستثنيها من سائر الكبائر والموبقات، واختلفت عبارتهم فمنهم من يقول: إنها سبب في وقف المغفرة لا لإبطالها، ومنهم من يقول إنها سبب لحجب المغفرة، والخلاف لفظي أي وقف ريثما يتوبون إلى الله تبارك وتعالى، أو حجب للمغفرة أيضًا لا يمكن أن يتصور من يقول إن المغفرة لا تقبل إلا بالتوبة منها بدليل هذا الحديث، وما أشبهه من أحاديث، فإنهم إن تابوا من ذلك فإنهم لا يغفر لهم، إذن فتوجيه الحديث صحيح مقبول.

يبقى معنى العرض، هذه الأحاديث وما أشبهها التي فيها عرض الأعمال أو رفع الأعمال، وفرقوا بين الرفع والعرض، فالرفع هو الجمع، ثم العرض أي على سبيل التفصيل؛ لأنه ورد بأنه يرفع عمل الليل قبل عمل النهار، وربنا تبارك وتعالى يقول: «مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ»، وقال تعالى: «بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ» وقال تعالى: «لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ» مثل هذه الصيغ الواردة في الأحاديث إنما يراد بها تعظيم الموضوع، أما في باب الندب كما ورد في بعض الروايات فيما يتعلق بصوم الاثنين والخميس وصوم الاثنين أصح من رواية صوم الخميس، ولكن الصحيح أن هذه الرواية أيضًا صحيحة، فهذه الرواية تتفق مع صدر رواية «تعرض الرواية كل إثنين وخميس فأحب أن يرفع لي فيها عمل صالح» رغم الخلاف كما تقدم في ما يتعلق بالخميس، لكن الأظهر أن مجموع هذه الروايات يشهد بندبية صوم يوم الخميس، وموضع الشاهد هنا، أن ذكر الرفع والعرض للأعمال في أيام مخصوصة يراد به إما الحث أوالندب على ما ذكر في مثل هذه الروايات من أعمال، فقد ورد الصوم، وورد الاستغفار، أو الإغلاظ في التحذير مما ورد النهي عنه، أو مما ورد استثناؤه في هذا الحديث من الشحناء والتهاجر فهذا هو المقصود بمثل هذه الروايات ويقصد من ذلك الصحيح منها، والله تعالى أعلم.

السائل يقول:

كيف نتصدق عن أمواتنا، البعض يقرأ الفاتحة ثم يدعو لأمواته وأموات المسلمين بالرحمة، وهو ممسك بالصدقة في يده، وهل تكون النية بتحريك اللسان دون إصدار صوت؟

الجواب:

الصدقة عن الميت على الصحيح جائزة، فالتصدق عنه هذا وجه من وجوه البر التي يمكن أن يصل ثوابها إلى الميت، كما هو الحال في الدعاء، سواء كانت هذه الصدقة منقطعة أو جارية، هذا ما عليه جماهير أهل العلم وتشهد له جملة أدلة من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلـم- ليس هذا محل بسطها لأن السؤال عن كيفية أداء هذه الصدقة.

وليس هناك حاجة لأن يقوم بهذا الفعل الذي ذكره السائل وهو أن يمسك الصدقة بيده ويقرأ الفاتحة، ولكن لا بأس أن يصحب ذلك بدعاء بعض الفقهاء يذكر لطيفة فيمن أراد أن يدعو لميت فحبذا أن يقدم بين يديه عملا صالحًا، كأن يقرأ القرآن على سبيل المثال، ولذلك التبس على البعض فيما يتعلق بجواز قراءة القرآن عن الميت، والحقيقة أن لها وجهين، فمنهم من يقول إن المقصود أن يقرأ القرآن يقصد بذلك أن يقدم العمل الصالح ثم يدعو بعد قراءة القرآن كتمهيد لدعائه، بأن يقدم بين يدي الله تبارك وتعالى عملا صالحا، ومنهم من يقصد -وهذا قول الحنابلة وقول كثير من الفقهاء- أن أجر القراءة أن ينوي به إلى فلان، والحاصل على القولين حتى نفهم ما الذي يتحدث عنه الفقهاء في هذه المسألة، فهناك من يمنع فيما يتعلق بقراءة القرآن، ولكن البعض يخلط بين الصورتين، بين من يبدأ بعمل صالح ليكون دعاؤه أقرب إلى الاستجابة بتقديم شيء من العمل الصالح فإن مضنة إجابة دعائه أقرب، ثم يدعو من بعد للميت، فالعمل المقصود هنا الدعاء، وليس ذات قراءة القرآن، وهذا لا خلاف فيه سواء أراد أن يصلي أو أن يصوم، فهذه عبادة يتقرب بها إلى الله تعالى، ثم بعد فراغه من عبادته تلك فإنه يدعو لميته الذي يريد، ولكن الخلاف فيما يتعلق بصنوف أعمال هي في ذاتها يقصد أن يكون ثوابها للميت، وهذه كما تقدم بسطها في جواب سابق.

ولكن الصدقة أن ينوي ذلك عن ميته الذي يقصده، ويدفع ذلك إلى الفقير أو المسكين أو يدفع ذلك إلى الجهة التي يتصدق لها، والله تعالى أعلم.