No Image
إشراقات

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

05 أكتوبر 2023
05 أكتوبر 2023

هل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلـم أن الرعد ملك من الملائكة؟

لم يثبت عن رسول الله صـلى الله عليه وسلم في أن الرعد ملك من الملائكة إنما هذا من الإسرائيليات التي سرت إلى تراث المسلمين، واستغل بعض ضعاف النفوس هذه الأقوال التي بيّن أهل العلم أنها منكرة وأنها من الإسرائيليات استغلها أولئك للطعن في الإسلام، مع أن أهل العلم قديما وحديثا بينوا أن شيئََا من ذلك لا يصح، وأن الرعد إنما هو خلق من خلق الله تبارك وتعالى له نواميسه وسننه وقوانينه ولكن ما هو إلا فعل في ملكوت الله تبارك وتعالى، أن يوكل ملك بالمطر أو أن يوكل أملاك بشيء من هذه الظواهر فهذه قضية أخرى، لكن أن يكون الرعد ملكا كما ورد في السؤال وكما انتشر في بعض الإسرائيليات فهذا غير صحيح.

وكما يقول بعض من لهم نظر عميق في الخرافات والأساطير أنها سرت إلى أهل الملل الأخرى ومنها سرت هذه الإسرائيليات إلى تراث المسلمين أخذا عمن يقول بتعدد الآلهة وهذا ما أتى الإسلام لنفيه ومعارضته وهدمه من النفوس وتحرير العقول منه.

وما دفع بعض المناظرين الذين يناظرون في الاحتجاج لوجود الإله الواحد للرد على من يزعم أن كل الظواهر الغريبة التي ليس لها تفسير علمي يُضفى عليها شيء من هذه الخرافات المتعلقة بتعدد الآلهة أو ما يعرف بإله الفراغات، لكن الواضح الذي لا مرية فيه أن علماء المسلمين بينوا بطلان هذه الدعاوى وأن ما نقلوه هو أبعد ما يكون عما يعرف بإله الفراغات أو عن تفسير الظواهر التي لا يعرفونها تفسيرا إيمانيا بعيدا عن العلم متقاطعا معه.

والإسلام يدعوا إلى سبر أغوار هذا الكون واكتشاف قوانينه ونواميسه وما كان شأن علماء المسلمين في تبيّنهم لهذه الأسرار واكتشافهم لقوانين هذه الحياة إلا ليقينهم أن الله تبارك وتعالى هو الذي قنن قوانينها، فمن إيمانهم انطلقوا إلى إرساء منهج علمي يمكّنهم من النظر والاستدلال والفحص واختراع ما يحتاجون إليه من الأدوات والوسائل التي تمكنهم من اكتشاف حركة الأجرام السماوية والأسرار التي أودعها الله تبارك وتعالى في الكون من حولهم وفي أنفسهم، فالقرآن الكريم يدعوهم إلى ذلك ويطالبهم به لأن في اكتشافهم لهذه النواميس والقوانين تعظيما لله تبارك وتعالى، وإفراده بما يليق به من صفات الجمال والجلال جل وعلا.

لماذا قال الله عز وجل في سورة الحديد «وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ»؟

هذه المسألة فيها كلام كثير لأهل التفسير، لكن ملخص ما يمكن أن يكون فيه مقنع هو أن صيغة الإنزال تستعمل في القرآن الكريم فيما له شأن عظيم مما يهم الناس، وبه قوام حياتهم وأمرهم نحن إذا تتبعنا ما في كتاب الله عز وجل سنجد أن الإنزال اقترن بإنزال الكتب والذكر والنور، كما ورد أيضا في إنزال الماء من السماء، في هذه الآية من سورة الحديد «لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ» ونجد أن الله تبارك وتعالى يقول: «وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ» ويقول: «يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ» إذن في غير ما يتعلق بوحي الله تبارك وتعالى وإنزال الكتب وإنزال الوحي والنور والذكر وفي غير إنزال المطر لأنه ينزل من علو فاستعمال الإنزال ورد في القرآن الكريم في الحديد وورد في الأنعام وورد في اللباس، والمعنى هو استعارة معنى الإنزال للدلالة على الخلق لما تشتد إليه حاجة الناس ولما ألهم الله عز وجل عباده كيف يسخرون هذه النعم هذا هو الجامع الرابط فذهاب البعض إلى ما يتعلق بأن إنزال الحديد لأن الحديد عنصر أجنبي عن الأرض، قد يكون هذا صحيحا لكن ليس هو الباعث في استعمال هذا اللفظ، فباطن الأرض على سبيل المثال مليء بالحديد المنصهر، وهذا العنصر إن كان غريبا عن هذه الأرض فإن الفتق الذي كان للسماوات والأرض بعد أن كانتا رتقا أيضا أتى إلى هذه الأرض بمواد من هذا الكون الشاسع، ولا يمكن أيضا أن نؤول الأنعام على مثل هذا المعنى، ولا اللباس على مثل هذا المعنى مع وجود من قال بمثل هذا القول، وهذه الأقوال توجد في الأثر وحتى عند العلماء المعاصرين، لكن تتبع الاستعمال القرآني لمعنى الإنزال يؤدي بنا إلى ما قاله كثير من حذاق المفسرين، إن الإنزال مستعمل للدلالة على الخلق لكن الاستعمال القرآني توجه إلى أن يكون هذا الإنزال مما تشتد إليه الحاجة مما ألهم الله عز وجل العباد امتنانا منه وفضلا جل وعلا لكيفية الانتفاع والاستفادة مما سخر لهم، فاللباس مما تشتد إليه حاجة بني آدم جميعا، والأنعام كذلك والحديد كذلك، وماء المطر كذلك، ولذلك نجد أن الله تبارك وتعالى يمتن على عباده أن هذا من عنده، فهو الذي أوجده وأنزله عليهم وخلقه لهم، هذا هو المقصود ولا حاجة من التكلف، فقد نص على هذا عدد من أهل العلم فيما يتعلق بمعنى الإنزال بأنه مستعار في الدلالة على الخلق لكنه خلق لما هو عظيم الأثر في حياة الناس وتشتد حاجته إليهم وبه قوام أمرهم والله تعالى أعلم.

المزكي الذي يعزل زكاة ماله ثم يقسمها على الفقراء طوال العام حتى يسد حاجتهم بدلا من أن يدفعها لهم دفعة واحدة هل يصح هذا الفعل؟

الأصل أن على المزكي أن يؤدي هذا الحق الواجب عليه في ماله للمستحقين، لأن هذا الحق هو للمستحقين للزكاة من الفقراء والمساكين والأصناف المعروفة المستحقة للزكاة، فلا ينبغي حبسه عنهم، ومن أجل ذلك فإن على المزكي أن يدفع حقوق الفقراء والمساكين دون تعطيل أو تأخير، وفي هذا إبراء لذمته لأنه مأمور بإخراج الزكاة وأدائها للمستحقين، وفي هذا تمكين لهؤلاء المستحقين من أن ينتفعوا بهذه الأموال انتفاعا مناسبا، فقد يتمكن بعضهم من أن يوظف هذه الأموال في ما يعود عليه بعائد يرفعه من حد استحقاق الزكاة إلى أن يكون في كفاف، وقد يحسن تدبير هذه الأموال التي تعطى له فينتفع بها بوجوه أحسن مما لو قسطت له وأعطيت له نجوما، وقد يكون في حاجة ماسة هي أشد مما يتصوره المزكي لكنه متعفف فلا يظن إلا بأنه محتاج بقدر يسير لكنه في حاجة شديدة، فمن أجل هذه الحِكَم وغيرها لا ينبغي تأخير أداء الزكاة وتعطيلها عن مستحقيها.

لكن إن وجدت حكمة كأن تكون هنالك لجنة أو جمعية مختصة بالزكاة وهناك أموال كثيرة ترد إليهم واحتياج الفقراء والمساكين لا ينقطع، وهناك مواسم تشتد فيها الحاجة في حين أن المزكين يدفعون أموالهم مرة واحدة في الحول، ونظرا لنظام الحياة المعاصرة فإن طائفة كثيرة من الناس يتفق إخراجهم في وقت واحد أو في شهر واحد، ففي هذه الحالة إن رأوا من الحكم والمصالح ما يدعوهم إلى دفع هذه الزكوات نجوما أقساطا للمستحقين فلا بند من مراعاة الحكم المتقدمة من نحو أن يكون الفقير أو المسكين قادرا على الانتفاع بهذه الأموال في إنشاء مشروع أو في تكوين رأس مال لعمل يدر له مصدر دخل يغنيه عن الزكاة، أو أن تكون حاجته شديدة ولا ينفع أن يقسط له المال، كذلك فيما يتعلق بالاحتياط بعزل هذه الأموال والتأكيد على أنها زكوات، ومنع التعدي عليها أو الإهمال أو التقصير، وهناك احتياطات كثيرة، ولذلك لا ينصح بمثل هذا الفعل إلا إذا قويت الأسباب الداعية إلى هذا التقسيط، والأصل أن تبين هذه الأسباب والدواعي استقلالا ثم ينظر في الموضوع.

نعم إذا كانت هناك أموال للمزكي فزكاة أنعامه على سبيل المثال في وقت وزكاة ثماره في وقت، وزكاة أمواله النقدية في وقت آخر، فهذا بتدبير إلهي يخرج الزكاة بصنوفها في أوقات مختلفة، فهذا خارج البحث، لكن فيما يتعلق بزكاة الجنس الواحد من المال وقت إخراج زكاته فالأصل هو ما تقدم، ولا ينبغي العدول عن هذا الأصل إلا بسبب شرعي معتبر والله تعالى أعلم.